إنّما التوبةُ علَى اللهِ لِلَّذينَ يَعملونَ السُّوءَ بجَهالَة... (1)
التوبة علامة الطريق وإذن للدخول. وهي مفتاح الكنز وشفيع الوصال، ومبعث كلّ فرح ومنبع الحريّة.
أول التوبة: ندم في القلب.. ثمّ اعتذار، ثمّ إقلاع عن السوء وأهل السوء. وفي الخبر: مَن تابَ ولم يَدَع رفاقَ السوء فليس بتائب. مَن تاب ولم يَدَع شهوة الطعام والشراب فليس بتائب، من تاب ولم يَدَع النوم فليس بتائب. مَن تاب ولم يُنفق ماله ـ حتّى ما يتقوّت به ـ فليس بتائب.
شرط التوبةَ: إعراض القلب عن كلّ الموجودات، وتوجّهه تلقاء الحق، وأن يذيب المرء ما في أعضائه السبعة(2) من دم ولحم.
التوبة هي رُسُل المحضر الإلهي أُرسلوا إليك أنْ: أيّها الفتى! إلى متى هذه الحرب ؟! وإلى مَ نقضُ العهد ؟! عُدْ.. وصارلحْ.
يا صقراً أفلتَ وطار، ارجِعْ ولا تذهبْ | فإنّ رأس حبلك بيدي |
أيها الرجل الحرّ! كم أنت في نوم! أفِقْ.. فقد طلع الصباح. أفي رأسك شوق للشراب ؟! إذَن هيّا.. فهذا أوان الصَّبوح(3). إلى متى تكسر القلب وتنقض العهد ؟ تعالَ.. فهذا وقت قبول النصيحة، ووقت التوبة النَّصوح(4) (452:2 ـ 453 ).
وأنيبوا إلى ربِّكُم (5).
مقام الإنابة أرفع من مقام التوبة. الإنابة: عودة العبد إلى ربّه بقلبٍ وهمّة. والتوبةَ: عودة العبد من المعصية إلى الطاعة.
ما الإنابة ؟
إنها المجيء من وادي النفاق ـ بقَدم الصدق ـ إلى وادي السَّكِينة.
والمجيء من وادي البدعة ـ بقدم التسليم ـ إلى وادي السنّة.
ومن وادي التفرّق (الكثرة) ـ بقدم الانقطاع ـ إلى وادي الجمع (الوحدة).
ومن وادي الادّعاء ـ بقدم الافتقار ـ إلى وادي التفريد.
ومن وادي العقل ـ بقدم الحاجة ـ إلى الحق.
ما التوبة ؟
إنها شفيعُ مُطاع، ومحامٍ (مُقرَّب) شفيق، ونائب كريم.
التوبة ماحية لأثر المعصية، والحق يعفو ـ بشفاعتها ـ عن عبده
الخاطئ.
إنها مطهِّرة لديوان أعمال العبد من العصيان، وتجعل التائب كمَن لم يُذنب. قال المصطفى صلّى الله عليه وآله: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) ( 164:10 ).
----------
1 ـ النساء، من الآية 17.
2 ـ سبعة أعضاء البدن، هي: الرأس، والصدر، والبطن، واليدان، والرِّجلان. وفي رأي بعضهم: الرأس، والجانبان، واليدان، والرجلان.
3 ـ الصَّبوح: شراب الصباح.
4 ـ التوبة النَّصوح هي التوبة التي لا يُحدِّث صاحبها نفسه بذنبٍ بعدها.
5 ـ الزمر، من الآية 54.