دلالات آية البلاغ على الولاية والإمامة
  • عنوان المقال: دلالات آية البلاغ على الولاية والإمامة
  • الکاتب: الشيخ علي حمود العبادي
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 18:43:19 1-9-1403

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [المائدة: 67].

لابدّ - أوّلاً -من فهم كيفية تعاطي الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) مع المفاهيم والمبادئ الإسلامية المهمّة التي تمثّل الأسسلمنظومة الدين الإسلامي، والتي أكّد عليهاالرسول (صلى الله عليه وآله)مراراً، ومن جملتها: الإمامة؛ حيث نلمس غاية الانسجام ومنتهى الملائمة بين جميع البيانات السابقة في إثبات الإمامة والتنصيص عليها، فكل تلك المواقف والبيانات كانت تتناسب مع خطورة وأهمية مبدأ كمبدأ الإمامة والولاية بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلابد من تأسيسه وتشييد أركانه وجعله ثقافة إسلامية واعية، وآية البلاغ جاءت ضمن ذلك السياق وتلك الخلفية, إذ إنّها نـزلت في ذلك الظرف لتحمل في طياتها العديد من الدلالات المهمّة التي تتعلق بحقيقة الإمامة، والتي منها:

 

الأولى: دلالتها على أهمية القضية وخطورتها

جاءت آية البلاغ لتصرّح بقضية مهمّة جداً، وهي أن ترك تنصيب علي بن أبي طالب (عليه السلام) للولاية مساوق لترك تبليغ الرسالة بأكملها، وهذا ما يتجلّى واضحاً عند التأمل في الآية {وَإِنلَّمْتَفْعَلْفَمَابَلَّغْتَرِسَالَتَهُوَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَالنَّاسِ..} [المائدة: 67]، وعلى ضوء ذلك تعرف السر في نزول هذه الآية المباركة في أواخر حياة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله), ممّا يكشف عن أهمية الإمامة والولاية في المنظومة الدينية، ومن هنايظهر لك سبب ذلك الحشد المتنوع من النصوص القرآنية والروائية التي تؤكد على ضرورة وأهمية موقع الإمامة في الإسلام بأجمعه, لكي ينطلق الإسلام في قيادة جديدة تكون في جميع مجالاتها وآفاقها امتداداً للقيادة النبوية، لتبقى المسيرة مستمرة والرسالة محفوظة. ومما يؤكد أهميتها هو ما نجده واضحاً في أقوال الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) بعد تبليغ مقام الولاية وتعيين الولي للناس، حيث قال(صلى الله عليه وآله):(فليبلغ الشاهد الغائب)[وقد ذكر ابن حجر أنها (قد بلغت التواتر)، لسان الميزان: ج1 ص3]، بالإضافة إلى ما يكتنف الآية المباركة من القرائن الحالية الكثيرة والواضحة الدالة على أهمية هذا الأمر وتأثيره المباشر على مسيرة الإسلام, كنـزوله (صلى الله عليه وآله)في حرّ الهجير، والمسلمون واقفون على الحصباء والرمضاء، حتى أنه نقل الرواة من حفاظ الحديث وأئمة التاريخ أنه لشدة الحر وضع بعض الناس ثوبه على رأسه، وبعضهم استظل بمركبه، وبعضهم استظل بالصخور ونحو ذلك.وكذلك أمره (صلى الله عليه وآله) برجوع مَن تقدَّم وتقدُّم مَن تأخّر.مضافاً إلى حضور ذلك الجمّ الغفير من الصحابة والمسلمين الذين حضروا لأداء مناسك الحج من سائر أطراف البلاد الإسلامية.

 

الثانية: دلالتها على تحديد معالم الأطروحة

إنّ آية البلاغ التي بلّغها الرسول الأكرم ‌(صلى الله عليه وآله) في أواخر حياته، جاءت تحمل في طياتها الإشارة إلى قضية مهمّة جدّاً في الدين الإسلامي، وهي تحديد معالم أطروحة الإمامة في الإسلام، مؤكدة على أن الإمامة شاملة لكل الأبعاد القيادية السياسية منها والحكومية والمرجعية وغيرها، وأن منصب الخلافة والحكومة يمثل أحد أبعاد الإمامة، وهذا هو موضع النـزاع مع أتباع مدرسة الخلفاء، حيث إنّهم يختزلون دور الإمام في الحاكمية فقط، فإذا لم يستلم الحكومة لا يكون إماماً، على خلاف معتقد الشيعة الإمامية الاثني عشرية, التي تعتقد إن منصب الحاكمية يمثّل أحد أبعاد الإمامة لا جميعها.

 

الثالثة: دلالتها على الإعلان الرسمي بالولاية والإمامة

إنّ آية البلاغ جاء تبليغها بصيغة الإعلان الرسمي للولاية والإمامة والتتويج العام للإمام علي (عليه السلام) أمام المسلمين، ويشهد لذلك كيفية التبليغ، حيث أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله)الناس بأن يجتمعوا، وجمعت له (صلى الله عليه وآله) أقتاب الإبل وارتقاها آخذاً بيد أخيه علي (عليه السلام) أمام الملأ صادعاً بإبلاغ الولاية، وطلب بنفسه البيعة من الناس لعلي (عليه السلام)، وبادر الناس لبيعته (عليه السلام) وسلّموا عليه بإمرة المؤمنين، وهنأوا النبي (صلى الله عليه وآله) وعليّاً (عليه السلام)، وأول من تقدم بالتهنئة والبخبخة، أبو بكر ثم عمر بن الخطاب وعثمان و.....)[مسند أحمد: ج4 ص281؛ المعجم الكبير: ج5 ص203؛ فيض القدير شرح الجامع الصغير: ج6 ص282 ح120؛ تذكرة الخواص: ص36؛ نظم درر السمطين: ص109؛ شواهد التنزيل الحاكم للحسكاني: ج1 ص200، ...]،وروى الطبري عن زيد بن أرقم أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال للناس آنذاك: (قولوا أعطيناك على ذلك عهداً من أنفسنا، وميثاقاً بألسنتنا، وصفقة بأيدينا، نؤديه إلى أولادنا وأهلنا لا نبتغي بذلك بدلاً) [كتاب الولاية: محمد بن جرير الطبري: ص 214- 216.]

 

الرابعة: دلالتها على استمرار الولاية بعد النبي (صلى الله عليه وآله)

لم يكتفِ الله تبارك وتعالى بكلّالبيانات السابقة من النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) حتى أنزل في ولاية علي (عليه السلام) تلك الآيات الكريمة تتلى على مرّ الأجيال بكرة وعشيّاً, ليكون المسلمون على ذكر من هذه القضية في كل حين، وليعرفوا رشدهم والمرجع الذي يجب عليهم أن يأخذوا عنه معالم دينهم ويتبعوهُ في قيادته.

والحاصل: فلو اقتصر في تبليغ الإمامة على تلك البيانات الخاصة للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) والمقتصرة على حضور بعض الصحابة، لضاعت وأصبحت روايات ضعافاً، ولما وصلت إلينا بشكل واضح ومتواتر كما جاءتنا آيات وروايات البلاغ،وذلك بسبب منع تدوين حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) في عهد الخلفاء ولتولي بني أمية وأعداء أهل البيت (عليه السلام) تدوين الحديث فيما بعد، ولذا كان تبليغها في واقعة الغدير كفيلاً بأن يجعلها تصل إلى حدّ التواتر وإجماع المسلمين, الذي لا يمكن تجاوزه.