في رحاب آية المودة
  • عنوان المقال: في رحاب آية المودة
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 18:52:4 1-9-1403

 قال تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} الشورى: 23.

إّن المراد من القربى في الآية (حسب ما ذكره جمع من مفسري الشيعة وأكثر أهل السنة) هم قرابة النبي(صلى الله عليه وآله).

والقُربى: تعني القُرب والدنو لا (المقرَّب) لذا فإنّها جاءت في جميع الحالات التي استخدمت فيها هذه كلمة في القرآن الكريم وهي ما يقارب (خمسة عشر مورداً عدا آية البحث) ، وأريد بها الأشخاص الذين يتمتّعون بالقرابة (أي القُربى النسبية).

وكثير من أهل اللغة قد صرحوا بأنّ القربى أو ذوي القربى تعني قرابة النسب، يقول صاحب مقاييس اللغة: فلان ذو قربى هو من يقرب منك رحماً، ثم يضيف: (القُربى والقرابة) كلاهما بمعنى واحد وذكر صاحب لسان العرب والقرابة والقربى الدنو في النسب.

ولا يرد عليها إشكال القول بأنّها مكية؛ لأنّها في سورة الشورى أنّ الحسنين ولدا في المدينة؛ لتأكيد الكثير على أنّ هذه الآية نزلت في المدينة، وحتى على فرض أنّها مكية، فما الضير في ذلك؟ فهناك الكثير من الآيات الكريمة التي سيقت لبيان قضية حقيقية تُصبح فعلية إذا وجد من تطبيق عليه لا خارجية.

قال الزمخشري في تفسيره: القربى كالزلفى والبُشرى بمعنى القرابة وروى أنّها لما نزلت قيل: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين أوجبت علينا مودتهم؟ قال: (علي وفاطمة وابناهما).[ تفسير الكشاف، ج4، ص219]

وعلّق الفخر الرازي في تفسيره على كلام الزمخشري عند ذكر هذه الرواية المباركة قائلاً: فثبت أنّ هؤلاء الأربعة أقارب النبي(صلى الله عليه وآله)وإذا ثبت هذا وجب أنّ يكونوا مخصوصين بمزيد التعظيم، ثم قال الرازي ويدل على تعظيمهم {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} ولا شك أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان يحب فاطمة (عليها السلام) وقال (صلى الله عليه وآله): (فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها) وثبت أنّ(عليها السلام) بالنقل المتواتر، عنه (صلى الله عليه وآله) أنّه كان يحب علياً والحسن والحسين، وإذا ثبت ذلك وجب على كل الأمّة مثله لقوله: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف:158] ولقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]وأنّ الدعاء للآل مقام عظيم، ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصلاة وهو قوله(اللهم صلَِ على محمد وعلى آل محمد وارحم محمداً وآل محمد)، وهذا التعظيم لا يوجد في حق غير الآل فكل ذلك يدل على أنّ حبّ آل محمد واجب ثم استشهد الرازي بشعر الشافعي:

يا راكباً قف بالمحصب من منى   واهتف  بساكن خيفها والناهض
سَحَرَاً إذا فاض الحجيج إلى منى   فيضاً  كما  نظم الفرات الفائض
إن  كان  رفضاً  حب  آل  محمد   فليشهد   التاريخ   أنّي  رافضي



[التفسير الكبير للرازي، ج27، ص166]

وقد ذكر السيوطي عند تفسير هذه الآية (السابقون السابقون) إلى المساجد والخروج في سبيل الله أو السابقون من كل أمّة، ثم قال وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت في حزقيل مؤمن آل فرعون وحبيب النجار الذي ذكر في سورة يس، وعلي بن أبي طالب وكلّ رجل منهم سابق أمّته ، وعلي أفضلهم سبقاً.[تفسير الدر المنثور، ج27، ص7]

ومما يؤكد أنّ الآية (السابقون) السابقون نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام) ما ذكره الحسكاني في شواهد التنزيل من أنّه قال (صلى الله عليه وآله): (إنّها نزلت في الأنبياء وأوصياهم وأنا أفضلهم وعلي وصيي أفضل الأوصياء).

هذا ويجب أن ننبه فيما يخصّ الآية وهي أنّ القرآن الكريم ينقل عن كثير من الأنبياء أنّهم كانوا يقولون بصراحة: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} الشعراء: 109 .

ومن ناحية أخرى يقول في آية البحث فيما يتعلق بالنبي (صلى الله عليه وآله) : {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} .الشعراء: 109.

ومن ناحية ثالثة نقرأ في آية أخرى بشأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} الفرقان: 57.

ومن ناحية رابعة جاء في الآية (47) من سورة سبأ بشأن رسول الله (صلى الله عليه وآله): {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ} السبأ: 47.

ومن خلال جمع هذه الآيات الأربع مع بعضها يمكن الاستنتاج جيّداً أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) شأنه شأن بقية الأنبياء لم يطلب أجر لشخصه من الناس ، بل إن مودة قرباه مرضاة الله، وهو أمر يصيب في صالح هؤلاء تماماً لأنّ هذه المودة تؤكد حق الإمامة وخلافة النبي (صلى الله عليه وآله) واستمرار خطّ قيادة الرسول (صلى الله عليه وآله) في الأمة وهداية الناس في ظلها.

ــــــــــــــــــ

(*) مقالة مستلة من كتاب (الآيات الباهرات في مناقب العترة الطاهرة)، للشيخ مهدي عباس البحراني.