احتفاء الصحابة بالإمام الحسين (عليه السلام)
  • عنوان المقال: احتفاء الصحابة بالإمام الحسين (عليه السلام)
  • الکاتب: الشيخ باقر شريف القرشي
  • مصدر: حياة الإمام الحسين (ع) / ج1
  • تاريخ النشر: 0:40:51 3-10-1403

واحتفت الصحابة بالامام الحسين احتفاء بالغا ، وقابلوه بمزيد من التكريم والتعظيم ، وأحلوه محل جده العظيم ( ص ) وقد وجدوا فيه ما يرومونه من العلم والتقوى والحريجة في الدين ، ويقول المؤرخون : إنه كان يحنو عليهم ويحدب على ضعفائهم ، ويشاركهم في البأساء والضراء ، ويصفح عن مسيئهم ويتعهد جميع شؤونهم كما كان يصنع معهم جده الأعظم صلى الله عليه وآله .

وتسابق أعلام الصحابة ووجوههم للقيام بخدمته وخدمة أخيه الزكي الامام أبي محمد الحسن ( ع ) وكانوا يرون أن أية خدمة تسدى لهما فإنما هي شرف ومجد لمن يقوم بها ، فهذا عبد الله بن عباس حبر الأمة على جلالة قدره وعظيم مكانته بين المسلمين كان إذا أراد الحسن والحسين أن يركبا بادر فامسك لهما الركاب ، وسوى عليهما الثياب معتزا بذلك ، وقد لامه على ذلك مدرك بن زياد أو ابن عمارة ، فزجره ابن عباس وقال له : ” يا لكع أو تدري من هذان ؟ هذان ابنا رسول الله ( ص ) أو ليس مما أنعم الله به علي أن أمسك لهما الركاب ، وأسوي عليهما الثياب ؟ ” ( 1 ) .

وبلغ من تعظيم المسلمين ، وتكريمهم لهما أنهما لما كان يفدان إلى بيت الله الحرام ماشين يترجل الركب الذي يجتازان عليه تعظيما لهما ، حتى شق المشي على كثير من الحجاج فكلموا أحد أعلام الصحابة ، وطلبوا منه أن يعرض عليهما الركوب أو التنكب عن الطريق ، فعرض عليهما ذلك فقالا لا نركب ولكن نتنكب عن الطريق ، وسلكا طريقا آخر .

وكانا إذا طافا بالبيت الحرام يكاد الناس أن يحطموهما من كثرة السلام عليهما ، والتبرك بزيارتهما ( 2 ) .

ومن ألوان ذلك التقدير ان الإمام الحسين ( ع ) اجتاز في مسجد جده على جماعة فيهم عبد الله بن عمرو بن العاص فسلم عليهم فردوا عليه السلام فانبرى إليه عبد الله فرد عليه السلام بصوت عال ، وأقبل على القوم فقال لهم :

” ألا أخبركم بأحب أهل الأرض إلى أهل السماء ؟ ” . ” بلى ” .

” هذا الماشي – وأشار إلى الحسين – ما كلمني كلمة منذ ليالي صفين ولئن يرضى عني أحب إلي من أن يكون لي حمر النعم . . . ” .

وانبرى إليه أبو سعيد الخدري ، فقال : ألا تعتذر إليه ؟ فاجابه إلى ذلك :

وخفا إلى بيت الامام ، فاستأذنا منه فأذن لهما ، ولما استقر بهما المجلس أقبل الامام على عبد الله فقال له : ” أعلمت يا عبد الله أني أحب أهل الأرض إلى أهل السماء ؟ ” .

فأسرع عبد الله مجيبا : ” أي ورب الكعبة ” .

” ما حملك على أن قاتلتني وأبي يوم صفين ، فوالله لأبي كان خيرا مني ؟ ! ” وألقى عبد الله معاذيره قائلا :

” أجل ولكن عمرو – يعني أباه – شكاني إلى رسول الله ( ص ) قال له : إن عبد الله يقوم الليل ، ويصوم النهار ، فقال رسول الله ( ص ) :

” صل ونم ، وصم ، وأفطر ، وأطع عمروا ” فلما كان يوم صفين أقسم علي فخرجت أما والله ما اخترطت سيفا ، ولا طعنت برمح ، ولا رميت بسهم ، وما زال يتلطف بالامام حتى رضي عنه ( 3 ) ، وقد كان عذره في طاعة أبيه في محاربة الامام أمير المؤمنين ( ع ) لا يحمل طابعا من المشروعية فان طاعة الأبوين لا تشرع في معصية الله حسب ما جاء في القرآن .

وعلى أي حال فقد كان الإمام الحسين موضع عناية المسلمين واجلالهم ويقول المؤرخون : إنه حضر تشييع جنازة فسارع أبو هريرة فجعل ينفض بثوبه التراب والغبار عن قدمه ( 4 ) وقد أوصى المقداد بن الأسود صاحب رسول الله ( ص ) وأحد السابقين الأولين للاسلام أن تدفع للحسين ستة وثلاثون ألفا من تركته بعد وفاته ( 5 ) .

لقد رأت الصحابة أن الإمام الحسين عليه السلام هو بقية الله في أرضه والمثل الاعلى لجده ، فأولته المزيد من حبها وتقديرها ، وراحت تتسابق للتشرف بخدمته وزيارته .

 

الهوامش

( 1 ) تاريخ ابن عساكر 13 / 212 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 / 143 .

( 2 ) البداية والنهاية 8 / 37 .

( 3 ) أسد الغابة 2 / 34 ، كنز العمال 6 / 86 ، مجمع الزوائد 9 / 186 .

( 4 ) سير أعلام النبلاء 3 / 193 ، وفي كفاية الطالب ( ص 425 ) عن أبي المهزام قال : كنا في جنازة امرأة ومعنا أبو هريرة فجيئ بجنازة رجل فجعلها بين المرأة فصلى عليهما ، فلما أقبلنا أعيى الحسين فقعد في الطريق فجعل أبو هريرة ينفض التراب عن قدميه بطرف ثوبه فقال الحسين : أتفعل هذا ؟ فقال أبو هريرة : دعني منك فوالله لو علم الناس منك ما اعلم لحملوك على رقابهم .

( 5 ) سير أعلام النبلاء 1 / 280 .