التّفسير في اللغة الإبانة و إماطة اللّثام.
و لكن هل يحتاج القرآن إلى إبانة و إماطة لثام ... و هو «النّور» و «الكلام المبين»؟! كلّا، ليس على وجه القرآن لثام أو نقاب ... بل إنّنا بالتّفسير ينبغي أن نكشف اللثام عن روحنا، و نزيح الستار المسدول على بصيرتنا، فنستجلي بذلك مفاهيم القرآن و نعيش أجواءه.
من جهة اخرى، ليس للقرآن بعد واحد ... نعم، له بعد عام ميسّر للجميع، ينير الطريق، و يهدي البشريّة إلى سواء السبيل.
و له أيضا أبعاد اخرى للعلماء و المتفكّرين، لأولئك الطامحين إلى مزيد من الارتواء ... و هؤلاء يجدون في القرآن ما يروي ظمأهم إلى الحقيقة، و يغرفون من بحره قدر آنيتهم ... و تتسع الآنية باتّساع دائرة السعي و الجهد و الإخلاص.
هذه الأبعاد أطلقت عليها الأحاديث اسم «البطون» ... بطون القرآن ... و هي لا تتجلّى للجميع، أو بعبارة أدقّ لا تقوى كلّ العيون على رؤيتها.
و التّفسير يمنح العيون قوة، و يقشع عن البصائر الحجب و الأستار، و يمنحنا اللياقة لرؤية تلك الأبعاد بدرجة و اخرى.
و للقرآن أبعاد اخرى تنجلي بمرور الزمان و تعاقب التجارب البشرية و نموّ الكفاءات الفكريّة، و هذا ما أشار إليه ابن عباس إذ قال: «القرآن يفسّره الزمان».
أضف إلى ذلك أنّ «القرآن يفسّر بعضه بعضا»، و هذا لا يتنافى مع كونه نورا و كلاما مبينا، لأنّه كلّ لا يتجزأ، و جميع لا تفرّد، يشكّل بمجموعه النور و الكلام المبين1.
__________
1. المصدر: كتاب الامثل في تفسير كتاب الله المنزل، لسماحة آية الله الشيخ مكارم الشيرازي دامت بركاته.