سلسلة حلقات من برنامج - مطارحات في العقيدة - على قناة الكوثر الفضائية
03/06/2010
المُقدَّم: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين وآله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين. السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته مشاهدينا الكرام، نحييكم أطيب تحية ونلتقيكم في هذه الحلقة من برنامج مطارحات في العقيدة، عنوان حلقة الليلة: (حقيقة معاوية في حديث رسول الله (ص) القسم الثاني) في البدء نعزيكم ونعزي العالم الإسلامي بذكرى رحيل قائد الثورة الإسلامية ومفجر الثورة الإسلامية في إيران الإمام الراحل الإمام الخميني رضوان الله عليه التي تصادف هذه الأيام، نرحب باسمكم بضيفنا الكريم سماحة آية الله السيد كمال الحيدري، مرحباً بكم سماحة السيد.
سماحة السيد كمال الحيدري: أهلاً ومرحباً بكم.
المُقدَّم: سماحة السيد لا بأس في البدء أن تقدموا خلاصة وتمهيداً لما سبق في الحلقة السابقة.
سماحة السيد كمال الحيدري: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
كان الحديث في الحلقة السابقة حول هذا النص النبوي الصادر عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه قال: أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية. ويتذكر المشاهد الكريم أن هذا الحديث أشار تلميحاً الألباني إلى أن المقصود به معاوية، وكذلك فيما تقدم أيضاً أثبتنا من خلال النصوص الصحيحة والكثيرة والمستفيضة الواردة في كتب الحديث وكتب التأريخ أن معاوية كان أول من خالف وبدّل سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشكل معلن وبشكل مصرح به، يعني كان عندما يقال له أن هذه سنة رسول الله هو كان يخالفها مع علمه بأنها سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإلا لعل هناك أيضاً مخالفات للسنة النبوية قبل ذكر إلا أنه رجل على مستوى يدعي أنه أمير المؤمنين ويدعي أنه خليفة المسلمين ويدعي أو لا اقل يُدعى له أنه إمام من الأئمة كما سيتضح بعد ذلك أن الشيخ ابن تيمية يقول: رفع الملام عن الأئمة الأعلام، يعتبره إماماً من الأئمة ويعتبره أمير المؤمنين، هذا الإنسان مع كل هذه الادعاءات مع كونه يدعي انه صحابي وأنه كاتب للوحي ومع ذلك يصرح بمخالفته لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخصوصاً في قضية استلحاق زياد بن أبيه، حيث استلحقه بأبيه يعني بأبي سفيان مع أنه قد نص الحديث المتواتر والقضاء المجمع عليه بين علماء المسلمين (الولد للفراش وللعاهر الحجر) هذا ما تقدم بحثه بنحو تفصيلي في الحلقة السابقة.
المُقدَّم: هل بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) عواقب من يبدل سنته من بعده.
سماحة السيد كمال الحيدري: هذا الذي لم نستطع أن نبحثه في الحلقة السابقة، بعد أن ثبت في الحلقة السابقة أن معاوية كان أول مغير وأول مبدل لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما قرأنا في النص الصحيح في الحلقة السابقة: أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية. قلنا أنه ورد في صحيح الجامع الصغير للألباني وفي المصنف لابن أبي شيبة وفي إتحاف الخيرة المهرة، وكذلك في السلسلة الصحيحة، مجموع هذه الأحاديث ومجموعة هذه المصادر أشارت إلى هذا النص. ما هي عاقبة وما هو مصير من يبدّل سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله). لا أريد أن أطيل على المشاهد الكريم ولكنه اكتفي بروايتين، رواية واردة في صحيح البخاري، ونص هذه الرواية أو بلسان وبصيغة أخرى أيضاً وارد هذا النص في صحيح مسلم، إذن هذان الحديثان إنما وردا في صحيحي البخاري ومسلم. أما الحديث الأول وهو ما ورد في (الجامع الصغير المسند من حديث رسول للبخاري، ج4، الحديث 7050 و 7051) أي صحيح البخاري، المكتبة السلفية. الرواية عن أبي حازم، قال: سمعت سهل بن سعد يقول: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: أنا فرطكم على الحوض، من ورده شرب منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبداً، ليردن عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني – إذن هم من الذين كانوا حول رسول الله ومعاصرين لرسول الله- ثم يحال بيني وبينهم. قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا فقال: هكذا سمعت سهلاً، فقلت: نعم. قال - النعمان-: وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد في هذا الحديث، قال: أنهم مني، فيقال: أنك لا تدري ما بدلوا بعدك. إذن من المصاديق الواضحة والجلية لحديث المبدلين بعد رسول الله من مصاديقه رجل من بني أمية، وقد اتضح أن هذا الرجل كما لمح إليه الألباني وغير الألباني وكذلك النصوص الأخرى هو معاوية. إذن إنك لا تدري ما بدلوا بعدك فأقول: سحقاً سحقاً لمن بدل بعدي.
إذن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يدعوا عليهم بالويل والثبور وأن هذا هو مصيرهم.
المُقدَّم: وسحقاً هي قول الله تعالى (فسحقاً لأصحاب السعير).
سماحة السيد كمال الحيدري: إذن فهم من أصحاب السعير بالبيان الذي اشرتم إليه، إذن الرواية واضحة، فيقال: إنك لا تدري ما بدلوا بعدك فأقول: سحقاً سحقاً لمن بدل بعدي. وحيث أن معاوية هو أول من بدل بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهو أول الذين يشملهم سحقاً سحقاً. هذا هو النص الأول الوارد في صحيح البخاري.
النص الثاني الوارد في هذا المجال وهو ما ورد في (صحيح مسلم، ج4، ص111، الحديث رقم 2290) حققه وخرجه أحاديثه وعلق عليه الشيخ مسلم بن محمود عثمان السلفي الأثري، الرواية عن أبي حازم أيضاً، قال: سمعت سهلاً يقول: سمعت النبي يقول: أنا فرطكم على الحوض من ورد شرب ومن شرب لم يظمأ أبداً، وليردني عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم. قال أبو حازم، فسمع النعمان بن ابي عياش وأنا أحدثهم هذا الحديث فقال: هكذا سمعت سهلاً يقول، فقال: قلت نعم. وأنا أشهد على (في الحديث رقم 2291) أبي سعيد الخدري سمعته يزيد، يعني يزيد على الحديث السابق، أنهم مني فيقال: إنك لا تدري ما عملوا بعدك. إذن النص الأول في البخاري يقول بدلوا بعدك، وهذا النص أوسع يقول: ما عملوا بعدك. فأقول: سحقاً سحقاً لمن بدل بعدي.
وكذلك في (الحديث رقم 2294) الرواية أنه سمع عائشة تقول: سمعت رسول الله يقول وهو بين ظهراني أصحابه: إني على الحوض انتظر من يرد عليّ منكم، فوالله ليقتطعن دوني رجال، يعني رجال من أصحابي لأنه من أصحابه، فأقولن أي ربي مني ومن أمتي، فيقول: إنك لا تدري ما عملوا بعدك، ما زالوا يرجعون على أعقابهم.
وروايات أخرى وأنا أتصور أن هذا العمل الذي قام به معاوية يعد من أوضح مصاديق البدعة، ومن أوضح مصاديق المحدثات، وكل محدثة ضلالة وكل ضلالة في النار، كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. إذن المصير الأول، نعم إلا إذا ثبت ونحن لا نمانع إلا إذا ثبت أن معاوية تاب عن ذلك وهذا ما لم يثبت أن معاوية تاب عن هذه الأعمال التي قام بها.
المُقدَّم: هل توجد هناك مواقف لبعض أعلام النهج الأموي من قضية الاستلحاق التي قام بها معاوية.
سماحة السيد كمال الحيدري: هذه القضية وبودي أن المشاهد الكريم يلتفت إليها، هذه القضية أخذت دائرة واسعة ومساحة واسعة أولئك الذين حاولوا أن يدافعوا عن رأس النفاق في زمانه معاوية، يعني معاوية وسيأتي بعد ذلك، ويتضح أن جملة من أصحاب النهج الأموي يعتبرون معاوية ستر أصحاب رسول الله، فمن كشف هذا الستر فقد كشف أصحاب رسول الله في أحاديث صحيحة بعد ذلك سنقف عندها إنشاء الله تعالى. المهم أنهم يجعلون معاوية الخط الأحمر الذي لا يمكن التعرض له، هؤلاء عندما وصلوا على قضية الاستلحاق حاولوا بكل ما أوتوا من قوة أن يدافعوا عن هذه القضية الثابتة تأريخياً والتي لا مجال للرد فيها. نحن ذكرنا مجموعة من المصادر في الحلقة السابقة لإثبات هذه الحقيقة، من هذه المصادر ما ورد في كتاب (مسائل الإمام أحمد بن محمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، ص89) رواية حرب بن إسماعيل الكرماني بن إسماعيل الكرماني، اعتنى بإخراجها الدكتور ناصر بن سعود بن عبد الله السلامة، مكتبة الرشد، ناشرون، الطبعة الأولى، سنة 1425هـ، المملكة العربية السعودية، الرياض، العبارة هكذا وهي مختصرة، في باب من أدعى ولد الزنى، يقول: قال أحمد: أول قضاء عُلِمَ برده من قضاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) دعوة زياد. يعني ما ادعاه معاوية عندما الحقه بأبي سفيان. أول قضاء معلن ومصرح به رد به قضاء رسول الله هذه الدعوة التي قام بها معاوية باستلحاق زياد، أول قضاء علم برده من قضاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) دعوة زياد. فالقضية إذن من الواضحات والمسلمات. ولذا نجد أن الشيخ ابن تيمية عندما جاء إلى هذه القضية لم ينفي هذه القضية، لأنها ثابتة وغير قابلة للمناقشة وإنما حاول أن يذكر لنا توجيهاً حاول أن يوجهها بما لا يمس كرامة معاوية لأنه هذه قاعدة عامة وأنا بودي أن يلتفت المشاهد الكريم إلى هذه القاعدة وهو أنه ابن تيمية كلما انتهى إلى معاوية وإلى بني أمية وبالخصوص معاوية فلابد أن يدافع عنه وأن يوجه له، يعني في حرب معاوية مع علي وخروج معاوية على علي مع أنه إمام الزمان وهو الخليفة الرابع من خلفاء الرابع بحسب اعتقادهم ولكن يوجه له ذلك التوجيه.
وكذلك الحال في قضية الاستلحاق يوجه له ذلك التوجيه، وعشرات الموارد الأخرى، والعكس عندما يصل إلى علي وأهل بيته وبالخصوص الإمام علي كل قضية فيها ذم يحاول تأكيدها، بل حتى تلك القضايا التي فيها مدح يحاول تفريغها من محتواها بأن يقول بأنها يشارك فيها الآخرون، ولذا نجده في مسألة (لا أشبع الله بطنه) لم يتعرض لها الشيخ ابن تيمية، وفيما يتعلق بقضية الاستلحاق الشيخ ابن تيمية في هذه القضية يثبتها ويقول أنها ثابتة وغير قابلة للمناقشة هذا الكلام ورد في (رفع الملام عن الأئمة الأعلام، ص69) تأليف شيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، هذه عبارته، يقول: وكذلك استلحاق معاوية زياد بن أ بيه المولود على فراش الحارث بن كلدة لكون أبي سفيان كان يقول: إنه من نطفته. إذن هذه القضية لا يوجد هناك مجال لإنكارها. إذن ما هو الطريق للخروج عنها، يقول: يوجد طريق للخروج عنها وأنا أشير إليه، لإمكان أنه لم يبلغهم قضاء رسول الله بأن الولد للفراش، يعني أنهم إنما خالفوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهذا القضاء القطعي المجمع عليه لأنه لم يبلغ معاوية وأمثال معاوية أن رسول الله قضى بأن الولد للفراش وللعاهر الحجر. واعتقدوا أن الولد، يعني هؤلاء الذين استلحقوا زياد، يعني معاوية ومن هو على شاكلته، واعتقدوا أن الولد لمن أحبل أمه، سواء كان عن شرع أو عن زنى، واعتقدوا أن الولد لمن أحبل أمه واعتقدوا أن أبا سفيان هو المحبل لسمية أم زياد. إذن يلحق به، فإن هذا الحكم قد يخفى على كثير من الناس لاسيما قبل انتشار السنة، أي السنة النبوية، مع أن العادة في الجاهلية كانت هكذا، إذن تبين أن معاوية كان يعمل على العادة الجاهلية، وهو كاتب الوحي، والله لا أعلم هذا التناقض والتهافت شخص يدعى له أنه عاصر رسول الله وكان الأمين على الوحي وكان كاتب الوحي وكان خال المؤمنين ولكنه كانت العادة أنه يعمل على عادة الجاهلية، مع أن العادة في الجاهلية كانت هكذا وهذا باب واسع فإنه يدخل فيه جميع الأمور المحرمة بكتاب أو سنة إذا كان بعض الأئمة لم يبلغهم أدلة التحريم فاستحلوها.
هذا وجه يذكره الشيخ ابن تيمية أولاً أن معاوية لم يبلغه أدلة هذا الحكم أو قضاء رسول الله ثم والعجيب، ولا أعلم كم علامة استفهام أضع؟ يقول: أو عارض تلك الأدلة عندهم أدلة أخرى رأوا رجحانها على الأدلة السابقة، مجتهدين في ذلك الترجيح بحسب عقلهم وعلمهم، يعني يجتهدون في قبال النص القطعي الصادر عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، فإن التحريم له أحكام ... الخ.
إذن الأمر الأول أو الدفاع الأول هو ما بدأه شيخ الإسلام الأموي ابن تيمية أنه حاول أن يوجه هذه القضية لمعاوية حتى يخلصه من اللوازم والآثار المترتبة على ذلك، وهي المخالفة القطعية للسنة القطعية الواردة عن رسول الله.
المُقدَّم: والله تعالى يرد على أمثال ابن تيمية ويقول: (هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
سماحة السيد كمال الحيدري: إنشاء الله تعالى سنرى أن هذا الجدال ما هو آثره.
هذا هو الدفاع الأول الذي ذكره إلا أنه في مقام الجواب عن هذا الدفاع بودي أن أشير ولو إجمالاً:
الجواب الأول: المشاهد الكريم لابد أن يلتفت أن هذا النص ليس هو خبر آحاد وإنما هو خبر متواتر كما صرح به الكتاني في (نظم المتناثر من الحديث المتواتر) وهذا ما أشرنا إليه في الحلقة السابقة، قال: الولد للفراش وللعاهر الحجر، يقول: هذا ورد من حديث أبي هريرة وعائشة وعثمان وابن عمر وأبي إمامة وعمر بن خارجة وابن الزبير وابن مسعود وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب والحسن وسعد بن أبي وقاص وأبن عمر والبراء بن عازب وزيد بن أرقم وابن عباس والحسين بن علي وعبادة بن الصامت ... إلى أن يقول: وفي التيسير هو متواتر فقد جاء عن بضعة وعشرين صحابياً. إذن القضية كانت قضية متواترة. واقعاً أنا لا أعلم كيف يمكن أن يدعى أنه لم يطلع معاوية على قضاء رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فالحديث ليس أخبار آحاد حتى نقول أنه يخفى على هذا أو ذاك، فالحديث متواتر ومنتشر بين صحابة رسول الله وأنتم تدعون أن معاوية كان من تلك الطبقة المحيطة برسول الله (صلى الله عليه وآله) فكيف لم يطلع على هذا القضاء النبوي المجمع عليه، لأنه يقول أن هذا مجمع عليه بين علماء المسلمين، يعني الشيخ ابن تيمية هو يعتقد وهو الصحيح كذلك يقول: بأن هذا الحديث كان مجمعاً عليه وقضى أن الولد للفراش وهو من الأحكام المجمع عليها، لا يوجد هناك بحث، وإذا كان من الأحكام المجمع عليها فكيف يمكن لأحد أن يجتهد مع وجود النص القطعي والقضاء القطعي الوارد عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله). هذا هو الجواب الأول.
الجواب الثاني وهو الغريب جداً وبودي أن يلتفت المشاهد الكريم وسنقف عند هذا الكتاب بعد ذلك إنشاء الله وهذا الكتاب هو (معاوية بن أبي سفيان شخصيته وعصره، الدولة السفيانية، ص372) تأليف الدكتور علي محمد محمد الصلابي، دار ابن كثير، دمشق، بيروت. التعبير في هذا الكتاب عجيب، يقول: قد اتهم معاوية عندما استلحق زياد بن أبيه بأنه خالف أحكام الإسلام، اتهم ليس له واقع، ولا أقل لو كان يقرأ كتب ابن تيمية حتى يعرف أن هذا ليس اتهاماً بل هو حقيقة، لو كان يقرأ كلمات أحمد بن حنبل لعلم أن هذا ليس اتهاماً وإنما حقيقة تأريخية ثابتة، ولكن مع الأسف الشديد هذه أمانة هؤلاء الذين يدافعون عن بني أمية وخصوصاً عن معاوية، لأن الرسول قال لا دعوة في الإسلام ... وقد رد على هذا الاتهام الدكتور ... إلى أن يقول: وأن معاوية أحد حديث الولد للفراش وللعاهر الحجر. هذا يقول ورد في (فتح الباري، ج12، ص39) هذا مهم جداً، هو ينقل هذا، يقول ولا سيما أن معاوية أحد رواة حديث الولد للفراش وللعاهر الحجر، فإذا كان هو رواه حديث فكيف يدعي الشيخ ابن تيمية بأنه لم يبلغه قضاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) في هذا المجال. هذا هو الأمر الثاني أو الجواب الثاني.
الجواب الثالث الذي بودي أن أشير إليه وهو أنه، أخواني الأعزاء ولو لدقائق تقفون معي، هذه ليست أول قضية يعلمها معاوية ويخالف فيها سنة رسول الله، المشاهد الكريم يعلم نحن في الحلقة السابقة أشرنا، قلنا أنه في قضية الربا قيل له أن قضاء رسول الله كذا قال أنا أقول كذا مع أنه أبو الدرداء كان يقول رسول الله مثلاً بمثل، في قضية التجارة بالخمر نحن قرأنا الرواية فيما سبق. وفي هذه الليلة أريد أن أقرأ للمشاهد الكريم أمراً في غاية الوضوح أنه كان يعلم سنة رسول الله وكان يعلم الأوامر والنواهي الصادرة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان يخالفها بشكل واضح وصريح، المشاهد يقول: أين هذا؟
انظروا إلى كتاب (صحيح سنن أبي داود، ج2، ص526) للعلامة الألباني، بودي أن المشاهد الكريم يستمر معي لقراءة هذه الرواية، طبعاً كما يقول في صحيح سنن أبي داود صحيحة السند. الرواية هي قال: وفد المقدام ابن معدي كرب وعمر بن الأسود ورجل من بني أسد من أهل قنسرين إلى معاوية ابن ابي سفيان، فقال معاوية للمقدام: أعلمت أن الحسن بن علي توفي. فرجع المقدام، قال إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال له رجل، والقائل هو معاوية كما يقول في (عون المعبود شرح سنن أبي داود، ج11، ص155) تأليف العظيم آبادي، خرج أحاديث واعتنى يوسف الحاج أحمد، دار الفيحاء، دمشق، ودار السلام للنشر والتوزيع، الرياض، في الرواية فقال له فلان، وفي بعض النسخ فقال له رجل، يقول: فقال له فلان، وفي بعض النسخ وقع رجل مكان فلان، والمراد هو معاوية بن أبي سفيان، إذن معاوية بن أبي سفيان لما رأى أن المقدام رجّع قال: أتراها مصيبة، لأن الاسترجاع يكون إذا أصابتهم مصيبة، ووفاة الحسن ليست مصيبة، ريحانة رسول الله وسيد شباب أهل الجنة وأهل البيت الذين طهرهم الله تطهيراً، وأنه من العترة التي هي عدل القرآن، هؤلاء موتهم ليس مصيبة، قال: أتراها مصيبة، قال له: ولما لا أراها مصيبة وقد وضعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حجره، فقال: هذا مني وحسين من علي، فقال الأسدي تقرباً كما يقول في عون المعبود، تقرباً لمعاوية: جمرة أطفأها الله عز وجل. ويقول عون المعبود مقصودهم من الجمرة أنه كان صاحب فتنة الله سبحانه وتعالى أراحنا الله من هذه الفتنة. قال: فقال المقدام: أما أنا فلا أبرح اليوم حتى أغيّضك يعني أقول شيئاً يغيضك حتى أغيضك واسمعك ما تكره، ثم قال: يا معاوية، إن أنا صدقت فصدقني، وإن أنا كذبك فكذبني، انظروا إلى المقدام التفت إلى هذه النكتة، أن معاوية إنما يقول في موت الحسن أنه ليس مصيبة لأنه وضعه أساساً لا يعتقد بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يريد أن يقول له أنك لا تعتقد بأن موت وشهادة الإمام الحسن بأنها مصيبة، لأنك لم تؤمن بسنة رسول الله. قال: إن أنا صدقت فصدقني وإن كذبت فكذبني، قال: أفعل، معاوية قال إذا كان ما تقوله صحيح أقول صحيح وإذا كان كذب أقول كذب، قال: أفعل، قال: أنشدك بالله، هل تعلم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن لبس الذهب، قال: نعم، إذن صدقه، قال: فأنشدك بالله، هل تعلم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن لبس الحرير، قال: نعم. قال: فأنشدك بالله، هل تعلم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها، قال: نعم. قال المقدام: فوالله لقد رأيت هذا كله في بيتك يا معاوية، إذن معاوية كان معتنياً بسنة رسول الله أم لا؟ أساساً كان يريد أن يعيش عيشة القياصرة والملوك وهو لم يؤمن طول عمره بالإسلام حتى يعمل بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله). والآية (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) للذين أمنوا لا للذين لم يدخل الإيمان في قلوبهم. ولهذا يقول المقدام: فوالله لقد رأيت هذا كله في بيتك يا معاوية، ومعاوية لم يكذبه، فقال معاوية: قد علمت إني لا أنجو منك يا مقدام.
إذن دعوة ابن تيمية أن هذا القضاء لم يبلغه ولو بلغه لم يخالفه ولم يحاول أن يبدله هذا خلاف ما ورد في صحيح سنن أبي داود أنه كان يعلم سنة رسول الله في الذهب وفي الحرير وفي الربا كما تقدم في الأبحاث السابقة في جلود السباع وفي الركوب عليها وكان ذلك أمر متعارفاً في بيت معاوية. هذا هو الدفاع الأول الذي ذكره هؤلاء القوم وهو أنه أساساً أن معاوية لم يكن يعلم بذلك.
الدفاع الثاني الذي ذكره بعض المعاصرين وهو ما ورد في كتاب محمود شاكر (التأريخ الإسلامي، الخلفاء الراشدون والعهد الأموي، ج4، ص20) المكتب الإسلامي، الطبعة الثامنة، سنة 1421هـ، يقول: واتُهم، كما يعبر هو سيده معاوية وإلا ليس سيدنا، سيدنا نحن علي وأهل البيت والصحابة الكرام الذين أحبوا علياً ووالوه، واتهم سيده معاوية بادعاء زياد بن أبيه، عجيب يعبر اتهام مع أن ابن تيمية ومن هم على هذا وكل التاريخ الإسلامي يثبت هذا، واتهم معاوية بادعاء زياد بن أبيه ونسبه إلى أبيه أبي سفيان، أي شهد على أبيه بالزنى، لأنه عندما يقول أنه ابن أبي سفيان في ذلك الزمان فأنه لم يكن عن نكاح شرعي وإنما عن زنى، ولم يكن بعد قد خلق، وذلك بغية كسبه إلى جانبه ثم يقول: والدليل قال المسعودي، انظروا إلى التدليس، ترك كل النصوص التي قرأناها للمشاهد الكريم، في الحلقة نحن أشرنا إلى أن الذي أشار إلى الحديث في (البداية والنهاية، ونيل الأوطار وفيض القدير، وتاريخ الخلفاء، والمنتظم لابن الجوزي، وتاريخ أبي الفداء، في الكامل في التاريخ) هو فقط ينقل الحديث عن المسعودي وفي آخر المطاف يقول: ويبدو ضعف هذا، باعتبار أن المسعودي رافضي شيعي فلا يمكن الاعتماد عليه. ويبدو ضعف هذا، لأنه لا يريد أن يشير إلى المصادر التي أشرنا إليها ... إلى أن يقول: وكيف رضي المسلمون بهذه المخالفة الصريحة من الإمام، يعني معاوية، فهل ضاع الإحساس وضاع الدين ولا يزال الصحابة أحياء، إذن إشكاله الذي يشير إليه يريد أن يقول بأنه كيف يعقل أن نتصور أن المسلمين رأوا أن أمير المؤمنين عندهم يخالف القضاء القطعي لرسول الله ومع ذلك يسكتون عليه.
الجواب في كلمة واحدة أولاً أنهم لم يسكتوا عليه، فلو كان منصفاً لراجع ورأى كما ورد في (فتح البخاري لشرح صحيح البخاري، ج12، ص66) هذه عبارته، يقول: فلما ولي معاوية الخلافة ... إلى أن يقول: فكان كثير من الصحابة والتابعين ينكرون ذلك على معاوية، ولكن كان لا يسمع لهم، محتجين بحديث الولد للفراش وقد مضى قريباً شيء من ذلك. هذا هو الجواب الأول.
الجواب الثاني كما قال الإمام الشوكاني في (نيل الأوطار، ج9، ص443) قال: وقد أجمع أهل العلم على تحريم نسبته، أي زياد، إلى أبي سفيان، وما وقع من أهل العلم في زمان بني أمية فإنما هو تقية، كانوا يخافون من بني أمية.
بودي أن المشاهد الكريم يصبر معي لدقائق، هذه قضية بأنهم كانوا يخشون السلطة وأن الحقائق التي وردت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيان من هم بعض صحابته، من هم الذين ورد فيهم ذم من رسول الله، ورد فيهم لعن من رسول الله، يقول: أن الصحابة كانوا يخشون أن يبينوا هذه الحقائق، وأوضح مثل على ذلك ما ورد في (مسند الإمام أحمد بن حنبل، ج11، ص71، الرواية 6520) بتصحيح شعيب الأرنؤوط، الرواية عن عبد الله بن عمر، قال: كنا جلوساً عند النبي وقد ذهب عمر بن العاص يلبس ثيابه ليلحقني، فقال ونحن عنده، يعني قال رسول الله ونحن عنده جالسون، ليدخلن عليكم رجل لعين، فوالله ما زلت وجلاً أتشوف داخلاً وخارجاً، من هو هذا اللعين الذي سيدخل علينا، قال: حتى دخل فلان، يعني الحكم بن أبي العاص. والد مروان، ولذا الأرنؤوط في الحاشية يقول: إسناده صحيح على شرط مسلم، يقول: والحكم هو ابن أبي العاص الأموي، عم عثمان بن عفان، والد مروان، كان من مسلمة الفتح وله أدنى نصيب من الصحبة. إذن يوجد عندنا صحابي وهو ملعون من قبل رسول الله، على لسان رسول الله بروايات صحيحة على شرط مسلم, ومع ذلك يخرج جهلتهم على الفضائيات البائسة عندهم ويقولون أن كل الصحابة عدول وأنهم كلهم في الجنة. فماذا تقولون في هؤلاء، أيضاً الذي لعنه رسول الله، طبعاً الروايات بعد ذلك سيتضح أنه لم يلعنه فقط وإنما لعن مروان وأولاد مروان، وعبد الملك وأولاد عبد الملك، في روايات صحيحة سنشير إليها بعد ذلك.
المهم الرواية يقول رواه ابن عبد البر وغيره.
في (سلسلة الأحاديث الصحيحة، ج7، ق2، ص719، رقم الحديث 3240) للعلامة الألباني، يقول: ليدخلن عليكم رجل لعين، يعني الحكم بن أبي العاص. إذن هذا الرجل كان ملعوناً. انظروا إلى تعليقات الألباني على هذا الحديث، بودي أن أقرأها، قال: وإني لأعجب أشد العجب من تواطئ بعض الحفاظ المترجمين للحكم، الذين ترجموا له وهم من الحفاظ، على عدم سوق بعض هذه الأحاديث وبيان صحتها في ترجمته. يقول حفاظ كبار عندما يأتون إلى ترجمة الحكم بن أبي العاص لا يذكرون حديث رسول الله وأمثال هذا الحديث التي وردت، ثم يقول: أهي رهبة الصحبة، وكونه عم عثمان بن عفان، وهم المعروفون بأنهم لا تأخذهم في الله لومة لائم. أنا لا أعلم إذا كان صحابي ملعون ولا ينقل لعن رسول الله، فما بالك بأصحاب لهم قيمة أكبر من أمثال الحكم، كما نجد ذلك في معاوية في حديث (لا أشبع الله بطنه) يتحول إلى حسنة له. يقول: أهي رهبة الصحبة وكونه، أي الحكم، عم عثمان بن عفان، وهم المعروفون يعني الصحابة بأنهم لا تأخذهم في الله لومة لائم، هذا الاحتمال الاول، والاحتمال الثاني أم ظروف حكومية أو شعبية كانت تحول بينهم وبين ما كانوا يريدون التصريح به من الحق، يعني كانوا يتقون، كانوا يخافون من السلطات الحاكمة، من حكومة بني أمية، ولذا الإمام الشوكاني قال: بأنهم كانوا يتقون. يقول: فهذا مثلاً ابن الأثير يقول في (أسد الغابة) وقد روي في لعنه ونفيه أحاديث كثيرة، لا حاجة إلى ذكرها، لا يذكرها، إلا أن الأمر المقطوع به أن النبي (صلى الله عليه وآله) مع حلمه وإغضائه على ما يكره ما فعل به إلا لأمر عظيم، يعني ماذا فعل الحكم حتى استحق أنه واقعاً أن رسول الله لا يصبر عليه، وأعجب منه، بودي أن المشاهد الكريم أن يلتفت إلى هؤلاء الحفاظ الكبار أنهم لا يذكرون، العلامة الألباني يعجب، يقول: وأعجب منه صنيع الحافظ في الإصابة فإنه مع إطالته في ترجمته صدرها بقوله يقال أن النبي دعا عليه ولم يثبت ذلك، مع أنه صحيح على شرط مسلم، يقول: يقال. وسكت عليه ولم يتعقبه بشيء بل أنه أتبعه بروايات كثيرة فيها أدعية مختلفة وسكت عنها كلها وصرح بضعف بعضها وختمها بذكر حديث عائشة المتقدم أن رسول الله لعنك، تقول لمروان: لعن أباك وأنت في صلبه. ولكنه بدل أن يصرح بصحته ألمح على إعلاله بمخالفته، قال أن هذا الحديث فيه علة ولا يمكن قبوله، بمخالفته رواية البخاري المتقدمة باعتبار أن البخاري لا ينقل مثل هذه الأحاديث التي تطعن ببني أمية. فأقول: ما قيمة هذا التعقب وهو يعلم أن هذه الزيادة صحيحة السند، يقول أصل القصة عند البخاري بدون هذه الزيادة، على الطريقة والقاعدة، إذا فيها طعن في بني أمية ولو كان الحكم الملعون فالبخاري يحذف تلك الزيادة، يقول: قلت وأصل القصة عند البخاري بدون هذه الزيادة، يقول الألباني: فأقول ما قيمة هذا التعقب وهو يعلم أن هذه الزيادة صحيحة السند وأنها من طريق غير طريق البخاري وليس هذا فقط بل ولها شواهد صحيحة أيضاً وأعجب من ذلك كله تحفظ الحافظ الذهبي في قوله في ترجمة الحكم وقد وردت أحاديث منكرة في لعنه. تبين أن حديث رسول الله إذا وصل إلى بني أمية لابد أن يرمى حديث رسول الله إلى الأرض حتى لا يطعن ببني أمية.
وأعجب من ذلك كله تحفظ الحافظ الذهبي بقوله في ترجمة الحكم من تأريخه (ج2، ص96) وقد وردت أحاديث منكرة في لعنه لا يجوز الاحتجاج بها وليس له في الجملة خصوص كذا قال مع ...
إذن بهذا يتضح أنه عندما كان صحابة رسول الله يخشون أن يذكروا حديث رسول الله في لعن الحكم فما بالكم بالصحابة الذين هم أعلى منه شأناً، بعضهم يقول كان هو أدنى صحبة، يعني كان هو من الصحابة من الدرجة الدانية، فما بالك بالذين لهم أعلى صحبة، فهل يمكن بعد أن ينقل في زمانهم أحاديث في ذمهم، وهذا يكشف لك لماذا أنه في زمن بني أمية لم تنقل إلا تلك الأحاديث التي في فضائل معاوية وبني أمية ومروان وغيرهم إلى يومنا هذا. وأنت تجد إلى يومنا هذا النهج الأموي مستمر ومثال من أمثلته محمود شاكر، وهذا مثال آخر من أمثلة النهج الأموي الفض وهو (معاوية بن أبي سفيان) للدكتور علي محمد علي الصلابي، هؤلاء وخصوصاً هذا الصلابي وأمثاله نجد أنهم كتبوا عشرات الكتب في الدفاع عن معاوية ولكن عندما تصل النوبة إلى علي وأهل بيته تجد أنهم يكتمون الحقائق وهم يعلمون.
المُقدَّم: لدينا بعض الأسئلة على موقع البرنامج أطرحها على سماحة السيد، منها بعض الأخوة يقولون هل أنكم عندما تعبرون عن علماء المسلمين بأنه إمام أو حافظ أو علامة أو غير ذلك من الألقاب والعناوين، هل أنتم تعتقدون بهذه الألقاب؟
سماحة السيد كمال الحيدري: في الواقع بأن المشاهد الكريم لابد أن يلتفت إلى القاعدة التي أسسنا لها في أول هذه الأبحاث، قلنا أننا نحاول أن نلزم القوم بما الزموا به أنفسهم، هم يعتقدون بأن الذهبي إمام وابن الاثير إمام، بغض النظر أننا نعتقد أو لا، فإذا اعتقدوا بإمامته فهو حجة عليهم، وليس بالضرورة أننا إذا استعملنا هذا، وقد وردتنا مجموعة من الرسائل تتضمن هذا السؤال، وهو أنكم لماذا تعبرون عن الألباني بأنه العلامة ولماذا تعبرون عن ابن باز بأنه العلامة، لماذا تعبرون عن بعضهم بأنه الإمام؟ الجواب ليس بالضرورة أننا نعتقد أن لهم هذه المقامات ولكن هم يعتقدون هذا، فإذا كان هؤلاء من أئمتهم، واقعاً أنا إنما أذكر هذه العناوين لأمرين، الأمر الأول هو لحفظ الأدب لأنه في النقاش في الواقع لا ينبغي إساءة الأدب حتى لو لم تقبل الطرف الآخر، وهذا مع الأسف الشديد لا يلتزم به الطرف الآخر فعندما يخرجون على فضائياتهم ومواقعهم تجدون أنهم يتهمون مدرسة أهل البيت واتباع مدرسة أهل البيت بأنواع الاتهامات والكلمات، عندما يأتون إلى الكافي يعبرون عنه (هذا الكذاب) مع أن الكافي عندما هو ثقة الإسلام الكليني، هو إمام في الحديث عندنا، أنتم لا تعتقدون أنتم أحرار ولكن ينبغي حفظ الأدب في الإشارة، فليس بالضرورة أن نعتقد بكل ما نشير إليه.
والسبب الثاني أنه واقعاً أن بعض هؤلاء من الأئمة ومن الحفاظ وينطبق عليهم العلامة سواء قبلنا أولم نقبل.
المُقدَّم: سؤال آخر، إذا أثبتم أن معاوية كان منافقاً وفاسقاً وفاجراً، فلماذا عقد الإمام الحسن عليه السلام الهدنة معه.
سماحة السيد كمال الحيدري: هذه وجدت مع الأسف الشديد في بعض المواقع، أنه إذا كان كذا الإمام الحسن لماذا عقد الهدنة، هذا بحث طويل سأقف عنده في وقت ما، ولكنه أخواني الأعزاء هذا الكلام وجّه إلى نفس الإمام الحسن عليه أفضل الصلاة والسلام كما في نصوصنا الصحيحة الواردة من طرقنا، إن الإمام سلام الله عليه، قال: لا يدل إذا أنا هادنت أو صالحت معاوية أن الآخر له مشروعية، هذه الرواية أنا أنقلها ولو لمرة واحدة المشاهد الكريم حتى يعرف أنه كيف نجيب على هذا التساؤل، الرواية في (بحار الأنوار، ج44، ص1) الرواية عن أبي سعيد قال: قلت للحسن بن علي، يا بن رسول الله ما داهنت معاوية وصالحته وقد علمت أن الحق لك دونه وأن معاوية ضال باغ، قال: يا أبا سعيد، علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله لبني ضمرة وبني أشجع ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية. يعني عندما صالح رسول الله المشركين هذا معناه إعطاء المشروعية للشرك لا أبداً، إذن لا توجد أي مشروعية أعطيت لمعاوية في هذا المجال.
المُقدَّم: سؤال آخر، يحاول البعض أن يجعل الحرب التي بين علي عليه السلام ومعاوية مصداقاً من مصاديق قوله تعالى (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا)؟
سماحة السيد كمال الحيدري: واقعاً هذا السؤال وجدته كثيراً، يقولون أن القرآن الكريم عبر عن معاوية، أو أن الروايات عبرت عن معاوية أنه مؤمن، لأنه قالت (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) (الآية 9، من سورة الحجرات). هذه رواية أنا أنقلها من (صحيح البخاري، ج2، الحديث رقم 2691، كتاب الصلح) أريد أن أبين أنه قد يطلق الإيمان ويراد منه الإيمان الظاهري وإن كان الطرف الآخر منافقاً. الرواية أن أنساً رضي الله قال: قيل للنبي (صلى الله عليه وآله) لو أتيت عبد الله بن أُبي، يعني المنافق ورأس النفاق، فانطلق إليه النبي وركب حماراً فانطلق المسلمون يمشون معه وهي أرض سبخة، فلما اتاه النبي قال: إليك عني، عبد الله بن أبي يقول لرسول الله إليك عني، والله لقد آذاني نتن حمارك، يقول لرسول الله. فقال رجل من الأنصار منهم: والله لحمار رسول الله (صلى الله عليه وآله) أطيب ريحاً منك، يعني من ذلك المنافق، فغضب لعبد الله رجل من قومه فشتما، يعني تشاتما فيما بينهما، فغضب لكل واحد منهم أصحابه، يعني رسول الله واصحابه ورأس النفاق عبد الله بن أُبي وأصحابه وقع شجار بينهما، فكان بينهما فرط بالجريد والأيدي والنعال، فبلغنا أنها أنزلت (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) إذن الآية طبقت الإيمان، بناء على رواية البخاري، طبقت الإيمان على المنافقين، إذن ليس بالضرورة إذا قالت الآية (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) يعني يراد به الإيمان الواقعي.
المُقدَّم: معنا الأخ أبو يوسف من بريطانيا، تفضلوا.
الأخ أبو يوسف: السلام عليكم.
المُقدَّم/ سماحة السيد كمال الحيدري: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأخ أبو يوسف: أمامي كتاب للكاتب المصري عباس محمود العقاد وهو صاحب كتاب عبقرية محمد، عبقرية أبي بكر، عبقرية عمر، ... والرجل ما عرف بالتشيع لأنه يقول في أحد الصفحات وقد عرفت لمعاوية خصال محمودة ... أنا أنقل لك نصاً في (ص64) من هذا الكتاب، يقول: أتت امرأة استشارت النبي للزواج من معاوية، فقال لها: ما لك وله أنه صعلوك. فكلمة صعلوك كيف تفسر ... وفي نفس الصفحة، كذلك ينبغي أن نذكر حقيقة أخرى في هذا المقام وهي أن معاوية لم يكن من كتاب الوحي كما أشاع خدام دولته بعد صدر الإسلام، ولكنه كان يكتب للنبي عليه السلام في عامة الحوائج وفي إثبات ما يجبى من الصدقات ولم يسمع عن ثقة قط أنه، معاوية، كتب للنبي شيئاً من آيات القرآن الكريم. ثم ينقل في (ص67) وقد يكون عبد الله بن حنضلة مبالغاً في المذمة حين قال فيما نسب إليه والله ما خرجنا مع يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء أنه رجل ينكح الأمهات والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة والله لو لم يكن معي أحدٌ من الناس لأبليت الله فيه بلاء حسناً.
المُقدَّم: معنا الأخ مؤيد من السعودية، تفضلوا.
الأخ مؤيد: السلام عليكم.
المُقدَّم/ سماحة السيد كمال الحيدري: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأخ مؤيد: أنتم قلتم نعزي بفقدان السيد الإمام بل نحن نفرح لمولد الزهراء عليها السلام في هذه الليلة ونبارك للأمة الإسلامية بهذه المناسبة، سؤال للسيد، لا جمع الله قلبين في جوف، عندكم المهدوية يوم الاثنين وعندكم مطارحات يوم الجمعة، هذه مشتتة للانتباه ما بين المهدوية ومطارحات، جزاك الله خير لو توحدوا الموضوع يكون أفضل. لا يمكن التركيز ما بين المهدوية والمطارحات.
أتمنى من السيد أن يبين لنا موضوع الحلقة القادمة حتى إن كان في ذم معاوية أو في ذم يزيد حتى يكون لنا أراء.
سماحة السيد كمال الحيدري: في الأسبوع القادم سنتعرض إلى تقييم وتقويم معاوية في النهج الأموي، يعني ما هي الفضائل التي وضعها النهج الأموي لمعاوية وبني أمية وكيف تعامل المعاصرون مع هذه الفضائل التي ذكرت لبني أمية.
المُقدَّم: معنا الأخ عقيل من العراق، تفضلوا.
الأخ عقيل: السلام عليكم.
المُقدَّم/ سماحة السيد كمال الحيدري: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأخ عقيل: سؤالي هو يتعلق في أن معاوية بن أبي سفيان وكما هو معلوم أن بني أمية من بعد الفتح كانوا من الطلقاء أطلق عليهم الرسول ذلك، وهل كانت الفترة التي أسلم فيها معاوية بن أبي سفيان وأمثاله من بني أمية مشبعة حتى يكون كاتباً للوحي كما يدعي ابن تيمية والصلابي وغيرهم وابن العربي الذي قال ما قال في معاوية ابن أبي سفيان.
سماحة السيد كمال الحيدري: أنا لا أريد أن أقف عند تاريخ معاوية لأنه لا يستحق هذا، ولكن بقدر توضيح النهج أنه ما فعل القدامى في هذا المجال وماذا يقول المعاصرون بهذا القدر، وإلا سنرجع إلى بحثنا الأصلي في مطارحات في العقيدة وهو مناقب علي بن أبي طالب ومواقف النهج الأموي.
المُقدَّم: شكراً لكم سماحة آية الله السيد كمال الحيدري كما أشكر الأخوة والأخوات، إلى اللقاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.