نفحات.. في أدب التلاوة
  • عنوان المقال: نفحات.. في أدب التلاوة
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 15:7:32 1-9-1403

تساؤلات بصيرة

القارئ.. أيّ قارئ لأيّ كتاب، يستحضر أوّلاً: ما هو الكتاب الذي يطالعه ويرسل إليه نظره وفكره، ويتعامل معه بقلبه وضميره ؟ وثانياً: مَن يكون مؤلّف هذا الكتاب، وكيف ينبغي أن يُتلقّى منه ما يُبديه في كتابه من رأيٍ وعقيدة ومفهوم ؟
ومن هنا.. نجد هذا القارئ يرفع كتاباً باحترام ويضعه باحترام، وينظر إليه نظرة تقدير، لأنّه للكاتب الفلانيّ الذي يخطّ يراعه مفاهيم مهمّة وجليلة، بل ومفيدة وفاخرة.
هكذا هي حال الناس غالباً، وذاك تعاملهم مع المتكلّمين والخطباء والمحدّثين، فينصتون إلى شخص؛ لفضله وفضيلته، حتّى تنشرح له أساريرهم، لأنّ كلامه مؤنس ونافع.. فكيف يتعامل المسلم مع كتاب مقدّس نازلٍ من عند ربّ العزّة والعظمة، إله السماوات والأرضين، وبارئ الخلائق أجمعين ؟! الذي شاء جلّ وعلا أن يُتحف حبيبه المصطفى سيّدَ رسله وأشرف أنبيائه صلّى الله عليه وآله كتاباً قدسيّاً يتلوه على مسامع الملأ إلى آخر الحياة الدنيا، يدعوهم فيه إلى: الصراط الحقّ، والهدى والخير، والإيمان والتقوى والصلاح، في منهاج تطمئنّ به الأرواح والقلوب، وشرع يأنس به العقل والضمير، ونصوص تنبسط لها الأنفس والجوارح..
فماذا يُنتظَر أن يكون ذلك الكتاب يا تُرى ؟!
يكفي ـ أيّها الأحبّة الأصدقاء ـ أن يعبّر عنه مُنزِلُه تبارك وتعالى بقوله: لَو أنزَلْنا هذا القرآنَ على جَبلٍ لَرأيتَهُ خاشعاً مُتَصدِّعاً مِن خَشيةِ الله.. (1)
وحسبه أن يقول فيه رسول الحقّ صلّى الله عليه وآله: هو الدليل، يدلّ على خير سبيل، وهو كتاب فيه تفصيل، وبيان وتحصيل... ظاهره أنيق، وباطنه عميق، له نجوم، وعلى نجومه نجوم، لا تُحصى عجائبه، ولا تُبلى غرائبه، فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة، ودليلٌ على المعرفة، لمن عرف الصفة، فلْيُجلْ جالٍ بصره.(2)
وحَسْبُه أيضاً أن يصفه أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام ـ وهو سيّد البلغاء:جعله الله ريّاً لعطش العلماء،وربيعاً لقلوب الفقهاء، ومحاجَّ لطرق الصلحاء، ودواءً ليس بعده داء، ونوراً ليس معه ظُلمة.(3)
إذن.. ما أجدر أن يُنتفَع بهذا الكتاب الشريف في آفاق: العقل والروح، والقلب والنفس، في الحياة الشخصيّة والأُسريّة والاجتماعيّة! وما أجدر به أن يُتعامل معه بغاية الأدب والإجلال في تلاوته وقراءته!

* * *

لقد جاءت الأيات الكريمات، والروايات الشريفات، ثمّ آراء العلماء والفقهاء وفتاواهم.. توكّد جميعُها على ضرورة مراعاة آداب التلاوة لهذا الكتاب العزيز، لكي يُستفاد من نفحاته المباركة، ونسائم معرفته الزاكية.
وقد يرى المتأمّل أنّ هذه الآداب التي ينبغي أن تُراعى في قراءة القرآن الكريم هي:
1. آداب ظاهريّة.
2. آداب معنويّة باطنيّة..
ثمّ يجدها المتعمّق أنّها ممتزجة كلّها، فالظاهريّ منها ـ لفظاً كان أم عملاً ـ دالّ على الأدب الروحيّ، والباطنيّ منها ـ بحالاته الشريفة ـ يدعو إلى الأدب الصُّوريّ وحسن الهيئة وطهارة المكان والجوارح.
ثمّ إنّ هذه الآداب ـ إخوتنا الأعزّة ـ تتّفق في الباعث، وهو تعظيم الله عزّ شأنه، وتقديس كلامه.. كما تتّفق في الغاية، وهي الانتفاع ـ ظاهريّاً كان أم باطنيّاً، دنيويّاً كان أم أُخرويّاً ـ كان ذلك الانتفاع. فالقصد من تلاوة كتاب الله القدسيّ تحصيل البركة، وهي خيرٌ فيّاض، وفيها الفائدة: العلميّة العقليّة، والروحيّة الإيمانيّة، والتقوى الأخلاقيّة. لذا تُجنى هذه الثمار اللذيذة بالتوجّه والمجاهدة والتمعّن في آفاق المعاني القرآنيّة الشريفة، وأحد أجنحة الصعود إلى ذلك: مراعاة الآداب الظاهريّة والمعنويّة في تلاوة القرآن الحكيم.
فلندخل ـ أيّها الإخوة المؤمنون الأحبّة ـ إلى رواق آداب التلاوة، ممهّدين لأنفسنا الدخول إلى الرحاب المعنويّة الطيّبة العاطرة لكتاب الله عزّوجلّ. فمرحباً بكم، وحسنت رفقةٌ نافعة معكم، ونحن نَرِد على ما هو غنىً لا غنى دونه، ولا فقرَ بعده ـ كما عبّر عنه النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم.

* * *

إشارات إلى خيوط النور

رأى العلماء من أهل الورع والتقوى أنّ الآداب الظاهريّة للتلاوة هي عشرة:

الأدب الأول: في حال القارئ، وهو: أن يكون على وضوء، وعلى هيئة الأدب والسكون، مستقبل القبلة، مُطرِقاً رأسَه، ليس على هيئة المتكبّر، والأفضل أن يقرأ القرآن في صلاته وفي المسجد.. وقيل: الأفضل في بيته؛ لأنّه أبعَدُ عن الرياء.

الأدب الثاني: في مقدار القراءة، وهي: ألاّ تكون في أقلّ من شهر ختمة، كيما تُراعى حُرمته في الترتيل والتأنّي في فهم الآيات المباركة، والوقوف عند بعض الآيات للتذكّر والتأمّل والتفكّر.

الأدب الثالث: في وجه القسمة، وفيه كلام حول توزيعه على الأيّام.

الأدب الرابع: في كتابته، بأن تكون حَسَنة حتّى يُقرأ بسلامة لفظ.

الأدب الخامس: ترتيله، وهو المستحبّ في هيئة القراءة.

الأدب السادس: البكاء، وهو مستحبّ مع القراءة.

الأدب السابع: مراعاة حقّ الآيات، مثل السجود عند تلاوة آيات السجدة.. مستحبّها وواجبها.

الأدب الثامن: الابتداء بالاستعاذة، والانتهاء بالتصديق.. فضلاً عن الدعوات المشهورة قبل التلاوة وبعدها وخلالها.

الأدب التاسع: الجهر بالقراءة، وفيه كلام حول حالات الجهر كراهة واستحباباً. وقد أُجمع على استحباب تلاوة القرآن نظراً.

الأدب العاشر: تحسين القراءة بالصوت الحسَن، من غير ترجيع يشابه الغناء، ولا مدٍّ مفرط مغيّرٍ للنظم. قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: لكلّ شيء حِلْية، وحلية القرآن الصوتُ الحسن.(4) .. وعن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام، قال: كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام أحسنَ الناس صوتاً بالقرآن، وكان السقّاؤون يمرّون فيقفون ببابه، يستمعون قراءته.(5)

* * *

أمّا الآداب المعنويّة لتلاوة القرآن الكريم فيراها العلماء عشرة أيضاً، وهي:

الأدب الأوّل: فهم عظمة الكلام وعُلُوِّه، وفضلِ الله تعالى ولطفه بخَلْقه في نزول كتابه عن عرش جلاله إلى أفهام خلْقه.

الأدب الثاني: التعظيم للمتكلِّم المخاطِب له، وهو الله جلّ جلاله، فيعلم التالي للقرآن أنّ ما يقرأه ليس من كلام البشر، وأنّ في تلاوته كلامَ الله عزّوجلّ غايةَ الأهمية والأثر.

الأدب الثالث: حضور القلب، وترك حديث النفس، والانصراف إليه عن غيره، وعدم الغفلة عنه.

الأدب الرابع: التدبّر، والترتيل ـ كأدبٍ ظاهريّ ـ فرصة له.

الأدب الخامس: التفهّم لمعانيه الواردة وما ذُكر من العقائد الحقّة وسيرة الأنبياء والرسل عليهم السّلام، وأمور الحياة والموت والقيامة، وأحكام الشريعة، وما جاء من العِبَر وغيرها.

الأدب السادس: التخلّي عن موانع الفهم، من الوسوسة في القراءات، والانشغال بالألفاظ والأصوات، والإصرار على الموبقات.

الأدب السابع: التخصيص، وهو أن يقدّر التالي للقرآن أنّه هو المقصود بكلّ خطاب فيه، أمراً أو نهياً، فيرى أنّه هو المأمور والمنهيّ.. ووعداً ووعيداً، فيرى أنّه المخاطَب المعنيّ بذلك؛ ليعتبر وينتفع.

الأدب الثامن: التأثّر بحسب الآيات المتلوّة، في حالات: الوجد والوجل، والحزن والسرور، والخوف والرجاء.. وغيرها.

الأدب التاسع: الترقّي، حيث يبلغ التالي درجة كأنّه واقف بين يدي الله تعالى وهو ناظر إليه ومستمع منه، فيكون حاله على هذا التقدير: السؤال والتضرّع والابتهال. أو يرتقي تالي القرآن إلى درجة فيكون حاله أنْ يشهد بقلبه كأنّ الله جلّت عظمته يخاطبه بألفاظه، ويناجيه بإنعامه وإحسانه، وهنا يكون التالي على حالٍ من: الحياء، والتعظيم والإصغاء، والتلقّي بالفهم.

الأدب العاشر: التبرّي عن الحول والقوّة، فلا ينظر إلى نفسه بعين الرضى والتزكية، ففي آيات ذِكْر الصالحين يُشهد الموقنين الصدّيقين فيها، ويتشوّق إلى أن يحشره الله معهم؛ إذ هو يغبطهم ويحبّ حالهم وفعلهم، ولسان أُمنيّته يقول:

أُحبّ الصالحين ولست منهـم         لعلّ اللهَ يرزقني الصلاحا!(6)

* * *

محطّات.. في أدب التلاوة

وهنا ـ أصدقاءنا الأعزّاء ـ نودّ أن تكون لنا وقفات عند جملة من آداب التلاوة، نراعيها إذا قرأنا كتاب الله سبحانه وتعالى، بل ونتعلّمها قبل أن نَرِد على قراءة القرآن الكريم كي نُوفّق للأخذ بها.. وهي:

1 ـ الطهارة: الظاهريّة، بالإقدام على التلاوة على وضوء ولباس نزيه، وفم نظيف.. وتلك وصيّة رسول الهدى صلّى الله عليه وآله: نظِّفوا طريق القرآن، قيل: يا رسول الله، وما طريق القرآن ؟ قال: أفواهكم، قيل: بماذا ؟ قال: بالسِّواك.(7)
والطهارة الباطنيّة، بالنزاهة عن الحرام والشكّ ومعاصي الجوارح والجوانح، فالله تعالى يقول في محكم تنزيله الحكيم: إنّهُ لَقُرآنٌ كريم* في كتابٍ مكنون* لا يَمَسُّهُ إلاّ المُطهَّرون .(8)
والآيات نازلة في تعظيم أمر القرآن وتجليله، فمسُّه هو العلم بحقائقه، والمطهَّرون هم الذين طهّر الله تعالى نفوسهم من أرجاس المعاصي وقذارات الذنوب، أو طهّر قلوبهم من التعلّق بغيره تعالى. وأجلّ مصداق لأولئك هم الذين أراد الله تطهيرهم، فقال مخطاباً لهم: «إنّما يريد اللهُ لِيُذهِبَ عنكمُ الرجسَ أهلَ البيتِ ويُطهِّرَكم تطهيرا»(9) وهم محمّد وآل محمّد صلَواتُ اللهِ عليه وعليهم.
وعلى الوجهين: جعْلُ جملة «لا يَمَسُّه» نهياً، فيكون مراد الآية النهي عن مسّ كتابة القرآن الكريم، كما يكون المراد من المطهَّرين طهارتهم من الحدث والخبث.. وقد رُوي: المصحف، لا تمسّه على غير طُهر(10)، وقال الطبرسيّ: لا يجوز للجُنب والحائض والمُحدِث مسّ المصحف، عن محمّد بن عليّ الباقر عليهما السّلام في معنى الآية.(11)
أو جعْل جملة «لا يَمَسُّه» نفياً، فتكون إخباراً بأن لا يدركه إلاّ المطهَّرون، وهم النبيّ وأهل بيته صلوات الله عليه وعليهم، وعنهم يؤخذ تفسيره وبيانه، وتأويله. وإنّما يقبل منهم من كان طاهراً موالياً لهم.

2 ـ الذِّكْر ومراعاة الآيات: وهو على صور عديدة، منها:
أ. الاستعاذة بالله جلّ وعلا: ـ قال تعالى: فإذا قرأتَ القرآنَ فاستَعِذْ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيْم (12)، أي اطلب منه تعالى ـ مادمت تقرأ القرآن ـ أن يعيذك من الشيطان الرجيم أن يغويك. فالمطلوب هو إيجاد حالة الاستعاذة في النفس، وأحد أسباب ذلك هو التعوّذ اللفظيّ استحضاراً لها.. وهذه رواياته:
• قال أحدهم للإمام الصادق عليه السّلام: كيف أقول ؟ قال: تقول: ـ أستعيذ بالله السميع العليم، من الشيطان الرجيم، وقال: إنّ الرجيم أخبث الشياطين.(13)
• ولمّا أراد الإمام الكاظم عليه السّلام أن يستشهد بآية قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم..(14)
• وعن الإمام عليّ عليه السّلام: إنّ قوله: أعوذ بالله، أي أمتنعُ بالله... والاستعاذة هي ما قد أمر الله به عباده عند قراءتهم القرآن، فقال جلّ ذِكْره: فإذا قرأتَ القرآنَ فاستَعِذْ باللهِ من الشيطانِ الرجيم.. ، مَن تأدّب بآداب الله عزّوجلّ أدّاه إلى الفلاح الدائم، ومن استوصى بوصيّة الله كان له خير
الدارين.(15)
• وعن الإمام الصادق عليه السّلام:أغلِقوا أبواب المعصية بااستعاذة، وافتحوا أبواب الطاعة بالتسمية. (16)
ب. السجود: عند آيات السجدة، ففي القرآن الكريم خمس عشرة سجدة، منها أربعة واجبة تُسمّى بـ «العزائم»، والباقيات مستحبّة.
وأقلّ السجود وضع الجبهة على الأرض، وأكمله أن تُراعى شرائط سجود الصلاة من: ستر العورة واستقبال القبلة، وطهارة الثوب والبدن من الخَبَث والحَدَث، وأن يكبّر ويسجد على الأعضاء السبعة، ويدعو في سجوده، وعند قراءة آيات العزائم يسجد في فوره ولا يسقط عنه بالتأخير. سُئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتّى يركع ويسجد، فقال: يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم.(17)
وجاء عنه عليه السّلام قوله: إذا قرأ أحدكم السجدة من العزائم فلْيقُل في سجوده: سجدتُ لك تعبّداً ورِقّاً، لا مستكبِراً عن عبادتك، ولا مستنكفاً ولا متعظِّماً، بل أنا عبد ذليل خائف مستجير.(18)
ج. الأدعية: بما يناسب المقام والحال، ليكون تالي القرآن متذكّراً وفي روحيّة سامية متألّقة مع كتاب الله العزيز.
• كان الإمام الصادق عليه السّلام إذا قرأ القرآن، قال قبل أن يقرأ حين يأخذ المصحف: اللّهمّ إنّي أشهد أنّ هذا كتابك المُنْزَل من عندك على رسولك محمّد بن عبدالله، وكلامُك الناطق على لسان نبيّك، جعلتَهُ هادياً منك إلى خَلْقك، وحَبلاً متّصلاً فيما بينك وبين عبادك. اللّهمّ إنّي نشرتُ عهدك وكتابك، اللّهمّ فاجعل نظري فيه عبادة، وقراءتي فيه فِكراً، وفكري فيه اعتباراً. واجعلني ممّن آتعظَ ببيانِ مواعظك فيه، واجتنَبَ معاصيك، ولا تطبع عند قراءتي على سمعي، ولا تجعل على بصري غشاوة، ولا تجعل قراءتي قراءةً لا تدبّرَ فيها، بل اجعلني أتدبّر آياته وأحكامه، آخذاً بشرائع دينك، ولا تجعل نظري فيه غفلة، ولا قراءتي هذَراً، إنّك أنت الرؤوف الرحيم.
وفي الدعاء عند الفراغ من قراءة القرآن كان عليه السّلام يقول: اللّهمّ إنّي قد قرأت ما قضيتَ من كتابك الذي أنزلتَ فيه على نبيّك الصادق صلّى الله عليه وآله، فلك الحمدُ ربَّنا. اللّهمّ اجعلني ممّن يُحلّ حلاله، ويُحرّم حرامه، ويؤمن بمُحكَمِه ومتشابِهِه، واجعله لي أُنساً في قبري، وأُنساً في حشري، واجعلني ممّن تُرقّيه بكلّ آية قرأها درجةً في أعلا عِلِّيّين، آمين ربَّ العالمين.(19)
• وعن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: حبيبي رسول الله صلّى الله عليه وآله أمرني أن أدعو بهنّ عند ختم القرآن: اللّهمّ إنّي أسألك إخبات المخبتين، وإخلاص الموقنين، ومرافقة الأبرار، واستحقاق حقائق الإيمان، والغنيمة من كلّ بِرّ، والسلامة من كلّ إثم، ووجوبَ رحمتك، وعزائم مغفرتك، والفوز بالجنّة، والنجاة من النار.(20)
• وكان عليه السّلام إذا ختم القرآن قال: اللّهمّ اشرح بالقرآن صدري، واستعمل بالقرآن بدني، ونوّر بالقرآن بصري، وأطلِق بالقرآن لساني، وأعنّي عليه ما أبقيتني؛ فإنّه لا حول ولا قوّة إلاّ بك.(21)
• وكان الإمام الرضا عليه السّلام في طريق خراسان يكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآن، فإذا مرّ بآية فيها ذِكر جنّة أو نار بكى، وسأل الله الجنّة وتعوّذ به من النار.(22)
• وفي الصحيفة السجّاديّة المباركة نقرأ للإمام عليّ بن الحسين سلام الله عليه دعاء مبسوطاً عند ختم القرآن، أوّله: اللّهمّ إنّك أعنتَني على ختْم كتابك الذي أنزلتَه نوراً،.. وفيه هذه العبارات الشريفة: اللّهمّ فكما جعلتَ قلوبنا له حمَلة، وعرّفتَنا برحمتك شرفه وفضله، فصلّ على محمّدٍ الخطيبِ به، وعلى آله الخُزّانِ له، واجعلنا ممّن يعترف بأنّه مِن عندك، حتّى لا يعارضَنا الشكّ في تصديقه، ولا يختلجَنا الزيغُ عن قصد طريقه... اللّهمّ صلّ على محمّد وآله، واحطُطْ بالقرآن عنّا ثِقْلَ الأوزار، وهَبْ لنا حُسن شمائل الأبرار، واقْفُ بنا آثار الذين قاموا لك به آناءَ الليل وأطرافَ النهار، حتّى تُطهِّرنا من كلّ دنَسٍ بتطهيره، وتقفوَ بنا آثار الذين استضاؤوا بنوره، ولم يُلْهِهمُ الأمل عن العمل فيقطعَهم بخُدع غروره.
اللّهمّ صلّ على محمّدٍ وآله، واجعلِ القرآن لنا في ظُلَم الليالي مؤنسا، ومن نزَعات الشيطان وخطَرات الوساوس حارسا، ولأقدامنا عن نقلها إلى المعاصي حابسا، ولألسنتنا عن الخوض في الباطل عن غير ما آفةٍ مُخرِسا، ولجوارحنا عن اقتراف الآثام زاجرا، ولما طوت الغفلةُ عنّا من تصفّح الاعتبار ناشرا...
اللّهمّ صلّ على محمّدٍ وآله، وهوّنْ بالقرآن عند الموت على أنفسنا كرْب السياق، وجَهدَ الأنين، وترادفَ الحشارج إذا بلغت النفوس التراقيَ وقيل مَن راقٍ ؟ وتجلّى ملَك الموت لقبضها من حجُب الغيوب، ورماها عن قوس المنايا بأسهمِ وحشة الفراق، وداف لها من ذُعاف الموت كأساً مسمومةَ المَذاق، ودنا من الآخرة رحيل وانطلاق، وصارت الأعمالُ قلائدَ في الأعناق، وكانت القبور هي المأوى إلى ميقات يومِ التلاق...
وارحم بالقرآن في موقف العَرْض عليك ذُلّ مَقامنا، وثبّت به عند اضطراب جسر جهنّم يومَ المَجاز عليها زللَ أقدامنا..(23)
د. موافقات: وهي عبارات تناسب الآيات المتلوّة، يَعرض فيها التالي للقرآن أدبَه أمام الخطاب الإلهيّ الجليل.. فكان الإمام أبو عبدالله الصادق عليه السّلام إذا مرّ بـ يا أيُّها الناسُ.. ، يا أيُّها الذين آمنوا.. قال: لبيّك ربَّنا، وإذا ختم سورة الشمس قال: صدق اللهُ وصدق رسوله، وإذا قرأ: ءَ اللهُ خيرٌ أمّا يُشركون (24) قال: اللهُ خيرٌ اللهُ أكبر، وإذا قرأ: ثمّ الذينَ كفروا بربِّهم يَعدِلون (25) قال: كَذبَ العادلون بالله، وإذا قرأ: الحمدُ للهِ الذي لم يتّخذْ ولَداً ولم يكنْ له شريكٌ في المُلْك.. (26) كبّر ثلاثاً، وإذا فرغ من الإخلاص قال: كذلك اللهُ ربّي.
وروي عند قوله تعالى: فمَن يأتيكُم بماءٍ مَعين ؟! (27) أنّه كان يقول: اللهُ ربُّنا، وعند قوله تعالى: أليسَ ذلك بقادرٍ على أن يُحييَ الموتى ؟! (28): سبحانك بلى، وعند قوله: أأنتُم تخلُقُونَه أم نحنُ الخالِقُون ؟! (29): بل أنت اللهُ الخالق، وعند أم نحنُ الزارِعُون ؟! (30) : بل أنت اللهُ الزارع، وعند أم نحنُ المُنشِئُون ؟! (31) : بل أنت الله المنشئ، وعند قوله عزّوجل: فبأيّ آلاءِ ربِّكما تُكذِّبان ؟!
(32): لا بشيء من آلائك ربِّ أُكذِّب..إلى غير ذلك.(33)
والظاهر انسحاب ذلك إلى كلّ ما يناسب، إذ هو من آداب التلاوة لكتاب الله، وفيه معنى التصديق والموافقة.

3 ـ الترتيل والتدبّر: وآيته قوله عزّ مِن قائل: ورَتِّلِ القرآنَ ترتيلا (34) وهو أمر إلهيّ يبيّنه أمير المؤمنين عليه السّلام في ظلّ الآية المباركة قائلاً: بَيِّنْه بياناً ولا تهذَّه هَذَّ الِّشعر، ولا تنثره نَثْرَ الرمل، ولكن أفزِعُوا قلوبكم القاسية، ولا يكن همّ أحدكم آخرَ السورة.(35)
قال الفيض الكاشانيّ: الهذّ: السرعة في القراءة، أي: لا تُسرع فيه كما تسرع في قراءة الشِّعر، ولا تفرّق كلماته بحيث لا تكاد تجتمع كذرّات الرمل، والمراد به [أي الحديث الشريف] الاقتصاد بين السرعة المفرطة والبطء المفرط.
وفي رواية أُخرى: أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام سُئل عن ترتيل القرآن فقال: هو حفظ الوقوف، وبيان الحروف. وفُسِّر الأوّل بالوقف التامّ والحسَن، والثاني بالإتيان بصفاتها المعتبرة من الجهر والهمس والإطباق والاستعلاء.. وغيرها. وعن أبي عبدالله (الصادق) عليه السّلام: هو أن تمكث وتحسِّن به صوتك.(36)
• وتُروى الرواية بصيغة أخرى، حيث يأتي بها القمّيّ في تفسيرها هكذا: بَيِّنه تبياناً، ولا تنثره نثر الرمل، ولا تهذَّه هذّ الشعر، ولكن أقرع به القلوب القاسية.(37) بينما يرويها الراونديّ باسنادٍ عن أئمّة الهدى عليهم السّلام: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله سُئل عن قوله تعالى: ورتّلِ القرآنَ ترتيلا ، فقال: بَيِّنْه تبياناً، ولا تنثره نثر الرمل، ولا تهذّه هذّ الشعر، قِفوا عند عجائبه، وحرّكوا به القلوب، ولا يكون همّ أحدكم آخِرَ السورة.(38)
أمّا الشيخ الكلينيّ فيروي عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال: إنّ لرمضانَ حقّاً وحُرمة، ولا يشبهه شيء من الشهور، وكان أصحاب محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم يقرأ أحدهم القرآن في شهر أو أقلّ. إنّ القرآن لا يُقرأ هَذْرَمَة، ولكنْ تُرتِّلُ ترتيلاً، وإذا مررتَ بآية فيها ذِكْر الجنّة فقف عندها واسأل الله تعالى الجنّة، وإذا مررتَ بآية فيها ذِكر النار فقف عندها وتعوّذْ بالله من النار.(39)
وللفيض الكاشانيّ هنا وقفة ـ أيّها الإخوة الأحبّة ـ، حيث يقول: ينبغي لمن كان من العابدين السالكين بطريق العمل أن يأخذ بالأُسبوع كما في الحديث، ولمن كان من السالكين بطريق القلب وضروب الفِكر، أو من المشغولين بنشر العلم أن يأخذ بالشهر، كما في الحديث أيضاً. وإن كان نافذ الفكر في معاني القرآن فقد يكتفي بأقلّ من ذلك؛ لحاجته إلى كثرة الترديد والتأمّل، فيأخذ بما ورد أنّه ينبغي أن يُقرأ منه في كلّ يوم خمسون آية، وهو أقلّ ما يُقرأ.(40)
وهنا نفهم معاً أنّ استحباب الترتيل في القراءة القرآنيّة يُقصد منه تهيئة الفرصة الكافية للتفكّر والتأمّل والتدبّر، فالترتيل يعين على ذلك، بينما الهذّ في قراءة القرآن لا يعطي هذه الفرصة، فتكون القراءة قراءة غافلين، لا واعين ولا متبصّرين، وتلاوة مُلَقْلِقين لا متدبّرين خاشعين.
إنّ الثمرة المجتناة هي الاعتبار، وإنّما يكون بالتدبّر الذي يفيض عن الحكمة والاتّعاظ.. يقرأ أحدهم آيات، فيقول له الإمام أبو جعفر الباقر عليه السّلام: حَسْبُك، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إنّي لأعجبُ كيف لا أشيب إذا قرأتُ القرآن!(41)
• وكان الإمام عليّ سلام الله عليه يوصي: تدبّروا آيات القرآن واعتبروا به؛ فإنّه أبلغ العبر.(42) ومن بعده حفيده الإمام عليّ بن الحسين عليه السّلام كان يقول: آيات القرآن خزائن العلم، فكلّما فتحت خزانة فينبغي لك أن تنظر فيها.(43)
صحيح أن تلاوة القرآن بركة، ونفحة خير ونَسْمةٌ رحمانيّة، إلاّ أنّ من أدب التلاوة أن يفهم التالي ما يقرأ، وأن ينتفع بما يقرأ، وإلاّ فاته أمر مطلوب.. فقد روي عن أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام أنّه قال: ألاَ لا خير في قراءةٍ ليس فيها تدبّر.(44)
وفي هذا المعنى قال الإمام الصادق عليه السّلام في ظلّ الآية الشريفة: يَتْلُونَه حقَّ تِلاوتِه.. (45): الوقوف عند ذِكر الجنّة والنار.(46)

4 ـ الخشوع: وهو ثمرة أخرى للنظر بعين البصيرة إلى كتاب الله تبارك وتعالى، والاستشعار القلبيّ بتوجّه الخطاب الإلهيّ إلى التالي لآياته جلّ وعلا. ومن آياته المباركة قوله جلّ وعلا:
ألَمْ يَأْنِ للّذينَ آمنُوا أن تَخشعَ قلوبُهم لذِكْرِ اللهِ وما نَزَلَ مِن الحقِّ ولا يكونُوا كالذينَ أُوتُوا الكتابَ مِن قبلُ فطالَ عليهمُ الأمَدُ فقَسَتْ قلوبُهم وكثيرٌ منهم فاسِقُون (47)
وهذه الآية يرى فيها الناظر المتأمّل عتاباً على المؤمنين على ما عرض لقلوبهم من القسوة وعدم خشوعها لذِكر الله تعالى وللحقِّ النازل من عنده جلّ وعلا، فخاطبتهم: ألم يَحِنِ الحينُ ويأنِ الأوان لأن تخشعَ القلوبُ إلى ذكْر الله وما نزل من الحقّ، وهو القرآن الذي حمل هاتين الصفتين اللتين تستدعيان خشوع المؤمن ؟ فهو ذكر الله لا ذكر غيره، وهو الحقّ النازل من عند الله جلّ شأنه.
والخشوع ـ أيّها الإخوة المؤمنون الأعزّة ـ له أسبابه ومصاديقه، وبواعثه وحالاته. وهذه الأحاديث المباركة الشريفة كاشفة عن ذلك:
• يقول الإمام جعفر بن محمّد الصادق صلوات الله عليه: إنّ القرآن نزل بالحزن، فاقرأوه بالحزن.(48)
• وعنه عليه السّلام قال: إنّ الله عزّوجلّ أوحى إلى موسى بن عمران عليه السّلام: إذا وقفتَ بين يدَيّ فقِفْ موقفَ الذليل الفقير، وإذا قرأت التوراةَ فأسمِعْنيها بصوت حزين.(49)
• ويأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله يوماً ابن مسعود: إقرأْ علَيّ. قال ابن مسعود: ففتحت سورة النساء، فلمّا بلغتُ: فكيف إذا جئْنا مِن كلّ أُمّةٍ بشهيدٍ وجئْنا بك على هؤلاءِ شهيدا ؟! (50) رأيت عينيه تذرفانِ من الدمع، فقال لي: حَسْبُك الآن.
وقال صلّى الله عليه وآله: إقرأوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، ولانت عليه جلودكم، فإذا اختلفتم فلستم تقرأونه.(51)
• وفي كلام للإمام محمّد الباقر سلامُ الله عليه يقول فيه: إنّما هو اللِّين والرقّة والدمعة والوَجَل.(52)
أي أُمر المؤمنون بأن يخشعوا إذا تلوا آيات الله عزّوجلّ، بعد أن يتفكّروا فيها، ويستشعروا أنّهم مخاطَبون بها، فتلين القلوب، وتفيض المحاجر بقطرات الخشية من الجليل عزّ شأنه، وكيف لا يكون خشوع وذلك الصخر الأصم يتصدّع من ذِكر الله تعالى إذا نزل عليه، حيث تقول الآية عن الله جلّت قدرته: لو أنزَلْنا هذا القرآنَ على جبلٍ لرأيتَه خاشعاً متصدِّعاً مِن خشيةِ الله.. ، ثمّ دَعَتنا هذه الآية الكريمة إلى أن نراجع أنفسنا، ونتأمّل في حالنا: وتلك الأمثالُ نضربُها للناسِ لعلّهم يتفكّرون .(53)

5 ـ التقديس: فهو كتاب الله العزيز الذي قال فيه منزله جلّ وعلا مقدّماً نفسَه: اللهُ نزّلَ أحسَنَ الحديثِ كتاباً مُتشابِهاً مَثانيَ تَقشِعرُّ مِنه جُلودُ الذينَ يخشَونَ ربَّهم ثمّ تلينُ جلودُهم وقلوبُهم إلى ذِكْر اللهِ، ذلك هُدى اللهِ يَهدي بهِ مَن يشاءُ، ومَن يُضلِلِ اللهُ فما لَهُ مِن هادٍ .(54) فمن استشعر الخشية من الله وخشع عند ذِكر الله، تعامل مع كتاب الله تعالى بالتعظيم والاعتزاز، والتوقير والإجلال، فحمله باحترام وقبّله ووضعه على صدره ورأسه، ولم يضع شيئاً فوقه، وطلب له أجمل الخطوط وأجود تجليد، وتلاه بأحسن الأصوات، وأعطاه قلبَه ومهجته لدى تلاوته، وأمعن النظر فيه، وسرّح الفكر إليه، وتلقّاه أنّه كلام البارئ العظيم، ذي الجلال والعزّة المتعالي الحكيم.
ثمّ لم يَقْدِم على هذا الكتاب القدسيّ إلاّ بقلب طاهر، وبدن طاهر، يسبغ له وضوءه قبل أن يمسّه بيد أو بلسان يتلوه.
ثمّ إنّ التالي لكتاب الله تعالى والمقدِّس له يراعي مقتضى الآيات، فيتناغم معها بالدعوات، ويراعي المكان والزمان، فيتخيّر الأمكنة الشريفة مستقبلاً القبلة المعظّمة، ملاحظاً الأحوال والكيفيّات التي يريد أن يقرأ فيها آيات الذكر الحكيم، متذكّراً قول الإمام عليّ صلوات الله عليه: سبعةٌ لا يقرأون القرآن: الراكع، والساجد، وفي الكنيف، وفي الحمّام، والجنُب، والنُّفَساء، والحائض.(55)
قال الشيخ الصدوق: هذا على الكراهة لا على النهي.

* * *

ولشهر رمضان المبارك خصوصيّة في تلاوة آيات الله، حيث هو شهر الله تعالى، وفيه تُضاعَف الحسنات والبركات، وقد ورد عن الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم في آخر خطبة من شعبان قوله: ومَن أكثر فيه من الصلاةِ علَيّ ثقّل الله ميزانه يوم تخفّ الموازين، ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مِثلُ أجر من ختمَ القرآن في غيره من الشهور.(56)
وحال التالي للقرآن الكريم له أسباب وبواعث، وله مصاديق وظواهر، وذلك تبيّنه الأحاديث النيّرة، منها:
• قول النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم: قراءة القرآن في الصلاة أفضل من قراءة القرآن في غير الصلاة.(57)
• ونهى الإمام عليّ عليه السّلام عن قراءة القرآن عرياناً.(58)
وإنّما المقدِّس لكلام الله تعالى يتلوه على حال من الأدب والسكون والإطراق والتواضع، متستّراً بلباس الحشمة فضلاً عن لباس الإيمان والتقوى والورع، بل إذا سمع تالياً للقرآن يتلوه أنصت وخشع. روي أنّ أمير المؤمنين عليّاً عليه السّلام كان في صلاة الصبح، فقرأ ابن الكوّا وهو خَلْفه: ولقد أُوحيَ إليك وإلى الذين مِن قَبْلِك لئن أشركتَ لَيَحبطَنَّ عملُك ولَتكونَنّ من الخاسرين (59)، فأنصت أمير المؤمنين عليه السّلام؛ تعظيماً للقرآن حتّى فرغ من الآية. ثمّ عاد في قراءته، ثمّ أعاد ابن الكوّا الآية، فأنصت أمير المؤمنين عليه السّلام أيضاً، ثمّ قرأ فأعاد ابن الكوّا، فأنصت عليه السّلام.(60)
والتالي المقدِّس لآيات الكتاب المبين، يراعي سلامة قراءته، ويلاحظ ما يناسب المعاني، ولا يغفل في تلفّظه، ولا يتصرّف بكلمات الله في تلاوته على حسب ما يستهوي بعضَ القرّاء، بل يقرأ بفصاحة وبيان دون تلاعب بالألفاظ أو تحريف لها، وقد قال أبو عبدالله الصادق عليه السّلام لأحد أصحابه: أعرِبِ القرآن، فإنّه عربيّ.(61)
ومن قَبله جدّه المصطفى المكرّم صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: تعلّموا القرآن بعربيّته، وإيّاكم والنَّبرَ فيه. أي الهمز، قال الصادق سلامُ الله عليه: الهمز زيادة في القرآن، إلاّ الهمزة الأصليّ.(62)
ومن تقديسه للقرآن أنّ تاليه يعتني بآياته فيحملها: حفظاً عن ظهر قلب، وباطن قلب، وحفظاً على اللسان، وفي الجَنان، وحفظاً في العقل، وحفظاً في اللفظ والفعل. يستفيده في إيمانه وتقواه، وعقيدته وأخلاقه، ويستذكره في كلّ موطن ومُلمّة، يُطمْئن به قلبَه وضميره، ويحمله وعياً وعبادةً ومؤنساً، فيكون القرآن له رحمةً لا تفارقه، ونوراً يرشده ولا يخذله.
ومن تقديسه لكتاب الله تعالى أن يجعله شفيعه في دعائه وسؤاله، يلتوه آناء الليل وأطراف النهار، ويجالسه كثيراً في شهر رمضان المبارك، فإذا كانت ليالي القدر الشريفة أخذه فنشره ووضعه بين يديه وقال: اللّهمّ إنّي أسألك بكتابك المُنْزَلِ وما فيه، وفيه اسمك الأعظم الأكبر وأسماؤك الحسنى، وما يُخاف ويُرجى، أن تجعلني من عتقائك من النار. ثمّ يدعو بما يبدو له من حاجة.(63)
ووضعه على رأسه وقال: اللّهمّ بحقّ هذا القرآن، وبحقّ مَن أرسلتَه به، وبحقّ كلّ مؤمن مدحتَه فيه، وبحقّك عليهم، فلا أحدَ أعرفُ بحقّك منك. بك يا ألله (عشراً)، بمحمّدٍ صلّى الله عليه وآله (عشراً)، بعليّ عليه السّلام (عشراً)، بفاطمة عليها السّلام (عشراً)، بالحسن عليه السّلام (عشراً)، بالحسين عليه السّلام (عشراً)، بعليّ بنِ الحسين عليه السّلام (عشراً)، بمحمّدِ بنِ عليّ عليه السّلام (عشراً)، بجعفرِ بن محمّد عليه السّلام (عشراً)، بموسى بنِ جعفر عليه السّلام (عشراً)، بعليّ بن موسى عليه السّلام (عشراً)، بمحمّد بن عليّ عليه السّلام (عشراً)، بعليّ بن محمّد عليه السّلام (عشراً)، بالحسن بن عليّ عليه السّلام (عشراً)، بالحجّة عليه السّلام (عشراً).. ثمّ يطلب حاجته.(64)
جعلَنا اللهُ تعالى ممّن استضاء بالقرآن، وسلك به إلى سبيل الرضوان، وكُتب به من أهل التقوى والإيمان.

---------------

1 ـ سورة الحشر / 21.
2 ـ تفسير العيّاشيّ 2:1.
3 ـ نهج البلاغة: الخطبة 198.
4 ـ الكافي، للشيخ الكلينيّ 450:2 / ح9 ـ باب ترتيل القرآن.
5 ـ الكافي 451:2/ ح 11 ـ باب ترتيل القرآن.
6 ـ يراجع: المحجّة البيضاء في تهذيب الإحياء، للفيض الكاشانيّ 219:2 ـ 249 / الباب 2 ، 3.
7 ـ المحاسن، للبرقي ـ كتاب المآكل، الباب 123/ح928.
8 ـ سورة الواقعة / 77 ـ 79.
9 ـ سورة الأحزاب / 33.
10 ـ البرهان، للسيّد هاشم البحرانيّ 283:4 / ح1.
11 ـ البرهان 283:4 / ح2.
12 ـ سورة النحل / 98.
13 ـ تفسير العيّاشيّ 270:2.
14 ـ الاحتجاج، لأبي منصور أحمد بن عليّ الطبرسيّ 211.
15 ـ تفسير الإمام العسكريّ عليه السّلام 6.
16 ـ بحار الأنوار، للشيخ المجلسيّ 216:92 / ح 24، عن دعوات الراونديّ.
17 ـ تهذيب الأحكام 219:1.
18 ـ الكافي 328:3 /ح23.
19 ـ الاختصاص، للشيخ المفيد 141.
20 ـ مكارم الأخلاق، لأبي نصر الحسن بن الفضل الطبرسيّ 342.
21 ـ بحار الأنوار 209:92/ح6، عن مصباح المتهجّد للشيخ الطوسيّ.
22 ـ عيون أخبار الرضا عليه السّلام، للشيخ الصدوق 183:2.
23 ـ الصحيفة السجّاديّة ـ الدعاء 42.
24 ـ سورة النمل / 59.
25 ـ سورة الأنعام / 1.
26 ـ سورة الفرقان / 2.
27 ـ سورة المُلك / 30.
28 ـ سورة القيامة / 40.
29 ـ سورة الواقعة / 59.
30 ـ سورة الواقعة / 64.
31 ـ سورة الواقعة / 72.
32 ـ سورة الرحمن / 13.
33 ـ الكافي 19:1. تهذيب الأحكام 171:1 ، 221 ، 247. بحار الأنوار 217:92 ـ الباب 27 / ح 1 ، 2.
34 ـ سورة المزّمّل / 4.
35 ـ تفسير نور الثقلين، للحويزيّ 446:5 / ح 7.
36 ـ تفسير الصافي، للفيض الكاشانيّ 71:1 ـ المقدّمة 11.
37 ـ تفسير القمّيّ 701:2 في ظلّ الآية: «ورتّلِ القرآن ترتيلا».
38 ـ نوادر الراوندي 30.
39 ـ الكافي 617:2.
40 ـ المحجّة البيضاء 223:2.
41 ـ تفسير العيّاشيّ 119:2.
42 ـ غرر الحِكم.
43 ـ بحار الأنوار 216:92 / ح 22، عن عُدّة الداعي، لابن فهد الحلّيّ.
44 ـ معاني الأخبار، للشيخ الصدوق 226.
45 ـ سورة البقرة / 121.
46 ـ تفسير العيّاشيّ 57:1.
47 ـ سورة الحديد / 16.
48 ـ الكافي 449:2 ـ باب ترتيل القرآن / ح2.
49 ـ الكافي 450:2 ـ باب ترتيل القرآن / ح 6.
50 ـ سورة النساء / 41.
51 ـ بحار الأنوار 216:92 / ح 23.
52 ـ أمالي الصدوق 154.
53 ـ سورة الحشر / 21.
54 ـ سورة الزُّمَر / 23.
55 ـ الخصال، للشيخ الصدوق 357 ـ باب السبعة / ح 42.
56 ـ عيون أخبار الرضا عليه السّلام 296:1 ـ الباب 28 / ح 53.
57 ـ المحاسن 221 ـ كتاب المصابيح / ح 134.
58 ـ بحار الأنوار 216:92 / ح 19.
59 ـ سورة الزمر / 65.
60 ـ المحجّة البيضاء 233:2 ـ كتاب آداب تلاوة القرآن.
61 ـ الكافي 450:2 ـ باب ترتيل القرآن / ح 5.
62 ـ معاني الأخبار، 344.
63 ـ الكافي 460:2 ـ باب النوادر / ح 9.
64 ـ مفاتيح الجنان، للشيخ عبّاس القمّيّ ـ أعمال ليالي القدر المشتركة.