المقصود من أولي الأمر في سورة النساء
  • عنوان المقال: المقصود من أولي الأمر في سورة النساء
  • الکاتب: الشيخ أحمد الحمد
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 18:19:6 1-9-1403

قال تعالي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] هذه الآية وبعض الآيات اللاحقة تبحث عن واحدة من أهم المسائل الإسلامية، ألا وهي مسألة القيادة. وتعيين القادة والمراجع الحقيقين للمسلمين في مختلف المسائل الدينية والاجتماعية وغيرها.

فهي تأمر المؤمنين أولاً بأن يطيعوا الله { أَطِيعُوا اللَّهَ } أي امتثلوا أوامره واجتنبوا نواهيه بشكل مطلق، لأنّ طاعته ذاتية مطلقة لكونه المالك الحقيقي لكل شيء.

ثانياً: تأمر باتباع النبي (صلى الله عليه وآله) {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} وإطاعته بشكل مطلق ومن دون تقيد كطاعة الله، ولكنما تختلف عن طاعة الله بأنّ طاعة الله ذاتية وطاعة الرسول مكتسبة بالعرض من قبل الله.

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء: 64] وتكرار لفظ الإطاعة لأجل ذلك، أي لبيان أنّ طاعته اضافية ‌من قبل الله والطاعة مطلقة لله وللرسول ولم تقيد بشيء فكل طاعة للرسول هي طاعة لله { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80].

وهذا يعني العصمة للرسول(صلى الله عليه وآله)، فلو كان احتمال أن يصدر منه مخالفة لله يكون خلاف الغرض المذكور في الآية بكون طاعته طاعة الله التي تستوجب أن يكون مطيعاً‌ لله ويمتثل ارادته سبحانه.

ثالثاً: تأمر باتباع أولي الأمر {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} الواو في الآية هي عطف وقرن طاعة أولي الأمر بطاعة الله ورسوله، فطاعتهم هي طاعة‌ لله وللرسول. وهذا يعني أيضاً أن يكونوا معصومين وإلا لا تكون طاعتهم طاعة لله وللرسول، وإنّ الضرورة التي استدعت أن يكون الرسول معصوماً هي بنفسها تستدعي أن تكون في أولي الأمر، فلو لم يكن ذلك شرطاً لبينة بقرينة أو بآية أخري، بل إنّ الآيات الأخري تؤكد عصمتهم.

 

من هم أولو الأمر؟

ثمة كلام كثير بين المفسرين في المقصود من أولي الأمر في هذه الآية، ويمكن تلخيص أوجه النظر (الاختلاف) في هذا المجال فيما يلي:

1. ذهب جماعة من مفسري أهل السنة إلي أنّ المراد من أولي الأمر هم الأمراء والحكام في كل زمان و مكان وعلي‌ المسلمين أن يطيعوا كل حكومة وسلطة مهما كان شكلها ولو كانت حكومة المغول ودولتهم الجائرة.

وهذا لا يناسب مفهوم الآية وروح التعاليم الإسلامية بحال، إذ لا يمكن أن تقترن طاعة كل حكومة مهما كانت طبيعتها ومن دون قيد بطاعة الله والنبي (صلى الله عليه وآله).

2. وذهب بعضهم مثل صاحب تفسير المنار إلي‌ أنّ المراد من {َأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} ممثلو كافة طبقات الأمة، من الحكام والقادة والعلماء في شتي ‌مجالات حياة الناس، ولكن لا تجب طاعة هؤلاء بشكل مطلق وبدون قيد أو شرط بل هي مشروطة بأن لا تكون علي خلاف الأحكام الإسلامية وهذا لا يتناسب مع اطلاق الآية، لأنّ الآية توجب اطاعة أولي الأمر من دون قيد أو شرط.

3. وذهب بعض مفسرين أهل السنة إلي أنّ المقصود {َأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} هم صحابة الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله).

وهذا التفسير هو حصر عنوان أولي الأمر بالصحابة فمؤداه عدم وجود مصداق لأولي الأمر بين المسلمين في هذا الزمان هذا مضافا إلي عدم وجود دليل علي مثل هذا التخصيص.

4. ذهب كل مفسري الشيعة بالاتفاق إلى أن المراد من {َأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} هم الأئمة المعصومون (عليهم السلام) الذين أنيطت إليهم قيادة الأمة الإسلامية المادية والمعنوية ولا تشمل غيرهم، اللهم إلا الذي يتقلد منصباً من قبلهم، ويتولى أمر في إدارة المجتمع الإسلامي من جانبهم فإنه يجب طاعته أيضاً إذا توفرت فيه الشروط ولا تجب طاعته لكونه من أولي الأمر، بل لكونه نائباً لأولي الأمر ووكيلاً من قبلهم.

وهذا التفسير سليم من جميع الاعتراضات السابقة‌ وهو تفسير أولي الأمر بالأئمة المعصومين (عليهم السلام) لموافقة التفسير لاطلاق وجوب الإطاعة المستفادة من الآية، لأنّ مقام العصمة يحفظ الإمام من كل معصية‌ ويصونه عن كل خطأ. وهذا الطريق يكون أمره مثل أمر الرسول(صلى الله عليه وآله) واجب الإطاعة من دون قيد أو شرط.