جاء الخطاب القرآني قويّاً مجلجلاً ، وكان وقعه كالصاعقة على المشركين ، ولمّا أعيتهم الحيلة في مواجهة الحجّة بالحجّة ( وأنّى لهم ذلك ؟! ) انتهجوا ترويج الإشاعات ضدّ الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، باعتباره المَثل الأعلى ، وذلك في محاولة للتسقيط الشخصي ، فأخذوا يشيعون أنّه : كاهن ، ومجنون ، وشاعر ، وكذّاب ، وساحر ... !!
ـ ( وَيَقُولُونَ إِنّهُ لَمَجْنُونٌ ) (القلم : 51) .
ـ ( قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ ) (الأنبياء : 5) .
ـ ( وَقَالُوا إِنْ هذَا إِلاّ سِحْرٌ مّبِينٌ ) (الصافات : 15) .
ـ ( وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ ) (الصافات : 36) .
ـ ( وَقَالَ الْكَافِرُونَ هذَا سَاحِرٌ كَذّابٌ ) (ص : 4) .
وفي غمرة انهماك أعداء الإسلام ببث أباطيلهم حول الصادق الأمين (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نزلَ الوحي يقرّع هؤلاء : ( فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ * إِنّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ * وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكّرُونَ * تَنزِيلٌ مِن رَبّ الْعَالَمِينَ ) (الحاقّة : 38 ـ 43) .
ولمّا ثبتَ بطلان كلّ تلك الشائعات عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، لم يلقِ المشركون سلاحهم ، ولم يتركوا أساليب دعايتهم السوداء ، فعمدوا إلى أسلوب آخر ، فتواصوا على أن يمنعوا الوافدين إلى مكّة من الاستماع إليه ، واجتمعَ الوليد بن المغيرة مع نفر من قريش ليتّفقوا على شيء واحد يجمعون عليه ... قال الوليد :
إنّ الناس يأتونكم أيّام الحج فيسألونكم عن محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فتختلف فيه أقوالكم ، يقول هذا : ساحر ، ويقول هذا : كاهن ، ويقول هذا : شاعر ، ويقول هذا : مجنون ، وليس يشبه واحداً ممّا يقولون ، ولكن أصلح ما قيل فيه : ساحر يُفرّق بين المرء وأبيه ، وبين المرء وأخيه ، وبين المرء وزوجته ، وبين المرء وعشيرته ... وقد اقتسمَ هؤلاء المتآمرون مداخل مكّة أيّام موسم الحج ، يحذرون الناس منه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وينعتونه بما تواصوا به من سحر مفرِّق (31) .
ومرّة أخرى تخيب ظنون المشركين ، ويرتد كيدهم إلى نحورهم ... وطفقَ الناس يقبلون على كلمة السماء دون أن يعيروا أدنى اهتمام لما يبثّه دهاقنة الشرك ... وحينما تيقّن الوليد بن المغيرة وأضرابه بعقم محاولاتهم الرامية إلى التشكيك في شخصيّة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وتشويه صورته ، وصولاً إلى صرف الناس عن اتّباعه والانقياد إلى دعوته ... انتقلوا إلى خطوة أخرى وأخرى .. ليمارسوا في إطارها تجارتهم الخاسرة ... وفيما يلي وقفة مع معركة أُحد ، كنموذج للمحطات الأخرى .
معركة أُحد .. نموذجاً :
كان يوم أُحد يوم السبت للنصف من شوّال (32) سنة ثلاث من الهجرة ، وكانت واقعة أُحد من أهم الوقائع الإسلاميّة الحربيّة التي عاش المسلمون فيها حالة النصر كأفضل ما يكون النصر ، ثُمّ حوّلوها إلى هزيمة بفعل الممارسات الخاطئة التي انحرف فيها الكثيرون من المقاتلين عن الهدف الذي يفرض عليهم الانضباط ، فيما تقتضيه خطة الحرب من مواقع ومواقف ... (33) وبهذا يمكن القول : إنّ غزوة أُحد لم تكن معركة في الميدان وحده ، إنّما كانت معركة كذلك في الضمير ... كانت معركة ميدانها أوسع الميادين ؛ لأنّ ميدان القتال فيها لم يكن إلاّ جانباً واحداً من ميدانها الهائل الذي دارت فيه ... ميدان النفس البشريّة ، وتصوّراتها ومشاعرها ، وأطماعها وشهواتها ، ودوافعها وكوابحها على العموم ... وكان القرآن هناك ، يعالج هذه النفس بألطف وأعمق ، وبأفعل وأشمل ، ما يعالج المحاربون أقرانهم في النزال (34) .
وكانت موقعة أُحد فرصة سانحة لكي يعالج القرآن فيها كثيراً من الجوانب الإنسانيّة المتحرّكة في المعركة ، ويثير كثيراً من الأجواء ... بكلّ ما حَفلت به المعركة من نقاط الضعف والقوّة ؛ ليثير في وعي المسلمين الكثير من المفاهيم الإسلاميّة المتعلّقة بحركة المعركة ، وموقع القيادة في خط السير ومدى تأثير وجودها وغيابها ، في موضوع الالتزام بالمسيرة والاستمرار على المبدأ ، ويتابع المسلمين في المعركة وهم يتأمّلون ويخالفون ويندفعون ويواجهون الأعداء وينهزمون أمامهم ، ولاحَظَ كيف تتحكّم بهم جوانب الضعف البشري ، ووقفَ معهم ليدفعهم إلى مواجهتها بشجاعة المؤمن الذي يعترف بها بصراحة ، في محاولة لتحويلها إلى نقاط قوّة بالجهد والإيمان والمعاناة ... وأعطانا درساً عمليّاً في التأكيد على الجانب السلبي في الشخصيّة التاريخيّة ، بنفس القوّة التي تؤكّد على الجانب الايجابي فيها ، على أساس الواقعيّة الإنسانيّة في الإنسان ، وعدم إغفال الضعف في التجربة الحيّة بحجّة أنّ ذلك يُسيء إلى قداسة التاريخ وعظمة أبطاله (35) .
وكانت هذه الحصيلة الضخمة التي استقرّت في الجماعة المسلمة من وراء الأحداث ، ومن وراء التوجيهات القرآنّية بعد الأحداث ، أكبر وأخطر ـ بما لا يقاس ـ في حصيلة النصر والغنيمة ... ولا قيمة ولا وزن في نظر الإسلام للانتصار العسكري أو السياسي أو الاقتصادي ، ما لم يقم هذا كلّه على أساس المنهج الربّاني ، في الانتصار على النفس ، والغَلبة على الهوى ، والفوز على الشهوة ، وتقرير الحق الذي أراده الله في حياة الناس ؛ ليكون كلّ نصر نصراً لله ولمنهج الله ، وليكون كلّ جهد في سبيل الله ومنهج الله ، وإلاّ فهي جاهليّة ، تنتصر على جاهليّة ... (36) .
ومن بين جوانب المعركة ، تبرز الإشاعة كأحد أخطر الأسلحة التي استخدمها المشركون ضدّ المسلمين ، ولو قُدّر لتلك الإشاعة أن تحقّق كامل أهدافها ، لمُنيَ المسلمون بهزيمة مروّعة ولهُدّدت دولة الإسلام الفتيّة يومذاك من الأساس .
المسألة باختصارٍ شديد : كانت الدولة أول النهار للمسلمين على الكفَّار ، حيث قُتل من هؤلاء سبعون من صناديدهم ، وانهزمَ أعداء الله وولّوا مُدبرين ، حتّى انتهوا إلى نسائهم ، وحتى شمرّت النساء ثيابهنّ عن أرجلهنّ هاربات!
فلّما رأى الرُّماة هزيمة المشركين وانكشافهم ، تركوا مراكزهم التي أمرَهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ألاّ يبرحوها ، وقالوا : الغنيمة ! الغنيمة ! فذكّرهم أميرهم عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلم يسمعوا ، وظنّوا أنّ ليس للمشركين رجعة ! فذهبوا في طلب الغنيمة ، وأخلّوا الثغر في أُحد!
عندئذٍ أدركها خالد (بن الوليد) فكَرَّ في خيل المشركين ، فوجدوا الثغر خالياً فاحتلّوه من خلف ظهور المسلمين ، وأقبلَ المنهزمون من المشركين حين رأوا خالداً والفرسان قد علوا المسلمين ، فأحاطوا بهم!
وانقلَبت المعركة ، فدارت الدائرة على المسلمين ، ووقعَ الهرَج والمرَج في الصف ، واستولى الاضطراب والذعر ، لهول المفاجأة التي لم يتوقّعها أحد ، وكثُر القتل واستشهدَ من المسلمين مَنْ كتب الله له الشهادة ، وخلصَ المشركون إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، وقد أُفردَ إلاّ من نفر يُعدّون على الأصابع قاتلوا عنه حتى قُتلوا ، وقد جُرح وجهه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكُسرت سِنّه الرباعيّة اليمنى في الفك الأسفل ، وهُشمت البيضة على رأسه ، ورَماه المشركون بالحجارة حتى وقعَ لجنبه ، وسقطَ في حفرة من الحفر التي كان أبو عامر الفاسق قد حفرَها وغطّاها ! يكيد بها للمسلمين ، وغاصت حَلقتان من حلق المغفر في وجنته .
وفي وسط هذا الهول المحيط بالمسلمين ، صاح صائحٌ : إنّ محمّداً قُتل ... فكانت الطامّة التي هدّت ما بقيَ من قواهم ، فانقلَبوا على أعقابهم مهزومين هزيمة منكرة لا يحاولون قتالاً مِمّا أصابَهم من اليأس والكلال (37) .
قال ابن عبّاس ، وقتادة ، والضحّاك ، ومجاهد : إنّه لمّا أُرجفَ بأنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قُتل يوم أُحد وأُشيع ذلك ، قال ناس : لو كان نبيّاً ما قُتل .
وقال آخرون : نقاتل على ما قاتل عليه حتى نلحق به (38) ، وحدَثت البلبلة والارتباك ، وانكفأ الناس عن النبي محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وما بقيَ معه إلاّ قليل ، وقال البعض : ليتنا نجد مَن يأخذ لنا الأمان من أبي سفيان . وقال آخرون : لو كان محمّد نبيّاً لم يُقتل ، الحَقوا بدينكم الأول ... كما يروي المؤرِّخون ذلك وغيره ، في الخط السلبي للقضيّة ... .
أمّا في الخط الايجابي الذي يُمثّل الثبات على الإسلام حتى في غياب الرسول القائد ... فتمثّلت لنا القصّة التي ينقلها الطبري في تفسيره : أنَّ رجلاً من المهاجرين مرّ برجلٍ من الأنصار يتشحّط في دمه ، فقال للأنصاري : أعلِمتَ أنّ محمّداً قد قُتل ، فقال الأنصاري : إن كان محمّد قد قُتل فقد بلّغ ، فقاتلوا عن دينكم ...
.. وفي روايةٍ أخرى ـ يرويها الطبري أيضاً ـ : أنّ أنس بن النضر مرّ بعمر بن الخطّاب وطلحة بن عبيد الله في رجالٍ من المهاجرين والأنصار ، وقد ألقوا بأيديهم ، فقال أنس : ما يجلسكم ؟ قالوا : قُتل محمّد ، قال : إن كان قد قُتل محمّد فإنّ ربّ محمّد لم يُقتل وما تصنعون بالحياة بعده ، فقاتِلوا على ما قاتَل عليه ، وموتوا على ما ماتَ عليه ، ثُمّ قال : اللهمّ إنّي أعتذرُ إليك ممّا قال هؤلاء ، وأبرأُ إليك مِمّا جاءوا به ، ثُمّ شدّ بسيفه فقاتلَ ، حتى قُتل رضوان الله عليه (39).
وكان أصل هذه الشائعة : أنّ مصعب بن عمير (رضي الله عنه) كان يقاتل دون رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حين انكشفَ المسلمون حتى قُتل ، وكان الذي قتلهُ ابن قمئة الليثي ، وهو يظنّ أنّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فرجعَ إلى قريش وقال : قَتلتُ محمّداً .
ويبدو أنّ شائعة قَتل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سَرَت على أفواه كثيرة .. حتى إنّ أبا سفيان قائد المشركين ، حين أرادَ الانصراف بعد انتهاء المعركة ، رأى أن يتحقّق من تلك الشائعة ، وهي قَتل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأشرفَ على الجبل وطلبَ من عمر بن الخطّاب أن يأتيه ليعرف الحقيقة منه ، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعمر : ائته فانظر ما شأنه ؟ فجاءه فقال له أبو سفيان : أنشدك الله يا عمر ، أقَتلنا محمّداً ؟ قال عمر : اللهمّ لا ، وإنّه ليسمع كلامك الآن ، قال : أنت أصدق عندي من ابن قمئة وأبر ، وهو الذي زعمَ أنّه قتلَ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ..
ومن الواضح أنّ تلك الشائعة التي قامت على خبر غير متثّبت من صحّته ، وسَرت بسرعة بين المسلمين والمشركين على السواء .. حيث توهمّ ابن قمئة ، حين قَتل مصعب بن عمير ، أنّه قتلَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، ثُمّ أشاعَ هذا الوهم ، لِمَا يعلم من أثر ذلك على تحطيم قوى المسلمين المعنويّة ، وتثبيطهم وتخذيلهم لو شاعَ بينهم ، وبالفعل تحقّق له بعض ما أراد ، حيث صدّقها المسلمون والمشركون على السواء ؛ لأنّ النفوس ـ كما قلنا ـ في أوقات الحروب يستولي عليها الخوف والقلق ، وتكون مستعدة لتصديق كلّ ما يُشاع في أمثال هذه الأوقات .
لكنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يترك هذه الشائعة تسري بين المسلمين دون أن يتصدّى لها ويقاومها ، ويظهر بطلانها وزيفها ، ووجدَ أنّ أمضى سلاح لذلك هو أن يظهر بشخصه حتى يراه الجميع وتخمد الشائعة .. لذلك أخذ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يصيح بالمؤمنين : ( إليّ عباد الله .. إليّ عباد الله ..) فاجتمعَ إليه نحو ثلاثين رجلاً .. ومضى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يدعو المسلمين إليه ، واستطاعَ بالرجال القلائل الذين معه أن يصعد فوق الجبل ، فانحازت إليه الطائفة التي اعتصمت بالصخرة وقت الفرار .. وفرحَ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن وجدَ بقيّة من رجاله يمتنع بهم ، بعد أن قاومَ تلك الشائعة وأخمَدها ، وعادَ إلى هؤلاء المسلمين ، إذ وجدوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حيّاً ، وهم يحسبونه قد مات .
ومِمّا أنزلَ الله سبحانه وتعالى في (أُحد) من القرآن ، في صدد هذه الشائعة ، وهي شائعة قتل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، قوله تعالى يعاتب المسلمين الذين سقطَ في أيديهم ، وانكسرت همّتهم ، وتركوا المعركة يائسين لمَا أُشيعَ أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد ماتَ :
( وَمَا مُحمّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ ) ( آل عمران : 144).
فهذه الحادثة التي أذهلَت المسلمين هذا الذهول يتّخذها القرآن مادّة للتوجيه ، ويجعلها محوراً لإشارات موحية (40) :
أولاً : غياب القيادة .. وحضور الرسالة .
حول هذه النقطة يقول السيّد محمد حسين فضل الله : في هذه الآية تأكيد قرآني على أحد المبادئ الإسلاميّة الإيمانيّة ، وهو : أنّ غياب القيادة ـ مهما كانت عظيمة ـ لا يوقف المسيرة ولا يلغي الرسالة المبدأ ؛ لأنّ عَظمة القائد في حساب الرسالات لا تجمّدها عند حدود حياته لتنتهي بانتهاء حياته ، بل تمثّل ـ بدلاً من ذلك ـ خطوة أُولى نحو الانطلاقة المستمرّة في الدرب الطويل ، ومرحلة متقدِّمة من مراحل العمل ، ثُمّ تَتبع الخطوة خطوات على الطريق وتنطلق المراحل الجديدة على درب المرحلة القديمة ... فالرسالة هي الأصل والقاعدة .. والقيادات المتتابعة تمثِّل دور الحَملَة لها ، فقيمتهم بمقدار ما يقدِّمون لها من خَدَمات وتضحيات ، وعَظمتهم بقدر ما يواجهونه من مواقف الصدق والإخلاص .. الأمر الذي يلغي من المسيرة عبادة الشخصيّة ، التي توحي بأنّ الشخص هو الأساس ، والرسالة شأن من شؤونه ، وميزة من ميزاته ، وليس الأمر بالعكس ..
وهكذا نجد القاعدة الإسلاميّة التي تربط الإنسان المؤمن بالرسالة ولا تربطه بالشخص إلاّ من خلال الرسالة ، فلا تموت الرسالة بموته .. ممثّلة في بعض النماذج المؤمنة في ذلك الوقت (41) .
ثانياً : الارتداد .
بعد تقرير هذه الحقيقة والتأكيد عليها ، ينتقل النص إلى استنكار انقلاب البعض على عقبيه : ( أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ) ؟! ليعقُبَ هذا الاستنكار تهديد صريح : ( وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرّ اللّهَ شَيْئاً ) .
وفي التعبير تصوير حي للارتداد : ( انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ) ... ( وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ ) ، فهذه الحركة الحسيّة في الانقلاب تُجسّم معنى الارتداد عن هذه العقيدة ، كأنّه منظر مشهود ، والمقصود أصلاً ليس حركة الارتداد الحسيّة بالهزيمة في المعركة ، ولكن حركة الارتداد النفسيّة التي صاحَبتها حينما هتفَ الهاتف : إنّ محمّداً قد قُتل ، فأحسّ بعض المسلمين أن لا جدوى إذن من قتال المشركين ، وبموت محمّد انتهى أمر هذا الدين ، وانتهى أمر الجهاد للمشركين ! فهذه الحركة النفسيّة يُجسّمها التعبير هنا ، فيصوّرها حركة ارتداد على الأعقاب ، كارتدادهم في المعركة على الأعقاب ! وهذا هو الذي حذّرهم إيّاه النضر بن أنس (رضي الله عنه) .
.. وكأنّما أرادَ الله سبحانه بهذه الحادثة ، وبهذه الآية ، أن يفطم المسلمين عن تعلّقهم الشديد بشخص النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو حيٌ بينهم ، وأن يصلهم مباشرة بالنبع ، النبع الذي لم يفجِّره محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولكن جاء فقط ليومي إليه ، ويدعو البشر إلى فيضه المتدفّق ، كما أومأ إليه من قبل من الرُّسُل ، ودعوا القافلة إلى الارتواء منه!
.. وكأنّما كان الله سبحانه يعدّ الجماعة المسلمة لتلقّي هذه الصدمة الكبرى ـ حين تقع ـ وهو سبحانه يعلم أنّ وقعها عليهم يكاد يتجاوز طاقتهم ، فشاءَ أن يدرّبهم عليها هذا التدريب ، وأن يصلهم به هو ، وبدعوته الباقية ، قبل أن يستبدّ بهم الدهش والذهول (42) .
ثالثاً : شكر السائرين على الخط .
بعد أن أكّدت الآية الكريمة مبدأ أنّ الذي ينقلب على عقبيه ـ بعد موت الرسول ـ سوف يضرّ نفسه .. ولن يضرّ الله شيئاً ؛ لأنّ رسالات الله لا تتوقّف أو تتجمّد عند كفر كافر أو انحراف منحرف مهما كان دوره ، ومهما كانت درجته وطبقته .. ثُمّ انعطفت الآية إلى السائرين على خط الحق ، فاعتبرت ذلك شكراً لله كما يجب أن يُشكر .. وهو ما يمثِّله الشكر العملي الذي يتحوّل إلى موقف للعمل ، ولا يظلّ مجرد كلمة تتحرّك في الشفاه .. ووعَدت هؤلاء بأنّ الله سيجزيهم على ذلك جزاءً موفوراً (43) .
وقفة للتذكير :
بعد هذا الاستنكار .. والتهديد .. يمضي السياق ، في خطوة تذكيريّة ، إلى الحديث في تاريخ النبوّات السابقة ؛ ليربط تجربة الحاضر بتجربة الماضي ، وليثير أمام جيل التجربة الجديدة ما يبعث فيهم روحاً حيّة متحرّكة تثير فيهم قوّة الاندفاع والحركة (44) : ( وَكَأَيّنَ مِنْ نَبِيّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبّيّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللّهُ يُحِبّ الصّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلّا أَنْ قَالُوا رَبّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ ) ( آل عمران : 146 ـ 148) .
وهنا يضرب الله للمسلمين المثل من إخوانهم المؤمنين قبلهم ، من موكب الإيمان اللاَّحب الممتد على طول الطريق ، الضارب في جذور الزمان .. من أولئك الذين صَدقوا في إيمانهم ، وقاتلوا مع أبنائهم ، فلم يجزعوا عند الابتلاء ، وتأدّبوا ـ وهم مُقدمون على الموت ـ بالأدب الإيماني في هذا المقام .. مقام الجهاد .. فلم يزيدوا على أن يستغفروا ربّهم ، وأن يجسّموا أخطاءهم فيروها (إسرافاً) في أمرهم ، وأن يطلبوا من ربّهم الثبات والنصر على الكفار .. وبذلك نالوا ثواب الدارَين ، جزاء إحسانهم في أدب الدعاء ، وإحسانهم في موقف الجهاد ، وكانوا مثلاً يضربه الله للمسلمين ..
لقد كانت الهزيمة في (أُحد) هي أوّل هزيمة تصدم المسلمين ، الذين نَصرَهم الله ببدرٍ وهم ضِعاف قليل فكأنّما ، وقرَ في نفوسهم أنّ النصر في كلّ موقعة هو السنّة الكونيّة ، فلمّا أن صَدمتهم أُحد ، فوجئوا بالابتلاء كأنّهم لا ينتظرونه (45) .
تلك هي الصورة في مجتمع النبوّات السابقة .. وتلك هي الصورة التي يريد الله للمجتمع المسلم أن يستعيدها في نفسه عندما تضيق به الأمور ، وتحيق به الهزائم ، وتجتمع في آفاقه الأزمات وتتضافر عليه قوى الشر ، فيسأل الله الفرج حيث لا فرج ، والمَدد حيث لا مدد ، فتسكن النفس ويرتاح القلب ، وينفتح للحياة على الله درب طويل لا نهاية له ، تخضّر فيه الأرواح ، وتنبت فيه كلّ الجنائن الروحيّة التي يزهر فيها الورد ، وتتفتّح فيها براعم الرياحين .. ويبدأ الإنسان حياته الجديدة الآمنة المطمئنة في آفاق الله (46) .
المتربّصون يُبلبلون الأفكار:
ولكنّ المسألة لم تقف عند هذا الحد ، وأحداث المعركة لم تنته ، فإذا ما أُسدِل الستار على مشهدٍ من مشاهدها ، فسرعان ما تبدأ فصلاً آخر ، تهدأ فيه قرقعة السيوف .. لتستعر حُمّى سلاح آخر من نوع آخر .. لعلّه الأخطر .. إنّه سلاح الإشاعة .
ولهذا يمضي السياق خطوة أخرى في استعراض أحداث المعركة ، واتّخاذها مِحوراً للتعقيبات ، يتوخّى بها تصحيح التصوّر ، وتربية الضمائر ، والتحذير من مزالق الطريق ، والتنبيه إلى ما يحيط بالجماعة المسلمة من الكيد ، وما يبيِّته لها أعداؤها المتربِّصون .
ولقد كانت الهزيمة في (أُحد) مجالاً لدسائس الكفار والمنافقين واليهود في المدينة ، وكانت المدينة لم تخلص بعد للإسلام ، بل لا يزال المسلمون فيها نبتة غريبة إلى حدٍ كبير ، نبتة غريبة أحاطتها (بدر) بسياج من الرهبة ، بما كان فيها من النصر الأبلج . فلمّا كانت الهزيمة في أُحد ، تغيّر الموقف إلى حدٍ كبير ، وسنحت الفرصة لهؤلاء الأعداء المتربّصين أن يظهروا أحقادهم ، وأن ينفثوا سمومهم ، وأن يجدوا في جو الفجائع التي دخلت كلّ بيت من بيوت المسلمين ـ بخاصّة بيوت الشهداء ومَن أصابتهم الجُراح المُثخنة ـ ما يساعد على ترويج الكيد والدسّ والبلبلة في الأفكار والصفوف :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ * سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ * وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ * إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ * وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ ) ( آل عمران : 149 ـ 158) .
وحين ننظر في هذه المجموعة من الآيات نظرة فاحصة ، نجدها قد ضمّت جوانحها على حشدٍ ضخم من المشاهد الفائضة بالحيويّة ، ومن الحقائق الكبيرة الأصليّة في التصوّر الإسلامي ، وفي الحياة الإنسانيّة ، وفي السُنن الكونيّة .. نجدها تُصوّر المعركة كلّها بلَمَسات سريعة حيّة متحرّكة عميقة ، فلا تدع منها جانباً إلاّ سجّلته تسجيلاً يستجيش المشاعر والخواطر ، وهي بدون شك أشدّ حيويّة وأشدّ استحضاراً للمعركة بجوّها وملابساتها ووقائعها ، وبكلّ الخَلَجات النفسيّة والحرَكات الشعوريّة المصاحِبة لها.. من كلّ تصوير آخر وردَ في روايات السيرة ـ على طولها وتشعبّها ـ ثُمّ نجدها تضمّ جوانحها على ذلك الحشد من الحقائق في صورتها الحيّة الفاعلة في النفوس البانية للتصوّر الصحيح (47) . وسنحاول هنا الوقوف سريعاً أمامَ المشاهد ذات العلاقة بالبحث :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ... ) هذا خطاب للمؤمنين ، حذّرهم الله من أن يطيعوا الكفَّار ، وبيّن أنّهم إن أطاعوهم ردّوهم كافرين ، والمعني بـ (الّذِينَ كَفَرُوا) ـ كما قيل ـ صنفان :
أحدهما : قال الحسن ، وابن جريج : إنّهم اليهود والنصارى ، أي إنْ تستنصحوهم وتقبلوا رأيهم يردّوكم خاسرين . وقال السدّي : أرادَ إن تطيعوا أبا سفيان وأصحابه يرجعوكم كافرين ، والطاعة موافقة الإرادة المرغِّبة في الفعل (48) . ولا يبعد أن يُستفاد من السياق أنّ الكفَّار كانوا أيّام نزول الآيات ـ بعد غزوة أُحد ـ يلقون إلى المؤمنين ـ في صورة النصح ـ ما يثبّطهم عن القتال ، ويلقي التنازع والتفرقة ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) وتشتّت الكلمة واختلافها بينهم ، وربّما أيّده ما في آخر هذه الآيات من قوله : إلى أن قال : ( ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) .
وربّما قيل : إنّ الآية إشارة إلى قول اليهود والمنافقين يوم أُحد : (إنّ محمّداً قد قُتل فارجعوا إلى عشائركم)(49).
لقد انتهزَ الكفَّار والمنافقون واليهود في المدينة ما أصابَ المسلمين من الهزيمة والقتل والقرح ؛ ليثبّطوا عزائمهم ، ويخوِّفوهم عاقبة السير مع محمّد ، ويصوِّروا لهم مخاوف القتال ، وعواقب الاشتباك مع مشركي قريش وحلفائهم .. وجو الهزيمة هو أصلح الأجواء لبلبَلة القلوب ، وخلخَلة الصفوف ، وإشاعة عدم الثقة في القيادة ، والتشكيك في جدوى الإصرار على المعركة مع الأقوياء وتزيين الانسحاب منها ومسالمة المنتصرين فيها ، مع إثارة المواجع الشخصيّة والآلام الفرديّة ، وتحويلها كلّها لهدم كيان الجماعة ، ثُمّ لهدم كيان العقيدة ثُمّ للاستسلام للأقوياء الغالبين .
ومن ثُمّ يُحذِّر الله الذين آمنوا أن يطيعوا الذين كفروا ، فطاعة الذين كفروا عاقبتها الخسارة المؤكّدة ، وليس فيها ربح ولا منفعة ، فيها الانقلاب على الأعقاب إلى الكفر . فالمؤمن إمّا أن يمضي في طريقه يجاهد الكفر الكفَّار ، ويكافح الباطل والمبطلين ، وإمّا أن يرتدّ على عقبيه كافراً ـ والعياذ بالله ـ ومحال أن يقف سلبيّاً بين بين ، محافظاً على موقفه ، ومحتفظاً بدينه .. إنّه قد يُخيّل إليه هذا.. يُخيّل إليه في أعقاب الهزيمة ، وتحت وطأة الجرح والقرح ، أنّه مستطيع أن ينسحب من المعركة مع الأقوياء الغالبين وأن يسالمهم ويطيعهم ، وهو مع هذا محتفظ بدينه وعقيدته وإيمانه وكيانه ! وهو وهمٌ كبير.
فالذي لا يتحرّك إلى الأمام ، في هذا المجال لابدّ أن يرتدّ إلى الوراء ، والذي لا يُكافح الكفر والشر والضلال والباطل والطغيان ، لابدّ أن يتخاذل ويتقهقر ويرتدّ على عقبيه إلى الكفر ، والشر والضلال والباطل والطغيان ! والذي لا تعصمه عقيدته ولا يعصمه إيمانه من طاعة الكافرين ، والاستماع إليهم ، والثقة بهم يتنازل ـ في الحقيقة ـ عن عقيدته وإيمانه منذ اللحظة الأُولى.. إنّها الهزيمة الروحيّة أن يركن صاحب العقيدة إلى أعداء عقيدته ، وأن يستمع إلى وسوستهم ، وأن يطيع توجيهاتهم (50) .
إنّ حالة الهزيمة قد تخلق لدى الإنسان وضعاً صعباً يؤدي إلى الانهيار والانسحاق والضياع في بعض الأحيان .. وقد ينتهي به ذلك إلى البحث عن مخرج للمأزق الذي وقعَ فيه .. وقد يتمثّل ذلك في الوقوع في قبضة مخطط الكفر في التنازل عن بعض المبادئ الأساسيّة ، وفي الدخول في بعض المشاريع المحرّمة ، والسير في الدروب الملتوية التي لا تؤدي إلى خير وصلاح .. وذلك من أجل الحصول على الأمن المستقبلي من مراكز القوى المنتصرة والكافرة (51) .
وإذا كان مبعث الميل إلى طاعة الذين كفروا هو رجاء الحماية والنصرة عندهم ، فهو وهمٌ ، يضرب السياق صفحاً عنه ، ليذكّرهم بحقيقة النصرة والحماية : ( بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النّاصِرِينَ ) .
فهذه هي الجهة التي يطلب المؤمنون عندها الولاية ، ويطلبون عندها النصرة ومَن كان الله مولاه ، فما حاجته بولاية أحدٍ من خلقه ؟ ! ومَن كان الله ناصره فما حاجته بنصرة أحد من العبيد (52) ؟ !
وبعد أن يمضي السياق في بيان حقيقة قدر الله في الموت والحياة ، وزيف تصوّرات الكفَّار والمنافقين عن هذا الأمر ، منادياً الذين آمنوا بالتحذير من أن تكون تصوّراتهم كتصوّرات هؤلاء ، ويردّهم في النهاية إلى قيَم أخرى وإلى اعتبارات ترجّح الآلام والتضحيات : ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزّى لَوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا .. ) ، وفي مكانٍ لاحق من السورة يأتي قوله تعالى : ( الّذِينَ قَالُوا لإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ) (آل عمران : 168) .
وعلى ما يبدو ، إنّ هذه التقوّلات التي كان المتربّصون والمخلّفون يشيّعونها بين صفوف المسلمين ، قد شقّت طريقها إلى ذوي النفوس الضعيفة ، الذين راحوا بدورهم ، يردّدون ما يقوله المتصيّدون في الماء العكر بأسلوبٍ آخر ، وتساؤل آخر : ( يَقُولُونَ هَل لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيءٍ ) .. ( يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيءٌ مَا قُتِلْنَا هاهُنَا. .. ) .
وهذا هو الهاجس الذي يجيش في النفوس التي لم تخلص للعقيدة حينما تصطدم في موقعه بالهزيمة ، وحينما تُعاني آلام الهزيمة ! حين ترى الثمن أفدح مِمّا كانت تظن ، وإنّ الثمرة أشدّ مرارة مِمّا كانت تتوقّع .. وحين تُفتش في ضمائرها فلا ترى الأمر واضحاً ولا مستقرّاً ، وحين تتخيّل أنّ تصرّف القيادة هو الذي ألقى بها في هذه المهلكة ، وكانت في نجوة من الأمر لو كان أمرها في يدها ! وهي لا يمكن ـ بهذا الغبش في التصوّر ـ أن ترى يد الله وراء الأحداث ، ولا حكمته في الابتلاء ، إنّما المسألة كلّها ـ في اعتبارها ـ خسارة في خسارة ! وضياع في ضياع!
أمّا أولئك الذي حاولوا خلخلة الصفوف والنفوس ، فإنّهم لم يكتفوا بالتخلّف ـ والمعركة على الأبواب ـ وما يحدثه هذا التخلّف من رجّة وزلزلة في الصفوف والنفوس ، وبخاصّة أنّ عبد الله بن أُبَي ( رأس النفاق ) كان ما يزال سيّداً في قومه ، ولم يُكشف لهم نفاقه بعد ، ولم يصفه الله بهذا الوصف الذي يهزّ مقامه في نفوس المسلمين منهم ، بل راحوا يُثيرون الزلزلة والحسرة في قلوب أهل الشهداء وأصحابهم بعد المعركة وهم يقولون : ( لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ) ... فيجعلون من تخلّفهم حكمة ومصلحة ، ويجعلون من طاعة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) واتّباعه مغرَماً ومضرّة ، وأكثر من هذا كلّه يُفسدون التصوّر الإسلامي الناصح لقدر الله ، ولحتميّة الأجل ، ولحقيقة الموت والحياة ، وتعلّقهما بقدر الله وحده .. ومن ثُمّ يبادرهم بالرد الحاسم الناصع ، الذي يردّ كيدهم من ناحية ، ويصحِّح التصوّر الإسلامي ويجلو عنه الغبش من ناحية : ( قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) .
فالموت يصيب المجاهد والقاعد ، والشجاع والجَبان ، ولا يردّه حرص ولا حَذر ولا يؤجّله جُبن ولا قعود .. والواقع هو البرهان الذي لا يقبل المراء .. وهذا الواقع هو الذي يجبههم به القرآن الكريم ، فيردّ كيدهم اللئيم ، ويقرّ الحقّ في نصابه ويثبّت قلوب المسلمين ، ويسكب عليها الطمأنينة والراحة واليقين ..
ومِمّا يُلفت النظر في الاستعراض القرآني لأحداث المعركة ، تأخيره ذكر هذا الحادث ـ حادث نكول عبد الله بن أُبَي ومَن معه عن المعركة ـ وقد وقعَ في أوّل أحداثها وقبل ابتدائها .. وهذا التأخير يحمل سمة من سمات منهج التربية القرآنيّة .. فقد أخّره حتى يقرّر جملة القواعد الأساسيّة للتصوّر الإسلامي التي قرّرها ، وحتى يقرّ في الأخلاد جملة المشاعر الصحيحة التي أقرّها ، وحتى يضع تلك الموازين الصادقة للقيَم التي وضعها .. ثُمّ يشير هذه الإشارة إلى : ( الّذِينَ نَافَقُوا ) وفعلتهم وتصرّفهم بعدها .. وقد تهيّأت النفوس لإدراك ما في هذه الفعلة وما في هذا التصرّف من انحراف عن التصوّر الصحيح ، وعن القيَم الصحيحة في الميزان الصحيح ..
وهكذا ينبغي أن تنشأ التصوّرات والقيَم الإيمانيّة في النفس المسلمة ، وأن توضع لها الموازين الصحيحة التي تعود إليها لاختبار التصوّرات والقيَم ، ووزن الأعمال والأشخاص ، ثُمّ تُعرض عليها الأعمال والأشخاص ـ بعد ذلك ـ فتحكم عليها الحُكم المستنير الصحيح ، بذلك الحس الإيماني الصحيح .
ولعلّ هنالك لفتة أخرى من لفَتات المنهج الفريد ، فعبد الله بن أُبَي كان إلى ذلك الحين ما يزال عظيماً في قومه ـ كما أسلَفنا ـ وقد ورمَ أنفه لأنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يأخذ برأيه ، وقد أحدثَ تصرّف هذا المنافق الكبير رجّة في الصف المسلم ، وبلبلة في الأفكار ، كما أحدثت أقاويله بعد ذلك عن القتلى حسرات في القلوب ، وبلبلة في الخواطر ، فكان من حكمة المنهج إظهار الاستهانة به وبفعلته وبقوله ، وعدم تصدير الاستعراض القرآني لأحداث الغزوة بذلك الحادث الذي وقع في أولها ، وتأخيره إلى هذا الموضع المتأخر من السياق ، مع وصف الفئة التي قامت به بوصفها الصحيح : ( الّذِينَ نَافَقُوا ) ، والتعجيب من أمرهم في هذه الصيغة المجملة : ( أَلَمْ تَرَ إلى الّذِينَ نَافَقوا ) وعدم إبراز اسم كبيرهم أو شخصه ، ليبقى نكرة في : ( الّذِينَ نَافَقُوا ) كما يستحقّ مَن يفعل فعلته ، وكما تساوي حقيقته في ميزان الإيمان (53) .
وتصل الاستهانة برأس النفاق وجيش الشرك إلى مدياتها البعيدة ، حينما يأتي الغد ـ بعد يوم أُحد مباشرة ـ فيؤذِّن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الناس بطلب العدو ، وأذّنَ مؤذِّنهُ أن لا يخرجنَ معنا أحد إلاّ مَن حضرَ يومنا بالأمس كما يذكر ابن إسحاق (54) .
وبهذا يكون الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد وجّه الحرب النفسيّة ضدّ الأعداء ، وعهدَ إلى توظيف حاذقٍ لها .. وذلك عندما رأى الضعف والوهن في جيشه بعد المعركة وإحساس المشركين بالتفوّق والنصر ، أراد أن يحطّم معنويّة الأعداء ، ويعيد لأصحابه الثبات والقوّة المعنويّة .
فطلبَ منهم أن يتجهّزوا بُعيد معركة أُحد ، وينفروا لقتال العدو ومطاردته وهو في طريق انسحابه إلى مكّة ؛ ليعرف الناس أنّ المسلمين ما زالوا أقوياء ولهم القدرة على شنّ الهجمات ، وأنّ العدو يتقهقر أمامهم ؛ فيتغيّر الموقف الإعلامي لصالح الدعوة الإسلاميّة ، فاستجابَ له أصحابه ، ومارسَ هذا العمل الجهادي الإعلامي ، وحقّق عن طريقه نتائج إعلاميّة باهرة ، فأنزلَ الله سبحانه آيات تُثني على هذا الموقف ، وتُعظّم المجاهدين ، وتُبشّرهم بالانتصار (55) ، قال تعالى : ( الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ *الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) ( آل عمران : 172 ـ 173) .
إنّهم أولئك الذين دعاهم الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى الخروج معه كرّة أخرى غداة المعركة المريرة ، وهم مُثخنون بالجراح ، وهم ناجون بشِق الأنفس من الموت أمس في المعركة ، وهم لم ينسوا بعد هول الدعكة ، ومرارة الهزيمة ، وشدّة الكرب ، وقد فقدوا من أعزَّائهم مَن فقدوا ، فقلّ عددهم فوق ما هم مُثخنون بالجراح ، ولكنّ رسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) دعاهم ، ودعاهم وحدهم . لم يأذن لأحد تخلّفَ عن الغزوة أن يخرج معهم ـ ليقوّيهم ويكثر عددهم كما كان يمكن أن يُقال ! ـ فاستجابوا .. استجابوا لدعوة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، وهي دعوة الله ـ كما يقرّر السياق وكما هي في حقيقتها وفي مفهومهم كذلك ـ فاستجابوا بهذا لله والرسول ( مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ) ، ونزلَ بهم الضرّ ، وأثخَنَتهم الجِراح .
لقد دعاهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، ودعاهم وحدهم ، وكانت هذه الدعوة وما تلاها من استجابةٍ تحمل إيحاءات شتّى ، وتومئ إلى حقائق كبرى ، نشير إلى شيء منها :
فلعلّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شاء ، ألاّ يكون آخر ما تنضمّ عليه جوانح المسلمين ومشاعرهم ، هو شعور الهزيمة ، وآلام البرح والقرح ، فاستنهضهم لمتابعة قريش وتعقّبها ، كي يقرّ في أخلادهم أنّها تجربة وابتلاء ، وليست نهاية المطاف ، وأنّهم بعد ذلك أقوياء ، وأنّ خصومهم المنتصرين ضعفاء ، إنّما هي واحدة وتمضي ، ولهم الكرّة عليهم ، متّى نفضوا عنهم الضعف والفشل ، واستجابوا لدعوة الله والرسول .
ولعلّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شاء في الجانب الآخر ، ألاّ تمضي قريش وفي جوانحها ومشاعرها أخيلة النصر ومذاقاته ، فمضى خلف قريش بالبقيّة ممّن حضروا المعركة أمس ، يُشعر قريشاً أنّها لم تنل من المسلمين منالاً ، وإنّه بقيَ لها منهم مَن يتعقّبها ويكرّ عليها ..
وقد تحقّقت هذه وتلك كما ذكرت روايات السيرة ..
ولعلّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شاء أن يُشعر المسلمين ، وأن يشعر الدنيا كلّها من ورائهم ، بقيام هذه الحقيقة الجديدة التي وجِدت في هذه الأرض .. حقيقة أنّ هناك عقيدة هي كلّ شيء في نفوس أصحابها .
.. وينظر الإنسان في هذه الصورة وفي هذا الموقف ، فيحسّ كأنّ كيان الجماعة كلّه قد تبدّل ما بين يوم وليلة ، نضجت وتناسقت ، واطمأنّت إلى الأرض التي تقف عليها ، وانجلى الغبش عن تصوّرها ، وأخذت الأمر جِدّاً كلّه ، وخلُصت من تلك الأرجحة والقلقلة ، التي حدثت بالأمس فقط في التصوّرات والصفوف ، فما كانت سوى ليلة واحدة هي التي تفرّق بين موقف الجماعة اليوم وموقفها بالأمس .. والفارق هائل والمسافة بعيدة .. لقد فَعلت التجربة المريرة فعلها في النفوس ، وقد هزّتها الحادثة هزّاًَ عنيفاً ، أطارَ الغبش ، وأيقظَ القلوب ، وثبّت الأقدام ، وملأَ النفوس بالعزم والتصميم ..
نعم ، وكان فضل الله عظيماً في الابتلاء المرير (56) .
وتنتهي معركة أُحد ، ولكنّ المعركة الدائبة بين الإسلام وأعدائه لم تنتهِ حتى يوم الناس هذا ، إنّها المعركة التي تستخدم فيها كلّ الوسائل : الجدَل والمراء ، التشكيك والبلبلة ، الكيد والدسّ ، التربّص والتدبير .. وتختلف وسائل الابتلاء والفتنة باختلاف الزمان ، وتختلف وسائل الدعاية ضدّ الجماعة المسلمة ، ووسائل إيذائها في سمعتها وفي مقوّماتها وفي أعراضها وفي أهدافها وأغراضها .. ولكنّ القاعدة واحدة : ( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً ) .
.. ويبقى هذا التوجيه القرآني رصيداً للجماعة المسلمة كلمّا همّت أن تتحرّك بهذه العقيدة ، وأن تحاول تحقيق منهج الله في الأرض ، فتجمّعت عليها وسائل الكيد والفتنة ، ووسائل الدعاية الحديثة ، لتشويه أهدافها ، وتمزيق أوصالها .. يبقى هذا التوجيه القرآني حاضراً يجلو لأبصارها طبيعة هذه الدعوة ، وطبيعة طريقها ، وطبيعة أعدائها الراصدين لها في الطريق ، ويبثّ في قلبها الطمأنينة لكل ما تلقاه من وعد الله ذاك ، فتعرف حين تتناوشها الذئاب بالأذى ، وحين تعوي حولها بالدعاية ، وحين يصيبها الابتلاء والفتنة .. أنّها سائرة في الطريق ، وأنّها ترى معالم الطريق (57) .
وهكذا يوضِّح لنا القرآن الكريم الحقائق الأساسيّة لمعالم الأسلوب والمنهج الإعلامي ، كمواجهة أعداء الله في غمرة الصراع الحضاري الذي نخوض غماره .. والله المستعان ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .
ـــــــــــــــــــــــ
31 ـ فقه السيرة : م. س: 110.
32 ـ السيرة النبويّة لابن هشام 3: 106 ، بيروت ، 1985.
33 ـ محمد حسين فضل الله : من وحي القرآن 6: 161 ، بيروت 1402هـ ـ 1981م.
34 ـ سيّد قطب : في ظلال القرآن 1: 457 ، دار الشروق ، ط 10 ، 1402هـ ـ 1982م.
35 ـ من وحي القرآن : م. س: 163 ـ 165.
36 ـ في ظلال القرآن : م. س: 458 ـ 459.
37 ـ المصدر السابق : 462.
38 ـ الشيخ الطوسي : (التبيان في تفسير القرآن) 3: 6 ، ط بيروت .
39 ـ من وحي القرآن : م. س: 195 ـ 196.
40 ـ بحوث في الإعلام الإسلامي : م. س: 52.
41 ـ من وحي القرآن : م. س: 194 ـ 196.
42 ـ في ظلال القرآن : م. س.
43 ـ من وحي القرآن : م. س.
44 ـ المصدر السابق.
45 ـ في ظلال القرآن 1: 488.
46 ـ من وحي القرآن 6: 200 ـ 201.
47 ـ في ظلال القرآن 1: 490.
48 ـ التبيان في تفسير القرآن : 3: 14.
49 ـ محمد حسين الطباطبائي: الميزان في تفسير القرآن 4: 42 ـ 43 ، ط بيروت .
50 ـ في ظلال القرآن 1: 491.
51 ـ من وحي القرآن 6: 202.
52 ـ في ظلال القرآن 1: 491.
53 ـ في ظلال القرآن: 496 ، 516.
54 ـ لمزيد من الاطلاع على وقائع معركة أُحد ، يراجع كتاب سيرة ابن هشام : 3: 64 ـ 187.
55 ـ مرتكزات أساسيّة في الإعلام القرآني : 17 ـ 18.
56 ـ في ظلال القرآن : 519 ـ 521.
57 ـ المصدر السابق : 540.