هناك العديد من التعاريف التي تعرف الثقافة ويعرفها الانسان وكما هو سائد بإن هي مجموعة من العلوم البشريه التي يجمعها الانسان من الدراسات الاكاديمية والمجتمع ومن حوله ويشمل ذلك العادات والتقاليد والقيم مثل: الملبس والمأكل والصفات.
لكن هناك تعريف اشمل واعم وهي الثقافة الاسلامية الاصلية وتعرف الثقافة بأنها «المعارف التي تعطي الانسان بصيرة في الحياة، ونورا يمشي به في الناس»[1] أي ان جمع الكم الهائل من المعلومات دون ان تحمل أي فائدة للإنسان لا تعد بثقافة انما التعريف الثاني هو الاصح حيث ان أي علم يحمله الانسان ويجعل عنده بصيرة ووعي كافي يكفي لتلافي أي من العقبات يعد الثقافة السليمة الاصلية وهي ثقافة القرآن الكريم حيث يقول الله سبحانه: (هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون)[2] ، وتسعى ثقافة القرآن الكريم الى الاصلاح الجدري للانسان وتدليل الصعاب بان يعيش حياة سعيدة ويمكنه من خلال هذه الثقافة الا وهي ثقافى القران الكريم ان يستوعب حجم المشكلى ويضع لها الحلول المناسبة من خلال القران وبصائر الوحي.
وتختلف الثقافة القرانيه عن غيرها من الثقافات بأنها شمولية واممية وثقافة مسۆولة وغير تبريريه وهي صامدة امام جميع ظروف الحياة وتتكيف مع جميع الازمنه وغير منقطعه.
القرآن صالح لكل زمان ومكان
يقول الإمام علي (عليه السلام):«ذَلِكَ الْقُرْآنُ فَاسْتَنْطِقُوهُ، ولَنْ يَنْطِقَ، ولَكِنْ أُخْبِرُكُمْ عَنْهُ: أَلا إِنَّ فِيهِ عِلْمَ مَا يَأْتِي، والْحَدِيثَ عَنِ الْمَاضِي، ودَوَاءَ دَائِكُمْ، ونَظْمَ مَا بَيْنَكُمْ»[3]
يتميز القران الكريم بأنه يتكيف مع جميع الظروف والازمنة مهما تغيرت الظروف فهو يضع للانسان الحلول لحل المشكلات بعكس الثقافات الاخرى فهي لا شك انها تتهاوى مع مرور الزمن ويتبين الخلل فيها لانها ثقافة وضعية قد وضعها الانسان والانسان بطبيعة الخلق ناقص وغير كامل، وفي حديث عن النبي صلى الله عليه واله: «انا اقاتل على التنزيل وعلي يقاتل على التأويل» [4] ولو تدبرنا في ايات القران الكريم ترى بان القران يذكر حوادث قد وقعت في زمن الرسول صلى الله عليه وآله أو قبل يذكرها القران ثم يضع لها الحل والنظرية والقاعد ثم تاتي وتأول الايات في زمن غير الزمن التي نزلت فيه لتطبق الاية فترى بان الايات قد وضعت الحل فبذلك يصبح القران صالح لكل زمان، ومثال على ذلك: إنّ امرأة من بني همدان اسمها «سودة بنت عمارة» شكت إليه والياً فعزله الإمام (عليه السلام) والتفصيل كما يلي:
ذكر الإربلي في «كشف الغمّة» عن كتاب ابن طلحة، عن سودة بنت عمارة الهمْدانية ـ في حديث دخولها على معاوية ـ قالت: «والله لقد جئته ـ تعني أمير المۆمنين (عليه السلام) ـ في رجل كان قد ولاّه صدقاتنا، فجار علينا.
فصادفته قائماً يصلّي، فلما رآني انفتل من صلاته ثم أقبل علي بلطف ورفق ورحمة وتعطف وقال:
ألك حاجة؟
قلت: نعم، فأخبرته الخبر.
فبكى (عليه السلام) ثم قال: ـ رافعاً طرفه إلى السماء ـ: «اللهم أنت الشاهد عليّ وعليهم، وأني لم آمرهم بظلم خلقك، ولا بترك حقك».
ثم أخرج (عليه السلام) قطعة جلد فكتب فيها:
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّۆْمِنِين)«85 - الاعراف».
فإذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يدك من عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك. والسلام».
قالت: ثم دفع الرقعة إلي، فوالله ما ختمها بطين، ولا خذمها، فجئت بالرقعة إلى صاحبه، فانصرف عنّا معزولاً» [5] أن الاية السابقة التي طبقها أمير المۆمنين بحق الوالي لم تنزل بحق الوالي بل نزلت بحق قوم نبي الله شعيب (عليه السلام) لكن الامام (عليه السلام) طبق الاية بحق الوالي فبذلك لا يكون القرآن وقف على زمان غير زمان بل يطبق في كل الازمنة والاماكن والظروف.
الصبغة الحقيقية لثقافة القرآن «التقوى»
قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) [6]
وقال تعالى: (فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة) [7]
اول ما يقوم به القرآن الكريم هي زرع التقوى عند الانسان والخشية من الله سبحانه وتربيته على ذلك وجعل الوعيد والعذاب عقاب المخالف والجنة هي ثواب المتقين لذلك ثقافة القرآن هي الوحيدة القادرة على ان تضبط سلوك الانسان من خلال التقوى والخشية من الله.
الحق ميزان الثقافة الرسالية
ان ثقافة القران الكريم لا تعترف لا بعرف ولا تقاليد ولا جنس ولا نوع ولا اكثرية ولا اقلية ولا أي امتيازات اخرى وتعتبر الحق والعدل هم الميزان الحقيقي، وهذا ما قد وقعت فيه الثقافات الآخرى فقد اعتبرت الاكثرية هي الميزان حتى وان كان الاكثرية هم الخاطئون وجاء في حديث عن رسول الله صلى الله عليه واله: ««ياعمار!» فان سلك الناس كلهم واديا وسلك عليا واديا، فاسلك وادي علي بن ابي طالب (عليه السلام) وخل الناس» [8] ويتبين لنا من الرواية بان يتبع الحق المتمثل في علي حتى وان كان في مقابل الحق الناس كلهم فلا يعطيهم الشرعية والحق.
المصادر:
[1] الثقافة الرسالية
[2] سورة الجاثية - 20
[3] نهج البلاغة، الخطبة 156.
[4] رواها العلامة الاميني عن مصادر في رد مخاريق ابن تيمية وحكم قتال الجمل وصفين من كتاب الغدير: ج3 ص174
[5] كشف الغمّة: ج1 ص174، ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق، ج69 ص225 في ترجمة سودة رقم9363، والاستيعاب لابن عبد البر: ج3 ص1111، عن أبي اسحاق السبيعي، نحوه.
[6] سورة التوبة 119
[7] سورة البقرة 24
[8] فرائد السمطين للعلامة الجويني الشافعي ج1 ص178