طريقة دعوة الأنبياء
كَذَّبت قومُ نُوحٍ المُرسَلين. إذ قال لهم أخوهم نوحٌ: ألاَ تَتَّقون (1)؟!
مضمون الآية الثانية بيان كيفية الدعوة، وبيان صفة الداعي. ومَن يدعو غيرَه إلى الله فإنّما يبدأ بدعوته إلى تقوى الله.. كما ذكر القرآن عن الأنبياء أنّهم كانوا يقولون: «ألاَ تَتَّقون» ؟!
وهم إذا قالوا هذا فإنّما يقولونه بغاية التلطّف، ليكون مؤثّراً وليتلقّاه المخاطَب بالقبول. ألا ترى أنّ ربّ العزّة قد أرسل موسى وهارون إلى فرعون وأوصاهما أن يتلطّفا به، فقال: فقُولا له قولاً لَيِّناً لعلّه يتذكّرُ أو يَخشى (2) وقال للمصطفى أيضاً: قُل: إنّما أعِظُكُم بواحدة... (3).
الأنبياء في هذه القصص قد قالوا لأممهم برفق ولطف: «ألاَ تتّقون» ؟!، ولم يقولوا لهم: اتَّقوا الله، واتّقوا عقابه. ذلك أنّ في هذا القول نوعاً من الخشونة ربّما تُنفِّر قلوب القوم. ومثله حين يقال لشخص: افعَلْ كذا؛ فإنّه أمرٌ قاطع يخلو من الرفق واللطف. ومتى قيل له: ألاَ تفعلُ كذا ؟ فإنّ المعنى واحد لكنّه مَشوب ـ في العبارة الأخيرة ـ باللطف والرفق، ويَعلَق بقلب المستمع. (149:7 ـ 150)
-------------
1 ـ الشعراء 105 ـ 106.
2 ـ طه: 44.
3 ـ سبأ، من الآية 46.
علامة الحبّ الحقيقي
ومِن الناسِ مَن يَتَّخذُ مِن دونِ اللهِ أنداداً يُحبّونهم كحبِّ الله، والذينَ آمنوا أشدُّ حبّاً لله (1).
إذا كان للمؤمنين ولأحباء الله، في كلّ القرآن، هذه الآية وحدها.. لكفاهم ذلك شرفاً وكرامة. يقول ربّ العالمين: إنّهم يُحبّونني حبّاً شديداً، هو أشدّ من حبّ الكفّار لمعبودهم.
ألاَ ترى أنّ الكفّار بين مدّة ومدّة يستبدلون صنماً بصنم، ويتّخذونه معبوداً ؟! إذا كانوا مُعدَمين فانّهم يكتفون بقطعة من الخشب منحوتة، ومتى أيسَروا يهملون تلك الخشبة ويتّخذون بدلها صنماً من الذهب والفضة. ولو كان محبوبهم هذا معبودَهم على الحقيقة.. فلماذا يميلون إلى سواه ؟!
يقولون: إنّ رجلاً رأى امرأة عارفة فأعجبه جمالها وتعلّق بها. قال لها:
ـ كُلّي بكُلّك مشغول.
قالت له المرأة:
ـ كيف لو رأيتَ أُختي وهي أجمل منّي ؟!
قال:
ـ أين أُختك هذه.. لأراها ؟
قالت المرأة:
ـ يا مُدّعي.. ما أنت بعاشق، لو كنتَ صادقاً في العشق لما التَفَتَّ إلى سواي.(446:1 ـ 447)
-------
1 ـ البقرة، من الآية 165.