تفسير آية الولاية
  • عنوان المقال: تفسير آية الولاية
  • الکاتب: الميرزا عبد الرسول الحائري
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 3:44:16 4-9-1403

إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ [۲]

اتفق جمهور من العلماء الخاصة , وأكثر علماء العامة ومنهم :

1ـ أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الثعلبي[۳] في تفسيره الكبير.

2ـ وأبو عبد الله الرازي[۴].

وغيرهما نقلوا :

روي عن أبي ذر ( رضي الله عنه ) أنه قال: صليت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوماً صلاة الظهر, فسأل سائل في المسجد, فلم يعطه أحد, فرفع السائل يده إلى السماء , وقال: ” اللهم اشهد أني سألت في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فما أعطاني أحد شيئاً ” وعلي عليه الصلاة والسلام كان راكعاً , فأومأ إليه بخنصره اليمنى , وكان فيها خاتم . فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم بمرأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : ” اللهم إن أخي موسى سألك فقال (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي )[ ۵] إلى قوله (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) [۶], فأنزلت قرآناً ناطقاً [ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً ً] [۷]. اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك, فاشرح لي صدري, ويسر لي أمري, واجعل لي وزيرا من أهلي, عليا أشدد به ظهري “. قال أبو ذر ( رضي الله تعالى عنه ) فو الله ما أتم رسول الله هذه الكلمة, حتى نزل جبريل, فقال: يا محمد! اقرأ { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ}إلى آخرها.

وروي أن عبد الله بن سلام قال: ” لما نزلت هذه الآية ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ) [ قلت: يا رسول الله ! أنا رأيت علياً تصدق بخاتمه على محتاج , وهو راكع , فنحن نتولاه “[۸].

وهكذا تثبت هذه الآية المباركة أن خلافة علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام بعد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هي خلافة بلا فصل , وولايته على المسلمين جميعاً هي ولاية كلية مطلقة, وعلى جميع الناس , لأن رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الآية الكريمة من القرآن [ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ] [۹]. تدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسل إلى جميع الناس في العالم, وهو النذير العام لهم, فكذلك شأن خليفته ووصيه علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام فإنه وأولاده الأئمة المعصومين لهم الوصاية والولاية العامة الكلية على جميع الخلائق في العالم.

 

تحقيق في معنى (الولي) :

إن كلمة ( ولي ) من الألفاظ المشتركة , وتجد لها معاني كثيرة في القرآن الكريم خاصة, وفي كتب اللغة عموماً, ومنها ما هو على قسم واحد المالك ، العبد ، المحرر ( من حرر عبداً ), المساعد, الرفيق, السيد, الأمير, السلطان, الصديق, والوارث, والقريب… الخ[۱۰].

وبعض المفسرين يفسرون كلمة ( ولي ) بمعنى صديق , ورفيق , ولكن التعبير مخالف لمدلول الآية المباركة( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّه ُ) حيث أن كلمة ( إنما ) التي جاءت للحصر بينت أن غرض الباري عز وجل , من معنى ( الولي ) ليس الصديق أو الرفيق فقط , ولو أن هذا المعنى مهم , ولكن لا يمكن للباري سبحانه , وجل شأنه أن يحصر المحبة في المؤمنين في الله ورسوله وعلي فقط , في الوقت الذي يقول الباري جل وعلا في آية أخرى( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) [۱۱]، معناها أن جميع المؤمنين بالله تعالى , هم أخوة لبعضهم , ومحبة بعضهم لبعض , واجبة ولازمة , ولا يمكن لله تعالى بناء عليه أن يحصر المحبة في نفسه سبحانه ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه الصلاة والسلام وعلى هذا نجد أن معنى كلمة ( ولي ) في الآية( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ) هي الولاية الكلية الإلهية , أو بمعنى أولى به التصرف حيث أن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار عليهم الصلاة والسلام , هم حاملون لهذه الولاية وهي منحصرة في الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار عليه الصلاة والسلام .

وفيما يلي نذكر في هذا الشأن بعضاً من الروايات الكثيرة التي جاءت تبين ما أثبتناه :

۱٫ الآية الكريمة( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) [۱۲]. وتفسيره أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم , بالمؤمنين , أولى بهم من أنفسهم.

۲٫ (تفسير الصافي )[۱۳]و ( أصول الكافي) :” عن سليم بن قيس قال : سمعت عبد الله بن جعفر الطيار يقول: ” كنا عند معاوية و أنا والحسن والحسين وعبد الله بن عباس وعمر بن أم سلمة وأسامة بن زيد. فجرى بيني وبين معاوية كلام. فقلت لمعاوية :

” سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم , ثم أخي علي بن أبي طالب أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا استشهد علي فالحسن بن علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثم ابني الحسين من بعده أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا استشهد فابنه علي بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم وستدركه يا علي ، ثم ابنه محمد بن علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وستدركه يا حسين ، ثم تكملة اثني عشر إماماً تسعة من ولد الحسين ” قال عبد الله بن جعفر ، واستشهدت الحسن والحسين وعبد الله بن عباس وعمر بن أم سلمة وأسامة بن زيد , فشهدوا لي عند معاوية .

” قال سليم : وقد سمعت ذلك من سلمان وأبي ذر والمقداد وذكروا أنهم سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم “[۱۴].

۳٫( أصول الكافي ) : ” عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام في قول الله عز وجل تعالى (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ ) قال : إنما يعني أولى بكم , أي أحق بكم , وبأموركم , وأنفسكم، وأموالكم الله ورسوله , (وَالَّذِينَ آمَنُواْ ) , يعني عليا وأولاده الأئمة عليهم السلام , إلى يوم القيامة … “[۱۵].

۴٫ ابن الأثير في كتابه ( أسد الغابة ) , والمتقي الهندي في كتابه ( كنز العمال ) والمناوي في كتابه ( المجمع ) , كل هؤلاء من كبار , وأجلاء علماء السنة , وقد رووا جميعهم عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم , قوله صلى الله عليه وآله وسلم في شأن ولاية علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام : “علي عليه الصلاة والسلام من بعدي أولى من جميع الناس بالتصرف بأنفسهم “[۱۶].

۵٫ أحمد بن حنبل في كتابه ( المسند ) , وأبو نعيم الأصفهاني في كتابه ( حلية الأولياء ) , وعشرات غيرهما من كبار علماء السنة , يروون أن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يقول في شأن علي عليه الصلاة والسلام : ” إن علياً وليكم بعدي “[۱۷].

ومن ذلك يتبين أن قصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كلمة ( الولاية ) إثبات مقام الخلافة والولاية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام على الناس . وليس مقبولاً من الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول : إن علياً من بعدي هو صديقكم. لأن الصداقة المذكورة في كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس معناها الصداقة بمفهومها، وإنما القصد هو الولاية والخلافة.

بعد ذكر الأحاديث والروايات والأدلة والبراهين الجلية , التي ذكرناها فيما سبق. يظهر أن مقصود الباري جلا وعلا في الآية الكريمة (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ )من كلمة ( ولي ) أولى بالتصرف , وأن الله تبارك وتعالى بعد ذكر ( إنما ) التي هي من أدوات الحصر حصر الأولوية للكائنات في ذاته المقدسة , وفي رسوله الكريم المحبوب , وفي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام وأولاده الأطهار عليهم الصلاة والسلام حصراً محدوداً . وليس لغير هؤلاء الأئمة الأطهار والميامين حق التصرف في الأمور التشريعية والتكوينية للخلائق أجمعين.

ولقد ثبت المقصود من آية( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّه )ُ , وآية( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) أنها ولاية مطلقة .

وعلى هذا الأساس , عندما يكون للباري جل وعلا , حق التصرف في جميع العالم الحي , وعلى جميع الموجودات والمخلوقات , وأنه يفعل ما يشاء , فقد يكون للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه الصلاة والسلام , وأولاده الطاهرين , حق التصرف في جميع الكائنات , وطبعاً يكون ذلك بإذن من الباري جل وعلا , وأن ولايتهم ولاية تامة كلية عامة ومطلقة , وهذا هو معنى الولاية الكلية ، والولي المطلق هو الذي له حق التصرف في شؤون الكائنات بإذن الله تعالى .
___________
[۱] الولاية ج۱ – لسماحة الميرزا عبد الرسول الحائري أعلى الله مقامه.
[۲] سورة المائدة ، الآية : ۵۵
[۳]أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، أبو إسحاق (ت۴۲۷هـ) ، مفسر من أهل نيسابور . له اشتغال بالتاريخ . من كتبه (عرائس المجالس-ط) و (الكشف والييان في تفسير لقرآن-خ) يعرف بتفسير الثعلبي.
[۴] الفخر الرازي محمد عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري , أبو عبد الله , فخر الدين الرازي ( ت ۶۰۶ه) . الإمام المفسر , شهير زمانه في المعقول ,والمنقول , وعلوم الأوائل . قرشي النسب , أصله من ( طبرستان ) , ومولده في (الري) , وإليها نسبته ، ويقال له :” ابن خطيب الري ” . رحل إلى ( خوارزم ) , وما وراء النهر , و( خراسان) ، وتوفي في ( هرات ) . أقبل الناس على كتبه في حياته يتدارسونها . وكان يحسن الفارسية . من تصانيفه ( مفاتيح الغيب ) في تفسير القرآن الكريم , المباحث المشرقية, معالم أصول الدين , وغيرها كثير (مفاتيح السعادة :۱/۴۴۵- وفيات الأعيان :۱/۴۷۴- طبقات الأطباء : ۲/۲۳- آداب اللغة : ۳/۹۴- لسان الميزان : ۴/۴۲۶- مختصر تاريخ الدول : ص ۴۱۸- البداية والنهاية : ۱۳/۵۵- معجم المطبوعات : ص ۹۱۵- طبقات الشافعية :۵/۳۳- الأعلام للزر كلي : ۶/۳۱۳).
[۵] سورة طه ، الآية : ۲۵
[۶] سورة طه ، الآية : ۳۲
[۷] سورة القصص ، الآية : ۳۵
[۸] راجع في الحديثين : التفسير الكبير للفخر الرازي ۱۲/۲۶- مناقب المغازلي : ص ۳۱۱٫
[۹] سورة الفرقان ، الآية : ۱
[۱۰] الولاية :- بالفتح – تكون بمعنى التولية وعليه قوله تعالى( هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ), يعني يومئذ يتولون الله , ويؤمنون به , ويتبرؤون ممن كانوا يعبدون . وقوله تعالى( مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ ), أي من توليتهم الميراث , وكان المهاجرون والأنصار يتوارثون بالهجرة والنصرة , وتكون بمعنى النصرة كما في ( اللسان ) , وتكون بمعنى المحبة أيضاً .
والولاية :- بالكسر – تكون بمعنى الإمارة , مصدر وليت . وتكون بمعنى التولية والسلطان , وقرائن الأحوال , ومواضع الاستعمال , تعين المقصود , وتميز ما عداه.
الولي : بمعنى الأولى والأحق , وهذه الأولوية والأحقية , قد يعبر عنها بلفظ ( الولي ) , وقد يعبر عنها بلفظ ( الأولى ) , وقد يعبر عنها بلفظ ( الولاية).
1ـ فمن مجيئها بلفظ ( الولي ) قوله تعالى (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ ).
2ـ ومن مجيئها بلفظ ( الأولى ) , قوله تعالى( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) , ولما نزلت قال بعض المسلمين : يا رسول الله ! ما هذه الولاية التي جعلها الله لك علينا ؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ” السمع والطاعة , فيما أحببتم وكرهتم !” . فقالوا : ” سمعنا وأطعنا ” فأنزل الله سبحانه:( َاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ). فإنك ترى من الآية , التعبير عن هذه الأولوية بالأولى . وترى من الحديث التعبير عن هذه الأولوية بالولاية.
ومن مجيئها بلفظ ( المولى) قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم ( غدير خم ) , وقد صعد المنبر , آخذا بيد علي عليه الصلاة والسلام , قائلاً:” ألست أولى بكم من أنفسكم ؟ ” قالوا : اللهم بلى . فقال : ” من كنت مولاه , فهذا علي مولاه ” والحديث مشهور وقد أثبته سماحة المؤلف – حفظه المولى – في ( خطبة الغدير ) التي مرت ( راجع ( الإسراء والمعراج ) من تأليف الحاج علي العسيلي العاملي : ص ۱۱۰
[۱۱] سورة الحجرات ، الآية : ۱۰
[۱۲] سورة الأحزاب ، الآية : ۵
[۱۳] تفسير الصافي : ۴/۱۶۴
[۱۴] أصول الكافي : ۱/۵۲۹- تفسير الصافي : ۴/۱۶۶- عيون أخبار الرضا (عليه الصلاة والسلام) : ۱/۳۸٫
[۱۵] أصول الكافي : ۱/۲۸۸
[۱۶] أسد الغابة: ۵/۹۴- المجمع : ۹/۱۰۹- كنز العمال : ۶/۱۵۵٫
[۱۷] مسند أحمد بن حنبل ۴/۴۳۷ و ۵/۳۵۶- حلية الأولياء : ۶/۲۹۴