تعالوا إلى الفرح.. أيّها الأصدقاء
  • عنوان المقال: تعالوا إلى الفرح.. أيّها الأصدقاء
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 12:13:54 14-9-1403

 بِمَ يَفرح الإنسان ؟
أيَفرحُ الإنسان بطاقة الشباب المتدفّقة في داخِله ؟!
أيفرح ابنُ آدم بالثروة: يجمعها ويكدّسها ؟!
أينبغي أن يمتلئ المرءُ بالفرح إذا غالَبَ خصمَه فغلَبَه ؟!
أيجوز للإنسان أن يستخفّه الفرح حينما يُلبّي نداء حاجاته الجسدية ويُشبِع طموحات النفس ؟!

* * *

بِمَ يَفرحُ ابنُ آدم ؟ وأين هو ميدان الفرح الحق ؟
الفرح الحق.. هو ما كان منسجماً في الحياة مع الحق.. وذلك هو المفتاح العظيم!
الحقّ ـ يا أخي ـ هو الباقي.. وهو الذي له الغدُ، وما بَعد الغد.
الحقّ ـ يا أخي ـ هو الصراط الحياتي الواقعي الأصيل الذي ينسجم وإيّاه الأسوياء من بني الإنسان.
الحق ـ يا أخي ـ هو منهج الاستقامة والشفاء الباطني والعافية المعنوية.. التي تُنوِّر قلبَ الإنسان من الداخل، وتُضيء حياتَه من الخارج.
الحقّ الذي يجوز للمرء أن يفرح به ويبتهج.. هو تلك الرحمة الرحيمة المتنزِّلة من الربّ الرحيم.
وهو ذلك الهدى الهادي الذي يُسعِد الإنسانَ في واقعه، ويُسعِد الإنسانَ حين يَعبُر إلى الحياة الأخرى بعد تخطّي الأجل والموت.

* * *

الذين يفرحون بما يجمعون.. أُناسٌ خاسرون.
الذين يفرحون بالمالِ: يجمعونه ويوظّفونه.. خاسرون.
والذين يفرحون بالأتباع والمريدين: يتَقوَّون بهم ويتحصّنون.. إنّما هم أُناس خاسرون.
والذين يفرحون بالثقافة والأفكار: يتكثّرون بها ويُباهون.. إنما هم مُلاقُو الخُسران المبين.
وحتّى الذين يفرحون بكثرة العبادة والذِّكر والصلاة.. إنّما هم مخدوعون مغرورون!

* * *

ولكنْ.. لماذا يخسر هؤلاء الفَرِحون ؟ لماذا يخسرون ؟
لأنّهم فَرِحوا بما جَمَعوا. فَرحوا بما عندهم!
أي: فَرحوا بذواتهم الشخصية. فرحوا بالمزايا الشخصية وبالأعمال الشخصية.
هذا صحيح.. لكنْ: ما عَيبُ الفرح بما تَحوزه ذاتُ الإنسان وبما تُباهي به نفسُه ؟!
إنّ عيب هذا الفرح ـ يا أصدقاءنا ـ عيب كبير؛ لأنه فرح نشأ ونما في ظروف الغفلة عن الحق، وفي الغفلة عن الصراط المستقيم.
ومَن وقع في الغفلة.. وقع في حبائل الشيطان، أو أوشك على الوقوع في حبائل الشيطان. ومَن حالَفَ الشيطان.. حالَفَ عدوَّ الإنسان وعدوَّ الله عزّوجلّ: إنّ قارونَ كانَ مِن قَومِ موسى فَبَغى عليهم، وآتَيناهُ مِن الكُنوزِ ما إنّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوءُ بالعُصبَةِ أُولي القُوّة، إذ قالَ لَهُ قَومُهُ: لا تَفرَحْ؛ إنّ اللهَ لا يُحبُّ الفَرِحين، وابتَغِ فيما آتاكَ اللهُ الدارَ الآخرةَ، ولا تَنسَ نَصيبَكَ مِن الدُّنيا، وأحسِنْ كما أحسَنَ اللهُ إليك، ولا تَبْغِ الفسادَ في الأرضِ، إنّ اللهَ لا يُحبُّ المُفسِدين. قال: إنّما أُوتِيتُهُ على عِلمٍ عندي!! أوَ لَم يَعلَمْ أنّ اللهَ قد أهلَكَ مِن قَبلِه مِن القُرونِ مَن هُو أشدُّ منه قوّةً وأكثرَ جَمْعاً ؟!
هو ذاك إذَن!
هو الفرحُ بالجمع والتكاثر.. الذي يقود صاحبه ـ لا محالة ـ إلى الفساد والإفساد.
وهو الفرح الوهمي الذي لن ينتهي بالإنسان ـ إذا لم يتدارك نفسه وينتفض عليه ـ إلاّ بالندم في لحظة الموت الذي لابدّ أن تجيء:
ألْهاكُمُ التَّكاثُر.. حتّى زُرتُمُ المقابِر !
ذلك هو ـ أيها الأصدقاء ـ هو سبيل الفرح الوهمي.. الفرح الذي يَستبطنُ الندامةَ والغمومَ والعذاب.

* * *

ذلك هو سبيل الفرح الوهمي الذي كلّه فقاعات وخواء.. فأين هو إذَن سبيلُ الفرح الحق، الفرح الصادق، الفرح الإنساني الأصيل ؟
ثُمّ.. بأيّ شيء ينبغي أن يفرح الإنسان ؟
هذا الفرح الإنساني الصادق الأصيل.. يعرفه المرءُ بِسِماته.
وأنت ـ يا أخي ـ تعرفه.. حين تدرك وتُحسّ إحساساً صادقاً أنك ـ في فرحك ـ منسجم حقّاً مع صراط الله، ومع هدى الله، ومع نور الله الذي أنزله في كتابه المبين.
وعندما تنسجم مع صراط الحق في حياتك.. يحقّ لك ـ يا أخي ـ أن تفرح بحقّ لقلبك ولكلّ وجودك أن يفرح.
بل إنّ ربّك اللطيف.. هو الذي يدعوك وقتئذٍ دعوةً إلى الفرح:
يا أيّها الناس، قد جاءتكُم مَوعظةٌ مِن ربِّكُم، وشِفاءٌ لِما في الصُّدور، وهُدىً ورحمةٌ للمؤمنين. قُلْ: بفَضلِ اللهِ ورحمتهِ.. فبذلك فَلْيَفرحوا، هو خيرٌ ممّا يَجمعون .
والآن.. ألاَ تَوَدّ ـ يا أخي ـ أن تَدخُل في الفرح المُسِعد المستديم ؟! وهو فرحٌ فيه الشفاء البَلسَم للقلب، وفيه الهدى والرحمة الغامرة واللطف الكبير.
إذا كنت عازماً من داخلك على الدخول في عالَم الفرح الصادق الأصيل.. فتعالَ إذَن يا أخي نحو بصيرة الإيمان.
تعالَ.. نحو الصدق الشامل،
تعال.. نحو صراط الله المستقيم.