الخطوات.. الملعونة
  • عنوان المقال: الخطوات.. الملعونة
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 20:8:43 1-9-1403

الخُطوة هي: أثر القدم. أو هي: الفُرجة بين القدمين عند المشي في طريق.
واتّباعك خُطُوات فلان.. هو أن تضع قدمك على أثر قدمه، وتمشي وراءه في الطريق.
وحينما تَتّبع خطواتِ أحد فانك تكون قد اتّخذتَه إماماً، واتّخذتَه قائداً. وسوف يوصلك ـ هذا الإمام القائد ـ إلى ما سيصل هو إليه بلا شك. ولا مفرّ عندئذٍ من أن تَلقى مصيره هو، وتكون عاقبة أمرك مثل عاقبة أمره؛ لانك جعلتَه قائداً لك ودليلاً، ووضعتَ أقدامك عند المسير، على آثار أقدامه.
...
والآن يا أصدقاءنا..
أيّ خطوات في رِحلة الحياة ينبغي أن نَتّبع ؟
وأيّة آثار ينبغي أن نضع أقدامنا في تجربة الحياة الدنيا عليها ؟
ذلك أننا يجب أن نعرف: مَن نَتّبع، وإلى أين نسير!

* * *

دَعُونا إذن ـ إيها الأصدقاء ـ مع جانب من جوانب حياتنا اليومية.
دَعونا مع هذه المعايَشة اليومية من خلال آية نورانية رائعة من روائع سورة البقرة من القرآن الكريم.
ها نحن نتلو عبارةً من كلام ربّنا الرؤوف الرحيم:
يا أيّها الناسُ، كُلُوا ممّا في الأرضِ حلالاً طَيِّباً ولا تَتَّبِعوا خُطُواتِ الشيطان؛ إنّهُ لكم عَدُوٌّ مُبين .
إنّها إذن ـ يا أصدقاءنا ـ خُطُوات.
وهي خُطوات للشيطان.
والشيطان هو عدوّنا الذي يجهر بعداوته لنا، ويُظهِرنا بدون استتار! هذا ما نفهمه من التعليم الإلهي الناصح الرؤوف من خلال هذه الرائعة القرآنية.
وللشيطان.. خطوات يُمهِّدها أمامنا.. في كلّ دروب العَيش ومسالك الحياة.
خطواتُه كثيرة متنوّعة، وآثار أقدامه مبثوثة هنا وهناك. فأيّة خطوات هذه التي تذكرها الرأفة الإلهية في هذه الآية الهادية ؟ وأيّة آثار أقدام للشيطان هذه التي يحذّرنا ربُّنا منها بإشارة الضوء الأحمر ؟
هذه الخطوات الخادعة.. موصولة بموضوع طعامنا اليومي والشراب!
يا أيّها الناسُ، كُلُوا ممّا في الأرضِ حلالاً طيّباً... .
هي إذَن.. الإباحةُ لنا في الأكلّ ممّا في الأرض، بشرط أن يكون ما نأكل من الحلال الطيّب.
الحلال الطيّب.. من الكسب الحلال الطيّب.
الحلال الطيّب.. من أنواع الطعام الحلال الطيّب.
الحلال الطيّب.. ونحن متلبّسون بالمعتقَد الحلال الطيّب، وسالكون خلال حياتنا المسلكَ الحلال الطيّب.
كُلُوا ممّا في الأرض حلالاً طيّباً، ولا تَتَّبِعوا خُطُواتِ الشيطان .
لا تَتَبعوا خُطواتِ الشيطان، في كلّ اتجاه.. وفي هذا الاتجاه على نحوٍ خاص:
كُلوا حلالاً طيّباً، وأنتم بعيدون عن خُطوات الشيطان.
لا تأكلوا وأنتم غافلون عن ذِكر الله.
لا تأكلوا بدافع الشهوة الخالصة للطعام، الغافلة عن أمر الله.
لا تأكلوا من غير همّةٍ نبيلة في تقوية الجهاز البدني لسلوك صراط الله.
لا تأكلوا من غير هدف ذامة الصحّة والنشاط، لتجلية الروح القدسية التي تسكن في هذا الجسد، ولخدمة للغاية الكبرى الذي خُلِق من أجلها الإنسان.
وحين نأكل في غير هذه الحالات الصالحة وأمثالها.. يكون سلوكنا في الطعام قد اقترب من أول خطوة خادعة من خطوات الشيطان.
والشيطان يعرف كيف يصطاد، وكيف يمكر في الاصطياد، وسوف يتعامل معنا وفق خطة تدريجيّة خبيثة تستدرجنا ـ بدون أن نشعر ـ فيوقعنا في شِباكة الآسرة الخانقة.. حيث الهواء الأسود المتعفّن، وحيث الصحراء الموحشة القاحلة.

* * *

إنّ الطعام الذي نتناوله ـ ونحن في سُكر الغفلة ـ سوف يفتح أمامنا أبواب المزالق، ويُكثّر بين أقدامنا المَزَلاّت. وشيئاً فشيئاً.. تقوى في دواخلنا نوازع تستهويها آثار أقدام الشيطان.
وسوف يكون ما نأكل من غذاء.. غداءً يقوّي فينا الاندفاع إلى خطواته الذميمة المُضِلّة، ومِن ثَمّ: تَضعُف في قلوبنا مصابيح النور الإلهي.. التي كان يجب أن يتوقّد نورها باستمرار.
فأيّ طعامٍ هذا الذي يأكله الإنسان حين يكون غافلاً عن الله وعن نهج الصراط ؟!
وأي طعامٍ هذا الذي ينقل الإنسان من ولاية الله وولاية أولياء الله إلى ولاية عدوّه الشيطان الذليل الرجيم ؟!
وأيّة نعمة مادية يتنعّم بها المرء وهو ساهٍ عن ربّ النعمة، متعامل معها بنسيان لا يقظة فيه ؟
إنّ الإنسان لَيتقوّى مادياً بتناول الطعام، وإنه لَيتلذّذ بنعم الحياة الموهوبة من الله.. لكنّه: من أجل ماذا يتقوّى، ومن أجل ماذا يتلذّذ ويشحذ مشاعره وأدواته الذوقية ؟
إنّ المرء متى كان غافلاً عن ولاية الله.. كان وشيك السقوط في ولاية الشيطان. إنه ـ والحالة هذه ـ يُوجِد في نفسه قوةً طاردة عن نور أئمّة الهدى سلام الله عليهم وعن خط الصراط، ويوجِد في نفسه قوة جاذبة إلى دَنَس أئمّة الضلال وإلى الوغول في اتّباع خطوات الشيطان.
فأيّ طعامٍ هذا الذي يقوّي الإنسانَ على الفرار من ساحة الطاعة الإلهيّة والإقبال، إلى ساحة المعصية والإدبار ؟!
وأيّ طعامٍ هذا الذي يشدّ المرءَ شدّاً إلى خطوات أئمّة الجور والضلال ؟!
إنْ هو ـ عندئذٍ ـ إلاّ طعام الزَّقُّوم الذي يأكله الخاطئون!
ولَسوف يتقّوت المرء بطعام الزقّوم هذا في الحياة القادمة الأخرى.. يوم يدخل ذليلاً مَخْزيّاً توابيت النار! نعوذ بالله من عذاب النار!
أيجوز للمرء الضعيف أن يتلذذ بموائدِ سخاءِ سيّدٍ جوادٍ مُنعم كريم.. من أجل أن يشتدّ عُودُه وتقوى قدرتُه على الإساءة إلى سيده المنعم الكريم ؟!
إنّها ـ إذَن ـ الدناءة والوضاعة، وفساد الضمير!
ترى.. كيف يَسُوغ لامرئ أن يتقلّب في أنعُمِ الخالق الرازق البَرّ الرحيم.. ثمّ يمضي في طريق أئمّة الضلالة، ويسير مع الشيطان: يتبع خُطواته، ويقتفي آثاره ؟!

* * *

لا تَتَقوَّ ـ يا أخي ـ بنعم الله على معصيته.
ولا تَستَعِنْ، بما وهبك الله من طاقة عظيمة، على الغفلة عنه والفرار من دار السلام! فإن الشيطان ـ عدوّك اللدود ـ يُزَوِّق لك خطواته، ويُجَمِّل أمام عينيك دربَه الأسود اللعين.
وهَبَك الله الطاقة.. للطاعة.
وهبك عُمرَك ـ وهو في عمر الزمان: ساعة ـ وهبك إيّاه للطاعة. فلا تغفل عن ربّك.. يا أخي الإنسان، يا مَن عمرُه قصير.. كزمان الوَرد!