ومما يسأله البعض أيضاً انه لماذا لا يستجاب الدعاء؟
والجواب: لماذا لا ينفع الدواء؟
وهذا جواب نقضي حسب الاصطلاح، والحلي: إن الله سبحانه جعل للأمراض الدواء، وجعل لبعض الأمراض والمقاصد الدعاء، وكل واحد منهما في الجملة، لا على نحو الكلية، إذ الأمر دائر بين الثلاث:
الأول: عدم الجعل مطلقا.
والثاني: الجعل مطلقا.
والثالث: الجعل في الجملة.
فالأول لا صحة له، لأنه نقص في الخلقة، فكل شيء قابل للخلقة وليس فيه محذور وجب أن يخلق، لأنه مقتضى الفياضية المطلقة منه سبحانه.
والثاني: لا صحة له، وإلا لزم خلاف الحكمة، إذ بذلك تتغير الدنيا عن كونها دنيا هكذا، بل تكون جنة، والمفروض أن الدنيا بهذه الكيفية نوع من الخلقة التي تتطلب الخلق بلسان الواقع، والفياض يخلق كل شيء فيه الحكمة بأن لم يكن فيه محذور.
فيبقى الثالث.
فلا يقال: ما أكثر ما يشفي الدواء؟
لأنه يقال: وما أكثر ما استجيب الدعاء، فإن أحدنا يذكر انه دعا للدين، والفقر، والمرض، والولد، والعدو، وألف شيء وشيء واستجيب، نعم لا يستجاب الكل.
كما استعمل الدواء لعشرات الأمراض وشوفي، نعم ليس كل مرض يعالج بالدواء، وإلا لم يكن هناك مرض وموت وهرم وعقم ونقص خلقة وغيرها.
فالدعاء من الأسباب الكونية المعنوية، كالدواء، لا يصيب كله ولا يخيب كله، كسائر الأسباب والمسببات التي ليست علة تامة، وإنما لها شرائط وموانع ومعدات وقواطع، إلى غير ذلك.
فقوله سبحانه: (ادعوني استجب لكم)(1) من باب المقتضي لا من باب العلة التامة.
________________________
(1) سورة غافر: 60.