اعجاز القرآن
  • عنوان المقال: اعجاز القرآن
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 22:43:56 1-9-1403

هل مضى زمن المعاجز؟ ألن نشاهد وقوعها مجدداً؟ و بما أن معاجز الأنبياء السلف ترتبط بزمان و مكان معيّن، هل علينا الاستفادة من الوثائق التاريخية للإيمان بنبوتهم؟
للرد على هذه الأسئلة يجب التوجه للكتاب السماوي لدين الإسلام. القرآن هو الكتاب السماوي الوحيد الذي يؤكد بصراحة تامة بأنه معجزة أبدية لكل الناس في كل زمان ٍ ومكان ٍ و لكافة القوميات.
 

القرآن و ادعاء الإعجاز

كما نعلم أن المعجزة هي أمر خارق للعادة و لايستطيع أي فرد أن يأتي بشيءٍ من مثله. ان من يدّعي النبوة يأتي بمعجزة فوق قدرة أي بشر، وهذه المعجزة تكون سبباً لارتباطه بقدرة خارقة فوق قدرات البشر و هي قدرة خالق هذا العالم. و في واقع الأمر أراد الله أن ينعم هذه القدرة على نبيّه لتأييد الرابطة بينه و بين رسوله.

 و لكي يثبت القرآن الكريم مدّعاه في اعجازه ، يقول بأن من يشك في نزول القرآن من عند الله و بأنه من صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أنه كتابٌ غير سماوي، إذاً فليأتي بمثله، و من ثم يقول لو اجتمع كافة الناس و توحدوا ليأتوا بمثل القرآن فلن يقدروا. و في المرحلة التالية  ولإثبات عجز البشر في إيتاء بمثل القرآن، يفسح المجال للمخالفين و المعارضين و يقول إن لم تقدروا فأتوا بعشر سورٍ من مثله، و إن لم تقدروا فاعلموا بأن هذا الكتاب من عند الله. و في المرحلة الأخيرة، لكي يأكد غایة عجز البشر أمامه يقول فأتوا بسورة واحدة وقد تكون هذه السورة سطراً واحداً فقط ، ومع ذلك يدّعي بأنه لن تقدروا بإتیان حتى بسورةٍ واحدة من القرآن الكريم.
والآن يجب أن نعلم أن القرآن في أي أمرٍ من الأمور يتحدى البشر. و يعتقد المفكرون الإسلاميون بأن کل القرآن يحمل في المجموع وجوه مختلفة من المعاجز، و أما تحدي القرآن في إثبات إعجازه يأتي في جهة الفصاحة و البلاغة في سوره.
 

إعجاز القرآن من جهة الفصاحة و البلاغة

الفصاحة و البلاغة هي تبيين المقصود بألفاظٍ بليغة و جميلة و تركيب مدروس و بلحن ٍ جميل. ويعتقد مفكرو الأدب العربي أن هذا الوجه من الفصاحة والبلاغة مشهود في کل سورة من سور القرآن.

في بداية الأمر يجب علينا أن نرى في الألف والأربعمائة سنة الذي قد مضى من نزول القرآن، في الحقيقة لم يستطع أي فرد بالإتيان ولو بسورة واحدة في سطرٍ واحد مثل القرآن، وأيضاً في عصرنا الحاضر، هل يستطيع أي أحد  أن يرد على هذا التحدي الصريح؟ للرد على هذا الأمر يجب الرجوع الى التاريخ، و بما ان التاريخ سجّل كل الجزئيات لأعمال معارضي نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) و ملّته ، فإنه لا يوجد من بين المورخين الإسلاميين وغير الإسلاميين والمستشرقين ومؤرخي الأديان الأخرى أي نموذج يُذكر في رد المنكرين والمخالفين لدين الإسلام على هذا التحدي، وبذلك نستيقن أنه لا يوجد أي رد يُذكر في التاريخ ولا أيضاً في زماننا على هذا التحدي الصريح للقرآن.
 

لماذا سكت المعارضون أمام تحدي القرآن؟

والآن سنطرح هذا السؤال وهو لماذا سكت المعارضون أمام تحدي القرآن في مر التاريخ و في زماننا الحاضر؟ أهو بسبب عجزهم في إيتاء بمثل القرآن؟ أو يوجد هناك أدلة أخرى؟ للرد على هذا السؤال يُفرض ثلاث حالات لسكوت هؤلاء المعارضين:

1-يمكن أنه لايوجد أي حافز للرد على تحدي القرآن في الماضي و العصر الحاضر.
2-كان يوجد هناك حافز للرد على تحدي القرآن ولكنه قد ضَعُف فن الأدب العربي بعد عصر نزول القرآن شيئا فشيئا، ولايوجد في عصرنا الحاضر أديب عربي عند غير المسلمين لكي يرد على تحدي القرآن.
3-لم تقع اي حالة من الحالتين المذكورتين، بل أن في الواقع عجزوا عن الايتاء بمثل القرآن و انصرفوا.
في دراسة الحالة الأولى یتّضح أنه في زمن ظهور نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت هناك أمم مختلفة بعقائد شتى منها الماديين المنكرين لوجود أي اله و عباد الأصنام و المجوس و النصارى و اليهود، إضافة الیهم سلاطين الفرس و الروم الذين كان لهم يد التسلّط في استعباد الأمم الضعيفة و استثمارهم. في مثل هذه الظروف بُعث نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) مدّعياً بحمل رسالات الله و هو رافعاً راية التوحيد ليُدعي العالم لاعتناق الإسلام و التسليم لله الواحد. هذه الدعوة الى التوحيد نفت بصورة كاملة و بكل جد ثنوية المجوس و تثليث النصاری  و الأباطیل الذی کان الیهود ینسبونها الی الله و الأنبیاء، و العادات الجاهلية و العقائد الباطلة الأخری لذلك الزمان. كما إن دعوته للطاعة الکاملة لله تعالی و التسلیم إلیه كانت تعارض الطريقة المتفرعنه و جبروت سلاطين ذاك الزمان قولا ً و فعلاَ ً. فإذاً، واجه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تلك الأمم بمفرده رافعاً القرآن برهاناً لنبوته ، و باستخدام سلاح العقل و الثقافة مستنداً بكتابٍ واحدٍ بارز قدرات الملوك والسلاطين وعلماء اليهود والنصارى والزردشتية والصابئين وتمام عبدة الأوثان .
و طبعاً واصل الإسلام هذا الحرب الفكري و العقائدي الى يومنا هذا، واليوم يوجد هناك أعداء يخططون لمحو الإسلام أكثر من أي وقتٍ سابق. وهو أمرٌ واضح انهم مع تلك الشرائط يسعون لاستخدام كل قواهم ليقابلوا هذا الدين الذي يهدد مطامعهم الدنيوية و المذهبية. ان هؤلاء لا يستحون و لم یستحوا و لا يترددون و لم  یترددوا  في استفادة أية وسيلة ممكنة ليصلوا الى مآربهم و مطامعهم في محو الإسلام. فقد حاصروا النبي ثلاث سنوات في شُعبة أبي طالب في أصعب الظروف حصراً اقتصادیاً و كانوا يمنعونه و أصحابه من أقل ضروريات الحياة، وقد خططوا حروباً کبیراً کالبدر و الأُحد ليمحو الإسلام، ولكن بائت خِططِهم بالفشل و لذلک بدؤوا يتوحدون مع بقية أعداء الإسلام من المشركين و اليهود وغيرهم لكي يقطعوا شجرة الإسلام من جذورها في غزوة الأحزاب وغيرها من الغزوات والمعارك، و آخر أعمالهم التبليغي ضد الاسلام ما يزال يدوم الى يومنا هذا و لم یفرّطوا من أي عمل لمحو الإسلام .  أما كان من الأفضل أن يأتوا بسورةٍ واحدة في سطرٍ واحد مشابهة لآيات القرآن ليعرضوها على العالم بدلاً من صرف كل هذه البذل لإثبات بطلان الإسلام؟ بلاشك ان أسهل طريقة لإبطال دين رسول الإسلام كان بابطال معجزته و الإجابة على تحديه الذي عرضه منذ فجر الإسلام. و بناءاً علی هذا ، فيقيناً لابد أنه كانت هناك رغبة عظيمة للإجابة على هذا التحدي لدى الأحزاب العظيمة من مخالفي الإسلام الذین بذلوا جهودهم الجبارة في تحضير عدّتهم واستمرارهم في التبليغ ضد الإسلام وإثارة شائعات شتّی أمام دعوة الإسلام و النبی الأکرم و المسلمین.
في تحقق الحالة الثانية يجب التوجه الى طريق تكامل علم الأدب العربي. مع ان الفصاحة و البلاغة كانتا العلمین المرسومتین بين الأعراب في ذلك الزمان، و لکنهما قد استمرا أيضاً بعد ذلك و استکملتا يوماً بعد يوم و وسعت وتقدّمت ، و أیضا فی یومنا الحاضر فإن اللغة العربية أصبحت أثمن من قبل وقد توسعت في آفاقٍ جدیدة و كثر أدباء العرب من غير المسلمين في العالم. فلذا، من فجر الإسلام الى يومنا هذا، کان من بین غیر المسلمین آحاد کثیرة من أصحاب الفصاحة و البلاغة و أیضا نشهدهم فی یومنا هذا ، وإن تسلط هؤلاء في اللغة العربية كان الى حدِ ان کثیر من أصحاب كتب اللغة والتاريخ وحتى الصرف والنحو العربي كانوا من بين هؤلاء الأشخاص. و إن نفرض ان هؤلاء الأدباء لم يكونوا راغبين في الإجابة على تحدي القرآن، ولكن هل إن أعداء الاسلام لم يستطیعوا أن یستفیدوا من هؤلاء الأدباء لكي يصلوا الى مقاصدهم ومآربهم؟ فإذاً، بعد أن يتضح لنا انه لا يمكن قبول الحالة الأولى أو الثانية، فلا بد لنا ان نقبل الحالة الثالثة بأنه اذا لم يتمكّنوا الجواب على تحدي القرآن الكريم الى يومنا هذا، فإن الدليل الوحيد هو بسبب عجز المخالفين فقط. وبذلك يُثبت صحة ادعاء القرآن على الجميع.
 

كيفية فهم اعجاز القرآن الكريم من وجهة الفصاحة و البلاغة :

هناك نقطة مهمة ألا وهي أن فهم هذا النوع من اعجاز القرآن من وجهة الفصاحة و البلاغة يكون بواسطة المتخصصين  في هذا الفن. ويجب التوجه الى المتخصصين في كل الفنون لمقايسة المراتب المختلفة في ذلك الفن الخاص. لتوضيح ٍ أدق سنستفيد من المثال الآتي:
نفرض بأن طبيب "ألف" يدّعي اليوم للعالم بأنه لا يوجد هناك طبيب في العالم من ناحية المهارة في فن الطب ليساوي معه.
وكذلك نفرض أن ادعاء هذا الطبيب قد انتهى بثمن ٍ غال على الآخرين  و ينوون إبطال إدعائه بکل جديّة:
1) إذا لم يوجد أي طبيب آخر يدّعي بتفوّق نظريته على نظرية طبيب "ألف" ، فيُثبت للآخرين بأن ادعاء طبيب "ألف" صحيح و ثابت.
2) اذا جاء طبيب "ب" و ادّعى بتفوقه في مجال الطب من الطبيب "ألف"، فإن الناس الذين ليست الطبابة من تخصصهم لن يستطيعوا تشخيص كِلا النظريتين عن أفضلیتهما ، فلذا يجب على طبيب "ب" أن يستعين بتأيید عدد من المتخصصين في فن الطبابة ، إضافة الى مدّعاه لإثباته .
فإذاً في مفهوم إعجاز القرآن من وجهة الفصاحة و البلاغة ، بما أنه لم یوجد أحد لیأتي ولو بنظریة واحدة مع تأيید عددٍ من أدباء العرب ، فیُثبت للناس الذین لیست لهم التخصص فی اللغة العربیة أن القرآن الکریم هو المعجزة الخالدة من قِبَل الله تعالی . و کذلك اذا ادّعی أحد باستطاعته الرد علی هذا التحدي لإثبات هذا المدّعى فیجب علیه أن یؤتي بمدّعاه بتأيید عدد من أدباء العرب.  
 

بقية وجوه إعجاز القرآن:

يمكن الإشارة بوضوح وبصراحة تامّة من خلال المطالب التي قد تمّ بحثها مسبقاً بأن القرآن من خلال فصاحته وبلاغته معجزة الهية. وحتى إذا اكتفينا بهذا المقدار لنثبت بأن من المستحيل أن يكون القرآن الكريم من عمل أي انسان ، و کما قد ذکرنا سابقا ً عن الاعجاز الفصاحي والبلاغي للقرآن في کل واحد من السور، فأيضاً يعتقد محققوا الإسلام بأنه يوجد هناك وجوه أخرى بارزة في بيان إعجاز القرآن فی مجموعه . هناك نقطة مهمة يجب ذكرها وهي بأن ليست جميع تلك الوجوه مختصة في فنٍ خاص، ما عدا فهم اعجاز الفصاحة والبلاغة، بل يستطيع أي فرد مهما كان فصله أو أصله أن يفهم هذه الوجوه من الإعجاز. يجب التوجه بأن المحققين قد ذكروا وجوهاً متعددة للإعجاز، و سوف نذکر بالإجمال ثلاثة موارد منها فقط.

    

1. القرآن وأسرار الخلقة: 

ليس القرآن كتاباً علمياً  ولم يُنزّل لأجل بيان المسائل العلمية، بل الهدف الأساسي للقرآن هو هداية المجتمع لسعادة الدنيا والآخرة ، ومع ذلك فقد استفاد القرآن من شتّى الموارد العلمية في مواقف کثیرة من آيات الله لأجل الهدف الخاص به ، وإحدى هذه الأهداف هي بيان القدرة الالهية. ولذا فقد أشار الى موارد متعددة من أسرار الخلقة. وهذا الأمر علامة واضحة بأن القرآن تنزّل من عند موجودٍ له إحاطة كاملة على أسرار الطبيعة، وهو ليس سوى خالق هذه الطبيعة. سوف نبيّن باختصار ثلاثة موارد من هذه الأسرار التي قد ذكره القرآن الكريم:  

 

ألف) الاشارة الى حركة الأرض: "الذي جعل لكم الأرض مهدا" .

في هذه الآية، يشير القرآن بالكناية الى حركة الأرض ويشبّهه بالمهد، ونعلم بأن الطفل يقر في المهد بارتياح بسبب حرکتها، و بهذه الطريقة يشير القرآن الى حركة الأرض. إن السبب لعدم الإشارة في القرآن بوضوحِ تام عن حركة الأرض هو لأن نزول هذه الآيات كانت في زمان لم يكن البشر يعلم  بعد سوى عن سكون الأرض وحركة الأفلاك. ولتوضيح أدق ، اذا کان بعد ألف عام و لأول مرة يثبت ويدّعي جاليليو بحركة الأرض فقد أحكموه بذلك بالإعدام. وبذلك بامكاننا أن نعرف من هنا بأن اذا طرح القرآن بوضوحِ وبسعة تامّة عن مسألة حركة الأرض لكان عامّة الناس قد رفضوا القرآن ، ولهذا السبب فقد بيّن القرآن هذا الأمر بإيجازٍ ولطافة خاصّة لكي لا يتنافى مع نظريات الناس و آرائهم في زمانهم ، وأيضاً بهذا الطريق يبيّن الحقيقة.
 

ب) الإشارة الى عمل اللقاح بواسطة الرياح: "وأرسلنا الرياح لواقح" .

بعد عدة قرون من نزول القرأن، أدرك علماء المحيط تأثير الرياح في تلقيح النباتات، وهذه من معجزات القرآن الكريم.
 

ج) "وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس" .

لم تكن للمعادن أیة قيمة خاصة لتلقي توجهاً  الى وصول القرن الثامن عشر و يعد ذلك اثنا عشر قرناً من بعد نزول القرآن، وكان أهميته محدودة جداً ، الى أن ألقیت أعين العالم علی الحديد و قد واجهت رقابة شديدة من بين العلماء لاستخراجه والاستفادة من منافعه الى حدٍ أُطلقت علی تلك القرنين الأخيرتین بأیام نهضة المعادن و تقدّمها ، وقد توجّه العالم الى منافعها کما هي وبذلك فقد كُشِف الغطاء عن حقیقة أخری من آيات القرآن الكريم. إن اختيار القرآن للحديد وذكر منافعه من بين سائر المعادن الأخرى یعُدّ من الامور اللائقة في جلب التوجه و الأهمية ، واليوم يتّضح لنا حقیقة هذا الأمر بأن خاصّية الحديد يفوق سائرالمعادن الأخرى استعمالا ً.       
2. القرآن وأخبار المستقبل: يشتمل القرآن على موارد متعددة عن الأخبار الغيبية التي تتحقق مستقبلاً. وهذا الأمر يبيّن لنا بأن القرآن منزّل من عند أحدٍ له العلم بأخبار الغيب، وما هو إلا الله سبحانه وتعالى عالم الغيب والشهادة. هناك آيات کثیرة من القرآن يذكر فيها عن الأخبار الغيبية، ومراعاة للإختصار سنشير الى بعض هذه الآیات:

ألف) قبل أن يُفتح مكة بأیدي المسلمين، رأى رسول الله (صلی الله  علیه و آله و سلم) في المنام أنه حالق الرأس علامة ً لخروجه من الإحرام. فبما ان رؤيا الأنبياء صادقة وعد الرسول أصحابه بدخولهم المسجد الحرام قریباً. في السنة السادسة للهجرة قصد الرسول (صلی الله  علیه و آله و سلم) مكة لزیارة المسجد الحرام مع جمع من أصحابه، وفي منتصف الطريق أعرض طريقهم المشركين في منطقة الحديبية و منعهم من الحرکة إلی مکة و قد نتج منها صلح الحديبية، ویضم الصلح رجوع المسلمین وعودتهم لمراسم الحج في السنة المقبلة. وبعد انعقاد العهد اعترض بعض الصحابة وترددوا في صدق رؤيا النبي ، و حینئذ نزلت هذه الآية:
"لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام ان شاء الله آمنين محلقين رؤسكم ومقصرين لا تخافون ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً" .
في هذه الآية تأييد لصدق رؤيا رسول الله (صلی الله  علیه و آله و سلم) و بشرى للمسلمین بفتح مکة. في السنة السابعة للهجرة تحقق رؤیا النبي وقصد المسلمون مكة  لزيارة بيت الله الحرام، وفی السنة المقبلة تحقق الوعد الثاني للقرآن وهو فتح مكة بعد انقضاء العهد من قبل الکفار .

ب ) بعد أن توفی ابن رسول الله (صلی الله  علیه و آله و سلم) ، قال رجل اسمه عاص بن واپل : "ان محمدأ أبتر و ليس لديه ولد يستخلفه من بعده و سینقطع ذكره عند موته." و حینئذ نزلت سورة الكوثرعلی النبي (صلی الله  علیه و آله و سلم) :
"إنا أعطيناك الكوثر  فصل لربك وانحر  إن شانئك هو الأبتر" .
یذکر القرآن في هذه الآيات أن الشخص الذي دعا الرسول (صلی الله  علیه و آله و سلم) أبتراً سينقرض نسله و یبقی نسل رسول الله (صلی الله  علیه و آله و سلم).

3- تنزيل القرآن الكريم علی النبی الأمی:
إحدى المسائل المسلّمة في حياة رسول الله (صلی الله  علیه و آله و سلم) و من المستحیل انکاره هو كونه "أمّياً"، فهو لم یقرأ أو یکتب ولم يكن له معلّماً قط . هذه المسألة مؤكّدة و واضحة الى حد اعترف مستشرقي الغرب المعروفين بهذه الحقيقة أیضاً. على هذا الأساس فإن صدور ألفاظاً مشابهة لکلمات القرآن الذي يحتوي على جوانب اعجازية عميقة من الفصاحة والبلاغة و أسرار الخلقة وأخبار الغيب و غيره، كما قد ذکرنا آنفاً، وکونه من عند شخص ٍ أمّي، دلیل بأن القرآن الکریم من فعل الله و أن علم النبي (صلی الله  علیه و آله و سلم)  مكتسب عن طريق الوحي. ويقول القرآن الكريم في هذا الأمر:
"وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك اذاً لارتاب المبطلون" .
 

خاتمة الكلام:

بما ان القرآن معجزة من وجوهٍ متعددة ولكن ليس هذا بمعنى كونه كتابٌ أدبي أو كتابٌ مختص في بیان أسرار الخلقة و غيره . بل إن كل هذه المسائل قد تم الاستفادة منها لغرض الهدف المخصص له ویثبت اعجازه. ثم يعرّف القرآن نفسه بکتاب الهدایة، ولذا فإن أي أحد تبیّن له اعجاز القرآن يجب أن يهتدي به طريق الهداية و یکتسب المعارف الإلهية الصحيحة منه. وبينما نقبل القرآن الكريم كمعجزة الهية، فإيماننا لسائر الأنبياء ومعجزاتهم يستند على الإخبار الغيبي الذي نقّل القرآن منهم.  

فإذاً نستطيع أن نُلخّص كل المطالب التي قد ذکرنا في هذه المقالة بإيجازٍ كما يلي:
1) يختص معجزات سائر الأنبياء الى زمانهم الخاص بهم، واليوم هذه المعجزات ليست في متناول أیدینا . وأمّا القرآن فهو الكتاب الوحيد الذي يدّعي بأنه معجزة أبدیة.  
2) لكي يثبت القرآن صدق ادّعائاته، يتحدّى العالم مُعلناً بأن يأتوا بكلماتٍ كآيات القرآن ان استطاعوا.
3) من بین الوجوه المتعددة لإعجاز القرآن، فإن الوجه الذی یتحدی بها القرآن الکریم فی کل واحدٍ من سوره هو الفصاحة و البلاغة، و إضافة الى هذا هناك وجوه أخرى من الإعجاز في الأقسام المختلفة من القرآن الكريم.
4)  استخدم أعداء الإسلام، سواء في الماضي أو الحاضر، شتّى الوسائل الصعبة والثمينة في إبطال الاسلام، ومن جهة أخرى فإنهم لم يتقدموا نحو أسهل السُبل وسکتوا عن الرد على تحدي القرآن ولم يأتوا بأي نموذج حول الفصاحة و البلاغة الذی یحسبه المتخصصین بدیلاً للقرآن، في حال كانت لديهم الرغبة الکافیة لفعل ذلك و أدباء مبرعين. وهذا أفضل دليل في عجزهم أمام القرآن.   
5) يشير القرآن الى موارد متعددة عن أسرار الخلقة، وقد انكشفت أسرارها بعد عدّة قرون. ويشير هذا الى أن القرآن مُنزّل من قِبَل مَن کان له إحاطة کاملة بأسرار الخلقة.   
6) ورد في القرآن موارد متعددة حول الإخبار عن الوقائع الغيبية وقد وقعت تلك الوقائع لاحقاً كما ذُكر في القرآن. وهذا بيان الى أن القرآن منزّل من قِبَل أحدٍ له الاحاطة بالغيب.
7) مع كل هذه الوجوه في إعجاز القرآن الذي قد ذكرنا، فلقد نُزّل هذا الكتاب السماوي بواسطة رسولٍ شهد له التاریخ بأنه أمّي لم يعرف القرائة أو الكتابة. وهذا الأمر يكشف لنا بكل وضوح بأن القرآن لم يكن من عند الرسول نفسه، بل نزل من عند الله رب العالمین.
 

الإستنتاج:

وأخيراً، بناءاً علی المطالب الذی قد ذ ُکر سابقاً، يمكن الاستنتاج بأن القرآن معجزة لكل الأعصار والملل، و إن هذا الكتاب المقدّس منزّل من قِبَل الله سبحانه وتعالى. وأيضاً بعد أن تمّ تشخيص إعجاز القرآن، يتبين صدق ادعاء نبوّة الرسول الأكرم (صلی الله  علیه و آله و سلم). فلذا، يستطيع الناس مع التحقيق والدراسة في خصوص هذا الكتاب ومشاهدة إعجازه أن يكتشفوا صدق نبوّة الرسول (صلی الله  علیه و آله و سلم) و حقّانیة دینه.