لقد قال العلماء إنّ (سائر تفاسير الصحابة التي لا تشـتمل على إضافة شيء إلى رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فمعدود في الموقوفات) ، و (الموقوف هو ما يُروى عن الصحابة فيوقف عنهم ولا يتجاوز به إلى رسول الله) واستثنوا من ذلك التفسير الذي (يتعلّق بسبب نزول آية يخبر به الصحابي ونحو ذلك) .
كما علم من أقوال القرطبي، والغزالي، والبغدادي، صاحب تفسير الخازن ورشيد رضا صاحب تفسير المنار وغيرهم ، أنّ الصحابة (إختلفوا اختلافاً كثيراً لا يمكن فيه الجمع ويمتنع سماع الجميع من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ) .
وحتى أسباب النزول لم تسلم من الاختلاف فإنّ (كثيراً ما يذكر المفسِّرون لنزول الآية أسباباً متعدِّدة) .
وبناءً على ذلك فإنّ الخلاف بهذه الآراء في تفسير الصحابة بين السنّة والشيعة يكاد يكون معدوماً ، لأنّ أصل الخلاف في إنزال تفسيرهم منزلة تفسير النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) وإعطائه الحجّيّة بذلك ، وأمّا بلا ذاك فإنّ الشيعة استعانوا بأقوال الصحابة والتابعين واستفادوا منها في بيان الآيات إلاّ أنّ هذه الأقوال لم تكن حجّة بذاتها وتبقى خاضعة للمناقشة ، ولكنّهم أخذوا بها وقدّموها على غيرها من نصوص المفسِّرين ; لمعاصرة الصحابة زمان نزول الوحي ومعايشتهم ظروفه ومعرفتهم باللغة وغير ذلك .
وكانت طريقتهم مناقشة الروايات في ضوء متونها، كما أنّهم استعملوا نفس الطريقة في مناقشة روايات واردة عن أهل البيت (عليهم السّلام) ، فأخذوا ببعضها ولم يأخذوا بالبعض الآخر إمّا لعدم تأييد القرآن لمضامينها أو لاضطراب في متونها أو في معانيها .
والواقع أنّنا بنظرة عابرة في التفاسـير الأساسية للشيعة كتفسير التبيان للشـيخ الطوسي ومجمع البيان للطبرسي ومن المعاصرين تفسير الميزان للعلاّمة الطباطبائي ، نجد أنّ هذه التفاسير مشحونة بالمأثور من تفاسير الصحابة والتابعين والرجوع إليها في الكثير من الآراء .
وقد عدّدنا في فهارس تفسير الميزان، الموارد التي رجع فيها إلى الدر المنثور للسيوطي فكانت تزيد عن ثمانمائة مورد، كما أورد فيه آراء معظم الصحابة والتابعين من المفسِّرين كعبد الله بن عباس (أكثر من 500 مورد) ، وعبد الله بن عمر بن الخطّاب (109 مورداً) ، وعبد الله بن مسعود (126 مورداً) ، وآخرين كثيرين ممّن وردت عنهم الآثار ، ممّا يدل على أنّ الشيعة تعاملوا مع الروايات التفسيرية كما هي ، وناقشوها بناءً على توافق معانيها مع القرآن ، لا على أساس الرواة أو موقفهم منهم من حيث الجرح والتعديل .
لذا لم يكن من الإنصاف القول بأنّ الشيعة (تجاوزوا فرفضوا ما رواه الصحابة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وردّوا رواياتهم كلّها إلاّ ما صحّ من طرق أهل البيت ...) ، كما لم يكن من الانصاف إطلاق هذا الرأي على تفسير الميزان لأنّه لا يثق بالمروي عن طريق الصحابة ، وقد رأينا كم وثّق وكم روى من طريقهم .
كما لم يكن الذهبي مصيباً في رأيه ، إذ قال بأنّ الّذي عليه الشيعة إلى اليوم (أنّهم لا يأخذون الحديث إلاّ ممّن كان شيعيّاً ولا يقبلون تفسيراً إلاّ ممّن كان شيعيّاً ولا يثقون بشيء مُطلقاً إلاّ إذا وصل لهم من طريق شيعي ... لا يقبلون أقوال الصّحابة ولا يثقون بروايتهم ... ) .
ولقد نقم الدكتور الرومي على الطباطبائي قوله : (... وأمّا الروايات الواردة عن مفسِّري الصحابة والتابعين ـ لا عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) ـ فإنّها على ما فيها من الخلط والتناقض لا حجّة فيها على مسلم ...) ، لأنّه شيعي مع أنّ أئمّة السنّة قالوا : (اتّفق الكلّ على أنّ مذهب الصحابي ـ رأيه ـ في مسائل الاجتهاد لا يكون حجّة على غيره من الصحابة المجتهدين ... واختلفوا في كونه حجّة على التابعين ومن بعدهم من المجتهدين ، والمختار أنّه ليس بحجّة مطلقاً) .
وقالوا أيضاً : (وعلى هذا فالمأثور عن الصحابي ممّا للرأي فيه مجال لا يرقى إلى مرتبة السنّة المرفوعة إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) حتى يكون ملزماً ، ذلك لأنّ مقام النبوّة لا يدانيه مقام ، ومأثور السنّة نَقلٌ عن معصوم مؤيّد بالوحي ، ومجتهدات الصحابة والتابعين ومَن بعدهم ، من المأثور ، هي مواطن لا تزيلها الاحتمالات ، لقصور الطاقة البشرية عن إصابة وجه الحق في الواقع ونفس الأمر) .
وهكذا نجد أنّ آراء المحقِّقين من علماء الأمّة ـ سنّة وشيعة ـ متقاربة في الموقف من المأثور عن الصحابة وتفاسيرهم .