ساد المجلس سكون رهيب، فقد غضب الملك وانزعج من كلام العباسي... وأطرق العباسي وسائر علماء السنة... وصمت الوزير.. وبقي العلوي رافعاً رأسه ينظر في وجه الملك، ليرى النتيجة؟.
مرّت لحظات صعبة على العباسي، تمنّى فيها ان تنشق الأرض تحته فيغيب فيها، أو يأتيه ملك الموت فيقبض روحه فوراً، من شدّة الخجل وحَرج الموقف، فلقد ظهر بطلاب مذهبه، ولقد ظهرت خرافة عقيدته أمام الملك ووزيره وسائر العلماء والأركان.. ولكن: ماذا يصنع؟ لقد احضره الملك للسؤال والجواب، ولتمييز الحق من الباطل، ولهذا استجمع قواه ورفع رأسه وقال:
وكيف تقول ايها العلوي ان عثمان لم يكن مؤمناً في قلبه، وقد زوجه الرسول ببنتيه رقية وام كلثوم؟
قال العلوي: الأدلة في عدم ايمانه كثيرة ويكفي في ذلك: ان المسلمين -وفيهم الصحابة- اجتمعوا عليه فقتلوه، وانتم تروون ان النبي قال: (لاتجتمع أمتي على خطأ) فهل يجتمع المسلمون- وفيهم الصحابة- على قتل مؤمن؟
ولقد كانت عائشة تُشبّهه باليهود وتأمر بقتله وتقول: أُقتلوا نعثلاً- اسم رجل يهودي- فقد كفر، اقتلوا نعثلاً قتله الله، بُعداً لنعثل وسحقا.
وقد ضرب عثمان عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل حتى أُصيب بالفتق وصار طريح الفراش ومات.
وقد سفّر أباذر الغفاري، ذلك الصحابي الجليل الذي قال فيه الرسول: (ماأظلّت الخضراء ولاأقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر)، ونفاه وأبعده من المدينة المنورة الى الشام مرة أو مرتين ثم الى الربذة- وهي أرض جرداء بين مكة والمدينة- حتى مات أوب ذر في الربذة جوعاً وعطشا- في الوقت الذي كان عثمان يتقلّب في بيت مال المسلمين ويوزّع الأموال على أقاربه من الأمويين والمروانيين-!.
قال الملك للوزير: وهل يصدق العلوي في كلامه هذا؟
قال الوزير: ذكر ذلك المؤرّخون!
قال الملك: فكيف اتّخذه المسلمون خليفة؟
قال الوزير: بالشورى.
قال العلوي: مهلاً أيها الوزير، لاتقل ماليس بصحيح!
قال الملك: ماذا تقول أيها العلوي؟
قال العلوي: ان الوزير أخطأ في كلامه، ان عثمان لم يأت الى الحكم إلا بوصية من عمر وانتخاب ثلاثة من المنافقين فقط وفقط وهم: طلحة وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف، فهل هؤلاء المنافقين الثلاثة يمثّلون المسلمين جميعاً؟
ثم ان التواريخ تذكر ان هؤلاء المنتخبين عدلوا عن عثمان عندما رأوا طغيانه وهتكه لأصحاب رسول الله ومشورته في أمور المسلمين مع كعب الأحبار اليهودي وتوزيعه أموال المسلمين بين بني مروان، فبدأ هؤلاء الثلاثة بتحريض الناس على قتل عثمان!
قال الملك- موجّهاً الخطاب الى الوزير-: هل صحيح كلام العلوي؟
قال الوزير: نعم، كذا يذكر المؤرخون!
قال الملك: فكيف قلت انه جاء إلى الخلافة بالشورى؟
قال الوزير: كنت أقصد شورى هؤلاء الثلاثة!
قال الملك: وهل إختيار ثلاثة أشخاص يصحح الشورى!
قال الوزير: ان هؤلاء الثلاثة شهد لهم رسول الله(ص) بالجنة؟!