هي الأشهر التي كانت العرب تعظّمها وتُحرّم فيها الغزو والقتال، فلمّا جاء الإسلام أقرّ هذه السّنّة الإنسانيّة، قال تعالى: إنّ عدّةَ الشُّهورِ عِندَ اللهِ اثنا عَشَر شَهراً في كِتابِ اللهِ يَومَ خَلَقَ السماواتِ والأرضَ منها أربعةٌ حُرُم (1) .
والأشهر الحُرُم أربعة، ثلاثة منها مُتالية: ذو القِعدة وذو الحجّة والمحرّم، وواحدٌ منها فرد، وهو رَجَب. ومعنى « حُرُم » أنّه يَعْظُم انتهاكُ المحارم فيها أكثر ممّا يَعظُم في غيرها(2) .
وكان عرب الجاهلية ربما شَقّ عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية لا يَغزون فيها، فكانوا يؤخّرون تحريم شهر المحرّم إلى صفر، فيحرّمون صفر ويستحلّون المحرّم، وقد حرّم الله تعالى ذلك في قوله: إنّما النَّسيءُ زيادةٌ في الكُفر (3) ، والنسيء هو تأخير الأشهر الحرم عمّا رتّبها الله سبحانه عليه(4) .
وقد أجاز الله عزّوجلّ للمسلمين القتال في الأشهر الحرم مع مَن ينتهك حُرمة تلك الأشهر، فقال سبحانه: الشَّهْرُ الحرامُ بالشَّهرِ الحرام والحُرُماتُ قِصاصٌ فمَن اعتَدى عَلَيكم فاعتَدُوا عليه بمِثْلِ ما اعتدى عليكم (5) .
وروي عن الإمام الرضا عليه السّلام أنّه قال: إنّ المحرّم شهرٌ كان أهل الجاهليّة يُحرّمون فيه القتال، فاستُحلّت فيه دماؤنا، وهُتِكت فيه حُرماتنا، وسُبي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأُضرِمت النيران في مَضارِبنا، وانتُهِب ما فيها مِن ثقلنا، ولم تُرعَ لرسول الله صلّى الله عليه وآله حُرمة في أمرنا. إنّ يَوم الحسين أقرح جُفوننا، وأسبل دُموعنا... فعلى مِثل الحسين فليبك الباكون ـ الحديث(6) . إشارةً إلى المذبحة العظمى التي اجترحتها السلطة الأموية في قتل سيّد شباب أهل الجنة عليه السّلام وأصحابه وأهل بيته في محرّم سنة 61 للهجرة.
---------
1 ـ التوبة: 36.
2 ـ تفسير مجمع البيان، للطبرسي 42:5.
3 ـ التوبة: 37.
4 ـ تفسير مجمع البيان 45:5.
5 ـ البقرة: 194.
6 ـ أمالي الشيخ الصدوق 111 حديث 2. بحار الأنوار 283:44 حديث 17.