القرآن ـ يا اصدقاءنا ـ حبل للنجاة في هذا العالم المليء بالمخاطر والظلمات. إنه نور من الله سبحانه ألقاه إلى نبيّه العظيم ليكون إماماً لنا نتّبعه فيمارس برحمته النبوية الحبيبة مهمّة الإنقاذ والتبصير.
دَعُونا إذن نتلمّس نورَ الاهتداء من خلال رواية نبوية وردت في ( كنز العمّال ).. قال رسولُ الله صلّى الله عليه وآله: لا خير في العَيش إلاّ لمستمعٍ واعٍ أو عالِمٍ ناطق. أيّها الناس، إنكم في زمانِ هُدنة، وإنّ السير بكم سريع، وقد رأيتم الليلَ والنهارَ يُبلِيانِ كلَّ جديد، ويُقرِّبانِ كلَّ بعيد، ويأتيانِ بكلِّ موعود، فأعِدُّوا الجهادَ لبُعدِ المِضمار.
فقال المقداد: يا نبيَّ الله؛ ما الهُدنة ؟ قال: بلاءٌ وانقطاع، فإذا التَبَست الأمورُ عليكم كقِطَع الليل المظلم فعليكم بالقرآن؛ فإنّه شافعٌ مُشفَّع، وماحِلٌ مصدَّق، ومَن جعله أمامَه قاده إلى الجنّة، ومَن جعله خلفَه قادَه إلى النار. وهو الدليل إلى خير سبيل، وهو الفصلُ ليس بالهزل. له ظَهرٌ وبطن؛ فظاهره حِكَم وباطنه علم، عميقٌ بحره.. لا تُحصى عجائبه، ولا يَشبَع منه عُلَماؤه. وهو حبل الله المتين، وهو الصراط المستقيم... فيه مصابيح الهدى، ومنار الحكمة، ودالٌّ على الحُجّة.
* * *
والقرآن دائماً جديد.. إذ هو يعبّر عن جوهر الحياة وينطق عن صُلب حقائق الوجود. إنّه المعلّم الضروريّ الدائم للإنسان، في كل زمانٍ ومكان.
عن هذا التجدّد القرآني المستمر يقول الإمام الصادق عليه السّلام لمّا سُئل: ما بالُ القرآن لا يزداد على النَّشر والدرس إلاّ غَضاضة ؟.. يقول عليه السّلام: لأنّ الله تبارك وتعالى لم يجعله لزمانٍ دون زمان، ولا لناسٍ دون ناس؛ فهو في كل زمانٍ جديد، وعند كلّ قومٍ غَضٌّ.. إلى يوم القيامة.
من هنا دُعِينا لوعي القرآن. ووعي القرآن درجةٌ أرقى من مجردِ حفظ ألفاظه، لأنّ وعيه تعامل مع جوهره وحقيقته ونور الله الكامن في داخله. يقول رسول الله صلّى الله عليه وآله: لا تَغُرَّنّكم هذه المصاحف المعلّقة، إن الله تعالى لا يُعذِّبُ قلباً وعى القرآن.
إنّ دخول الإنسان في القرآن ينبغي أن يكون دخولاً شاملاً لا يعرف التجزئة والتبعيض. دَعُونا إذَن ـ ايها الاصدقاء ـ نهتدي بدعاء لرسول الله، جاء فيه: اللهمّ.. ألزِم قلبي حفظَ كتابك كما علّمتَني، واجعلني أتلُوه على النحوِ الذي يرضيك عنّي. اللهمّ نَوِّر بكتابك بَصَري، واشرح به صدري، وفَرِّحْ به قلبي، وأطلِق به لساني، واستعمِلْ به بدني، وقَوِّني على ذلك.. فإنّه لا حول ولا قوّةَ إلاّ بك.