آية الولاية
  • عنوان المقال: آية الولاية
  • الکاتب: السيد علي الحسيني الميلاني
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 0:33:0 2-9-1403

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد وآله الطيِّبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين ، من الأوَّلين والآخرين .
قال الله تعالى: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (المائدة : 55 ).
هذه الآية المباركة تُسمّى في الكتب بـ ( آية الولاية ) ، استدلّ بها الإمامية على إمامة أمير المؤمنين ( سلام الله عليه ) ، وكما ذكرنا من قبل ، لابدّ من الرجوع إلى السنّة لتعيين مَن نزلت فيه الآية المباركة . وبعبارةٍ أُخرى : لمعرفة شأن نزول الآية.
ثمّ بعد معرفة شأن نزول الآية المباركة ، لابدّ من بيان وجه الاستدلال بها على إمامة أمير المؤمنين.
ثمّ يأتي دور الإشكالات والاعتراضات والمناقشات التي نجدها في كتب الكلام والعقائد من قِبل علماء السنّة في الاستدلال .

 

فالبحث ـ إذن ـ يكون في جهات:

الجهة الأُولى : في شأن نزول هذه الآية المباركة
أجمعتْ الطائفة الإمامية ـ ورواياتهم بهذا الأمر متواترة ـ بأنّ الآية المباركة نزلت عندما تصدّق أمير المؤمنين ( سلام الله عليه ) بخاتمه على السائل ، وهو في أثناء الصلاة ، وفي حال الركوع.
فالأمر مفروغ منه من جهة الشيعة الإمامية.
إلاّ أنّ هذا المقدار لا يكفي للاستدلال على الطرف المقابل ـ كما ذكرنا من قبل ـ فله أن يُطالب برواة هذا الخبر من أهل السُّـنَّة ، من المحدّثين والمفسّرين . وله أيضاً أن يُطالب بصحّة سند هذا الخبر في كتب السُّـنَّة ؛ ليكون حجّة عليه.

ونحن على طبق هذه القاعدة المقرّرة في أُصول البحث والمناظرة ، نذكر في الجهة الأُولى أسماء بعض مَن روى هذه القضيّة ، ونزول هذه الآية المباركة في أمير المؤمنين ، في خصوص تصدّقه ، في حال الركوع ، بخاتمه على الفقير ، على السائل ؛ لتتمّ الحجّة حينئذٍ على مَن يرى حجيّة كتبه ، على مَن يرى اعتبار رواياته ، على مَن يلتزم بلوازم مذهبه.

فحينئذٍ تتمّ الجهة الأُولى ، ويتعيّن مَن نزلت فيه الآية المباركة ، ويكون الخبر متّفقاً عليه بين الطرفين ، ومقبولاً بين الخصمين أو المتخاصمين.
 

قول المفسِّرين:

1 ـ يعترف القاضي الإيجي في كتابه "المواقف في علم الكلام" ، وهو من أهم متون أهل السنّة في علم الكلام وأصول الدين ، فالقاضي الإيجي المتوفّى سنة (756 هـ) يعترف بإجماع المفسّرين على نزول الآية المباركة في هذه القضيّة الخاصّة المتعلّقة بأمير المؤمنين ( عليه السلام )(1).

2 ـ وأيضاً يعترف بهذا الإجماع : الشريف الجرجاني المتوفّى سنة (816 هـ) في كتابه : "شرح المواقف في علم الكلام" . وهذا الكتاب متناً وشرحاً مطبوع وموجود الآن بين أيدينا(2).

3 ـ وممّن يعترف بإجماع المفسّرين على نزول الآية المباركة في شأن علي (عليه السلام) : سعد الدين التفتازاني المتوفّى سنة (793 هـ) في كتابه "شرح المقاصد"(3) . وشرح المقاصد أيضاً من أهم كتب القوم في علم الكلام ، ومن شاء فليرجع إلى كتاب "كشف الظنون" ليجد أهميّة هذا الكتاب بين القوم ، وفي أوساطهم العلميّة ، حيث كان هذا الكتاب من جملة كتبهم التي يتدارسونها في حوزاتهم العلميّة ، لذلك كثر منهم الشرح والتعليق على هذا الكتاب.

4 ـ وممّن يعترف بإجماع المفسّرين من أهل السنّة على نزول الآية المباركة في أمير المؤمنين ، في هذه القضيّة الخاصة : علاء الدين القوشجي السمرقندي في كتابه "شرح التجريد" ، وهذا الكتاب أيضاً مطبوع وموجود بين أيدينا(4).

فعلماء الكلام الذين يبحثون عن أدلة الإمامة ، وعمّا يقول الطرفان في مقام الاستدلال ، وعمّا يحتجّ به كلّ من الطرفين على مدّعاه ، يقولون بنزول الآية المباركة في هذه القضيّة الخاصّة.

إذن ، فالمفسّرون من أهل السنّة مجمعون على نزول الآية المباركة في هذه القضيّة ، والمعترِف بهذا الإجماع كبار علماء القوم في علم الكلام ، الذين يرجع إليهم ويعتمد على أقوالهم ويستند إلى كتبهم.
 

قول المحدِّثين :

فقد رأيتُ من رواة هذا الحديث في كتبهم :

1 ـ الحافظ عبد الرزّاق الصنعاني ، صاحب كتاب "المصنّف" ، وهو شيخ البخاري صاحب "الصحيح" .

2 ـ الحافظ عبد بن حميد ، صاحب كتاب "المسند".

3 ـ الحافظ رزين بن معاوية العبدري الأندلسي ، صاحب "الجمع بين الصحاح الستّة".

4 ـ الحافظ النسائي ، صاحب "الصحيح" ، روى هذا الحديث في صحيحه.

5 ـ الحافظ أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري ، صاحب التاريخ المعروف ، والتفسير المعروف المشهور.

6 ـ ابن أبي حاتم الحافظ الرازي المحدّث المفسّر المشهور ، الذي يعتقد ابن تيميّة في "منهاج السنّة" بأنّ تفسير ابن أبي حاتم خال من الموضوعات.

7 ـ الحافظ أبو الشيخ الأصفهاني.

8 ـ الحافظ ابن عساكر الدمشقي.

9 ـ الحافظ أبو بكر ابن مردويه الأصفهاني.

10 ـ الحافظ أبو القاسم الطبراني.

11 ـ الحافظ الخطيب البغدادي.

12 ـ الحافظ أبو بكر الهيثمي.

13 ـ الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي.

14 ـ الحافظ المحبّ الطبري ، شيخ الحرم المكّي.

15 ـ الحافظ جلال الدين السيوطي ، المجدّد في القرن العاشر عند أهل السنّة.

16 ـ الحافظ الشيخ علي المتّقي الهندي ، صاحب كتاب "كنز العمّال".

هؤلاء جماعة من أعلام الأئمة في القرون المختلفة ، يروون هذا الحديث في كتبهم.

يقول الآلوسي صاحب التفسير المسمّى بـ "روح المعاني" : غالب الأخباريين على أنّ هذه الآية نزلت في علي ( كرّم الله وجهه )(5).

فالقضيّة بين المفسّرين مُجمَع عليها ، وغالب المحدّثين والأخباريين ينصُّون على هذا ، ويقولون بنزول الآية في علي ويروون هذا الحديث . وذكرتُ لكم أسماء جماعة من أعلامهم ، منذ زمن البخاري إلى القرن الحادي عشر.

ولو أنّك تراجع تفسير ابن كثير في ذيل هذه الآية المباركة(6) ، تجده يعترف بصحّة بعض أسانيد هذه الأخبار . واعتراف ابن كثير بصحّة بعض هذه الأسانيد ، يمكن أن يكون لنا حجة على الخصوم ؛ لأنّ اعتراف مثل ابن كثير بصحّة هذه الروايات ـ وهو ممّن لا نرتضيه نحن ، ونراه رجلاً متعصّباً في تفسيره وتاريخه ـ هذا الاعتراف له قيمته العلميّة.

وأنا شخصيّاً راجعتُ عدّةً من أسانيد هذه الرواية ، ولاحظتُ كلمات علماء الجرح والتعديل من كبار علمائهم في رجال هذه الروايات والأسانيد ، ورأيت تلك الأسانيد صحيحة على ضوء كلمات علمائهم.

منها : هذا الحديث الذي أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (7) ، فإنّه يرويه عن أبي سعيد الأشج ، عن الفضل بن دكين ، عن موسى بن قيس الحضرمي ، عن سلمة بن كهيل ، قال: تصدّق علي بخاتمه وهو راكع ، فنزلت الآية: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ) (المائدة : 55 ) إلى آخرها.

فإذن ، هذا الخبر مجمع عليه بين المفسّرين ، وعليه غالب المحدّثين باعتراف الآلوسي ، وذكرتُ لكم أسامي عدّة من رواته من الأعلام ، وذكرتُ لكم اعتراف ابن كثير بصحّة بعض أسانيده ، كما أنّي شخصيّاً حقّقت بعض الأسانيد على ضوء كلمات علمائهم وصحّحتها على طبق قواعدهم.

وقد اشتهر هذا الخبر وثبت ، بحيث يُروى أنّ حسّان بن ثابت الشاعر الأنصاري الصحابي المعروف ، قد نظم هذه المنقبة وهذه القضيّة في شعر له ـ ومن الناقلين لهذا الشعر هو الآلوسي البغدادي صاحب "روح المعاني"(8) ـ يقول في شعر له :

فأنتَ الذي أعطيتَ إذ كنتَ راكعاً زكاةً فدتك النفسُ يا خيرَ iiراكعِ

فـأنزل فـيك اللهُ خـيرَ ولايةٍ وأثـبتها أثـنى كتاب الشرايع

إذن ، هذه القضيّة لا يمكن المناقشة في سندها بشكل من الأشكال ، ولا مجال لأن تُكذّب هذه القضيّة ، أو تُضعّف روايات هذه القضيّة.
 

مع ابن تيمية

وإذا بلغ الأمر إلى هذه المرحلة ، فلا بأس لو أقرأ لكم عبارة ابن تيميّة حول هذا الحديث وهذا الاستدلال ، نصّ عبارته هكذا ، يقول هذا الرجل :

( قد وضع بعض الكذّابين حديثاً مفترى ، أنّ هذه الآية نزلت في علي لمّا تصدّق بخاتمه في الصلاة ، وهذا كذب بإجماع أهل العلم بالنقل ، وكذبه بيّن ) .

ويضيف هذا الرجل : ( وأجمع أهل العلم بالنقل على أنّها لم تنزل في علي بخصوصه ، وأنّ عليّاً لم يتصدّق بخاتمه في الصلاة . وأجمع أهل العلم بالحديث على أنّ القصّة المروية في ذلك من الكذب الموضوع ، وأنّ جمهور الأُمَّة لم تسمع هذا الخبر )(9) .

فليسمع المقلِّدون لابن تيميّة في بحوثهم العلميّة ، ولينتبه أُولئك الذين يأخذون من مثل هذا الرجل عقائدهم وأحكامهم وسننهم وآدابهم.

فالقاضي الإيجي ، والشريف الجرجاني ، وكبار علماء الكلام ـ وهذه كتبهم موجودة ـ ينصّون على إجماع المفسّرين بنزول الآية المباركة في علي في القصّة الخاصّة هذه ، ويقول هذا الرجل: إنّ بعض الكذّابين قد وضع هذا الخبر المفترى ، وعلي لم يتصدّق بخاتمه ، وأجمع أهل العلم في الحديث !!

أتصوّر أنّه يقصد من أهل العلم ـ حيث يدّعي الإجماع ـ يقصد نفسه فقط ، أو مع بعض الملتفّين حوله ، فإذا رأى نفسه هذا الرأي ، ورأى اثنين أو ثلاثة من الأشخاص يقولون برأيه ، فيدّعي إجماع أهل الحديث وأهل النقل وإجماع الأُمَّة كلّهم على ما يراه هو ، وكأنّ الإجماع في كيسه ، متى ما أراد أن يخرجه من كيسه ، أخرجه وصرفه إلى الناس ، وعلى الناس أن يقبلوا منه ما يدّعي.

وعلى كلّ حال ، فهذه القضيّة واردة في كتبهم وكتبنا ، في تفاسيرهم وتفاسيرنا ، في كتبهم في الحديث وكتبنا . مثلاً : لو أنّكم تراجعون من التفاسير : تفسير الثعلبي ـ وهو مخطوط ـ تفسير الطبري ، وأسباب النزول للواحدي ، وتفسير الفخر الرازي ، وتفسير البغوي ، وتفسير النسفي ، وتفسير القرطبي ، وتفسير أبي السعود ، وتفسير الشوكاني ، وتفسير ابن كثير ، وتفسير الآلوسي ، والدر المنثور للسيوطي ، لرأيتم كلّهم ينقلون هذا الخبر ، بعضهم يروي بالسند ، وبعضهم يُرسل الخبر(10) ، وكأنّ هؤلاء كلّهم ليسوا من هذه الاُمّة.

وعلى كلّ حال ، فالقضيّة لا تقبل أيّ شك وأيّ مناقشة من جهة السند ومن ناحية شأن النزول ، وحينئذٍ ينتهي بحثنا عن الجهة الأُولى ، أي جهة شأن نزول الآية المباركة وقضيّة أمير المؤمنين وتصدّقه بخاتمه وهو راكع.

الجهة الثانية : وجه الاستدلال بالآية المباركة على الإمامة .

وجه الاستدلال يتوقّف على بيان مفردات الآية المباركة : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (المائدة : 55 ).

فكلمة (إنّما) تدلّ على الحصر ، لم ينكر أحد منهم دلالة إنّما على الحصر.

(وليُّكم) : هذه الولاية بأيّ معنى ؟ سنبحث عن معنى الولاية في حديث الغدير بالتفصيل ، وأيضاً في حديث الولاية . عندنا آية الولاية ، وهي هذه الآية التي هي موضوع بحثنا في هذه الليلة ، وعندنا حديث الولاية ، وهو قوله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) : ( علي منّي وأنا من علي ، وهو وليّكم من بعدي ) ، فكلمة (الولاية) موجودة في هذه الآية المباركة بعنوان (وليّكم) ، وأيضاً في ذلك الحديث بعنوان (وليّكم).
 

معنى الولاية

الولاية مشترك : إمّا مشترك معنوي ، وإمّا مشترك لفظي . نحن نعتقد بالدرجة الأُولى أن تكون الولاية مشتركاً معنوياً . فمعنى الولاية إذا قيل:

( فلانٌ وليّ فلانٍ ) ، أي فلانٌ هو القائم بأمر فلانٍ . ( فلانٌ وليُّ هذه الصغيرة ) ، أي القائم بشؤون هذه الصغيرة . ( فلانٌ وليّ الأمر ) أي القائم بشؤون هذا الأمر ؛ ولذا يقال للسلطان : وليّ.

هذا المعنى هو واقع معنى الولاية.

ونجد هذا المعنى في كلّ موردٍ ذُكر مورداً للولاية ، مثلاً : الصديق وليّ ، الجار وليّ ، الحليف وليّ ، الأب وليّ ، الله وليّ ، ورسوله وليّ ، وهكذا في الموارد الأخرى من الأولياء.

هذا المعنى موجود في جميع هذه الموارد ، وهو : القيام بالأمر.

هذا هو معنى الولاية على ضوء كلمات علماء اللغة . فلو تراجعون كتب اللغة ، تجدون أنّ هذه الكلمة يذكرون لها هذا المعنى الأساسي ، وهذا المعنى موجود في جميع تلك الموارد المتعدِّدة ، مثلاً : الجار له الولاية ، أي الجار له الأولوية في أن يقوم بأمور جاره ، يعني لو أنّ مشكلة حدثت لشخص ، فأقرب الناس في مساعدته في تلك المشكلة ، والقيام بشؤون هذا الشخص ، يكون جاره ، هذا حقّ الجوار . مثلاً الحليف كذلك ، مثلاً الناصر أو الأخ ، هذه كلّها ولايات ، لكن المعنى الوحداني الموجود في جميع هذه الموارد هو القيام بالامر.

هذا بناءً على أن تكون الولاية مشتركاً معنويّاً.

وأمّا إذا جعلنا الولاية مشتركاً لفظيّاً ، فمعنى ذلك أن يكون هناك مصاديق متعدّدة ، ومعاني متعدّدة ، للّفظ الواحد ، مثل كلمة : العين . كلمة ( العين )مشترك لفظي ، ويشترك في هذا : العين الجارية ، والعين الباصرة ، وعين الشمس ، وغير ذلك كما قرأتم في الكتب الأُصولية.

فالاشتراك ينقسم إلى اشتراك معنوي واشتراك لفظي . في الدرجة الأُولى نستظهر أن تكون الولاية مشتركاً معنوياً ، وعلى فرض كون المراد من الولاية المعنى المشترك بالاشتراك اللفظي ، فيكون من معاني لفظ الولاية : الأحقيَّة بالأمر ، الأولوية بالأمر ، فهذا يكون من جملة معاني لفظ الولاية ، وحينئذٍ لتعيين هذا المعنى نحتاج إلى قرينة معيّنة ، كسائر الألفاظ المشتركة بالاشتراك اللفظي.

حينئذٍ لو رجعنا إلى القرائن الموجودة في مثل هذا المورد ، لرأينا أنّ القرائن الحاليّة والقرائن اللفظيّة ـ وبعبارةٍ أُخرى : القرائن المقاميّة والقرائن اللفظيّة ـ كلّها تدلّ على أنّ المراد من الولاية في هذه الآية ، المعنى الذي تقصده الإمامية ، وهو : الأولوية والأحقيَّة بالأمر.

ومن جملة القرائن اللفظيّة ، نفس الروايات الواردة في هذا المورد.

يقول الفضل بن روزبهان في ردّه(11) على العلاّمة الحلّي ( رحمة الله عليه ) : إنّ القرائن تدلّ على أنّ المراد من الولاية هنا : النصرة . فـ ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) ، أي إنّما ناصركم الله ورسوله والذين آمنوا ، الذين يقيمون الصلاة ... إلى آخر الآية المباركة.

فابن روزبهان يجعل الولاية بمعنى النصرة ، والنصرة أحد معاني لفظ الولاية كما في الكتب اللغويّة ، لكن الروايات أنفسها ، ونفس الروايات الواردة في القضيّة ، تنفي أن يكون المراد من الولاية هنا : النصرة.

مثلاً هذه الرواية ـ وهي موجودة في تفسير الفخر الرازي ، موجودة في تفسير الثعلبي ، موجودة في كتب أُخرى(12) ـ : أنّ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) لمّا علم بأنّ عليّاً تصدّق بخاتمه للسائل ، تضرّع إلى الله وقال: ( اللَّهُمَّ إنّ أخي موسى سألك ، فقال: ( قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا ) (طه : 25 ـ 35) ، فأوحيتَ إليه : (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى) (طه : 36) ، اللهمّ وإنّي عبدك ونبيّك ، فاشرح لي صدري ، ويسّر لي أمري ، واجعل لي وزيراً من أهلي ، عليّاً أُشدد به ظهري...) . قال أبو ذر : فوالله ، ما استتمّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) الكلمة ، حتّى هبط عليه الأمين جبرائيل بهذه الآية : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ) إلى آخر الآية.

فهل يعقل ، وهل يرتضي عاقلٌ فاهمٌ ، له أدنى إلمام بالقضايا ، وباللغة ، وبأُسلوب القرآن ، وبالقضايا الواردة عن رسول الله ، هل يُعقل حمل الولاية في هذه الآية ـ مع هذه القرائن ـ على النصرة ؟ بأن يكون رسول الله يطلب من الله سبحانه وتعالى أن يُعلن إلى الملأ ، إلى الناس ، بأنّ عليّاً ناصركم ، فيتضرّع رسول الله بهذا التضرّع إلى الله سبحانه وتعالى في هذا المورد ، فيطلب من الله نزول آية تفيد بأنّ عليّاً ناصر المؤمنين ؟

وهل كان من شك في كون عليّاً ناصراً للمؤمنين حتّى يتضرّع رسول الله في مثل هذا المورد ، مع هذه القرائن ، وبهذا الشكل من التضرّع إلى الله سبحانه وتعالى ، وقبل أن يستتمّ رسول الله كلامه تنزل الآية من قبل الله : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) ، أي إنّما ناصركم الله ورسوله والذين آمنوا ، إلى آخر الآية ؟ هل يُعقل أن يكون المراد من ( وَلِيُّكُمُ ) أي ناصركم في هذه الآية ، مع هذه القرائن ؟

إذن ، لو أصبحت (الولاية) مشتركاً لفظيّ ، وكنّا نحتاج إلى القرائن المعيّنة للمعنى المراد ، فالقرائن الحاليّة والقرائن اللفظيّة كلّها تعيّن المعنى ، وتكون كلمة (الولاية) بمعنى: الأولوية . فالأولوية الثابتة لله وللرسول ، ثابتةٌ للذين آمنوا ، الذين يقيمون الصلاة ويُؤتون الزكاة وهم راكعون.

إذن ، عرفنا معنى (إنّما) ومعنى (الولاية) في هذه الاية.

ثمّ الواو في ( وَالَّذِينَ آمَنُوا ) ، هذه الواو عاطفة . وأمّا الواو التي تأتي قبل ( وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، فهذه الواو حاليَّة ؛ ( وَهُمْ رَاكِعُونَ ) : أي في حال الركوع.

حينئذٍ يتمّ الاستدلال ؛ ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ) ، أي إنّما الأولى بكم : الله ورسوله والذين آمنوا ، الذين يُقيمون الصلاة ويُؤتون الزكاة في حال الركوع . والروايات قد عيّنت المراد من الذين آمنوا ، الذين يُقيمون الصلاة ويُؤتون الزكاة وهم راكعون.

فهذا وجه الاستدلال بهذه الآية وإلى هذه المرحلة وصلنا.

إذن ، تمّ بيان شأن نزول الآية المباركة ، وتمّ بيان وجه الاستدلال بالآية المباركة بالنظر إلى مفرداتها واحدةً واحدةً.

الجهة الثالثة : الاعتراضات والمناقشات .

وحينئذٍ ، يأتي دور الاعتراضات:

أمّا اعتراض شيخ الإسلام ابن تيميّة ، فقد عرفتم أنّه ليس باعتراض ، وإنّما هو افتراء ، لا على الإمامية فقط ، وإنّما افتراءٌ على عموم المفسّرين والمحدّثين من أهل السنّة أيضاً ، افتراءٌ على المتكلّمين من كبار علماء طائفته . وهذا ديدن هذا الرجل في كتابه ، وقد تتبّعتُ كتابه من أوّله إلى آخره ، واستخرجتُ منه النقاط ، التي لو اطّلعتم عليها ، لأيَّدتم مَن قال بكفر هذا الرجل ، لا بكفره ، بل بكفر مَن سمّاه بشيخ الإسلام.
 

الاعتراض الأوَّل :

هو الاعتراض في معنى الولاية ، وقد ذكرناه.

 

الاعتراض الثاني :

احتمال أن تكون الواو في ( وَهُمْ رَاكِعُونَ ) واو عاطفة ، لا واو حاليّة . وحينئذٍ يسقط الاستدلال ؛ لانّا ـ نحن الطلبة ـ نقول : إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال . الاستدلال يتوقّف على أن تكون الواو هذه حاليّة ، فالذي أعطى الخاتم ، إعطاؤه كان حال كونه راكعاً ، وهو علي (عليه السلام) . أمّا لو كانت الواو عاطفة ، يكون المعنى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) أي : هم يركعون ، يُؤتون الزكاة ، ويصلّون ويركعون . إذن لا علاقة للآية المباركة بالقضيّة ، فهذا الاحتمال إنْ تمّ سقط الاستدلال.

لكنّ هذا الاحتمال يندفع بمجرّد نظرة سريعة إلى الروايات الواردة في القضيّة ، تلك الروايات التي تجدونها ـ بأقل تقدير ـ لو ترجعون إلى "الدر المنثور" ، لوجدتم الروايات هناك ، وهي صريحة في كون الواو هذه حاليّة ... ففي هذا الكتاب ـ وغيره من المصادر ـ عدّة روايات وردت ، تقول: تصدّق علي وهو راكع(13).

حتّى في رواية تجدونها في "الدر المنثور" أيضاً ، هذه الرواية هكذا : إنّ النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) سأل السائل ، سأل ذلك المسكين الذي أعطاه الإمام خاتمه ، سأله قائلاً: (على أيّ حال أعطاكه) ـ أي الخاتم ـ ؟ قال: أعطاني وهو راكع(14) .

 

الاعتراض الثالث :

هذا الاعتراض فيه أُمور :

الأمر الأوَّل : من أين كان لعلي ذلك الخاتم ؟ من أين حصل عليه ؟

الأمر الثاني : ما قيمة هذا الخاتم ؟ وبأيّ ثمن كان يَسْوَى في ذلك الوقت ؟ ولا يستحقّ شيء من هذا القبيل من الاعتراض أن ينظر إليه ويبحث عنه.

نعم يبقى الأمر الثالث : وله وجه ما ، وهو أنّه يفترض أن يكون علي (عليه السلام) في حال الصلاة منشغلاً بالله سبحانه وتعالى ، منصرفاً عن هذا العالم ، ولذا عندنا في بعض الروايات أنّه لمّا أُصيب في بعض الحروب بسهم في رجله ، وأُريد إخراج ذلك السهم من رجله ، قيل : انتظروا ليقف إلى الصلاة ، وأخرجوا السهم من رجله وهو في حال الصلاة ؛ لأنَّه حينئذٍ لا يشعر بالألم.

المفترض أن يكون أمير المؤمنين هكذا ، ففي أثناء الصلاة ، وهو مشغول بالله سبحانه وتعالى ، كيف يَسمع صوت السائل ؟ وكيف يلتفت إلى السائل ؟ وكيف يُشير إليه ويُومي بالتقدُّم نحوه ، ثمّ يرسل يده ليخرج الخاتم من أصبعه ؟ وهذا كلّه انشغال بأُمور دنيويّة ، عدول عن التكلّم مع الله سبحانه وتعالى ، والاشتغال بذلك العالم.

 

والجواب :

أوّلاً : لقد عُدَّتْ هذه القضيّة عند الله ورسوله وسائر المؤمنين من مناقب أمير المؤمنين ، فلو كان لهذا الإشكال أدنى مجال لمّا عُدَّ فعله من مناقبه.

وثانياً : هذا الالتفات لم يكن من أمير المؤمنين إلى أمر دنيوي ، وإنّما كانت عبادة في ضمن عبادة.

ولعلّ الأفضل والأولى أنْ نرجع إلى أهل السنّة أنفسهم ، الذين لهم ذوق عرفاني ، في نفس الوقت الذي هم من أهل السنّة ، ومن كبار أهل السنّة : يقول الآلوسي(15) : قد سُئل ابن الجوزي(16) هذا السؤال ، فأجاب بشِعر ، وقد سجَّلتُ الشعر ، والجواب أيضاً جواب عرفاني في نفس ذلك العالم ، يكقول:

أَطـاعَهُ سُكرُهُ حتّى تَمَكّنَ مِنْ فِعلِ الصُحاةِ فَهذا وَاحِدُ النّاسِ

هذا شعر ابن الجوزي الحنبلي ، الذي نعتقد بأنّه متعصّب ؛ لأنّه في كثير من الموارد نرى أمثال ابن تيميّة والفضل بن روزبهان وأمثالهما ، يعتمدون على كتب هذا الشخص في ردّ فضائل أمير المؤمنين ومناقبه . أمّا في مثل هذا المورد ، يجيب عن السؤال بالشعر المذكور.

أمير المؤمنين (عليه السلام) جمع في صفاته الأضداد ، هذا موجود في حال أمير المؤمنين ، وإلاّ لم يكن واحد الناس ، وإلاّ لم يكن متفرّداً بفضائله ومناقبه ، وإلاّ لم يكن وصيّاً لرسول الله ، وإلاّ لم يكن كفواً للزهراء البتول بضعة رسول الله ، وإلى آخره.

فحينئذٍ هذا الإشكال أيضاً ممّا لا يرتضيه أحدٌ في حقّ أمير المؤمنين ، بأن يقال : إنّ عليّاً انصرف في أثناء صلاته إلى الدنيا ، انصرف إلى أمر دنيوي.

 

الاعتراض الرابع :

وهو الاعتراض المهم الذي له وجه علميّ ، قالوا : بأنّ عليّاً مفرد ، ولماذا جاءت الألفاظ بصيغة الجمع : ( وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ).

هذا الإشكال له وجه ، ولا يختصّ هذا الإشكال والاعتراض بهذه الآية ، عندنا آيات أُخرى أيضاً ، وآية المباهلة نفسها التي قرأناها أيضاً بصيغة الجمع ، إلاّ أنّ رسول الله جاء بعلي ، مع أنّ اللفظ لفظ جمع : ( َأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ) (آل عمران : 61) ، وجاء بفاطمة والحال أنّ اللفظ لفظ جمع (النساء).

هذا الاعتراض يأتي في كثير من الموارد التي تقع مورد الاستدلال ، وفي سائر البحوث العلمية المختلفة ، لا في بحث الإمامة فقط.

الزمخشري الذي هو من كبار علماء العامّة ، وليس من أصحابنا الإمامية ، صاحب "الكشّاف" وغير الكشّاف من الكتب الكثيرة في العلوم المختلفة ، يجيب عن هذا الإشكال . وتعلمون أنّ الزمخشري تفسيره تفسير للقرآن من الناحيّة الأدبية والبلاغيّة ، هذه ميزة تفسير الكشّاف للزمخشري ، وهذا شيء معروف عن تفسير الزمخشري ، وأهل الخبرة يعلمون بهذا.

يجيب الزمخشري عن هذا ما ملخّصه: بأنّ الفائدة في مجيء اللفظ بصيغة الجمع في مثل هذه الموارد ، هو ترغيب الناس في مثل فعل أمير المؤمنين ، لينبّه أنّ سجيّة المؤمنين يجب أن تكون على هذا الحد من الحرص على الإحسان إلى الفقراء والمساكين ، يكونون حريصين على مساعدة الفقراء وإعانة المساكين ، حتّى في أثناء الصلاة ، وهذا شيء مطلوب من عموم المؤمنين ؛ ولذا جاءت الآية بصيغة الجمع . هذا جواب الزمخشري(17) .

فإذن ، لا يوافق الزمخشري على هذا الاعتراض ، بل يجيب عنه بوجه يرتضيه هو ، ويرتضيه كثير من العلماء الاخرين.

ولكن لو لم نرتض هذا الوجه ، ولم نوافق عليه ، فقد وجدنا في القرآن الكريم ، وفي السنّة النبويّة الثابتة الصحيحة ، وفي الاستعمالات العربيّة الصحيحة الفصيحة : أنّ اللفظ يأتي بصيغة الجمع والمقصود شخص واحد . كثيرٌ من هذا الاستعمال موجود في القرآن ، وفي السنّة ، وفي الموارد الأُخرى ، وهذا شيء موجود.

مضافاً إلى جواب يجيب به بعض علمائنا وعلمائهم : أنّه في مثل هذا المورد أراد الله سبحانه وتعالى أن يعظّم هذه الفضيلة أو هذا الفعل من علي ؛ وجاء بلفظ الجمع إكراماً لعلي ولِمَا فعله في هذه القضيّة.

وتبقى نظرية أُخرى ، أتذكّر أنّ السيّد شرف الدين (رحمة الله عليه) يذكر هذه النظرية ، وهذا الجواب ، ويقول: لو أنّ الآية جاءت بصيغة المفرد ، لبادر أعداء أمير المؤمنين من المنافقين إلى التصرّف في القرآن الكريم ، وتحريف آياته المباركات ؛ عداءً لأمير المؤمنين ، إذ ليست هذه الآية وحدها ، بل هناك آيات أُخرى أيضاً جاءت بصيغة الجمع ، والمراد فيها علي فقط ، فلو أنّه جاء بصيغة المفرد لبادر أُولئك وانبروا إلى التصرّف في القرآن الكريم.

إنّه في مثل هذه الحالة يكون الكناية ، صيغة الجمع ، أبلغ من التصريح ، بأن يأتي اللفظ بصيغة المفرد : والذي آمن وصلّى وتصدّق بخاتمه في الصلاة في الركوع ، أو آتى الزكاة وهو راكع . والروايات تقول : هو علي ، فيكون اللفظ وإن لم يكن صريحاً باسمه إلاّ أنّه أدل على التصريح ، أدل على المطلب من التصريح ، من باب الكناية أبلغ من التصريح . يختار السيد شرف الدين هذا الوجه (18) .

ويؤيّد هذا الوجه رواية واردة عن إمامنا الصادق (عليه السلام) بسند معتبر ، يقول الراوي للإمام : لماذا لم يأت اسم علي في القرآن بصراحة (بتعبيري أنا) ؟ ، لماذا لم يصرّح الله سبحانه وتعالى باسم علي في القرآن الكريم ؟ فأجاب الإمام (عليه السلام) : لو جاء اسمه بصراحة وبكلّ وضوح في القرآن الكريم ، لحذف المنافقون اسمه ووقع التصرّف في القرآن ، وقد شاء الله سبحانه وتعالى أن يحفظ القرآن ( وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (الحجر : 9).

وهذه وجوه تُذكر جواباً عن السؤال : لماذا جاءت الكلمة أو الكلمات بصيغة الجمع ؟

ولعلّ أوفق الوجوه في أنظار عموم الناس وأقربها إلى الفهم : أنّ هذا الاستعمال له نظائر كثيرة في القرآن الكريم ، وفي السنّة النبويّة ، وفي الاستعمالات الصحيحة الفصيحة . ثمَّ إن الروايات المعتبرة المتّفق عليها ، دلّت على أنّ المراد هنا خصوص علي (عليه السلام).

إذن ، مجيء اللفظ بصيغة الجمع لابدّ وأن يكون لنكتة ، تلك النكتة ذكرها الزمخشري بشكل ، والطبرسي بنحو آخر ، والسيد شرف الدين بنحو ثالث ، وهكذا.

وإذا راجعتم كتاب "الغدير" ، لوجدتم الشيخ الأميني (رحمة الله عليه) يذكر قسماً من الآيات التي جاءت بصيغة الجمع وأُريد منها الشخص الواحد ، ويذكر الروايات والمصادر التي يُستند إليها في شأن نزول تلك الآيات الواردة بصيغة الجمع والمراد منها المفرد.

فإذن ، لا غرابة في هذه الجهة.

هذه عمدة الاعتراضات المطروحة حول هذه الآية المباركة.

إذن ، بيّنّا شأن نزول الآية ، وبيّنّا وجه الاستدلال بالآية ، وتعرّضنا لعمدة المناقشات في هذا الاستدلال ، وحينئذ لا يبقى شيء آخر نحتاج إلى ذكره.

نعم ، هناك بعض الأحاديث أيضاً ـ كما أشرت من قبل ـ هي مؤيّدة لاستدلالنا بهذه الآية المباركة على إمامة أمير المؤمنين ، منها : حديث الغدير ، ومنها : حديث الولاية الذي أشرتُ إليه من قبل.

فحينئذٍ ، لا أظنّ أنّ الباحث الحر المنصف يبقى متردّداً في قبول استدلال أصحابنا بهذه الآية المباركة على إمامة أمير المؤمنين ، فتكون الآية من جملة أدلّة إمامته عن طريق ثبوت الأولوية له ، تلك الأولوية الثابتة لله ولرسوله ، فيكون علي وليّاً للمؤمنين ، كما أنّ النبي وليّ المؤمنين . وهذه المنقبة والفضيلة لم تثبت لغير علي. وقد ذكرنا ـ منذ اليوم الأول ـ أنّ طرف النزاع أبو بكر ، وليس لأبي بكر مثل هذه المنقبة والمنزلة عند الله ورسوله.

وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.

ــــــــــــــــ

(1) المواقف في علم الكلام: 405.

(2) شرح المواقف: 8 / 360.

(3) شرح المقاصد: 5 / 170.

(4) شرح التجريد للقوشجي: 368.

(5) روح المعاني: 6 / 168.

(6) تفسير ابن كثير: 2 / 64.

(7) تفسير ابن أبي حاتم: 4 / 1162.

(8) روح المعاني: 6 / 168.

(9) منهاج السنّة: 2 / 30.

(10) تفسير ابن أبي حاتم: 4 / 1162 ، تفسير الطبري: 6 / 186 ، تفسير السمعاني: 2 / 47 ، أسباب النزول: 113 ، تفسير العز الدمشقي: 1 / 393 ، تفسير ابن كثير: 2 / 64 ، الكشاف: 1 / 649 ، الدرّ المنثور: 3 / 105. وراجع من كتب الحديث ـ مثلاً ـ : جامع الأصول: 9 / 478 ، المعجم الأوسط: 7 / 129 ، تاريخ دمشق: 42 / 356.

(11) إحقاق الحقّ: 2 / 408.

(12) تفسير الرازي: 11 / 25 ، تفسير الثعلبي: مخطوط.

(13) تفسير ابن أبي حاتم: 4 / 1162.

(14) الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور: 3 / 105.

(15) روح المعاني: 6 / 169.

(16) ابن الجوزي هذا جدّ سبط بن الجوزي . وإنّما نبّهنا على هذا ؛ لأنَّه قد يقع اشتباه بين ابن الجوزي وسبط ابن الجوزي ، فالمراد هنا: أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي الحافظ ، صاحب المؤلّفات الكثيرة ، المتوفَّى سنة 597 هـ.

(17) تفسير الكشّاف: 1 / 649.

(18) المراجعات: 263.