تعريف الصحابي
  • عنوان المقال: تعريف الصحابي
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 15:45:2 1-9-1403

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الاوّلين والاخرين.
موضوع بحثنا مسألة الصحابة.
لا خلاف في أنّ لاصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)دوراً في تقدّم الاسلام، وأنّ الصحابة قد ضحّوا في سبيل هذا الدين، ونصروا هذا الدين بمواقفهم في الحروب والغزوات وغير ذلك من المخاطر التي توجّهت إلى هذا الدين، وإلى شخص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
ولا خلاف أيضاً في أنّ كثيراً من تعاليم هذا الدين وأحكام هذه الشريعة، إنّما وصلت إلى سائر المسلمين بواسطة هؤلاء الاصحاب.
إنّما الكلام في أنّنا هل يجب علينا أن ننظر إلى كلّ واحد واحد منهم بعين الاحترام ؟ وأن نقول بعدالتهم واحداً واحداً ؟ بحيث يكون الصحابي فوق قواعد الجرح والتعديل، ولا تناله يد الجرح والتعديل أصلاً وأبداً، أو أنّهم مع كلّ ما قاموا به من جهود في سبيل هذا الدين، وبالرغم من مواقفهم المشرّفة، أفراد مكلّفون كسائر الافراد في هذه الاُمّة ؟
الحقيقة: إنّنا ننظر إلى الصحابة على أساس التقسيم التالي، فإنّ الصحابة ينقسمون إلى قسمين:
قسم منهم: الذين ماتوا في حياة رسول الله، بحتف الانف، أو استشهدوا في بعض الغزوات، فهؤلاء نحترمهم باعتبار أنّهم من الصحابة الذين نصروا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأعانوه في سبيل نشر هذا الدين.
القسم الثاني منهم: من بقي بعد رسول الله، وهؤلاء الذين بقوا بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ينقسمون أيضاً إلى قسمين:
فمنهم: من عمل بوصية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأخذ بسنّته، وطبّق أوامره.
ومنهم: من خالف وصيّته، ولم يطعه في أوامره ونواهيه (صلى الله عليه وآله وسلم)وانقلب على عقبيه.
أمّا الّذين عملوا بوصيّته، فنحن نحترمهم، ونقتدي بهم.
وأمّا الذين لم يعملوا بوصيّته، وخالفوه في أوامره ونواهيه، فنحن لا نحترمهم.
هذا هو التقسيم.
فإنْ سئلنا عن تلك الوصيّة التي كانت المعيار والملاك في هذا الحب وعدم الحب، فالوصية هي: حديث الثقلين، إذ قال (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحديث المتّفق عليه: «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي...» إلى آخر الحديث(1) .
هذه خلاصة عقيدتنا، ونتيجة بحثنا عن عدالة الصحابة.

تعريف الصحابي

وأمّا البحث التفصيلي:

تعريف الصحابي

الصحابي لغة:

الصحابي في اللغة هو: الملازم، هو المعاشر للانسان، يقال: فلان صاحب فلان، أي معاشره وملازمه وصديقه مثلاً.
وقال بعض اللغويين: إنّ الصاحب لا يقال إلاّ لمن كثرت ملازمته ومعاشرته، وإلاّ فلو جالس الشخص أحداً مرّةً أو مرّتين، لا يقال إنّه صاحَبَه أو تصاحبا، وهكذا كلمات اللغويين، راجعوا: لسان العرب، والقاموس، والمفردات للراغب الاصفهاني، والمصباح المنير للفيّومي، في مادة «صحب».
الصحابي اصطلاحاً:
إنّما الكلام في المعنى الاصطلاحي والمفهوم المصطلح عليه بين العلماء للفظ الصحابي، هل إذا أطلقوا كلمة الصحابي وقالوا:
فلان صحابي، يريدون نفس المعنى اللغوي، أو أنّهم جعلوا هذا اللفظ لمعنىً خاص يريدونه، فيكون مصطلحاً عندهم ؟
بالمعنى اللغوي لا فرق بين أنْ يكون الصاحب مسلماً أو غير مسلم، بين أن يكون عادلاً أو فاسقاً، بين أن يكون برّاً أو فاجراً، يقال: فلان صاحب فلان.
لكن في المعنى الاصطلاحي بين العلماء من الشيعة والسنّة، هناك قيد الاسلام بالنسبة لصحابي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، إنْ لم يكن الشخص مسلماً، فلا يُعترف بصحابيّته، وبكونه من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهذا القيد متفق عليه ومفروغ منه.
وهل هناك قيد أكثر من هذا ؟ بأن تضيَّق دائرة مفهوم هذه الكلمة أو لا ؟
لعلّ خير كلمة وقفت عليها ما ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني في مقدمة كتابه الاصابة في معرفة الصحابة.
يقول الحافظ ابن حجر في تعريف الصحابي: وأصحّ ما وقفت عليه من ذلك: أنّ الصحابي من لقي النبي صلّى الله عليه وسلّم مؤمناً به ومات على الاسلام(2) .
يظهر أنّ التعريف الاصح عند الحافظ ابن حجر، ليس فيه فرق مع المعنى اللغوي إلاّ في قيد الاسلام، إنّه من لقي النبي مؤمناً به ومات على الاسلام.
في هذا التعريف الذي هو أصح، يكون المنافق من الصحابة، إذن، يكون المنافق صحابيّاً، ويؤيّدون هذا التعريف بما يروونه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أنّه قال في حقّ عبدالله بن أُبي المنافق المعروف: «فلعمري لنحسننّ صحبته مادام بين أظهرنا»، فيكون هذا المنافق صحابيّاً، وهذا موجود في الطبقات لابن سعد وغيره من الكتب(3) .
فإذن، يكون التعريف الاصح عامّاً، يعمُّ المنافق والمؤمن بالمعنى الاخص، يعمّ البرّ والفاجر، يعمّ من روى عن رسول الله ومن لم يرو عن رسول الله، يعمّ من عاشر رسول الله ولازمه ومن لم يعاشره ولم يلازمه، لانّ المراد والمقصود والمطلوب هو مجرّد الالتقاء برسول الله، ولذا يقولون بأنّ مجرَّد رؤية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)محققة للصحبة، مجرّد الرؤية !
يقول الحافظ ابن حجر: وهذا التعريف مبني على الاصح المختار عند المحققين، كالبخاري وشيخه أحمد بن حنبل ومن تبعهما، ووراء ذلك أقوال أُخرى شاذة.فيكون هذا القول هو القول المشهور المعروف بينهم.
ثمّ يقول ابن حجر في الطريق إلى معرفة كون الشخص صحابيّاً: يعرف كون الشخص صحابياً لرسول الله بأشياء، أوّلها: أن يثبت بطريق التواتر أنّه صحابي، ثمّ بالاستفاضة والشهرة، ثمّ بأنْ يروى عن أحد من الصحابة أنّ فلاناً له صحبة، ثمّ بأنْ يقول هو إذا كان ثابت العدالة والمعاصرة: أنا صحابي.
وهذا طريق معرفة كون الشخص صحابيّاً لرسول الله، التواتر ثمّ الشهرة والاستفاضة، ثمّ قول أحد الصحابة، ثمّ دعوى نفس الشخص ـ بشرط أنْ يكون عادلاً وبشرط المعاصرة ـ أن يقول: أنا صحابي.
وحينئذ، يبحثون: هل الملائكة من جملة صحابة رسول الله ؟ هل الجنّ من جملة صحابة رسول الله ؟ هل الذي رأى رسول الله ميّتاً ـ أي رأى جنازة رسول الله ولو لحظةً ـ هو صحابي أو لا ؟
فمن كان مسلماً ورأى رسول الله ومات على الاسلام فهو صحابي.
والاسلام ماذا ؟ شهادة أنْ لا إله إلاّ الله، وشهادة أنّ محمّداً رسول الله.
فكلّ من شهد الشهادتين، ورأى رسول الله ولو لحظةً، ومات على الشهادتين، فهو صحابي.
فلاحظوا، كيف يكون قولهم بعدالة الصحابة أجمعين، كأنّهم سيقولون بعدالة كلّ من كان يسكن مكة، وكلّ سكّان المدينة المنورة، وكلّ من جاء إلى المدينة أو إلى مكّة والتقى برسول الله ولو لحظة، رأى رسول الله ورجع إلى بلاده، فهو صحابي، وإذا كان صحابيّاً فهو عادل.
ولذا يبحثون عن عدد الصحابة، وينقلون عن بعض كبارهم أنّ عدد الصحابة ممّن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة.
وهنا يعلّق بعضهم ويقول: بأنّ أبا زرعة الرازي الذي قال هذا الكلام قاله في من رآه وسمع منه، أمّا الذي رآه ولم يسمع فأكثر وأكثر من هذا العدد بكثير.
توفّي النبي ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان، من رجل وامرأة، قاله أبو زرعة.
فقال ابن فتحون في ذيل الاستيعاب: أجاب أبو زرعة بهذا سؤال من سأله عن الرواة خاصة، فكيف بغيرهم(4) !
إذن، عرفنا سعة دائرة مفهوم الصحبة والصحابي، وعرفنا أنّ مصاديق هذا المفهوم لا يعدّون كثرةً، ومع ذلك نراهم يقولون بعدالة الصحابة أجمعين، وهذا هو القول المشهور بينهم، وربما أُدّعي الاجماع على هذا القول كما سيأتي.
_______________________
(1) تقدّم الكلام عن هذا الحديث.
(2) الاصابة في معرفة الصحابة 1 / 10.
(3) الطبقات الكبرى 2 / 65، السيرة النبويّة لابن هشام 3 / 305، وغيرهما.
(4) الاصابة في معرفة الصحابة 1 / 3.