المسألة:
ما المقصود بالمؤمنون في قوله تعالى ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ...﴾؟ وإذا كان المقصود هم أهل البيت (ع) أفلا يكون هناك إشكال بوصف أهل البيت (ع) بلفظ يصلح أن يكون لغيرهم من سائر الناس المؤمنين؟
الجواب:
استفاضت الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) في انَّ أعمال العباد تُعرَض على رسول (ص) والأئمة (ع) بل لا يبعد القول بتواترها المعنوي، وقد أفاد الكثير منها انَّ المقصود من المؤمنين في قوله تعالى: ﴿فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾(1) هم خصوص الأئمة (ع) فهم الشهداء على أعمال العباد.
وأما انَّ عنوان المؤمنين مما يصحُّ اتصاف غير الأئمة (ع) به فذلك لا يضرُّ باختصاص إرادتهم من هذا العنوان في الآية المباركة، فبعد انْ لم يكن ريبٌ في صدق عنوان المؤمنين عليهم بل انَّهم المصداق الاتم لهذا العنوان فإن استعمال العام وإرادة الخاص أمر شايع في استعمالات أهل اللغة فيقال للفقير مثلاً من الذي بنى بيتك فيقول: بناه أهل الإحسان والخير، وهو لا يقصد يقيناً أنَّ الذي بنى بيته هو كلٌ مَن يتصف بهذا العنوان وإنما يقصد بعضهم مِمَّن يتصف بهذا العنوان، وهم معينون في ذهنه.
وكذلك فإنَّ استعمال العنوان العام وإرادة الخاص شائع في الخطاب القرآني فمثلاً قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾(2) فإن الكثير من المفسرين السنة قالوا انَّ المراد من أهل الذكر هم علماء اليهود والنصارى رغم أن عنوان أهل الذكر مما يصح إطلاقه على الأعم منهم ومن علماء المسلمين وغيرهم أيضاً، فالآية بناءً على ذلك تكون قد استَعملتْ عنواناً عاماً وأرادت خصوص علماء أهل الكتاب.
وكذلك قوله تعالى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ / إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ﴾ –إلى قوله تعالى- ﴿وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾(3).
فإن عنوان المرسلين الوارد في هذه الآيات وإنْ كان يصدق على عموم الرسل عليهم السلام إلا أنَّ المراد منه في هذه الآيات هم أفراد معيَّنون من الرسل ذكرهم المفسرون من الشيعة والسنة، فالمرسلون في قوله تعالى: ﴿إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ﴾ وقوله ﴿يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾ هم أولئك المرسلون الثلاثة المعينون وليس مطلق المرسلين كما أجمع على ذلك عموم المفسرين.
إذن لا مانع لغةً وعرفاً منْ أنْ يكون المعنيُّ من ﴿الْمُؤْمِنُونَ﴾ في قوله ﴿فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ هو خصوص أئمة أهل البيت (ع).
نعم يقع الكلام فيما هو الدليل على أنهم المعنيِّون من عنوان المؤمنين في الآية المباركة وهذا ما سنبحثه لاحقاً ان شاء الله تعالى.
إلا انه يكفي ان نشير إلى انَّ الدليل على ذلك هو ما ورد في الروايات المتكاثرة التي تصدت للإخبار عن أن المعنيِّين من عنوان المؤمنين في هذه الآية هم أئمة أهل البيت (ع).
فلأننا نعتقد أنَّ أهل البيت (ع) هم الأعلم بمعاني آيات الكتاب المجيد فإذا ورد عنهم تفسير لآية من آيات القرآن فإن ذلك التفسير يكون هو المتعيِّن واقعاً في اعتقادنا، لأن تفسيرهم ليس عن اجتهادٍ بل هو متلقَّى عن الرسول (ص).
ــــــــــــ
1- التوبة/105.
2- النحل/43.
3- يس/13 – 20.