وبعض الآيات المثبتة عن مكانها من الله ، ومنزلتها ونبذ من الأخبار الدالة على فضلها وعلو رتبتها من أوكد الدلائل على عصمتها عليها السلام قوله سبحانه : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ( 1 )
ووجه الدلالة : أن الأمة اتفقت ( على ) أن المراد بأهل البيت في الآية هم أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ووردت الرواية من طريق الخاص والعام أنها مختصة بعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جللهم بعباء خيبرية ثم قال : ( اللهم إن هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ) فقالت أم سلمة : يا رسول الله وأنا من أهل بيتك ؟ فقال عليه وآله السلام لها : ( إنك على خير ) ( 2 )
ولا تخلو الإرادة في الآية إما أن تكون إرادة محضة لم يتبعها الفعل ، أو إرادة وقع الفعل عندها ، والأول باطل ، لأن ذلك لا تخصيص فيه لأهل البيت ، بل هو عام في جميع المكتفين ، ولا مدح في الإرادة المجردة ، وأجمعت الأمة على أن الآية فيها تفضيل لأهل البيت وإبانة لهم عمن سواهم ، فثبت الوجه الثاني ، وفي ثبوته ما يقتضي عصمة من عني بالآية ، وأن شيئا من القبائح لا يجوز أن يقع منهم ، على أن غير من سميناه لا شك أنه غير مقطوع على عصمته ، والآية موجبة للعصمة ، فثبت أنها فيمن ذكرناهم لبطلان تعلقها بغيرهم .
ومما يدل أيضا على عصمتها عليها السلام : قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها : ( إنها بضعة مني يؤذيني ما آذاها ) ( 3 ) .
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من آذى فاطمة فقد آذاني ، ومن آذاني فقد اذى الله عز وجل ) ( 4 ) .
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها ) ( 5 ) .
ولو كانت ممن يقارف الذنوب لم يكن من يؤذيها مؤذيا له على كل حال ، بل يكون متى فعل المستحق من ذمها ، أو إقامة الحد – إن كان الفعل يقتضيه – سارا له عليه السلام .
ومما روي من الآيات الدالة على محلها من الله عز وجل ما رواه الخاص والعام عن ميمونة أنها قالت : وجدت فاطمة عليها السلام نائمة والرحى تدور فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك فقال : ( إن الله علم ضعف أمته فأوحى إلى الرحى أن تدور فدارت ) ( 6 ) .
ومن الأخبار المنبئة عن فضلها وتميزها عمن سواها ما روته العامة عن عائشة قالت : ما رأيت رجلا أحسب إلى رسول الله من علي ، ولا امرأة أحب إلى رسول الله من امرأته ( 7 ) .
ورووا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : ( سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت : أ نا أحب إليك أم فاطمة ؟ فقال : فاطمة أحب إلي منك ، وأنت أعز علي منها ) .
ورووا عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( حسبك من نساء العالمين – وفي رواية أخرى : خير نساء العالمين – : مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ) .
وعن ابن عباس قال : أفضل نساء أهل الجنة : خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ومريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ( 8 ) .
وروي عن عبد الرحمن بن عوف قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( أنا الشجرة ، وفاطمة فرعها ، وعلي لقاحها ، والحسن والحسين ثمرها ، وشيعتنا ورقها ، الشجرة أصلها في جنة عدن ، والفرع والثمر والورق في الجنة ) ( 9 ) .
ورووا عن عائشة : أن فاطمة عليها السلام كانت إذا دخلت على رسول الله قام لها من مجلسه وقبل رأسها وأجلسها مجلسه ( 10 ) ورووا عن علي بن إبراهيم بن هاشم في تفسير القرآن ، عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال : ( بلغنا عن ابائنا أنهم قالوا : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكثر تقبيل فم فاطمة سيدة نساء العالمين عليها السلام إلى أن قالت عائشة : يا رسول الله أراك كثيرا متقبال فم فاطمة ، وتدخل لسانك في فيها ؟ ! قال : نعم يا عائشة ، أنه لما أسري بي إلى السماء أدخلني جبرائيل الجنة فأدناني من شجرة طوبى ناولني من ثمارها تفاحة فأكلتها فصارت نطفة في ظهري ، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة ، فكلما اشتقت إلى الجنة قبلتها وأدخلت لساني في فيها فأجد منها ريح الجنة ، وأجد منها رائحة شجرة طوبى ، فهي إنسية سماوية ) ( 11 ) .
وما رواه أصحابنا رضي الله عنهم من لأخبار الدالة على خصوصيتها من بين أولاد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بشرف المنزلة ، وبينونتها عن جميع نساء العالمين بعلو الدرجة فأكثر من أن يحصر ، فلنقتصر على ما ذكرناه .
وكان مما تمم الله تعالى به شرف أمير المؤمنين عليه السلام في الدنيا وكرامته في الآخرة أن خصه بتزويجها إياه ، كريمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأحب الخلق إليه ، وقرة عينه ، وسيدة نساء العالمين .
فمما روي في ذلك ما صح عن أنس بن مالك قال : بينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم جالس إذ جاء علي عليه السلام فقال : ( يا علي ما جاء بك ؟ ) .
قال : ( جئت أسلم عليك ) .
قال : ( هذا جبرئيل يخبرني أن الله تعالى زوجك فاطمة ، وأشهد على تزويجها أربعين ألف ألف ملك ، وأوحى الله تعالى إلى شجرة طوبى أن انثري عليهم الدر والياقوت ، فنثرت عليهم الدر والياقوت فابتدرت إليه الحور العين يلتقطن في أطباق الدر والياقوت ، وهن يتهادينه بينهن إلى يوم القيامة ) ( 12 ) .
وعن ابن عباس قال : لما كانت الليلة التي زفت بها فاطمة إلى علي عليهما السلام كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمامنا ، وجبرئيل عن يمينها ، وميكائيل عن يسارها ، وسبعون ألف ملك من خلفها ، يسبحون الله ويقدسونه ( 13 ) .
وافتخر أمير المؤمنين عليه السلام بتزويجها في مقام بعد مقام : روى أبو إسحاق الثقفي بإسناده ، عن حكيم بن جبير ، عن الهجري ، عن عمه قال : سمعت عليا عليه السلام يقول : ( لأقولن قولا لم يقله أحد بعدي إلا كذاب ، أنا عبد الله ، وأخو رسوله ، ووريث نبي الرحمة ، وتزوجت سيدة نساء الأمة ، وأنا خير الوصيين ) ( 14 ) .
والأخبار في هذا النحو كثيرة ، وروى الثقفي بإسناده عن بريدة قال : لما كان ليلة البناء بفاطمة عليها السلام قال لعلي عليه السلام : ( لا تحدث شيئا حتى تلقاني ) فاتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بماء – أو قال : دعا بماء – فتوضأ ثم أفرغه على علي عليه السلام ثم قال : ( اللهم بارك فيهما ، وبارك عليهما ، وبارك لهما في شبليهما ) ( 15 ) .
وروى بإسناده عن شرحبيل بن أبي سعيد قال : لما كان صبيحة عرس فاطمة جاء النبي صلى اله عليه وآله وسلم بعس فيه لبن فقال لفاطمة : ( اشربي فداك أبوك ) وقال لعلي عليه السلام : ( اشرب فداك ابن عمك ) ( 16 ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) الأحزاب 33 : 33 .
( 2 ) تفسير فرات الكوفي : 23 1 ، تفسير العياشي 1 : 0 5 2 ، تفسير القمي 2 : 3 9 1 ، أمالي الطوسي 1 : 69 2 ، فضائل ابن شاذان : 5 9 ، سنن الترمذي 5 : 1 35 / 05 32 و 663 / 3787 ، مسند أحمد 6 : 2 29 و 4 30 ، فضائل أحمد : 79 / 18 1 و 100 / 1 5 1 ، تفسير الطبري 22 : 6 و 7 ، مستدرك الحاكم 2 : 16 4 ، تاريخ بغداد 9 : 26 1 / 4743 و 10 : 278 / 5396 ، مناقب ابن المغازلي : 303 / 347 ، أسد الغابة 2 : 2 1 ، و 4 : 29 ، كفاية الطالب : 371 ، ذخائر العقبى : 21 .
( 3 ) صحيح مسلم 4 : 3 0 19 / 9 ، سنن الترمذي 5 : 698 / 3869 ، مسند أحمد 4 : 5 ، مستدرك الحاكم 3 : 159 ، تذكرة الخواص : 279 ، ونحوه في صحيح البخاري 5 : 6 2 مصابيح السنة للبغوي 4 : 85 1 / 9 79 4 .
( 4 ) تفسير القمي 2 : 6 9 1 ، علل الشرائع : 86 1 ، دلائل الإمامة للطبري : 45 ، كشف الغمة 1 : 466 .
( 5 ) صحيفة الإمام الرضا عليه السلام : 90 / 23 ، أمالي الصدوق : 3 1 3 / 1 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 0 46 / 176 ، معاني الأخبار : 3 0 3 / ذيل الحديث 2 ، أمالي المفيد : 4 4 / 9 ، أمالي الطوسي 2 : 41 ، دلائل الإمامة : 52 ، بشارة المصطفى : 208 ، مناقب ابن شهرآشوب 3 : 5 32 ، المعجم الكبير 2 2 : 1 0 4 / 1001 ، مستدرك الحاكم 3 : 4 5 1 ، مقتل الخوارزمي : 2 5 ، أسد الغابة 5 : 2 2 5 ، كفاية الطالب : 4 36 ، ذخائر العقبى : 39 ، ميزان الاعتدال 1 : 535 / 02 0 2 ، تهذيب التهذيب 4 : 69 4 .
( 6 ) مناقب ابن شهرآشوب 3 : 337 ، مقتل الخوارزمي : 68 ، نحوه في : الخرائج والجرائح 2 : 531 / 7 ، ذخائر العقبى : 98 .
( 7 ) سنن الترمذي 5 : 1 0 7 / 4 387 ، مستدرك الحاكم 3 : 4 5 1 و 57 1 ، تاريخ بغداد 1 1 : 30 4 ، أسد الغابة 5 : 522 ، ذخائر العقبي : 35 .
( 8 ) فضائل أحمد : 134 / 198 ، خصائص النسائي : 55 1 / 46 1 ، تذكرة الخواص : 276 ، أسد الغابة 5 : 522 ، ذخائر العقبي : 29 .
( 9 ) صحيح الترمذي 5 : 7 30 / 3878 ، المصنف للصنعاني 11 : 430 / 20919 ، مسند أحمد 3 / 135 ، المعجم الكبير 22 : 402 / 1003 و 1004 ، مستدرك الحاكم 3 : 157 و 158 ، ووافقه الذهبي في ديل المستدرك ، تاريخ بغداد 7 : 184 / 3636 و 9 : 404 / 5008 ، مصابيح السنة للبغوي 4 : 202 / 50 8 4 ، أسد الغابة 5 : 37 4 ، ذخائر العقبى : 43 .
( 10 ) مسند أحمد : 293 و 316 و 322 ، مستدرك الحاكم 3 : 185 ، أسد الغابة 5 : 437 ، جمع الجوامع 1 : 131 .
( 11 ) مستدرك الحاكم 3 : 160 ، مقتل الخوارزمي : 61 ، ودون ذيله في أمالي الطوسي 1 : 18 .
( 12 ) الذرية الطاهرة للدولابي 140 / 175 ، أمالي الطوسي 2 : 140 ، مناقب ابن شهرآشوب 3 : 333 سنن أبي داود 4 : 355 / 5217 صحيح الترمذي 5 : 0 0 7 / 3872 مستدرك الحاكم 3 : 154 و 160 و 4 : 172 ، سنن البيهقي 7 : 101 ذخائر العقبى : 40 و 41 .
( 13 ) تفسير علي بن إبراهيم 1 : 5 36 باختصار ، فرائد السمطين 2 : 0 5 / 381 باختلاف يسير .
( 14 ) مناقب ابن شهرآشوب 3 : 346 ، ونحوه في مناقب ابن المغازلي : 343 / 395 .
( 15 ) مناقب ابن شهرآشوب 3 : 354 ، كشف الغمة 1 : 353 ، تاريخ بغداد 5 : 6 / 4 235 ، مناقب الخوارزمي : 341 / 362 ، ذخائر العقبى : 32 ، فرائد السمطين 1 : 96 / 65 .
( 16 ) أمالي الطوسي 1 : 83 دون ذكر ( وأنا خير الوصيين ) ، كشف الغمة 1 : 473باختلاف يسير ، وقطعة منه في المصنف لابن أبي شيبة 1 : 62 / 1218 ، وخصائص النسائي 85 / 67 وتاريخ ابن عساكر – ترجمة الإمام علي ( ع ) – 1 : 4 3 1 / 4 6 1 ، وفرائد السمطين 1 : 227 / 77 1 .