القرآن والمدرسة التركيبية: structuralism
  • عنوان المقال: القرآن والمدرسة التركيبية: structuralism
  • الکاتب: مناف حسين الياسري
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 6:7:39 5-9-1403

 بما أنّ هذه المدرسة في علم النفس تعتبر أنّ الاستبطان الداخلي ( introspection ) أحد أركانها فإنها تلتقي  إلى حدٍ ما مع مدرسة التحليل النفسي ،  ( psychoanalysis ) الذي نادى به يوزيف بروير، وسيجموند فرويد ومن جاء بعده ما.  ويقول وليم جيمز أحد مؤسسي هذه المدرسة، (و كما ذكرنا أثناء الحديث عن الفلسفة بأنّ جيمز هذا هو أيضاً أحد أعمدة الفلسفة النفعية أو الذرائعية): (على المرء أن يقوم دائماً بفحص مشاعره ودوافعه وأفكاره حتى يستطيع أن يّغيّر نمط حياته ويؤثّر تأثيراً إيجابياً في البيئة المحيطة به). وقد نقلنا أعلاه ما يُؤثر عن وليم جيمز حين يقول :( إنّ أعظم الثورات التي أحدثها جيلنا هي اكتشاف أنّ بني ألإنسان ، بتغيّيرهم المواقف  الداخلية لأذهانهم، يستطيعون أن يُغيّروا السِمات الخارجية لحياتهم).. وهذه الدعوة إلى تقييم أفكار الشخص ودوافعه وأحاسيسه تلتقي مع يدعو إليه القرآن حين نقرأ مثلاً:( إنَّ اللهَ لا يُغَيّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيّروا ما بِاَنفُسِهِم)  (الرَعْد-11). وتغيير النفس لا يعني أن يُغيّر الناس مظهرهم ومأكلهم وإنّما يعني وبالتأكيد تغيير أفكارهم، وعواطفهم التي لا تتماشى مع حاجاتهم الطبيعية التي خُلقوا عليها. وسوف نعود إلى نِقاش هذه الحاجات في مقاطع أخرى من بحثنا. ويعود القرآن فيؤكد هذا المعنى في آية أخرى : ( ذلِكَ بأنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغيّراً نِعْمَةً أنْعَمَها على قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّروا ما بِاَنفُسِهِم ) ( الأنفال-53). ولو أطّلع وليم جيمز على هذه النصوص القرآنية لما صَرَّح بأنّ الاكتشاف الذي تكلم عنه هو (أعظم الثورات التي أحدثها جيله) في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين لأنّه كان سيُدرك أنّ القرآن تكلّم عن هذا (الاكتشاف) قبل منتصف القرن السابع الميلادي أي قبل جيل وليم جيمز بأكثر من ثلاثة عشر قرناً!! وإضافة إلى ذلك فقد جاء في الأثر: (مَن أصْلَحَ سَريرَتَهُ أصْلَحَ اللهُ عَلانيتَهُ)، وهذا يشير بوضوح إلى أنّ السِمات الخارجية لحياة الإنسان (علانيته) تابعة ومترابطة مع أفكاره ومواقفه الذهنية (أي سريرته) لأنّ إصلاح الأولى يؤدي إلى إصلاح الأخيرة ، والعكس صحيح أيضاًً أي أنَّ مَن أبقى على فساد سريرته (مواقفه الذهنية) فسوف ينتهي إلى إفساد سِمات حياته الخارجية (أي علانيته). وكما ذكرنا سابقاً فإنّ العقيدة الإسلامية تلتقي أيضاً مع أفكار الفلسفة النفعية عموماً ، فنحن نقرأ مثلاً: ( فأمَّا الزَبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وأمَّا ما يَنْفَعُ الناسَ فَيَمْكُثُ في الأرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأمْثالَ) (الَرعْد-17). وواضح أنّ القرآن يخبرنا بأنّ أيّ شيء أو أية فكرة لا يستفيد منها الإنسان سوف تُهمل، وتُترك، فتُصبح (جُفاء) وهو الشيء عديم الفائدة. والعقيدة الإسلامية وبالتأكيد تلتقي مع مقولة جيمز بأنّ الأيمان بالله هي فكرة نفعية لأنّها تجعل الإنسان يشعر بالراحة والطمأنينة، وهذا ما نوّه عنه القرآن كثيراً، وكمثال على ذلك فهو يقول:(الّذينَ آمَنوا وتَطْمَئنُّ قُلوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ، الا بِذكرِ اللهِ  تَطْمَئنُّ  القُلوبُ) (الرَعْد-28).