حول ترجمة معاني القرآن الكريم فى الغرب
  • عنوان المقال: حول ترجمة معاني القرآن الكريم فى الغرب
  • الکاتب: جعفر عبد الرزاق ( هولندا )
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 19:51:10 1-9-1403

تعتبر المحاولات المبذولة لترجمة معاني القرآن الكريم من أصعب المحاولات في ميدان الترجمة عموماً ، فترجمة معنىً لاية كريمة واحدة ينقلها من النص القرآني المحكم البليغ إلى أي نص في لغة أجنبية ، تواجه صعوبات كبيرة ; إذ يضطرب المعنى الجميل الرائع ، ويفقد التركيب البلاغي للنص القرآني رونقه ودقته ، ويفرغ اللفظ من وقعه المؤثر .
وقد بادر العديد من المستشرقين والرهبان إلى ترجمة معاني القرآن الكريم ، فجاءت بعض الترجمات مشوهة لمقاصد الاسلام وروحه . ويعود ذلك إما إلى قصور في استيعاب معاني الايات الكريمة ، أو جهل بقواعد اللغة العربية وبلاغتها ، أو إلى الدس المتعمد في تفسير النص القرآني ، إنطلاقاً من روح عدائية ، وخدمة لاهداف وأغراض معينة .
ولم يُخف بعضهم دوافعه عندما قام بترجمة بعض السور والمقتبسات ، مطلقين عليها مسميات مغرضة ، مثل لين بول الذي سمى كتابه (مسامرات محمد) والكسندر روز الذي سماه (قرآن محمد) . وحاول بعضهم إدراج آرائه وافكاره عن الاسلام حيث تسود الفكرة التي تقول أن القرآن ليس إلا مجموعة أقاويل متفرقة وقصص سمعها الرسول(صلى الله عليه وآله) من علماء اليهود والنصارى .

 

الترجمات الاولى

وأول ترجمة لتعريف الغرب بمحتوى القرآن الكريم جاءت عام 1143م ، عندما قام رهبان (ريتينا) وعلى رأسهم روبرت أوف تشستر بترجمة معاني القرآن إلى اللغة اللاتينية . وظلت الترجمة الخطية محفوظة في صومعة الراهب بطرس طيلة أربعة قرون حتى تم اختراع المطبعة ، فتولى بلياندر طبعها في مدينة بازل السويسرية عام 1553م ، وتلتها ترجمة لاتينية ظهرت عام 1668م قام بها الايطالي ليوجي ماراتشي الذي كان يتقن العبرية والعربية .

 

الترجمات الانجليزية

وأول ترجمة إنجليزية ظهرت عام 1664م حيث صدرت على شكل أجزاء ، تمت بكاملها عام 1718م . وقد قام بها الكسندر روز ، وهي مليئة بالافتراءات على رسول الله(صلى الله عليه وآله) والقرآن .
أما ترجمة جورج سيل عام 1734م فقد قوبلت بالاستحسان لدى المعنيين بترجمة معاني القرآن الكريم ، فقد كانت ترجمة أفضل عموماً ، ومع ذلك لم تخل من التشويهات والمغالطات والاخطاء كزعمه أن الاسلام كان للعرب وحدهم ، وقوله أن نبوة الرسول(صلى الله عليه وآله)كانت حركة إصلاحية محلية مؤقتة ومقصورة على أهل مكة .
وفي عام 1886م ظهرت ترجمة رادويل الذي كان يعمل أستاذاً للدراسات الشرقية في جامعة كمبردج ، وامتازت ترجمته على ما سبقها بأنها كانت بلغة معاصرة وأسلوب علمي حديث . وقد رتب رادويل السور القرآنية حسب نزولها ، فبدأ بسورة العلق وانتهى بسورة المائدة . وبرر عمله بأن هذا الترتيب التاريخي يعطي صورة واضحة لسيرة الرسول الله(صلى الله عليه وآله) العقلية والتطورات في النظريات القرآنية .
وفي عام 1880م ظهرت ترجمة بالمر ، أستاذ اللغة العربية في جامعة كمبردج ، وقد قوبلت باستحسان المستشرقين من ناحية الاسلوب الادبي ومطابقة الكلمات العربية بالترجمة الانجليزية . وأعيد طباعة هذه الترجمة مراراً ، آخرها عام 1952م . وجاءت ترجمة آربري التي سماها (القرآن مترجما) لتتميز بأسلوبها المعاصر الواضح وعذوبة بيانها وسهولة لفظها ، وحرصه الشديد على الالتزام بترجمة كل لفظ ورد في القرآن ، دون نقص أو زيادة ، فضلاً عن بعده عن التهجم أو محاولة تشويه جمال القرآن أو الطعن في الدين أو التقليل من شأن الرسول(صلى الله عليه وآله) .
وتأتي بعد ذلك ترجمة داود ، وهو يهودي عراقي ، قام بترجمة كتاب (ألف ليلة وليلة) . أصدر ترجمة لمعاني القرآن عام 1956م ، ولم يتبع الترتيب المأثور في السور القرآنية بل اخترع من عنده ترتيباً يتماشى ، حسب رأيه ، مع ما للقرآن من نغمة شعرية . ورأى أن هذه النغمة الشعرية توجد في بعض السور والايات أكثر من بعضها الاخر، فقدم السور التي زعم أنها أكثر شعرية ، وصنف لها درجات من الغناء ، فوضع بعضها في الدرجة الاولى وبعضها في الدرجة الثانية .

 

الترجمات الاسلامية

وكان الازهر قد قام بالاشراف على ترجمة معاني القرآن الكريم عام 1930م ، حيث قام محمد مارماديوك بيكتهال ، وهو مسلم إنجليزي الاصل ، بترجمة دقيقة سماها (معاني القرآن الكريم) . وأجمع العلماء المعنيون بالترجمة والتفسير على أنه لم يترجم للانجليزية مثلها من ناحية جمال الاسلوب وفصاحة اللغة والمحافظة على العقائد .
وأصدر محمد أسد ، مسلم من أصل نمساوي ، صاحب المؤلفات الاسلامية العديدة مدافعاً عن الاسلام ، ترجمته لمعاني القرآن التي صارت مرجعاً هاماً للباحثين في أوربا من مستشرقين ومسلمين على السواء . ومع أن صاحبها مسلم إلا إنها تضمنت آراء مثيرة للجدل ; فقد اعتبر نزول الملائكة لنصرة الجيش الاسلامي في معركة بدر تعبيراً مجازياً للقرآن ، والمراد منه تقوية المسلمين وتشجيعهم ورفع معنوياتهم .
وفي عام 1962م قام العالم الهندي عبدالماجد الدريابادي بترجمة كاملة لمعاني القرآن الكريم ، وتضمنت الترجمة النص القرآني بالخط العربي .

 

الترجمات المشبوهة

ومن الترجمات السيئة هي الترجمات التي قام بها أتباع طائفة القاديانية أو كما تسمي نفسها اليوم الاحمدية ; فقد تضمنت ترجماتهم بث آرائهم وعقائدهم ، مثل أن النبوة لم تختم بل ما زال بابها مفتوحاً، وأن غلام أحمد مؤسس هذه الفرقة كان هو المسيح الموعود وهو المهدي ، وأن المعجزات التي ذكرها القرآن ما هي إلا من قبيل المجازات القرآنية والتعبيرات الرمزية ، فهم ينكرون الاسراء والمعراج بجسم الرسول(صلى الله عليه وآله) .
ومن هذه الترجمات ترجمة خواجة كمال الدين باسم (التفسير العصري للقرآن الكريم) التي ظهرت في لندن عام 1948م ، وترجمة غلام أحمد سرور وترجمة ميرزا بشير أحمد بن غلام أحمد باسم (القرآن المجيد) ، وترجمة محمد علي اللاهوري باسم (القرآن المجيد) أيضاً عام 1916م ، وترجمة مالك غلام فريد عام 1969م وترجمة ظفر اللّه خان عام 1951م .

 

الترجمات الهولندية

صدرت أول ترجمة هولندية عام 1641م في هامبورغ بألمانيا ، ولم تكن ترجمة من العربية بل من ترجمة باللاتينية صدرت عام 1543م في بازب بسويسرا ، وقام J.H.Glazemaker بترجمة أخرى عام 1658م في أمستردام ولم تكن من العربية مباشرة ، وهكذا تبعتها ترجمة L.J.A.Tollensفي باتافيا عام 1859م ، وترجمة S.Keyzerفي هارلم عام 1860م ، وأصدرت طائفة الاحمدية عام 1953م ترجمة لمعاني القرآن تتضمن مقدمة طويلة (180 صفحة) تعرض فيها عقائدها وتأويلاتها ، وهي ترجمة اعتمدت الترجمة الانجليزية التي أصدرتها الطائفة ، وتبدأ من جهة اليمين إلى اليسار، وأصدر J.H.Kramers عام 1956م أول ترجمة هولندية من اللغة العربية مباشرة لكنها كانت خالية من النص العربي . وهي ترجمة مكتوبة بلغة قديمة وتمثل وجهة نظر الاستشراق الهولندي .

 

ترجمة عصرية

ولعل أهم ترجمة هولندية هي التي قام بها الدكتور فريد ليمهاوس Fred Leemhuisوهو من المهتمين باللغة العربية منذ الستينات، ونال درجة الدكتوراه من جامعة القاهرة في اللغويات ، وتولى إدارة المعهد الهولندي للاثار المصرية والبحوث العربية ، وهو عضو مراسل لمجمع اللغة العربية في القاهرة منذ عام 1995م .
وقد صدرت الطبعة الاولى من ترجمته (القرآن الكريم) عام 1989م ، وأعيد طبعها ثلاث مرات في نفس العام ، ثم صدرت الطبعة الرابعة عام 1990م ، والخامسة وهي منقحة عام 1990م أيضاً ، وصدرت الطبعة السادسة عام 1992م .
تتضمن ترجمة ليمهاوس إدراج النص العربي ومقابله النص الهولندي على نفس الصحفة ، كما قام بإعداد فهرس لاهم المواضيع التي تناولتها الايات الكريمة . وقد اعتمد على تفاسير أهل السنة فقط مثل تفسير الطبري والبيضاوي والجلالين والزمخشري والرازي والقرطبي ، إضافة إلى بعض الكتب المتخصصة ككتاب (مجاز القرآن) لابي عبيدة .
يقول ليمهاوس : لا أستطيع أن أنقل القرآن المقدس إلى لغة أخرى، ولكن أنقل عموم المعنى المتفق عليه . وعموما فإننا عندما نترجم نحاول قدر المستطاع الايفاء بالغرض المطلوب ، وبالخصوص عندما يكون الكتاب مقدساً ; لان الترجمة ستكون جهداً إنسانياً في نقل ترجمة المعنى ، ولكن مهما بلغنا من العلم فأننا قد نقع في أخطاء . وقد وصلتني بعض التصحيحات لزلات وقعت فيها ، وأعدت تصويب هذه الاخطاء في الطبعات اللاحقة . ولا أظن أنه قد خلا الان من الاخطاء تماما، بل ما زلنا نراجع وننتظر مكاتبات القراء» .
فمثلاً ترجم كلمة أجورهن في الاية الكريمة (وآتوهن أجورهن بالمعروف) بكلمة Ioon الهولندية ، وهي تعني الاجر والاجرة والراتب ، بينما المقصود بالاجور في الاية الكريمة هي المهور ، التي تعني بالهولندية Bruidsschat.