للقرآن ظهر وبطن
  • عنوان المقال: للقرآن ظهر وبطن
  • الکاتب: السيد كمال الحيدري
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 5:27:33 2-9-1403

استفاضت الروايات الواردة من الفريقين، أنّ للقرآن ظهراً وبطناً وحدّاً ومطّلعاً.

عن السكوني، عن أبي عبد الله الصادق عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (... فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم، فعليكم بالقرآن فإنّه شافعٌ مشفّعٌ وماحل مصدّق، ومن جعله أمامه قاده إلى الجنّة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، وهو الدليل يدلّ على خير سبيل، وهو كتابٌ فيه تفصيل وبيانٌ وتحصيل، وهو الفصل ليس بالهزل، وله ظهر وبطن، فظاهره حكمٌ وباطنه علمٌ، ظاهره أنيقٌ وباطنه عميقٌ، له نجوم وعلى نجومه نجوم، لا تحصى عجائبه ولا تُبلى غرائبه...).

عن محمّد بن منصور قال: سألت الإمام الكاظم (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ: (قُلْ إنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) (الأعراف: 31). فقال: (إنّ القرآن له ظهرٌ وبطن)

عن عبد الله بن سنان عن ذُريح المحاربي قال: قلت لأبي عبدالله الصادق (عليه السلام): إنّ الله أمرني في كتابه بأمر، فأحبّ أن أعمله، قال: (وما ذاك؟

قلت: قول الله عزّ وجلّ: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) قال: (لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) لقاء الإمام، (وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) تلك المناسك.

قال عبد الله بن سنان: فأتيت أبا عبد الله الصادق عليه السلام فقلت: جُعلت فداك، قول الله عزّ وجلّ: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) قال: (أخذ الشارب وقصّ الأظفار وما أشبه ذلك.

قال: قلت: جُعلت فداك إنّ ذريح المحازي حدّثني عنك بأنّك قلت له: (لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) لقاء الإمام ... فقال: صدق ذريح وصدقتُ. إنّ للقرآن ظاهراً وباطناً، ومن يحتمل ما يحتمل ذريح).

عن جابر قال: سألت أبا جعفر الباقر (عليه السلام) عن شيء في تفسير القرآن، فأجابني، ثمّ سألته ثانياً فأجابني بجواب آخر، فقلت: جُعلت فداك كنت أجبت في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم؟ فقال (عليه السلام) لي: (يا جابر إنّ للقرآن بطناً، وللبطن بطن، وله ظهر وللظهر ظهر، يا جابر وليس شيءٌ أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن...).

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (ما من آية إلاّ ولها أربعة معان; ظاهر وباطن وحدّ ومطلع، فالظاهر التلاوة، والباطن الفهم، والحدّ هو أحكام الحلال والحرام، والمطلع هو مراد الله من العبد بها).

ورد عن النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: (إنّ للقرآن ظهراً وبطناً، ولبطنه بطناً إلى سبعـة أبطن) وفـي رواية (إلى سبعين بطناً) وفي أُخرى (سبعين ألف بطن).

وقال علي أمير المؤمنين (عليه السلام): (سمعتُ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: ليس من القرآن آية إلاّ ولها ظهرٌ وبطن، وما من حرف إلاّ وله تأويل. وفي رواية أُخرى: وما منه حرف إلاّ وله حدٌّ ومطلع على ظهر القرآن وبطنه وتأويله).

وعن الحسن قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (لكلّ آية ظهر وبطن، ولكلّ حرف حدّ، ولكلّ حدّ مطلع). وأخرج الديلمي من حديث عبد الرحمن بن عوف مرفوعاً: (القرآن تحت العرش له ظهرٌ وبطن يحاجّ العباد). (إنّ لكلّ آية ظهراً وبطناً، ولكلّ حرف حدّاً ومطلعاً). وأخرج الطبراني وأبو يعلى والبزّاز وغيرهم عن ابن مسعود موقوفاً: (إنّ هذا القرآن ليس منه حرف إلاّ وله حدّ، ولكلّ حدٍّ مطلع).

ما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق الضحّاك عن ابن عبّاس قال: (إنّ القرآن ذو شجون وفنون، وظهور وبطون).

وقع الكلام بين الأعلام في المراد من هذه الروايات التي دلّت على أنّ للقرآن ظهراً وبطناً، وقد وجد في مقام فهمها اتّجاهان ـ كما تقدّم في بيان المراد من التأويل.

توضيحه: أنّ هذه النصوص جميعاً اشتركت في وصف القرآن بأنّ له باطناً، بل بطوناً متعدّدة، ومن الواضح أنّ لذلك دلالة قاطعة على عمق القرآن كما ورد في حديث الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله: (وله ظهرٌ وبطن، فظاهره حكمٌ وباطنه علمٌ، ظاهره أنيق وباطنه عميق).

بيدَ أنّ السؤال; هذا العمق هو من سنخ المعاني الذهنية والمفاهيم النظرية والفكرية المستمدّة من اللّفظ، أم هي حقائق وراء اللّفظ لها استقلالها السنخي عن الألفاظ، وإن كان يمكن أن تكون ثَمَّ علاقة تركيبيّة من نوع مّا ما بين الاثنين؟ بتعبير آخر: ما هو منشأ هذا العمق، وما هو سرّ اختصاص القرآن بالبطون وتوافره على شموليّة المعنى؟ أيعود ذلك إلى كينونة القرآن وأنّه يتألّف من حقائق ذات مراتب متعدّدة تكمن وراء اللفظ، لا يكون اللّفظ إلاّ التعبير الأخير عن تلك الحقائق أو قشرة ذلك اللّب، على ما رسمت ذلك المدرسة الوجودية؛ أم أنّ الذي ينشئ عمق القرآن وغور معانيه وثراء مفاهيمه وتعدّدها هو اللفظ وكيفيّة استعماله وتركيبه، ومن ثمّ فإنّ البطون والمعاني المترتّبة على بعضها هي من مقولة المفاهيم والتأويلات الذهنية التي تنبثق عن دلالة اللفظ وطبيعة التركيب أو ممّا يحتمله اللفظ القرآني ويكون أحد مدلولاته، وتخضع عملية نيلها ووضع اليد عليها إلى بذل الجهد العقلي والنشاط الذهني التأويلي والاتّصاف بحدّة الذكاء وعمق التفكير وما إلى ذلك؟

الحقيقة أنّ البطون مسألةٌ ثابتة في ضوء الاتّجاهين كليهما المعرفي والوجودي، وأنّ ما يختلف بينهما هو التفسير. فالاتّجاه المعرفي وما يتضمّنه من مدارس تنحصر تعاملها مع القرآن كنصّ وحسب، ترى أنّ النصّ هو الذي يحوي عدداً من المعاني والبطون والأغوار. أمّا الاتّجاه الوجودي فيتعامل مع البطون بوصفها حقيقةً كائنة وراء النصّ وخارجة عنه تنطوي على مراتب، فهنا مراتب وبطون، وهناك مراتب وبطون أيضاً، لكنّها في الاتّجاه الوجودي من سنخ الحقائق، أمّا في الاتجاه المعرفي، فالبطون من مقولة المفاهيم والتأويلات الذهنية، والاختلاف بينهما ناجم عن نظرتهما لحقيقة القرآن. وكونه له مرتبة وجودية واحدة أو مرتبتان كما هو مقتضى ما تقدّم من قوله: (إنّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبـِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ).

وقد اختار جملة من الأعلام في المقام ما أشرنا إليه في الاتجاه الثاني في بيان حقيقة التأويل، كالغزالي وابن عربي والشيرازي والطباطبائي وغيرهم.