في تفسير سورة والضحى
  • عنوان المقال: في تفسير سورة والضحى
  • الکاتب: الشيخ حبيب الكاظمي
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 23:8:15 1-9-1403

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

{وَالضُّحَى (۱) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (۲) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (۳) وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأُولَى (۴) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (۵}).

۱- إن قسماً كبيراً من الأقسام القرآنية متعلق بالأوقات، فمنه: الفجر، والصبح، والضحى، والعصر، والليل، سوى الإشارة إلى الشمس والقمر المسبِّبين لتعاقب الليل والنهار؛ مما يدل على عظمة الوقت: فهو من ناحية تتم فيه الأعمال التي بها تعمر مزرعة الآخرة، ومن ناحية اُخرى فقد يكون ذلك سوقاً للعبد إلى ضرورة الالتفات إلى مدبّر هذه الأوقات ـ لأن تكرر التعاقب يسلب الالتفات إلى صاحبه ـ وذلك استحضاراً للمعية الإلهية حتى لو خلّى الوقت من العمـل، فما المانع أن يفكر السجين –مثلاً- وهو المحبوس عن العمل في قدرة المدبر لهذه الأوقات، بما يوجب له خشوع الحضور بين يديه تعالى.

۲- إن الأقسام القرآنية مترابطة مع مورد القسم، وإلا كان انتخاب المقسم به عشوائياً، ومنه ما في هذه السور؛ فإن الله تعالى يُقسم بـــ الضُّحَى؛ وهو وقت ارتفاع النهار، و بــ ﴿اللَّيْلِ إِذَا سَجَى﴾؛ وهو وقت تغطية الظلام وجه الأرض؛ وفي ذلك إشعار بأن الذي يقلب الليل والنهار، هو بنفسه يقلب الحول والأحوال، فمن يُخرج الأرض من ظلمة الليل إلى وضح النهار؛ هو القادر أيضاً على أن يُخرج قلب عبده من ظلمة الإدبار إلى نور الإقبال، فاليد العاملة في الآفاق والأنفس؛ هي يد واحدة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد!.

۳- إن التقابل بين الليل والنهار إنما جعل لحكمة بالغة؛ فهو الذي جعل الليل سكناً، وجعل النهار معاشاً، وهو الذي جعل الليل ساجياً موجباً للسكون أيضاً، ثم جعل الضحى مبدأً لحركة الكائنات وللخروج من هذا السكون الذي أحدثه الليل.. فكم يخالف –كما هو الملاحظ هذه الأيام- حكمة الخلق من عكس الأمر، فجعل الليل جلبة وحركة، وقلب النهار نوماً وسكوناً!.

۴- اختلف المفسرون في تفسير قوله تعالى: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾ على وجهين:

– الأول: أن الوحي تأخر عن النبي (صلى الله عليه وآله) بما جعله يعيش حالة الخوف من أن يكون هذا التأخير لإعراض وقلى من ربه؛ مما أوجب له زيادة الانقطاع إليه.

– الثاني: أن هذه دعوى أعدائه الذين كانـوا لا يتركـون فرصـة إلا ويشمتون بالنبي (صلى الله عليه وآله)، فجاءت الآيات تطييباً لخاطره الشريف إلى درجة أن ضمير الخطاب للحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله) قد تكــرّر في هذه السورة –ظاهراً ومستتراً- قرابة خمس عشرة مرة، رغم أن انقطاع الوحي كما قيل فيه: كان من ليلتين إلى أربعين يوماً.

۵- إن هذه السورة – بناء على محتملية التوديع والقلى- بعد تأخـر الوحي الموجب لاضطـراب قلب الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله)، وكذا آية: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ﴾، والآيات المادحة كثيراً للأنبياء، وخاصة من كان لهم أتباع زمن النبي (صلى الله عليه وآله) كعيسى وموسى (عليهما السلام)، وغيرها من الدلائل القرآنية؛ كافية لغير المعاندين من الكافرين على أن القرآن وحي من الله تعالى، إذ لو كان من عند النبي (صلى الله عليه وآله) وحاشاه ذلك؛ لما ناسب هذه الدعوى مثل هذه المضامين: إذ لا يعقل التأذّي من تأخر الوحي لو كان بيد غير الله تعالى، كما لا يرجح مدح الأقران إذا لم تكن الدعوة إلهية!..

۶- إن الله تعالى ضمن لنبيه استمرار الوحي، فهو من مستلزمات الدعوة – وخاصة عند وجود شأن للنزول أو سؤال من أحد – ولكن مع ذلك فإن الله تعالى قطع وحيه عن نبيــه (صلى الله عليه وآله) إلى درجة شماتة الأعداء، أو تشويش بـال النبي (صلى الله عليه وآله) على التفسيرين؛ مما يُفهم منه أن الألطاف الخاصة كالألطاف العامة في أن أمرها بيد المولى يجريها متى شاء، وقد روي كما في المجمع أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لجبرائيل (عليه السلام): (ما جئت حتى اشتقت إليك، فقال جبرائيل: وأنا كنت أشدّ إليك شوقاً؛ ولكنّي عبد مأمور، وما نتنزل إلاّ بأمر ربّك)!.. فإنزال الآيات ليس عن هوى، كما أن الحبس ليس عن قلى.. ومن هنا لزم على المؤمن العمل بما يناسب زي العبودية دائماً، وترك أمر الفيوضات وزمانها وكمها وكيفها بيد المعطي المنان.

۷- ينبغي للدعاة إلى الله تعالى، أن لا يكون حرصهم على نجاح الدعوة؛ أكثر من حرص رب العالمين على ذلك!.. إذ يُخشى عليهم من تحوّل همّ فعلية التأثير، إلى شيء من تحقيق حظوظ النفس وإثبات إنّيتها بمعنى: رغبة الداعي هداية الخلق تحقيقاً لذاته وتعظيماً لنفسه ولو كان الأمر في ثوب مقدس.. ومن هنا فإن الله تعالى لا يبالي أن يقطع وحيه عن نبيه (صلى الله عليه وآله) وإن استلزم ما استلزم من تهمة القلى وتوديع الله تعالى له، فهو الذي ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا﴾، ولكن البناء على الاختبار ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾!.. ومن هنا لزم أن تكون عين الدعاة على أصل الدعوة، لا على المدعويين؛ فإن الله تعالى يخاطب نبيه (صلى الله عليه وآله) على ما أعطاه من الملكات والمعجزات: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾.

۸- إن دار الدنيا أضيق من أن تتجلى فيها كل المكرمات الإلهية لعباده المؤمنين، فإن الدار لا تتسع لها، لا أن كرم الله تعالى يضيق فيها.. ومن هنا قال الله تعالى: ﴿وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأُولَى﴾، فإن الله تعالى لم يقصّر في حق نبيه في دار الدنيا بشيء، حيث أمده بكل أنواع الكرامة: فعلّمه ما لم يكن يعلم، وكان فضل الله عليه كبيراً، ورفع له ذكره؛ ولكنه تعالى ادخر له جائزته العظمى ليوم القيامة، وهي التي يرضيه حق الرضا، والتي كشفت عنها روايات أهل البيت (عليهم السلام)، ومنه ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث قال: (رضا جدي أن لا يدخل النار موحد)، وما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): (أهل القرآن يقولون: أرجى آية قوله: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ﴾، وإنا أهل البيت نقول: أرجى آية قوله: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى﴾ والله إنها الشفاعة؛ ليعطاها في أهل لا إله إلا الله حتى يقول: رضيت).

۹- إنه لمن الملفت في هذه السورة، أن رضا النبي (صلى الله عليه وآله) عن العطاء الإلهي لا يكون في دائرة نفسه، وإنما في دائرة الأمة من حيث سعة الشفاعة، لتشمل أهل الكبائر من أمته!.. وهذا درس لعامة المؤمنين: في أن يجعلوا همّهم في الأمة، إذ إن طلب المزايا للذات؛ هو نوع شرك خفي يتنزه عنه خواص العابدين؛ ولكن طلب المزايا للنوع البشري لا يُعدّ شركاً، بل هو من لوازم التوحيد والحب الإلهي؛ لأنه مترشح من محبة العبد لبسط سلطان الله تعالى في أرضه.

۱۰- إذا كان حرص النبي (صلى الله عليه وآله) على الأمة متحققاً إلى درجة أنه لا يرضى بغير الشفاعة، وهو الذي تحمّل أذى الأعداء في هذا العمر المديد مكابداً ومجاهداً؛ فكيف بالرحمة الإلهية الغامرة والتي تتفرّع منها رحمة النبي وآله (صلى الله عليه وآله) بل رحمة كل من في الوجود؟!.. وقد ورد في بيان عظمة هذه الرحمة، أنها عندما تنبسط في الآخرة؛ فإنه يمتد لها عنق إبليس؛ فأية رحمة هذه؟!..

۱۱- إن هذه الآيات يمكن الاستدلال بها على الشفاعة – مع قطع النظر عن الروايات – وذلك من جهة أن الله تعالى أمره في الدنيا بالاستغفار فقال: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ﴾، والاستغفار هو طلب المغفرة، ومن طلب شيئاٌ فلا شك أنه لا يرضى بالرد وإنما يرضى بالإجابة، وإذا ثبت أن الذي يرضاه الرسول (صلى الله عليه وآله) هو الإجابة لا الرد، ومن ناحية أخرى دلت هذه الآية على أنه تعالى يعطيه كل ما يرتضيه؛ علمنا أن هذه الآية دالة على الشفاعة في حق المذنبين.

۱۲- يجدر الإشارة هنا إلى أن رضا النبي (صلى الله عليه وآله) منسجم مع الرضا الإلهي:

– فهو كان يرضى بالقبلة المكية؛ ومن هنا قال تعالى عن نفسه: ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾.

– وكان يرضى بالشفاعة الشاملة؛ ومن هنا قال تعالى عن نفسه: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى﴾.

وبكلمة جامعة: فإن رضا النبي (صلى الله عليه وآله) وإن كان حالة قائمة في نفس النبي (صلى الله عليه وآله)؛ إلا إنها مطابقة في عالم الغيب لما يرضى به الله تعالى.. ومن مجموع الآيتين يتبيّن حرص الله تعالى على إرضاء نبيه (صلى الله عليه وآله) بأعلى ما يمكن تصوّره، وهذه عادة المحب مع حبيبه؛ فيا لها من درجة!..

أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (۶) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (۷) وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى (۸) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (۹) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (۱۰) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (۱۱﴾.

۱۳- إننا من خلال مراجعة مجمل سير الأنبياء (عليهم السلام) نرى أنهم ابتلوا جميعاً بالمحن والبلايا في مختلف مراحل حياتهم، بل كلفهم الله تعالى بما لا يتناسب مع عمل الأنبياء بعنوانه الأولي ليعيشوا معاناة الغير بما يوجب الشفقة عليهم، وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): (ما بعث الله نبياً قطّ، حتي يسترعيه الغنم؛ ليعلمه بذلك رعية الناس)، إضافة إلى ما يوجبه من موجبات شدة الانقطاع إلى الله تعالى، ومن هنا صار البلاء للأمثل فالأمثل، وصار البلاء للولاء، وصار متناسباً طرداً مع مستوى الإيمان ككفتي الميزان .. وفي كل ما ذكر أيضاً تسلية لقلوب أهل البلاء وجبر لها، إذ لو لم يكن البلاء لطفاً؛ لما وجهه الله تعالى إلى أنبيائه العظام (عليهم السلام﴾.

۱۴- إن ما يمر على الإنسان من الضعف المالي كالفقر أو النفسي كاليتم؛ قد يوجب للبعض الابتلاء بالعقدة من الغير وحب الانتقام منه؛ ولكن يكون للبعض مدعاة لتحسس آلام من وقع فيها بعد اجتياز تلك المحنة؛ وهذا هو الذي أراده الله تعالى لأنبيائه العظام (عليهم السلام) فقيل عن يوسف (عليه السلام): أنه لم يكن ليشبع لئلا ينسى الجياع، ومن المعلوم أن فقر النبي (صلى الله عليه وآله) ويتمه يدخل في هذا السياق.. وعليه، فلا معنى للجزع عندما يمر على المؤمن فترة من فترات البلاء، فلعل ذلك أدب أراده الله تعالى له كما أراده لأنبيائه (عليهم السلام﴾.

۱۵- قيل في يتم النبي (صلى الله عليه وآله) وجوه من البركات فمنها:

– عرفته الوجدانية بحال اليتامى، فيكون أقدر على معايشة ما هم فيه .

– أنه أوجب الإنقطاع إلى ربه منذ صباه، فعُوّض من حنان الأبوين بحنان رب العالمين، والذي يترشّح منه كل حنان في الوجود.

– أن اليتم لا يُعدّ مانعاٌ لأية درجة من درجات الرقي لا بحسب الخلق ولا بحسب الخالق .

– أن الله تعالى أراد أن لا يكون لأحد يد عليه -حتى في صغر سنه- إلا بالمقدار الذي يلزمه المعاش.

۱۶- إن لرب العالمين عناية خاصة في بيان لطفه بعباده وإظهارها لهم والقول بأنه لولا هذا اللطف ما زكى أحد من الخلق كقوله تعالى: ﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ﴾، ومنها قوله تعالى : ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى﴾؛ أي كنت فاقداً لنعمة الهداية لولا هذه العناية الربانية، وبعبارة أخرى: كنت ضالاً مع قطع النظر عن هذه الهداية الملازمة منذ الصبا، فهو في حكم قوله تعالى في موضع آخر: ﴿ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ﴾، وكذا في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ﴾.. ومن هذا الباب أيضاً قول موسى (عليه السلام): ﴿فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾؛ أي فقدان الهداية من جهة المصلحة في قتل ذلك القبطي.

۱۷- إن الله تعالى هو الذي أغنى نبيه من خلال أم المؤمنين خديجة (عليه السلام)، وهو الذي آواه بعد أن فقد أباه وهو في بطن أمه من خلال جده عبد المطلب أولاً، وآواه بعد أن فقد أمه وهو في السادسة من عمره من خلال عمه أبي طالب ثانياً، فالعالم عالم السببية والتسبيب وإن كان الله تعالى هو الفاعل المطلق لما يشاء، فلا يتوقع عبد بعدها أن يرزق من دون كد، أو اعتماد على الغير.. وعليه، فلا معنى للدعاء بالاستغناء عن الخلق، بل المطلوب هو الإستغناء عن شرارهم!.. وهكذا الأمر في كل موارد سد الحوائج، وإلا فما الذي كان يمنع أن يفتح الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله) كنوز الأرض الخفية؛ بدلاً من مال خديجة (عليها السلام)؟..

۱۸- إن من لوازم التأسّي بالنبي (صلى الله عليه وآله) هو عدم رد السائل مطلقاً (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) سواء طلب مالاً أو علماً، وسواء كان صادقاً أو كاذباً، فقد دلت الرواية على رد السائل: إما برد جميل، أو ببذل يسير، ودلت الآية على عدم قهر اليتيم (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) والتعبير بالقهر يشعر بنوع من التحقير مع الغلبة، وكأن صاحبه تسلط على عدوه قاهراً له؛ وعليه لا بد من القول: بأنه المطلوب ليست هي صلة اليتيم مادة فحسب؛ وإنما رعاية نفسه وروحه، إذ أن ما فيه من الكسر الباطني لا يجبر بالمال .. ومن الملفت أن النبي (صلى الله عليه وآله) عاش حالة الفاقة واليتم معاً، ومن هنا كان شكر الإغناء والإيواء بالنسبة له هو العمل بمثله للغير ممن هو في حالته.

۱۹- إن إجابة السائل قد تكون بعد السؤال، ولكن إكرام اليتيم قد لا يكون بعد سؤال، بمقتضى صغر سنه وقصور بيانه؛ ومن هنا كان أبلغ تأثيراً!.. فروايات إكرام اليتيم مذهلة في المقام كقرن النبي (صلى الله عليه وآله) أصبعيه بياناً لموقعه منه في الجنة.. وليعلم هنا: أن الإكرام الأتم ما لم يكن بعد سؤال، وإلا فما يريقه السائل من ماء وجهه أكثر من ما يعطيه المسؤول ؛ فكيف إذا كان العطاء معه منّ وأذى؟!.. ومن المعلوم أن ما قام به عبد المطلب وأبو طالب (عليهما السلام) مما يوجب مثل هذا الأجر العظيم أعنى تكفل أعظم الخلق من دون سؤال، وخاصة مع ما سببته هذه الكفالة من الأذى البليغ، وهو ما وقع لعمه أبي طالب .. ونقول في هذا السياق: أن الله تعالى أولى من غيره للعمل بما ورد هنا، فهو الذي وجد عبده عائلاً ويتيماً وضالاً، فكان وجدانه هذا كافياً للإغناء والإيواء والهداية ولو من دون سؤال.

۲۰- إن التحدّث بالنعم الإلهية يكون تارة عن طريق البيان بالكلام، وذلك بإظهار النعم تحبيباً للناس بالمنعم، فقد ورد أن الله تعالى قال لموسى (عليه السلام): (حبّبني إلى خلقي، وحبّب خلقي إليّ، قال: يا رب!.. كيف أفعل؟.. قال: ذكّرهم آلائي ونعمائي؛ ليحبّوني)؛ لأن تذكير العباد بذلك يجبر إحساسهم بما سلبهم الله تعالى من النعم لمصالح هو يعرفها، أضف إلى تشجيعهم على ذكر النعم؛ فإن نسيانها قد يوجب حالة من السخط على بعض مكروه القضاء، فيقرب العبد من دائرة الكفر، أضف إلى ما في ذلك من سنّ سنة الاقتداء بعمل الصالحين، فقد روي عن الحسين (عليه السلام) أنه قال: (إذا عملت خيراً؛ فحدث إخوانك ليقتدوا بك) .. ويكون تارةً عن طريق البيان بالعمل: فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (إن اللهَ إذا أنعم على عبدٍ؛ أحب أن يرى أثر نعمتَه عليه).. وقد يكون المراد هنا شيء آخر، ألا وهو التحدث مطلقاً بما يقرب العباد إلى الله تعالى؛ إستعانة بالنعم الإلهية في تحقيق ذلك ومنها: شرح الصدر، وحُسن البيان.