الذكر وأهله
  • عنوان المقال: الذكر وأهله
  • الکاتب: السيد عادل العلوي
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 17:23:11 1-9-1403

قال تعالى: ( الّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنّ الْقُلُوبُ(الرعد / 28).

إن الدنيا سوق ربح فيها قوم وخسر آخرون، والله بلطفه وعنايته حذر المؤمنين من الخسران وبينّ أسبابه في قوله: ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ(المنافقون / 9)، فذكر الله اذاً سبب لاطمئنان القلوب، واللهو والغفلة عنه، سبب لخسارة فادحة حذرت منها الآية الكريمة… ، فعلى كل مؤمن أن يكون من الذاكرين لهذين السببين ولقوله تعالى: ( وَاذْكُر رَبّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوّ والآصَالِ وَلاَ تَكُن مِنَ الْغَافِلِينَ(الأعراف / 205) ، ولقوله سبحانه: ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ (البقرة /152) .

فالعبد المحب حقاً من كان يذكر معبوده ومعشوقه ومحبوبه دوماً، فلا يغفل عن ذكره، طرفة عين أبداً، ليصبح من أهل الذكر والتذكر، قال سبحانه: ( إِنّ الّذِينَ اتّقَوْا إِذَا مَسّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشّيْطَانِ تَذَكّرُوا فَإِذَا هُم مُبْصِرُونَ ) (الأعراف / 201) ، فالتذكر هو الحد الوسط مقدماته التقوى، ونتيجته البصيرة والإبصار والمتقي من أهل الذكر صاحب بصيرة يقف على حقائق الأشياء كما هي بحسب الطاقة البشرية.

فما هي الصفات الأخرى لأهل الذكر؟

من صفات أهل الذكر:

بالإضافة إلى الإيمان والتقوى نستطيع استكشاف الصفات التالية سلباً وإيجابا لأهل الذكر … فهم:

 * أولو الألباب والفكر والدعاء: (… لَأُوْلِي الْأَلْبَابِ * الّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى‏ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكّرُونَ فِي خَلْقِ السّماوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبّنَا مَا خَلَقْتَ هذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النّارِ(آل عمران / 190ـ191).

 * وهم أهل الصلاة:( فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصّلاَةَ فَاذْكُرُوا اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى‏ جُنُوبِكُمْ ) (النساء /103) ,(…  فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصّلاَةَ لِذِكْرِي ) (طه / 14).

 * وهم أعداء الشيطان، الذي يصدّ عن ذكر الله: ( إِنّمَا يُرِيدُ الشّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ ... وَيَصُدّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصّلاَةِ ....(المائدة / 91) .

 * وهم ليسوا كالفاسقين: (... َالّذِينَ نَسُوا اللّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(الحشر / 19) .

 * وليسوا كالأعمى، الذي أعرض عن ذكر الله: ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى‏ * قَالَ رَبّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى‏ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى(طه / 124ـ126).

 * وليسوا كالمنافقين وأقران الشياطين الذين: (… وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصّلاَةِ قَامُوا كُسَالى‏ يُرَاءُونَ النّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلّا قَلِيلاًالنساء / 142، (  وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرّحْمنِ نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنّهُمْ لَيَصُدّونَهُمْ عَنِ السّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنّهُم مُهْتَدُونَ ) (الزخرف / 36ـ37) ، ويمكن بأدنى تأمل معرفة الكثير عن صفات أهل الذكر الثابتة لهم ، ونفي وسلب صفات أخرى، ثابتة لمن غفل عن ذكر الله …

وزبدة المخاض : أهل الذكر هم : أولياء الله العلماء البررة الكرام، وهم أهل القرآن، إذ من أسماء القرآن (الذكر) قال تعالى: ( إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ (الحجر / 9) .

 

أهل الذكر وأهل البيت (عليهم السلام):

إذا افترضنا إن أهل الذكر هم أهل القرآن، وأن أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هم ورثة الأنبياء (عليهم السلام)، خصوصاً النبي محمداً  (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فيكون علم القرآن مكنوزاً عند أهل البيت (عليهم السلام)، وفي صدورهم، وبالتالي تنطبق صفة أهل الذكر على أئمة الهدى من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وان شملت غيرهم ممن تعلّم ونهل من علمهم، واهتدى بهديهم.

فأهل الذكر هم الأئمة الأطهار الاثنا عشر، عترة النبي المختار (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومن كان منهم كسلمان المحمدي الذي هو (( سلمان منا أهل البيت )) وذلك لقوله تعالى: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لاّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَإِقَامِ الصّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزّكَاةِ (النور/ 36ـ37) ، ولقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : (( إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ))، والحديث متواتر عند المسلمين ، وكل ما في القرآن من العلوم والمعارف هو عند أهل البيت , العترة الطاهرة (عليهم السلام)، إذ هما لن يفترقا حتى يردا الحوض على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

وقد أخرج ابن مردويه عن انس بن مالك وبريدة قالا: قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الآية: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ…) فقام إليه رجل فقال : أي بيوت هذه يارسول الله : قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : (( بيوت الأنبياء )) ، فقام إليه أبو بكر فقال : يا رسول الله هذا البيت منها (بيت علي وفاطمة) ؟ قال: (( نعم من أفاضله ))(1)، فليست البيوت بيوت حجارة أو طين ، وإنما بيوت العلم والتقى والهدى ، وبيوت أصحاب الإيمان والتوحيد والبكاء والخشوع والخشية والإخلاص.

 

حلقات الذكر:

لقد أمر الله سبحانه الناس بأن يسألوا أهل الذكر أن كانوا لا يعلمون … وسؤال أهل الذكر قد يكون بحضور حلقات الذكر فما هي حلقات الذكر؟

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (( إذ مررتم في رياض الجنة فارتعوا ، قالوا : يارسول الله وما رياض الجنة ؟ قال : حلق الذكر، فإن لله سيارات من الملائكة يطلبون حلق الذكر، فإذا أتوا عليهم حفّوا بهم ))(2)، وحلق الذكر مجالس الحلال والحرام ، و(( العلم مخزون عند أهله وقد أمرتم بطلبه من أهله فاطلبوه ))(3) كما عن علي (عليه السلام)، وعنه (عليه السلام): (( لمَجلسٌ أَجْلِسُه إلى مَن أثقُ به أوثق في نفسي من عمل سنة ))(4).

وروي قول لقمان لابنه ( يا بني اختر المجالس على عينك، فان رأيت قوماً يذكرون الله فاجلس معهم، فان تكن عالماً ينفعك علمك، وان تكن جاهلاً علّموك، ولعلّ الله تعالى أن يظلّهم برحمة فتعمّك معهم…)(5).

وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : (( لا تجلسوا عند كل داع مدّع، يدعوكم من اليقين إلى الشك، ومن الإخلاص إلى الرياء، ومن التواضع إلى الكبر، ومن النصيحة إلى العداوة، ومن الزهد إلى الرغبة، وتقربوا إلى عالم يدعوكم من الكبر إلى التواضع، ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن الشك إلى اليقين، ومن الرغبة إلى الزهد، ومن العداوة إلى النصيحة ))(6)، فحلقات الذكر اذاً لها هدف واضح , تربية النفس، وتزكيتها، وتهذيبها، لتطمئن القلوب وتحيى بذكر الله ، فلا بد من الدقة في اختيار الجلساء من العلماء وغيرهم.

 

العلماء.. وأهل الذكر:

عن الإمام الصادق (عليه السلام): (( إذا رأيتم العالم محباً لدنياه فاتهموه على دينكم ، فان كل محبّ للشيء يحوط ما أحبّ ))(7)، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (( الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا )) ، قيل: يارسول الله وما دخولهم في الدنيا ؟ قال: (( إتباع السلطان، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم ))(8).

وعن الصادق (عليه السلام): أوحى الله إلى داود (عليه السلام): (( لا تجعل بيني وبينك عالماً مفتوناً بالدنيا، فيصدك عن طريق محبتي، فان أولئك قطاع طرق عبادي المريدين، إن أدنى ما أنا صانع بهم ـ من باب العقوبة ـ أن أنزع مناجاتي عن قلوبهم ))(9).

فمن طلب العلم لله دعي في السماوات عظيماً، وقد يصبح من أهل الذكر… وطالب العلم كلما ازداد علماً ازدادت مسؤولياته الفردية والاجتماعية، وألحت عليه مسؤولية العمل بعلمه، قبل أي مسؤولية أخرى.

فعن الصادق (عليه السلام): (( أوحى الله عزّ وجلّ إلى داود (عليه السلام): إن أهون ما أنا صانع بعالم غير عامل بعلمه اشدّ من سبعين عقوبة باطنية، أن أخرج من قلبه حلاوة ذكري ))، فكأن العمل بما يُعلم مدعاة وسبب لتحقق الذكر وسعادته وحلاوته في قلب المؤمن العامل العالم العابد لله سبحانه، وفي مصباح الشريعة عن الصادق (عليه السلام) أيضاً: (( العالم حقاً هو الذي ينطق عنه أعماله الصالحة، وأوراده الزاكية، وصدقه وتقواه ، لا لسانه وتطاوله ودعواه، ولقد كان يطلب هذا العلم في غير هذا الزمان من كان فيه عقل ونسك وحكمة وحياء وخشية … والعالم يحتاج إلى عقل ورفق وشفقة، ونصح وحلم وصبر وبذل…))، وعليه فعلماء الآخرة والإصلاح والخير… علماء الأخلاق، التي ورد بها القرآن هم أهل الذكر والتقوى … واليك عزيزي القارئ خمساً من الأخلاق، هي من علامات الآخرة ، وقد ذكرها القرآن الكريم وهي : ( الخشية والخشوع والتواضع و حسن الخلق والزهد…).

 * أما الخشية، ففي قوله تعالى: (…إِنّمَا يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ…(فاطر/ 28) .

 * وأما الخشوع، ففي قوله تعالى: (…خَاشِعِينَ للّهِ‏ِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنَاً قَلِيلاً…) (آل عمران/ 199).

 * وأما التواضع، ففي قوله تعالى: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ(الشعراء/215).

 * وأما حسن الخلق، ففي قوله عزّ من قائل: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفَضّوا مِنْ حَوْلِكَ(آل عمران/159) .

 * وأما الزهد، ففي قول رب العزة: (وَقَالَ الّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ…(القصص/80).

وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  أنه قيل له: يا رسول الله أيّ الأعمال أفضلٍ؟ قال: (( اجتناب المحارم ، ولا يزال فوك رطباً من ذكر الله تعالى )) ، قيل فأيّ الأصحاب خير؟ قال: (( صاحب إن ذكرت الله أعانك، وان نسيته ذكّرك )) ، قيل: فأي الأصحاب شر؟ قال: (( صاحب إن نسيت لم يذكرّك وان ذكرت لم يعنك )) ، قيل: فأيّ الناس أعلم ؟ قال: (( أشدّهم لله خشية…))(10).

فزبدة المخاض، أن للذكر أهلاً اختارهم الله لحسن حالهم، وصلاح سريرتهم، وصالح أعمالهم، وشدة إخلاصهم، وتقربهم لله سبحانه.

 وقد أمرنا الله باللجوء لعلماء أهل الذكر ، فلا علم نافع، بدون الأخلاق والتقوى … وأمرنا سبحانه بطلب العلم النافع ، فعلينا أن نسأل أهل الذكر، أهل القرآن ، وهم علماء الآخرة ، علماء الخير والصلاح ، العاملون المخلصون ، الزاهدون الخاشعون المتواضعون الذاكرون الله كثيراً.

------------------------------------------

مراجعة وضبط النص شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام للتراث والفكر الإسلامي

-----------------------------------------

1ـ ميزان الحكمة، محمد الري شهري، ج3، ص436.

2ـ المحجة البيضاء،ج1، ص23.

3ـ الكافي، ج1، ص30.

4ـ الكافي، ج1، ص39.

5ـ المحجة البيضاء، ج1 ، ص33.

6ـ المصدر نفسه، ج1، ص69.

7ـ م. ن، ص127.

8 ـ م. ن، ص128.

9ـ م. ن.

10ـ م. ن، ص158.