الاستعانة بالأولياء ليس شركا
  • عنوان المقال: الاستعانة بالأولياء ليس شركا
  • الکاتب: حسين عبدعلي شهيد
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 0:42:59 4-9-1403

قال الله تعالى: (وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلَا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا) النساء:36. فرض علينا عبادته بالاخلاص له دون شريك وذكّرنا كيفية الاخلاص بقوله:(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) الفاتحة:5. ونبهنا بالاستعانة منه ىون غيره لكن جعل لها وسيلة وقال:(وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الخَاشِعِينَ) البقرة:45 وقال هي وسيلة للجهاد والفلاح:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) البقرة:35 ، ولو كان ذلك شركا لمّا يأمر به بل جعل ابْتَغُاءَ الوَسِيلَةَ إِلَيهِ سبيلَ الفلاح وبيّن الوسيلة انها ليست فقط الصلاة والصبر بل ارشدنا الى ان الانبياء والاولياء مأذونون من قبله ان يكونوا وسيلة للشفاعة والاستغفار للاخرين حيث استحسن قول ابناء يعقوب النبي:(قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ) يوسف:97ـ 98.

وقال تعالى:(وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا * قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلَاً) الإسراء:56. فالمزعومون من قبل الناس لم يوذن لهم بكشف الضر وغيره ولكن من اتخذ الذين فضلهم الله واذن لهم بذلك حيث يقول: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا) الاسراء:57 لانه تعالى امرنا بالاتيان الى رسول الله ليتوسط لنا عند الله ويطلب لنا العفو والمغفرة منه سبحانه فقال:(..وَلَو أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَاسْتَغْفَروا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ..).(النساء:64)

بالنتيجة طلب الحاجة من غير الله مع الاعتقاد بأنّ المسؤول لا يملك شيئاً من شؤون المقام الإلهي، وأنّه عبد من عبيده ولم يفوِّض إليه شيئاً، ولو قام بفعل شيء ما فإنّما يقوم به بإذن الله، فلا يُعدُّ ذلك شركاً.

 

الدعوة لغير الله تعالى في القرآن

انّ القرآن الكريم نهى ـ في موارد متعدّدة ـ عن دعوة غير الله سبحانه، واعتبر أنّ تلك الدعوة عبادة وكأنّه قد اقترنت الدعوة بالعبادة، وإليك الآيات المتضمّنة، بل المصرّحة بذلك: (وَان الْمَساجِدَ للهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَداً).(الجن:18) (لَهُ دَعْوَةُ الحَقّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجيبُونَ لَهُمْ بِشَيْء..).(الرعد:14) (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ).(الأعراف: 197)

 

استنتاج الوهابية

لقد استنتج الوهابية من هذه الآيات مساوقة دعوة الصالحين والأولياء مع عبادتهم، فلو وقف شخص إلى جنب قبر النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)أو في مكان بعيد وقال متوسّلاً:يا محمد،فنداؤه ودعوته بنفسها عبادة للمدعو.

وبإمعان النظر في الآية المباركة نجد أنّه قد جاء في صدرها لفظ (ادْعُوني) وفي ذيلها استعمل لفظ (عبادَتي)، وهذا شاهد جليٌّ على أنّ المقصود من هذه الدعوة هو دعوة واستغاثة خاصة في مقابل موجودات يعتقد أنّها تمتلك صفات الإله.

قال الإمام السجاد(عليه السلام)في دعائه:«فسمّيت دعاءك عبادة و تركه استكباراً و توعّدت على تركه دخول جهنم داخرين».(الصحيفة السجادية، دعاء 45)والمقصود الآية:60 من سورة غافر.

وربّما وردت في إحدى الآيتين ذاتي المضمون الواحد لفظة الدعوة، ووردت في الآية الأُخرى لفظة الدعاء، مثل قوله تعالى: (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً..).( المائدة:76) ، وفي آية أُخرى يقول سبحانه: (قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا..).( الأنعام:71) فقد استعمل في هذه الآية لفظ (تَدْعُونَ) وفي نفس الوقت استعمل لفظ (تَعْبُدُونَ)، في آية أُخرى تحمل نفس المضمون وهي قوله تعالى:(..إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً..).( العنكبوت:17) وقد ترد كلتا اللفظتين في آية واحدة وتستعملان في معنى واحد كما في قوله سبحانه:(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ..)( الأنعام:56).

(وبهذا المضمون وردت الآية 66 من سورة غافر) وهذا بنفسه شاهد على أنّ المقصود من الدعوة في هذه الآيات هو العبادة والخضوع، وليس مطلق النداء.

هذا والقارئ الكريم إذا درس مجموع الآيات التي ورد فيها لفظ الدعوة وأُريد منه القسم الملازم للعبادة لرأى أنّ الآيات إمّا وردت حول خالق الكون الذي يعترف جميع الموحّدين بإلوهيته وربوبيته ومالكيته؛ أو وردت في شأن الأوثان التي كان عبدتُها يتصوّرون أنّها آلهة صغيرة ومالكة لمقام الشفاعة، وفي هذه الحالة فإنّ الاستدلال بهذه الآيات في مورد بحثنا الذي يكون فيه دعاء أولياء اللّه والاستغاثة بهم مجرداً عن الاعتقاد بأنّهم يملكون إحدى تلك الصفات الإلهية يكون من أغرب أنواع الاستدلال ومن أعجب العجاب؛ ثمّ إنّ الاطّلاع على معتقدات الوثنيّين في عصر الرسالة يزيح الستار عن تلك الحقيقة.

فالحمدلله الذي مَنَّ علينا بمن اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ليكونوا لنا خير وسيلة في التقرب اليه .