لماذا الحديث عن الشّيعة والسّنة ؟
  • عنوان المقال: لماذا الحديث عن الشّيعة والسّنة ؟
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 20:16:11 1-9-1403

الحديث عن الشّيعة والسّنة هو حديث عن الإسلام في محرقة التاريخ ، فالذين لم يفهموا الشّيعة وأغلقوا نوافذ الجهل على أنفسهم وأجيالهم واكتفوا بمذاهبهم ، لا يمكنهم إدراك قيمة الحسم الاعتقادي , وإنّ التغيّب والتجهيل المستمرين ، هما اللذان يولّدان الفرقة , والوحدة لا يمكنها أنْ تأتي من دون فهم وإدراك للآخر .
إنّ المسلك المذهبي الذي سيطر على وعي الاُمّة ، هو الذي سلبها قابلية التوحّد والتعايش , وهو مسلك نرفضه إطلاقاً ، وكنت أظنّ أنّ الشّيعة هُم أيضاً يحجبون عامّتهم عن أفكار واعتقادات أهل السّنّّة والجماعة ، ولكنني وجدت عكس ما كنت أتصوّر .
وفي مكتبات الشّيعة وحوزاتهم كتب لأهل السّنّّة والجماعة ومراجعهم وكتب استدلالاتهم ، بل حتّى تلك الكتابات الدعائية السّخيفة والتشهيرية الوهابيّة في متناول أصغر طالب في حوزاتهم ، ولكنني لم أعرف مؤسسة سنّية احتوت على كتاب من كتب الشّيعة ، وهذا مسلك غير متكافئ في التعاطي مع المذاهب الاُخرى .
والصورة التي نقلها الشّيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء النّجفي في ( أصل الشّيعة واُصولها) عن التشهيرات الغبيّة ضد الشّيعة ليست باطلة . فأنا السّنّي المنشأ ، لم أكن أجد في بيئتنا ما يعرّف بالشّيعة تعريفاً حقيقاً ، وكلّ مذهب من مذاهب الدنيا نستطيع الإحاطة به في بيئتنا , سوى الشّيعة فإنّ حصار الوهابيّة عليهم أقوى من جدار برلين .
نعم ، قد كنّا نعلم أنّ الشّيعة أصحاب طريقة غريبة عن كلّ البشر ، وأنّ أشكالهم ربما لها أيضاً بعض الخصوصيات ، وأن يكون تصوّر النّاس للشيعة على أنّهم أصحاب أذناب البقر ، كما أشار آل كاشف الغطاء ليس مبالغة منه ، وحال الاُمّة كذلك ، لقد تعجّب الشّامي وهو يسمع إنّ عليّ (عليه السّلام) قُتل في المحراب ، فقال : أو عليّ يصلي ؟!
وقد ذكر صاحب العقد الفريد في باب كتاب الياقوتة في العلم والأدب : قال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ : أخبرني رجل من رؤساء التجار قال : كان معنا في السّفينة شيخ شرس الأخلاق طويل الاطراق ، وكان إذا ذكر له الشّيعة , غضب وأربد وجهه وروى من حاجبيه ، فقلت له يوماً : يرحمك الله ، ما الذي تكرهه من الشّيعة ، فإنّي رأيتك إذا ذكروا غضبت وقبضت ؟ قال : ما أكره منهم إلاّ هذه الشّين في أوّل اسمهم ، فإنّي لم أجدها قط إلاّ في كلّ ؛ شرّ وشؤم وشيطان وشعب وشقاء وشنار وشرر , وشين وشوك وشكوى وشهوة وشتم وشحّ .
قال أبو عثمان : فما ثبت لشيعي بعدها قائمة .
هكذا كان يفهم أعداء الشّيعة الشّيعة ؛ وذلك لأنّهم يجهلون حقيقتهم . وقديماً قال الإمام علي (عليه السّلام) : (( الإنسان عدو ما جهل )) .
وإذا كرّسنا واقع التجهيل والتغييب ، فلربما ـ لا سمح الله ـ ورد من يرى في (السّين) السّنية : سوء ، وسمّ ، وسؤر ، وسحاق ، وسقم ، وسخط ، وسبّ ، وسقط ، وسخب ، وسرقة ، و . . . و . . وهذا التجهيل امتدّ اليوم ليأخذ أشكالاً مختلفة ، كلّها تنظر إلى المسألة الشّيعية بمنظار أسود .
أقول : إنّ الحديث عن السّنّّة والشّيعة ضرورة ؛ لأنّ فيه تفويت للفرصة على تجّار الفرقة والطائفيّة ؛ ليعرف بعضنا بعضاً بكلّ وضوح وجلاء .
لقد رأيت باُمّ عيني حركة التشهير والتجهيل التي تبعد النّاس عن الوعي الصحيح .
ومن المضحكات التي لم أكن أعهدها على علماء الأديان السّماوية , أنْ يقوم ( تقي الدين الهلالي ) في آخر أيّامه بإعادة توزيع منشوره القديم ( مناظرة . . . ) , وأعطاه للاُمّيين الذين يحيطون به كحواريي المسيح (عليه السّلام) , لقد جاء لي البعض بهذا المنشور السّاذج وهم يتوخّون هدايتي , كانوا يتصوّرون بأنّني مفتون أو قد حلّ بي جنون , وما أنْ اطّلعت عليه حتّى مزّقت حجب الصمت ، ورحت أفضح حقائق الكاتب والكتاب .
كان أحد من الشّيوخ ممّن تخرّج على يد ( تقي الدين الهلالي ) ، وربما يروى عنه الحديث , سألته عن مصلحة الإسلام وراء نشر مثل هذه المنشورات ، فأجاب : إنّها خدمة الإسلام . قُلت له : شيخنا ، ألا ترى إنّ هذا منكر ؟ قال : أعوذ بالله ، اتقِ الله ، إنّه تقي الدين الهلالي وما أدراك !
كنت أعلم أنّ هذا الشّيخ أكثر اُميّة من جدّتي ، ولكنني حاولت إقناعه بأنْ يجد له صناعة اُخرى غير الفتنة . نعم ، إنّ تقي الهلالي جاء فتّاناً ولم يأتِ ليوحّد الصفوف ، وهو أكبر مروّج للوهابيّة في المغرب , وكان واجهة سعوديّة في البلد ، ومَن انحاز إلى صفّه من الشّباب ، أعطاه تزكية وبعثه إلى جِدّة .
في يوم من الأيّام قُبيل موته رحت أزوره ، وكان قد خرج من المستشفى للتو ، وكان في مرضه الأخير ، وبينما أنا واقف قدّام الباب ، إذا بصديق لي يخرج من البيت وبدت على وجهه حمرة , ولمّا سألته عن السبب ، قال لي : لقد ندمت على هذه الزيارة ، إنّ الشيخ لا يزال مستمراً في تكفيره للعلماء المسلمين ، لقد كفّر مجموعة علماء وخطباء ، وكان من بين اُولئك الذين أصابتهم شرارة التكفير الشّيخ عبد الحميد كشك ؛ لأنّه يكثر من مناداة الرّسول (صلّى الله عليه وآله) في خطاباته ، والرّسول (صلّى الله عليه وآله) ميّت ، وهذا شرك صريح(1) .
وفي نفس المناسبة قام بتوزيع منشوراته الفتّانة .
كان الحوار والمناظرة التي أجراها الشيخ تقي الدين الهلالي مع بعض خطباء الشّيعة من نوع خاص , وإنّني لم أعرف مَن هؤلاء الشّيعة الذين ناظرهم ، ولم أكن أدري ما السّبب الذي جعل تقي الدين الهلالي يستنكف عن مناظرة رجال الشّيعة الكبار ، مثل ؛ السّيد الحكيم والسّيد الخوئي والسّيد الصدر والسّيد محمد الشّيرازي ، وعشرات العلماء والمراجع المعاصرين له في العراق ولبنان وقم . . . وعجبت كيف راح يبحث في القرى عن الأميين ، وهؤلاء موجودون طوع البنان .
وكيف لا يستحيي من الله ولا من التاريخ أنْ يقول : إنّهم من كبار علماء الشّيعة في زمن المراجع الكبار , أليس هذا هو التجهيل ؟ إنّهم يكتبون للاُميّين والمغفّلين ؛ لذلك تراهم لا يتورّعون عن التلفيق .
لقد أهدوني هذه المناظرة بين عالم يخدم آل سعود ، وشيعيَّين مجهولين لا يعرفهما أحد ، وأهديتهم كتاب المراجعات الأضخم حجماً والأضبط مضموناً ، وهو حوار موضوعي متكافئ وهادئ بين عالمين معروفين للجميع , الأوّل شيعي عاملي خرّيج النّجف الأشرف ، والآخر شيخ للأزهر . وشتّان شتّان(*) ؛ لهذا كان الحديث عن الشّيعة والسّنة ضرورة تقتضيها الفتنة والجهل .
لقد انجلت تلك الصورة التي ورثتها عن الشّيعة , وحلّ محلّها المفهوم الموضوعي الذي يتأسس على العمق العلمي المتوفّر في الكتابات التاريخيّة . والذين لم يتحرروا من أصدقائي من هذه النّظرة ، هم اُولئك الذين اكتفوا بالموروث ، وسحقاً للموروث . بل وإنّهم اليوم لهاربون من السّؤال ويتجاهلون الموضوع حتّى لا يتحملوا مسؤولية البحث ونتائجه .
ويجب أنْ يجرى الحديث البنّاء حول هذه المسألة لأسباب اُخرى لا تُحصى .
فبعد أحداث مكّة المكرّمة التي راح ضحيتها مسلمون كثر ، اهتزّ الإعلام العربي الرسمي وغير الرسمي , وتحوّل إلى موجة موحّدة ذات إيقاع واحد ، موضوعها الرئيسي الشّيعة والتشيع , ويومها كانت (الجدبة) في المغرب غير بسيطة .
قام المستر مصطفى العلوي بحملة مسعورة ومدفوعة الثمن أيضاً ، واتّهم الشّيعة فيها بألوان من التهم التقليدية ، لم أجد لها مصدقات في واقع التراث الشّيعي , وكنت على علم راسخ بأنّ مصطفى العلوي هذا لم يمسك كتاباً واحداً من اُمّهات الكتب الشّيعية , ولم تمض السّنوات حتّى يعلن العلوي المدغري ـ وزير الأوقاف في الدروس الرمضانية ـ عن الحقيقة ، ويكذّب مَن اتهموا الشّيعة بذلك , وخسئ مصطفى العلوي .
وفي هذه الأثناء جاء فخامة أبو بكر الجزائري زائراً للمغرب ، يحمل في حقيبته أوراقاً وهابيّة جديدة , كان كما بدا لنا مبعوثاً رسمياً من جهة هو ساكنها . وتواجد في تلك الأثناء في أحد بيوت الأصدقاء , وكانت كلمته تتمة لما سبق من ( هرج ومرج ) حول ( الشّيعة والتشيّع ) , ومحاولاً رسم صورة كاذبة وتشهيرية ضد الشّيعة ، مستغلاً بذلك جهل النّاس بحقيقة التاريخ , ولكنّه ضلّ الطريق هذه المرّة ، فقام أحد الأصدقاء وقال له : عفواً ، هلا حدّثتنا عن ( الماسونية ) ونشاطها في العالم الإسلامي(2) ؟
لهذا التجهيل ولهذا التشهير كان (الحديث عن الشّيعة والسّنة) ضرورة لتفويت الفرصة على الصيّادين في الماء العكرة ؛ وبذلك يمكننا أنْ نمنح التقاعد لمثل تلك الشخصيات التي دأبت على طلب الرزق ، بوظيفة التفريق والتشتيت .

_____________________
(1) أعتقد أنّ الفهم الوهابي التوحيد ، ليس إلاّ قصوراً نجدياً بدوياً ، وبهذا التصور جعلوا من الإسلام ديناً راكداً جامداً لا يتعدى المسواك والمسك ، واللحي والتقصير و . . .
(*) الأوّل هو السّيد شرف الدين الموسوي العاملي , والثاني هو الشّيخ سليم البشري .
(2) وكان هذا الشّاب للأسف من أهل السّنّّة والجماعة مما أحرج أبا بكر الجزائري .