الحسن والحسين إبنا رسول الله
  • عنوان المقال: الحسن والحسين إبنا رسول الله
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 5:3:8 2-9-1403

الحسن والحسين إبنا رسول الله

قال الشعبي : كنت بواسط  ، وكان يوم أضحى ، فحضرت صلاة العيد مع الحجاج ، فخطب خطبةً بليغة ، فلما انصرف جاءني رسوله فأتيته ، فوجدته جالساً مستوفزاً ، قال : يا شعبي هذا يوم أضحى ، وقد أردت أن أضحِّي برجل من أهل العراق ، وأحببت أن تسمع قوله ، فتعلم أنّي قد أصبت الرأي فيما أفعل به .

فقلت : أيها الأمير ، لو ترى أن تستنّ بسنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، و تضحي بما أمر أن يضحّى به ، وتفعل فعله ، وتدع ما أردت أن تفعله به في هذا اليوم العظيم إلى غيره .

فقال : يا شعبي ، أنّك إذا سمعت ما يقول صوبت رأيي فيه ، لكذبه على الله وعلى رسوله ، وإدخاله الشبهة في الإسلام .

قلت : أفيرى الأمير أن يعفيني من ذلك ؟

قال : لا بدّ منه .

ثُمّ أمر بنطع فبسط ، و بالسيّاف فأُحضر ، وقال : أحضروا الشيخ ، فأتوه به ، فإذا هو يحيى بن يعمر  ، فأغممت غماً شديداً ، فقلت في نفسي : وأيّ شيء يقوله يحيى مما يوجب قتله ؟

فقال له الحجاج : أنت تزعم أنّك زعيم أهل العراق ؟

قال يحيى : أنا فقيه من فقهاء أهل العراق .

قال : فمن أي فقهك زعمت أنّ الحسن والحسين ( عليهما السَّلام ) من ذرية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

قال : ما أنا زاعم ذلك ، بل قائل بحق .

قال : وبأي حقّ قلت ؟

قال : بكتاب الله عزّ وجلّ .

فنظر إليَّ الحجاج ، وقال : اسمع ما يقول ، فإنّ هذا مما لم أكن سمعته عنه ، أتعرف أنت في كتاب الله عزّ وجلّ أنّ الحسن والحسين من ذرية محمّد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟

فجعلت أفكر في ذلك ، فلم أجد في القرآن شيئاً يدلّ على ذلك .

وفكر الحجاج ملياً ثُمّ قال ليحيى : لعلك تريد قول الله عز وجل : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُلْ تَعَالَوا نَدعُ أَبْناءَنا وَ أَبْنَاءَ كم وَ نِساءَنا و نِساءَ كُم وأنفُسَنا وأنفُسَكم ثُمّ نَبتَهِل فَنَجعَل لَعنةَ اللهِ عَلَى الكاذبينَ ) وأنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خرج للمباهلة ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السَّلام ) .

قال الشعبي : فكأنّما أهدى لقلبي سروراً ، وقلت في نفسي : قد خلص يحيى ، وكان الحجاج حافظاً للقرآن .

فقال له يحيى : والله ، إنّها لحجة في ذلك بليغة ، ولكن ليس منها أحتجّ لما قلت .

فاصفرَّ وجه الحجاج ، وأطرق ملياً ثُمّ رفع رأسه إلى يحيى وقال : إن جئت من كتاب الله بغيرها في ذلك ، فلك عشرة آلاف درهم ، وإن لم تأت بها فأنا في حلٍ من دمك .

قال : نعم .

قال الشعبي : فغمَّني قوله فقلت : أما كان في الذي نزع به الحجاج ما يحتجّ به يحيى ويرضيه بأنّه قد عرفه وسبقه إليه ، ويتخلص منه حتى ردّ عليه وأفحمه ، فإن جاءه بعد هذا بشيء لم آمن أن يدخل عليه فيه من القول ما يبطل حجته لئلا يدعي أنّه قد علم ما جهله هو .

فقال يحيى للحجاج : قول الله عزّ وجلّ: ( وَمِن ذُرِّيتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ ) من عنى بذلك ؟

قال الحجاج : إبراهيم ( عليه السَّلام ) .

قال : فداود وسليمان من ذريته ؟

قال : نعم .

قال يحيى بن يعمر: ومن نصّ الله عليه بعد هذا أنّه من ذريته ؟

فقرأ يحيى : (وَأَيّوبَ وَيوسُفَ وَموسى وَهارونَ وَكذلِكَ نَجْزي المُحسنينَ ) .

قال يحيى : ومن ؟

قال : ( وَزَكَريا وَيَحيى وَعِيسى ) .

قال يحيى : ومن أين كان عيسى من ذرية إبراهيم ( عليه السَّلام ) ، ولا أب له ؟

قال : مِن قِبَل أُمّه مريم ( عليهما السلام ) .

قال يحيى : فمن أقرب : مريم من إبراهيم ( عليه السَّلام ) ، أم فاطمة ( عليها السلام ) من محمّد ( صلى الله عليه وآله ) ؟

قال الشعبي : فكأنّما ألقمه حجراً .

فقال : أطلقوه قبَّحَه الله ، وادفعوا إليه عشرة آلاف درهم لا بارك الله فيها !!.

ثُمّ أقبل عليَّ فقال : قد كان رأيك صواباً ولكنّا أبيناه ، و دعا بجزور فنحره وقام فدعا بالطعام فأكل وأكلنا معه ، وما تكلّم بكلمة حتى افترقنا ولم يزل ممّا احتجّ به يحيى بن يعمر واجماً  .

كيف مات الحَجَّاج:

اشتهر الحجّاج بن يوسف الثقفي بولائه للبيت الأموي وبعدائه ونصبه للبيت العلوي ، كما وأشتهر بسفكه للدماء وولَعه في قتل شيعة أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) أمثال كميل بن زياد ، وسعيد بن جبير وغيرهم .

وكان للحجاج في القتل وسفك الدماء والعقوبات غرائب لم يُسمع بمثلها ، وكان يُخبر عن نفسه أنّ أكبر لذّاته سفك الدماء وارتكاب القتل .

كانت نهاية هذا الطاغية بمرض الأكلة التي وقعت في بطنه ، فدعا الطبيب لينظر إليه فأخذ لحماً وعلَّقه في خيط وسرّحه في حلقه وتركه ساعة ثُمّ أخرجه وقد لصق به دود كثير ، وسلّط الله عليه الزمهرير ، فكانت الكوانين تجعل حوله مملوءة ناراً وتدنى منه حتى تحرق جلده وهو لا يحسّ بها ، فشكا ما حاله وما يعاني من شدّة الألم إلى الحسن البصري

فقال له الحسن البصري : قد كنت نهيتك ألا تتعرّض إلى الصالحين فلججت .

فقال له : يا حسن ، لا أسألك أن تسأل الله أن يفرّج عنّي ، ولكني أسألك أن تسأله أن يُعجِّل قبض روحي و لا يطيل عذابي .

وبقي الحجاج على هذه الحالة و بهذه العلة خمسة عشر يوماُ ، و توفي في شهر رمضان سنة : 95 هجرية في مدينة واسط ودفن بها وعُفي قبره  .

ثواب الصابر على موت ولده:

توفي لعثمان بن مظعون ( رضي الله عنه ) ولدٌ فاشتدّ حزنه عليه حتى اتخذ في داره مسجداً يتعبد فيه ، فبلغ ذلك النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال :

( يا عثمان إنّ الله عزَّ و جَلَّ لم يكتب علينا رهبانية إنّما رهبانية أمتي الجهاد في سبيل الله ، يا عثمان بن مظعون إنّ للجنة ثمانية أبواب وللنار سبعة أبواب أفلا يسرك ألاّ تأتي بابا منها إلاَّ وجدت ابنك بجنبه آخذاً بحجزتك  ليشفع لك إلى ربه عزَّ و جَلَّ  .

فقيل يا رسول الله ولنا في افراطنا ما لعثمان ؟

قال ( صلى الله عليه وآله ) :  نعم لمن صبر منكم و احتسب ) .

جزاء الصابرين:

رُوي عن الإمام زين العابدين ( عليه السَّلام ) أنّه قال :

( إذا جمع الله الأولين و الآخرين ينادي منادٍ أين الصابرون ليدخلوا الجنة بغير حساب ، فيقوم عنق من الناس فتتلقاهم الملائكة .

فيقولون : إلى أين يا بني آدم ؟

فيقولون : إلى الجنة .

فيقولون وقبل الحساب ؟

فقالوا : نعم .

قالوا : ومن أنتم ؟

قالوا : الصابرون .

قالوا : وما كان صبركم ؟

قالوا : صبرنا على طاعة الله ، وصبرنا عن معصية الله حتى توفانا الله عزَّ و جَلَّ .

قالوا : أنتم كما قلتم ، ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين) .

طوبى للنساء العارفات:

رُوي أنّه لما كان يوم أُحد حاص أهل المدينة حيصة فقالوا قتل محمد ( صلى الله عليه وآله ) حتى كثرت الصوارخ في نواحي المدينة ، فخرجت امرأة من الأنصار متحزنة فاستقبلت بابنها وأبيها و زوجها وأخيها وهم شهداء .

فلما مرَّت على آخرهم قالت : من هذا ؟

قالوا : أخوك وأبوك وزوجك وابنك .

قالت : ما فعل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟

قالوا : أمامك .

فمشت حتى جاءت إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) و أخذت بناحية ثوبه وجعلت تقول : بأبي أنت و أمي يا رسول الله لا أبالي إذا سلُمت أنت من عطب .

و خرجت السمراء بنت قيس أخت أبي خزام وقد أصيب ابناها فعزّاها النبي ( صلى الله عليه وآله ) بهما فقالت كلّ مصيبة بعدك جلل والله لهذا النقع الذي في وجهك أشدّ من مصابهما

وعن جويرة بنت أسماء أنّ ثلاثة إخوة شهدوا بششتر واستشهدوا وبلغ ذلك أمهم فقالت مقبلين أم مدبرين؟ فقيل لها، بل مقبلين. فقالت: الحمد لله نالوا والله الفوز وأحاطوا الذمار بنفسي هم وأبي وأمي وما تأوهت ولا دمعت لها عين .

وعن أبي قدامه الشامي قال كنت أميراً على جيش في بعض الغزوات فدخلت بعض البلدان و دعوت الناس الغزاة ورغبتهم في الجهاد و ذكرت فضل الشهادة وما لأهلها ثُمّ تفرق الناس وركبت فرسي وسرت إلى منزلي ، فإذا أنا بامرأة من أحسن الناس وجها تنادي يا أبا قدامه فمضيت ولم أجب .

فقالت : ما هكذا كان الصالحون .

فوقفت فجاءت ودفعت إليَّ رقعة وخرقة مشدودة وانصرفت باكية ، فنظرت في الرقعة وإذا فيها مكتوب أنت دعوتنا إلى الجهاد ورغبتنا في الثواب ولا قدرة لي على ذلك ، فقطعتُ أحسن ما فيَّ وهما ضفيرتاي وأرسلتهما إليك لتجعلهما قيد فرسك في سبيل الله فيغفر لي .

فلما كان صبيحة القتال فإذا بغلام بين يدي الصفوف يقاتل حاسراً ، فتقدمت إليه وقلت يا غلام أنت فتى غرّ راجل ولا آمن أن تجول الخيل فتطؤك بأرجلها فارجع عن موضعك هذا .

فقال : أتأمرني بالرجوع وقد قال الله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ) وقرأ الآية إلى آخرها .

قال : فحملته على هجين كان معي .

فقال : يا أبا قدامه أقرضني ثلاثة أسهم .

فقلت أهذا وقت قرض ، فما زال يلحّ حتى قلت بشرط ، إن منَّ الله عليك بالشهادة أكون في شفاعتك .

قال : نعم .

فأعطيته ثلاثة أسهم فوضع سهماً في قوسه فرمى به فقتل رومياً ، ثُمّ رمى بالآخر فقتل رومياً ، ثُمّ رمى بالآخر وقال السلام عليك يا أبا قدامه سلام مودّع ، فجاءه سهم فوقع بين عينيه ، فوضع رأسه على قربوس سرجه فقدِمتُ إليه وقلت : لا تنسها .

فقال : نعم ، ولكن لي إليك حاجة ، إذا دخلت المدينة فآت والدتي و سلِّم خُرجي إليها ، وأخبرها فهي التي أعطتك شعرها لتقيد به فرسك فسلِّم عليها ، فهي في  العام الأول أصيبت بوالدي ، و في هذا العام بي ثُمّ مات ، فحفرت له ودفنته .

فلما أتيت المدينة ذهبت إلى دار والدته فلما قرعت الباب خرجت أخته إلي فلما رأتني عادت إلى أمها وقالت يا أماه هذا أبو قدامه وليس معه أخي وقد أصبنا في عام الأول بأبي وفي هذا العام بأخي .

فخرجت أمّه فقالت : أمعزّيا أم مهنئاً .

فقلت : ما معنى هذا ؟

فقالت : إن كان ابني مات فعزِّني ، وإن كان استشهد فهنئني .

فقلت : لا، بل قد مات شهيداً .

فقالت : الحمد لله .

الحرُّ صبور:

عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله ( عليه السَّلام ) يقول :

( إنّ الحرّ حرٌ على جميع أحواله ، إن نابته نائبة صبر لها ، وإن تراكمت عليه المصائب لم تكسره ، وإن أسر وقهر واستبدل باليسر عسراً ، كما كان يوسف الصدّيق الأمين ( عليه السَّلام ) لم يضرر حريته أن استعبد و أسر وقهر ولم تضرره ظلمة الجب ووحشته وما ناله ، أن منّ الله عليه فجعل الجبار العالي له عبداً بعد أن كان ملكاًَ ، فأرسله ورحم به أمته ، وكذلك الصبر يعقب خيراً ، فاصبروا ووطِّنوا أنفسكم على الخير تؤجروا ) .

الجنة محفوفة بالمكاره:

رُوي عن الإمام محمد بن علي الباقر ( عليه السَّلام ) أنّه قال :

( الجنة محفوفة بالمكاره و الصبر ، من صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنة ، و جهنم محفوفة باللذات و الشهوات ، فمن أعطى نفسه لذتها أو شهوتها دخل النار ).

الصبر ثلاثة:

قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :

( الصبر ثلاثة ، صبر عند المصيبة ، و صبر على الطاعة ، و صبر عن المعصية .

فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلاثمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض .

ومن صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة ، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش .

ومن صبر على المعصية كتب الله له تسع مائة درجة ، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش ) .

ما أعظم هذا الموقف !

رُوي أنّ قوماً كانوا عند الإمام علي بن الحسين ( عليه السَّلام ) ، فاستعجل خادماً بشواء في التنور فأقبل به مسرعاً فسقط السفود من يده على وَلد لعلي بن الحسين ( عليه السَّلام ) فأصاب رأسه فقتله .

فوثب علي بن الحسين ( عليه السَّلام ) لماَّ رأى ابنه ميتاً و قال للخادم :

( أنت حرّ لوجه الله تعالى ، أما أنّك لم تتعمده ).

ثُمّ أخذ الإمام ( عليه السَّلام ) في جهاز ابنه .