وقفة في آيات من سورة الأحزاب
  • عنوان المقال: وقفة في آيات من سورة الأحزاب
  • الکاتب: الخطيب الحسيني الشيخ عبدالرسول البصاره (رحمه الله)
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 18:49:21 1-9-1403

{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} [الاحزاب: 37].

مما عرض له من القرآن الكريم في سيرة المصطفى (صلى الله عليه وآله) ما جاء في سورة الأحزاب وهي سورة عظيمة تناولت بعض الأحكام التي تخص النبي محمد (صلى الله عليه وآله) ولا تنطبق على غيره.

ومن تلك الأحكام ما يرتبط بحياته الأسرية مع أزواجه اللائي أعطاهنّ القرآن منزلة عليا متميزة بحيث يقول في نفس السورة {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الاحزاب: 6].

يعني أن التشريع أعطى النبي (صلى الله عليه وآله) مرتبة عالية جداً بحيث جعلهنّ أمّهات المؤمنين، ومن الأحكام التي تخصّ النبي (صلى الله عليه وآله) والتي ترتبط بأزواجه، حرمة نسائه أي أنه يحرم عليهنّ الزواج حتى لو فارقهنّ بطلاق أو بفسخ، وإن كان شمول الحكم يظهر عند الامامية، إلا أن الحكم في القرآن ظاهر{وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} [الأحزاب: 53].

ولكن الفقه الإمامي والذي يستفاد من روايات أهل البيت (عليهم السلام) يرى أن هذا الحكم يشمل حتى مَن فارقهن في حياته بطلاق أو بفسخ وإن لم يدخل بهن، بينما المذاهب الأخرى يتساهلون في ذلك خاصة بمن فارقها قبل الدخول (تفسير القرآن العظيم لابن كثير سورة الاحزاب آية 28 وقد اختلف العلماء في جواز تزويج غيره لهن لو طلقهن، على قولين، واصحهما نعم لو وقع، ليحصل المقصود من السراح، والله اعلم).

ومما تناولته السورة المباركة قضية زيد بن حارثة وهي من متشابه القرآن فقد حاول البعض أن يلصق وينسب إلى شخصية النبي (صلى الله عليه وآله) ما لا ينسب الى عوام الناس! وملخّص الحدث هو أن زيد بن حارثة وهو أحد شهداء مؤتة وأحد قوادها وله مكانة عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد اشترته خديجة بنت خويلد (عليها السلام) ووهبته إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فتكرّم عليه وأعتقه وهذا ما تذكره الآية {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} أنعم الله عليه بنعمة الهداية ونعمة الاسلام وأنعمت عليه بإحسانك عليه وعتقه وتخليصه من الرق، ومع أن النبي أعتقه لكنه ارتبط بالنبي وبقي عنده، فقد روي أنه عندما جاء أهله يسألون عنه وعرفوا أنه عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) جاء أبوه يناشد النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: أنت ابن عبد المطلب وأنا أريد استرجاع ابني وأبذل لذلك كل ما تريد فقال له (صلى الله عليه وآله) إن ابنك حُرٌّ وهذا باختياره يرجع لك أو يبقى عندي، ولما خُيّر زيد أراد البقاء مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال إني لا أفارق رسول الله وأنا آمنت به واعتنقت دعوته، فكان من والده حماقة أن قال اشهدوا أنه ليس ابني، فأراد النبي أن يجبر خاطر زيد فقال (صلى الله عليه وآله) اشهدوا أن زيداً ابني، فصار يعرف زيد ابن رسول الله.

فلما كانت الهجرة إلى المدينة المنورة، قام النبي بعدد من الأعمال الاصلاحية التي أراد بها اصلاح أحوال الناس، ومنها ما كان من أمر زيد بن حارثة وزينب بنت جحش.

فقد قام النبي بخطبة زينب بنت جحش بن أسد بن خزيمة إلى زيد بن حارثة، وزينب هذه كانت ذات حسب ونسب، قرشية من أسد من خزيمة، أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كما زوّج بنت عمه الزبير بن عبد المطلب ضباعة من المقداد.

فماذا يريد النبي من ذلك؟ يريد النبي أن يكسر سنّة الجاهلية في مسألة الكفاءة في النسب بحيث لم يجعل لها أي اعتبار.

(اذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).

في بداية الأمر لما وجه النبي (صلى الله عليه وآله) إلى زينب من يخطبها ظنت أنه يخطبها لنفسه وكذلك أخوها عبد الله بن جحش فغمرتهما الفرحة، ولما اتضح أنه يخطبها إلى زيد لم يقبلا ذلك، فقال أخوها أترضى أن تزوج ابنة عمتك ذات الحسب والنسب من مولاك هذا، وقد كان في يوم من الأيام عبداً معتق؟ وأن يصير صهراً وكفؤاً لنا؟ وحاولا أن يرفضا هذا القرار وهذه الخطوة التي يريدها النبي، فنزلت الآية {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36].

ولكن إذا أراد الله شيئاً لابد من العمل به، لذلك عند نزول الآية الكريمة قبل الجميع ولكن على مضض، وتزوج زيد بزينب.

والذي يظهر أن هذه المرأة عندها كبرياء، فهي قرشية ذات حسب ونسب من خزيمة، من أسد بن خزيمة، وجدّها لأمها عبد المطلب والنبي جده لأبيه عبد المطلب، يعني أن النبي ابن خالها حيث تلتقي معه في عبد المطلب فكان عندها رفعة نفس على زيد والذي يظهر أن زيد لم يحتمل الحياة مع زينب فكان يأتي النبي (صلى الله عليه وآله) ويقول يا رسول الله أريد مفارقة زينب والنبي يقول له {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ واتق الله} وهذه لفظة أمسك عليك زوجك واتق الله تفيد التكرار، أي أن زيد تكررت منه هذه الحركة في طلب الطلاق والنبي (صلى الله عليه وآله) يلح عليه في ابقاء زينب.

هنا يحاول بعض الناس الذين هدفهم تحريف الكلِم أن يلصقوا بالنبي شيئاً لا يمكن حدوثه حتى من عوام الناس فيختلقون رواية، والرواية هي أن النبي كان كثير الزيارة لزيد، أي كان إذا أبطأ عليه زيد يذهب لتفقد احواله لحبه له، فجاء النبي يوماً من الايام ووجد زينب جالسة في غرفتها تسحق طيباً لها بفهر، فلما وقع نظره عليها قال: سبحان الله، سبحان خالق النور، تبارك الله احسن الخالقين.

ملفق الرواية او مختلق الرواية يقول جاء زيد فأخبرته زينب بما جرى فقال زيد اظنك وقعت في نفس رسول الله فالأفضل ان افارقك، فقالت له اخاف ان تفارقني ولا يتزوجني رسول الله.

 فهذه الرواية باطلة ولا نحتاج ان نبحث عن سندها و مصدرها ومَن هو راويها وبغضّ النظر عن هذا كله فهي باطلة من اصلها لأن زينب هذه كما ذكرنا لا تخفى على رسول الله فهي ابنة عمته ويجمعه معها محيط واحد فإن كانت جميلة او غير ذلك فهو مطّلع عليها ويعرفها، فضلاً عن ذلك هي ما تزوجت الا بإلحاحه وإصراره وبعد نزول الآية الكريمة {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} وافقت ان يكون زيداً زوجاً لها ووافقت على مضض، فتأمّل!

لكن على كل حال اذا اردت ان تطلع على سيرة المصطفى (صلى الله عليه وآله) فخذها من اهل البيت عليهم السلام، خذها من الامام جعفر الصادق عليه السلام، او من الامام على الرضا عليه السلام، اما اذا اخذت سيرته من طرق اخرى تجد شخصاً آخر غير المصطفى (صلى الله عليه وآله) كما ادّعوا عليه انه ينام عن صلاة الصبح، ويسهو في صلاته و...

 هناك إشكال او تساؤل يتطلب جواباً حول الآية نفسها {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} ما معنى هذا؟ ما هو الشيء الذي يخفيه في نفسه والله مبديه؟

هذا ما اجاب عليه الامام الرضا عليه السلام وايضاً اجاب عنه الامام زين العابدين بالمعنى نفسه فما هو الجواب؟

الجواب حول الآية {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} ان الله أطلع رسوله على جملة ازواجه في الدنيا والآخرة وعندنا روايات تقول (ان الله زوجني في الجنة آسية امرأة فرعون وكلثم أخت موسى ومريم بنت عمران)، اذاً فأزواجه اللواتي سيرتبط بهن في الحياة الدنيا اطلعه الله عليهن واحدة واحدة ومن جملتهن زينب بنت جحش، فالله أطلع نبيه ان زينب ستكون من ازواجه وهذا الذي يخفيه النبي في نفسه، ومؤكد انه لم يطلع زيد على ذلك، وهذا معنى ما يخفيه النبي (صلى الله عليه وآله) {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} ما هو الشيء الذي يخشاه النبي (صلى الله عليه وآله)؟ التفت، ان في المقام شيءٌ، فالعمل الذي قام به رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه كسر لأكثر من سنّةٍ من سنن الجاهلية:

أولاً: ان مسالة التكافؤ لا علاقة لها بالنسب (اذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه الا تفعلوه تكن فتنة في الارض وفساد كبير) {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} فالتكافؤ يكون على أساس التقوى والدين.

ثانياً: زيد متبنى رسول الله وهؤلاء ايام الجاهلية كانوا يعاملون الولد المتبنى كالولد الصلبي لا يفرقون بينهم، أي ان هذا يرث وهذا يرث، هذا زوجته تحرم وهذا زوجته تحرم، فإذا طلق زيد زينب وأقدم النبي على الزواج منها فإن عمله سيحدث عند الناس شيئاً، فالله يقول {وَتَخْشَى النَّاسَ} أي يقولون كيف تزوج من طليقة متبناه {وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} وتكسر سنّة الجاهلية. ثم يقول له {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا} هنا لم يقل طلقها وهذا من الأدب القرآني وعذوبة البيان ثم يأني النص {زَوَّجْنَاكَهَا} ولذلك يقولون زينب كانت تفتخر على أمهات المؤمنين ببعض الأمور حيث تقول إن لي مستويات لم تكن لواحدة منكن فأنا يجمعني مع رسول الله جد واحد وهو عبد المطلب، وأنتن زوّجكُنّ أهلكنّ وأنا زوّجني الله، لأن هذا قرآن يتلى {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا}.

التفت ما هي العلة؟ {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} فتلك سُنّة انتهت وليس لها أي قيمة وأي اعتبار في الاسلام. ثم نزلت بعد ذلك {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الاحزاب: 40] تريد الآية الكريمة ان تنفي أبوّة رسول الله عن زيد بن حارثة لا أن تنفي أبوّة رسول الله لأبنائه الذين ولدهم ونحن نعرف تاريخياً ان النبي (صلى الله عليه وآله) ولد له مجموعة من الابناء، ولد له القاسم وعبد الله او القاسم والطاهر والطيب ثلاثة او اثنين من خديجة، وولد له إبراهيم وهؤلاء كلهم مضوا الى دار النعيم في حداثة السن، يعني لم يصلوا الى مستوى الرجولة، أي لم يبقوا حتى يكونوا من الرجال. فوقت نزول الآية الكريمة لم يكن للنبي (صلى الله عليه وآله) ولد بمستوى رجل، ونحن نعرف ان النبي مِن عَقِبه الحسن والحسين وهم اولاده، ووقت نزول الآية كانا في دور الطفولة، وإلا الآية لا تنفي بنوّة الحسن والحسين للنبي فقال (صلى الله عليه وآله) (ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا)، (ابناي هذان سيدا شباب أهل الجنة) فالآية تقول من رجالكم يعني الرجال الموجودين وقت نزول الآية، أما بنوّة الحسن والحسين فهي ثابتة ولو لم يكن الا الآية الكريمة {أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} [آل عمران: 61] لكفت، ولا ننسى إن هناك أبوة معنوية وأبوّة روحية أخبر عنها الحديث المشهور (أنا وأنت يا علي أبوا هذه الأمة).