مَنْ المتصدق في آية الولاية ؟
  • عنوان المقال: مَنْ المتصدق في آية الولاية ؟
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 18:53:22 1-9-1403

قال تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)[المائدة : 55 ]
إنّ المشهور عند مفسري أهل السنة ومحدثيهم إنّها نزلت في الإمام علي(عليه السلام)، فضلاً عن إجماع الشيعة على ذلك، فقد أخرج الواحدي النيسابوري (ت468هـ) في كتابه أسباب النزول ، روايتين فقك، إحداهما عن جابر بن عبد الله الأنصاري، والثانية عن ابن عباس، وكلاهما تقول إنّها نزلت في الإمام علي(عليه السلام). [أسباب النزول، ص262].

وأخرج الطبري في تفسيره عن السدي وعتبه بن حكيم، ومجاهد أنّ المعني بالآية هو الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) ، لمرور السائل به وهو راكع في المسجد وإعطاء خاتمه في حال الركوع [تفسير الطبري، مج4، ج6، ص400].

وقال الثعلبي في تفسيره(قال ابن عباس، وقال السدّي، وعتبة بن حكيم، وثابت بن عبد الله، إنّما يعني بقوله (وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ) الآية ، علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) ، مرّ به سائل، وهو راكع في المسجد وأعطاه خاتمه) [تفسير الثعلبي (الكشف والبيان)، ج4، ص80].

وقال به مقاتل أيضاً، وذكره ابن الجوزي في كتابه (زاد المسير) [زاد المسير، ج2، ص292].

وأورد السيوطي في الدر المنثور) روايات عديدة ومن مصادر شتى، وعلى لسان صحابة وتابعين كثيرين تؤكد نزولها في الإمام علي (عليه السلام). [انظر: الدر المنثور، ج3، ص104].

وقد نقل عن حسان بن ثابت أنّه أنشأ شعراً بعد سماعه للنبي (صلى اله عليه وآله)، وهو يقرأ الآية على المسلمين عند نزولها ، قال:

أبا  حسن  تفديك  نفسي ومهجتي   وكل  بطيء  في  الهدى ومسارع
وأيذهب   محي  والمحبّر  ضائعاً   وما  المدح في جنب الإله بضائع
وأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعاً   زكاة  فدتك  النفس  يا  خير راكع
فأنزل    فيك   الله   خير   ولاية   فبيّنها    في    نيرات    الشرائع


[شواهد التنزيل، ج1، ص234-237؛ الخوارزمي في المناقب، ص186؛ فرائد السمطين، ج1، ص189-190، الفصل 17؛ الواحدي في أسباب النزول، ص148]

ولشهرة نزولها في الإمام علي (عليه السلام) اعتمدها الفقهاء كدليل على أن الفعل القليل لا يبطل الصلاة، وأن الصدقة المستحبة زكاة، وذلك إذعاناً منهم بأن الآية نزلت في الإمام علي (عليه السلام) عندما تصدق بخاتمه وهو بالصلاة، كما نقل ذلك القرطبي في تفسيره [تفسير القرطبي، ج6، ص221]، والجصاص الحنفي في (أحكام القرآن) [الجصاص في أحكام القرآن، ج2، ص557، باب العمل اليسير في الصلاة].

 

معنى الولي:

حصل جدل واسع واختلاف شديد حول معنى كلمة (ولي) في الآية نظراً لما يحمله تفسيرها بمعنى ولي الأمر والخليفة من اعتراف بحق البيت (عليهم السلام) يتعارض مع ما جرى بعد النبي (صلى الله عليه وآله) ، ولهذا سعى المخالفون لهذا الحق لأهل البيت إلى تفسير الكلمة بمعنى عن الاستعمالات اللغوية للكلمة وعن أجواء الآية وسياقها، حيث فسّرها بمعنى المحب والناصر، ونحن نرى أنها بمعنى الخليفة وولي الأمر، ويدل عليه استعمالات الكلمة اللغوية والقرائن المحتفة بالآية، ويؤيده أيضاً الأحاديث النبوية الكثيرة التي استعملت الكلمة بالمعنى المختار، والتي سنأتي على ذكرها في المبحث الثاني وستجدهم هي واضحة في دلالتها على إثبات ولاية أهل البيت (عليهم السلام).

وأمّأ الرأي المخالف فليس لهم عليه دليل ناهض سوى الثوابت التي ورثوها عنم السلف وألزموا بها أنفسهم.

من جملة الأدلة التي استدل بها على ما ذهب إليه الشيعة في تفسير معنى الولي، ما يلي:

أولاً: الاستعمالات اللغوية

قال ابن منظور: (الولي اليتيم الذي يلي أمره ويقوم بكفايته، ولي المرأة الذي يلي عقد النكاح عليها ولايدعها تستبدَّ بعقد النكاح دونه، وفي الحديث (إيّما امرأة نُكحت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل) وفي رواية: (وليها) أي متولِّي أمرها) [ابن منظور في لسان العرب، ج15، ص407، مادة (ولي)].

وهنا يأتي الولي بمعنى الأولى، فما يليه من أمر اليتيم والمرأة مما يليانه من أنفسهما.

وقال الراغب في مادة ولي: (الولاء والتولي: حقيقته تولي الأمر ، والولي والمولى يستعملان في ذلك) [الراغب الاصفهاني، المفردات، ص885، مادة (ولي)] وقال أبو العباس المبّرد: (تأويل الولي) الذي هو أولى : أي: أحق ومثله (المولى) [نقلاً عن تلخيص الشافي للطوسي، ج1، ص15، القسم الثاني]، وقال الكميت :

ونَعْمَ وليُّ الأمْرِ وليِّه   ومنتجعُ التقوى ونعم المؤدبُ

وإنّ/ا أراد ولي الأمر والقائم بتدبيره) [تلخيص الشافي للطوسي، ج1، ص15، القسم الثاني من الجزء الاول؛ وكذا : مجمع البحرين للطريحي، ج3، ص1976، مادة (ولي)].

وأمّا القرآن فقد استعمل لفظة ولي في مواضيع أخرى منه بمعنى ولي الأمر كما في قوله تعالى: (وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) [البقرة: 107]فإنّ عطف النصير على الولي في الآية دليل على تغاير معناهما، وأنّ الولي غير النصير، وقد ذهب إليه الطبري في تفسيره للآية حيث قال: ومن ذلك قيل: فلان وليّ عهد المسلمين ، يعني به القائم بما عهد إليه من أمر المسلمين ، أمّا النصير ، فقد فسّره بمعنى المؤيد والمقوي) [تفسير الطبري، ج2، ص676].

وقد استعمل عمر بن الخطاب لفظه (ولي) بمعنى القائم بالأمر والخليفة، فقد أخرج مسلم والبخاري في صحيحهما في خبر طويل سأنقل لك موضع الحاجة منه، واللفظ للأول، قال عمر بن الخطاب، (فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم، [الإمام علي وعمّه] تطلب ميراثك من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها، فقال أبو بكر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما نورث ما تركناه صدقة) فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً، والله يعلم أنّه لصادق بار راشد تابع للحق، ثم توفي أبو بكر وأنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي أبي بكر ، فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً، والله يعلم أنّي لصادق بار راشد تابع للحق فوليتها)[النووي في شرح صحيح مسلم، ج12، 315-319، باب حكم الفيء، وكذا: ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج6، ص236، ح3094].

 

ثانياً: القرائن المحتفة بالآية

بعد أن تبيّن أن استعمالات لفظة ولي في اللغة وغيرها بمعنى الأولى والمتصرّف، نذكرها هنا بعض ما اكتنف الآية من قرائن منتزعة من ألفاظها وسياقها وتركيبها الدلالي، يؤكد ويعضد القول بأنها بمعنى الأولى والمتصرف، لا بمعنى النصرة أو الناصر، كما قيل.

وأبرزها مجيء لفظ (وَهُمْ رَاكِعُونَ) كوصف للمؤمنين المطلوب تولّيهم، وهذا التوصيف يجعل تقدير الآية هو: إنّما وليكم الله ورسوله والمؤمنون المصوفون بهذه الصفة، وهم إذا لم نقل إنّهم منحصرون في فرد واحد، فهم ليسوا جميع المؤمنين، وعليه لزوم النصرة لجمع المؤمنين والذي دلّ عليه قوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [التوبة : 71].

وكذلك فإنّ وصف (وَهُمْ رَاكِعُونَ) لا يبقى له معنى ويصبح زائداً ـ تنزه كلام الله تعالى عن ذلك ـ على القول بالنصرة ؛ لأنّ الزكاة ممن وصف بالنصرة لا يحتاج إلى أن يكون في حال الركوع.

وكذلك فإنّ الآية التي تأتي بعدها ، وهو قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) [المائدة : 56] والتي تشترك معها في الحثّ على تولّي نفس المشار إليهم في الآية السابقة، وهم: الله ورسوله والذين آمنوا، فإنّ معناه لا يتجه إلاّ إذا حملنا التولي إلى ولي يدبر أمره لا إلى محب وناصر، وبقرينة وحدة السياق يلزم أن يكون المتولي في الآية التي تريد نفس المعنى.