مودّة أهل البيت عليهم السّلام في بلاد الشرق الإسلامي
يُكِنّ ساكنو بلاد الشرق الإسلامي الممتدّة من بُخارا إلى خراسان الكبرى وأفغانستان مودّة واحتراماً خاصَّين لأهل البيت عليهم السّلام، وقد تزامن مع انتشار الإسلام في هذه البلاد الواسعة هجرة مجموعات كبيرة من العلويّين من أحفاد النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله إلى مناطق بُخارا، سَمَرقَند، خوارزم، تَرمذ، بَلْخ، قُندز، هَرات وغزنين، حيث حطّ هؤلاء العلويّون رحالهم في هذه البلاد، وعاشوا بين أهلها مُعزّزين مكرّمين.
* * *
قدوم قُثم ابن عمّ النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله إلى سمرقند
في طليعة الذين قدموا إلى خراسان في أواسط القرن الأوّل الهجري: قُثَم بن العبّاس، وهو ابن عمّ النبيّ المرسل صلّى الله عليه وآله، وكان له شبه كبير بالنبيّ صلّى الله عليه وآله في الشمائل، وكانت وفاة قثم ( أو شهادته ) في مدينة سَمَرقَند(1)، حيث أضحى قبره مزاراً يؤمّه الخواصّ والعوامّ خلال العصور التاريخيّة المختلفة. وقد اعتقَدَت طائفة بحياته ورجعته، فلقّبته لذلك بـ « الملِك الحيّ ». ويُعدّ قبر قثم الذي شمّر المعماريّون الخراسانيّون عن سواعدهم في تعميره وتوسعته خلال الأزمنة المتعاقبة أحد أجمل وأروع الآثار التاريخية في سَمَرقَند ( الواقعة في جمهورية أُوزبكستان ). ويعتقد مؤمنو سمرقند أنّ ثواب زيارة قثم بن العبّاس تعدل ثواب الحجّ مشياً على الأقدام(2).
* * *
أبو خالد الكابُلي
تَلفت أنظارنا ـ ونحن نتفحّص تاريخ الولاء الذي يربط أهل هذه الديار بأهل بيت النبوّة عليهم السّلام ـ نقطة شيّقة، هي أنّ أحد السابقين إلى محبّة وولاء أهل البيت عليهم السّلام خلال القرن الأوّل الهجري ـ وهو أبو خالد وَردان الكابُلي ـ قد قدم من أرض كابل. وقد أدرك أبو خالد الكابلي شرف صحبة الإمام الحسن عليه السّلام والإمام الحسين عليه السّلام، ثمّ عاصر محمّد بن الحَنَفيّة واعتقد بإمامته، بَيْد أنّ ابن الحنفيّة أرشده إلى أنّ حقيقة الإمامة تتجسّد في شخص الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السّلام، فسارع الكابلي إلى متابعته ومُلازمته، فعُدّ في أصحابه وثقاته وحواريّيه.
وقد نقلت المصادر الإماميّة، في موارد متعدّدة، روايات في دلائل إمامة الإمام السجّاد عليه السّلام، كان لأبي خالد الكابلي شرف روايتها أو حضور حوادثها. ورُوي عن الإمام الصادق عليه السّلام في حقّ هذا الكابليّ ذي العاقبة الجميلة الحسنة أنّه ثبت على موالاة الأئمّة المعصومين عليهم السّلام في أحلك الظروف وأعسرها(3).
وذكرت المصادر الشيعيّة أبا خالد الكابلي في حواريّي الإمام السجّاد عليه السّلام الخمسة، ونقل ابن شهرآشوب أنّ أبا خالد سافر لزيارة أمّه في مدينة كابل في عصر إمامة الإمام السجّاد عليه السّلام(4).
وقد تمسّك أهل خراسان وبلاد الشرق الإسلامي بموالاة أهل البيت عليهم السّلام إبّان العصر الأمويّ، وأفاد مسلم الخراساني في حركته لإسقاط الحكم الأمويّ من عواطف الخراسانيين ومحبّتهم لأهل البيت عليهم السّلام، حيث كان شعاره المُعلَن « الرضا من آل محمّد عليهم السّلام »، إلاّ أنّ الحكّام العبّاسيين تنكرّوا للعلويين بعد سيطرتهم على مقاليد الأمور، وعدَّوا العلويين في مصافّ أعدائهم الألدّاء، فلاحَقوهم وقتلوهم واستأصلوهم تحت كلّ حَجَر ومَدَر، ممّا أجبر طائفة كبيرة من العلويّين والطالبيين إلى الهجرة إلى بلاد خراسان ليكونوا ـ في أواسط محبيّهم ـ في مأمن من ملاحقة العبّاسيين وسطوتهم(5).
* * *
أبو حنيفة الكابلي والعلويّون
كان لأبي حنيفة: النعمان بن ثابت إمام المذهب الحنفيّ ـ وهو من أهل كابل ـ موقف تجاه العلويين، فلِظرف خاص انحاز إلى جانبهم في صراعهم مع العبّاسيين، وأيّد حركة محمد ذو النفس الزكيّة وأخيه إبراهيم العلوي في ثورتهما، وأفتى ببُطلان بيعة الناس لبني العبّاس لأنّها بيعة بالإكراه، ممّا أثار حفيظة المنصور العبّاسي عليه(6).
وقد أضحت بلخ ـ بعد انتشار المذهب الحنفيّ في خراسان وبلاد ما وراء النهر ـ إحدى مراكز الفقه الحنفيّ، إلاّ أنّ الحنفيين القدماء كانوا يعدّون أمير المؤمنين عليّاً عليه السّلام المبدأ الأوّل للفيض النبويّ والقدوة المثلى في العِلم، والمنبع الصافي في الفقه والتصوّف، فقد أكنّوا احتراماً ومحبّة خاصَّين لرجال آل محمّد عليهم السّلام:
وقـد رضيتُ عليّاً قُدوةً عَلَماً فهل علَيَّ بهذا القول مِن عارِ(7) ؟!
* * *
عبدالله الأشتَر
عاش رجال آل البيت عليهم السّلام وعلماء الإماميّة في أرجاء خراسان وبلاد ما وراء النهر محفوفين بالعزّ والاحترام، وأضحت مراقدهم في بَلْخ وهَرات والجَوزَجان وبلاد الشرق الأخرى مزاراتٍ يقصدها أهالي تلك المناطق ويتبرّكون بها(8).
ومن العلويين الذين هاجروا إلى بلاد الشرق في القرن الثاني الهجري: عبدالله الأشتَر العلَويّ بن محمّد النفس الزكيّة، وكان أبوه قد قام بثورة على المنصور العبّاسي. وقد رحبّ وإلي السند: عمر بن حفص العتكي ـ وكان يميل إلى التشيّع ـ بقدوم هذا العلويّ الجليل سنة 147 هـ ( 764 م )، ثمّ استُشهد عبدالله سنة 151 هـ ( 768 م ) خلال قتاله مع هشام بن عمر التغلبي(9).
وتنامى ولاء أهل خراسان لأهل البيت عليهم السّلام وارتباطهم الروحي والعقائدي بهم في حدود سنة 200 هـ ( 815 م ) إلى الحدّ الذي اضطُرّ معه المأمون العبّاسي إلى عقد ولاية العهد للإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام في شهر رمضان سنة 201 هـ ( 816 م ) استرضاءً منه لأهل خراسان واستجلاباً لودّهم، لكنّ مخاوف المأمون جعلته ـ وقد شاهد أن الإمام الرضا عليه السّلام أضحى قِبلة لأهل خراسان ـ يفكّر في وسيلة للتخلص منه، إلى أن اغتاله بالسمّ سنة 203 هـ ( 818 م )(10).
* * *
تأليف « كتاب مَن لا يَحضُرهُ الفقيه » في « بلخ »
ومن الطريف ذِكره أنّ فكرة تأليف أحد المجاميع الحديثية الأربعة التي يدور عليها أمر استنباط الأحكام الشرعيّة لدى علماء الإماميّة قد انبثقت وتحقّقت في مدينة بَلخ، إذ ذكر الشيخ الصدوق مؤلّف الكتاب المذكور في مقدّمة كتابه أنّه التقى في مصيف بلخ بالسيّد أبي عبدالله محمّد بن الحسن العلَويّ المعروف بـ « نعمة »، فتحدّث السيّد عن « كتاب مَن لا يَحضرُه الطبيب » لمحمّد بن زكريّا الرازي، وطلب من الشيخ الصدوق تأليف كتاب جامع في أحكام الدين يسميّه « كتاب مَن لا يَحضرُهُ الفقيه »، فبدأ الشيخ الصدوق تأليف الكتاب المذكور في بَلخ وأنهاه فيها.
ومن اللافت للنظر أنّ توفّر المصادر المختلفة في فقه الإماميّة وحديثهم في مدينة بلخ خلال القرن الرابع مكّن الشيخ الصدوق من تأليف مثل هذا الأثر المهمّ(11)، كما انّ وجود إجازة في الحديث من الشيخ الصدوق للسيّد نعمة العلوي مدوّنة على إحدى النسخ الخطيّة لكتاب من لا يحضره الفقيه يَجعل أمر بقاء الشيخ في بلخ ما يَقرُب من أربع سنوات أمراً مسلّماً لا مراء فيه.
وقد اشتهر في بلخ آنذاك فقيه آخر هو أبو حنيفة الصغير، واسمه أبو جعفر محمّد الهندواني، وكان هذا الفقيه في بداية حياته العلمية يواجه صعوبة في فهم المسائل، حتّى رأى أميرَ المؤمنين عليّاً عليه السّلام في منامه، فشكا إليه ذلك، فوضع عليه السّلام اصبعَين من أصابعه الشريفة في فمه ثمّ دعا له، قال أبو جعفر: فلم تمضِ على هذه الرؤيا سنة حتّى تمّ لي ما تمّ(12).
وعاش أبو ليث السمرقندي ـ وهو من تلامذة الفقيه الهندواني ـ في بلخ أيضاً، وكان فقيهاً حنفيّاً كثير التأليف، وقد أكثر في تأليفاته من النقل عن الأئمّة الأطهار عليهم السّلام وذكر أحاديثهم وأدعيتهم، وتطرّق إلى ذِكر سجاياهم ومناقبهم، وعلى الأخصّ: أمير المؤمنين والحسن المجتبى وعليّ بن الحسين زين العابدين وجعفر بن محمّد الصادق عليهم السّلام، وكان يجهر بمحبّته واحترامه لهؤلاء الأئمّة المنتجبين عليهم السّلام، ويمكن العثور على نماذج من ذلك غير قليلة في كتابَيه: «تنبيه الغافلين» و «بُستان العارفين»(13).
* * *
علماء الإماميّة في سمرقند
أنجبت سمرقند رجالاً فطاحل من علماء الإماميّة، منهم محمّد بن عمر بن عبدالعزيز الكشّي صاحب كتاب « الرجال » المعروف، ومحمّد بن مسعود العيّاشي الفقيه والمفسّر صاحب التفسير الشهير، وكلاهما من علماء الإماميّة الأجلاّء في القرن الرابع الهجريّ(14).
* * *
العلويّون في عصر الغزنويين والسلاجقة
حاز نُقَباء العلويين وسادتهم جاهاً خاصيّن في عصر الغزنويين والسلاجقة، وصار لهم نفوذ كبير ويد طُولى. ومع أن الغزنويين ـ والسلطان محمود على وجه الخصوص ـ قد سَعَوا جاهدين في كسب رضى الحكّام العبّاسيين، لكنهم كان يرعون ـ في الوقت نفسه ـ رعاياهم من العلويين وأتباع الإماميّة في بلاد خراسان(15).
* * *
قبر يحيى بن زيد في مدينة « سَرپُل » الخراسانيّة
تضمّ مدينة سَرپُل الواقعة في شمال أفغانستان قبراً للشهيد يحيى بن زيد بن علي بن الحسين الذي استُشهد سنة 125 هـ شُيّد في عصر الغزنويين، تعلوه واجهة ضمّت أسماء جماعة من شيعة أهل البيت، وورد فيها لعن مسلم ونصر بن سيّار والوليد. ومع أنّ هذا القبر بُني في مركز نفوذ الحنفيّين في بلخ ـ وهم لا يُجيزون اللعن ـ إلاّ أنّنا نشاهد أنّ هذه الكتابة ما تزال سليمة، نظراً للاحترام الذي حازته هذه الشخصيّة المظلومة من آل محمّد عليهم السّلام(16).
* * *
نقل جثمان العراقيّ من غزنة إلى مدينة مشهد المقدّسة
وهاك مثالاً آخر عن المودّة التي يكنّها رجال البلاط في غزنة لأهل بيت النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله، وهو وصيّة العراقي دبير. وكان أبو الحسن عراقي دبير أحد كبار رجال البلاط في غزنة، وقد توفّي فيها سنة 429 هـ .. جاء في وصيّته أن يُنقل جثمانه إلى المشهد الرضويّ المقدّس رغم بُعد المسافة والصعوبات الكبيرة التي تعترض تنفيذ هذه الوصيّة. وكان هذا الرجل قد أعاد إعمار قناة الماء في مدينة مشهد المقدّسة وأجرى فيها الماء، وبنى خاناً كبيراً تنزل فيه قوافل الزوّار، ثمّ أوقف عائدات إحدى القرى لتأمين نفقات قناة الماء ومحل نزول القوافل(17).
* * *
بعض مادِحي أهل البيت عليهم السّلام والعلويين في القرن الرابع وما بعده
خلّد الدهر في صحائفه للكسائي المَرُوزي الشاعر المُجيد في القرن الرابع أروع المراثي التي قيلت في سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السّلام وأكثرها حرقة وتفجعّاً وألماً، حيث يقول في قصيدة غرّاء له في هذا المجال ما هذه ترجمته:
فلأنفضنّ يدي من هذا العالَم، ولأغضّنّ الطَّرف عن طلب العزّ والشرف. ولأهجرنّ المدح وإنشاد الغزل، ولأقيمنّ ـ لا أبرج ـ على قراءة المقتل.
ولأجدّدنّ ولائي له، أعني وريث المصطفى، وابن عليّ المرتضى، أعني قتيل كربلاء.
ذلكم السبط الذي ترعرع على يد المصطفى، السيّد الممجَّد، مصباح الفضيلة والهدى.
الإمام المرمّل في دماه، المحزوز الرأس من القفا، ذي الشفاه الذابلات، أسير العُتاة والطُغاة(18).
وما دمنا قد تحدّثنا عن خطباء مرو، فلنعرّج على ابن فرغانة وشاعرها:
سيف الفرغاني، الشاعر الحنفي في القرن السابع الهجري، إذ يقول في مرثية له في شهداء كربلاء:
اذرِفوا الدموع سِخاناً تلقاء هذا المصاب، وابكوا ـ إذا بكيتم ـ قتيل كربلاء. فإلى مَ ترتسم البسمة على شفاهكم، وإلى مَ تقبع القسوة في قلوبكم ؟! لقد قُتل الحسين سبط الرسول، فاذرفوا الدمع ـ في سبيل الله ـ على مُصاب الرسول. ولتصبّ أعينكم دماء قلوبكم دموعاً غزاراً، لأنّكم إنّما تبكون سُوَيداء قلب الرسول(19).
أمّا الأديب صابر الترمذي ( نسبةً إلى ترمذ ) الشاعر المبرّز في القرن السادس الهجري، فقد أنشد قصائد متعدّدة في مدح السيّد مجد الدين أبي القاسم علي بن جعفر الموسوي نقيب خراسان، موجودة في ديوانه. ويُلاحَظ أنّ هذه القصائد التي مدح بها الأديب التزمذي هذا العلوي الجليل تفوق في عددها أضعاف مثيلاتها التي مدح بها السلطان الكبير في عصره « سنجر »، كما يستلفتنا في هذه القصائد البديعة أنّه جعل منزلة نقيب العلويين في خراسان تساوي ـ بل تفوق أحياناً ـ منزلة السلطان « سنجر ». ونطالع في احدى قصائد صابر في مدح هذا السيّد العلوي قوله:
مقامُك في الإسلام كـ « فتح مكّة »، ومنزلك في الإنصاف كيوم المحشر. الشرق والغرب مُلك شاه سنجر، لكنّك في الحكم والتصرّف مثيله ونظيره(20).
ويقول في قصيدة أخرى:
يا سبط الرسول، وسيّد الشرق، الذي ذاته مفخرة لولْد آدم وحوّاء أجمع(21).
ويقول:
يا عليّ بن جعفر، ووارث الصادق جعفر، ذاك الذي أجدر أن يخدمه ألف ملِك. السيّد الذي له قلب حيدر، ونَسَب الزهراء، وخدّامه شيعة حيدر والزهراء. ماذا تطمع في المعالي والمعاني، أكثر من أن يكون عليّ وفاطمة والدَيك ؟!(22)
وللشعراء الآخرين في ذلك العصر ـ من أمثال أنوري، مُعِزّي، ومسعود سعد ـ قصائد في مدح العلويين، تشير بمجموعها إلى العزّة والاحترام اللذين حظي بهما العلويّون وأتباع الإماميّة في خراسان.
* * *
في العصر التيموري
لا يحتاج أمر محبة التيموريين ورجال البلاط في هرات لأهل بيت النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وللعلويين إلى بيان؛ لوضوحه وجلائه، وكان للعلماء من أمثال الأمير جمال الدين عطاء الله الحسيني وعدد من أقاربه نفوذ كبير في بلاد خراسان.
وتُعدّ أشعار نور الدين عبدالرحمن الجامي ( 898 هـ ) في مدح الإمام عليّ عليه السّلام وأولاده وأحفاده من أجمل نماذج مناقب أئمّة الإماميّة، ولجامي قصيدة غرّاء في مدح أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام، مطلعها:
أصبحتُ زائراً لك يا دُرّة النجفِ، روحي على كفّي للُقياك مِن كَلَفي على كفيّ.
ويتطرّق فيها إلى زيارته للمرقد المطهّر لسيّد الشهداء عليه السّلام فيقول:
مشيتُ على عيوني ـ لا على أقدامي ـ لضريح الحسين، فمرحى لسَفَرٍ واجبٍ على العاشقين. ولو خطا خدّام مرقده على مفرقي، شمختُ برأسي على مفرق الفرقدَين.
وللشاعر جامي قصيدة بديعة في مدح الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام يقول فيها:
سلامٌ على آل طه ويـاسـينْ سلامٌ على آل خـيـر الـنبيينْ
سلامٌ عـلى روضةٍ حلّ فيها إمامٌ يُباهي به المُلك والدينْ(23)
وقد ألّف المولى حسين الواعظ الكاشفي السبزواري كتاباً في بيان وقائع عاشوراء سمّاه « روضة الشهداء »، وذلك في عصر السلطان حسين بايقرا، فكان الناس يجتمعون في المجالس العامّة ليستمعوا إلى فقرات من هذا الكتاب ويبكوا على ظلامة سيّد الشهداء عليه السّلام. وكان للسلطان حسين بايقرا ( 912 هـ ) الملك التيموري في خراسان ميل كبير إلى الأئمّة وأهل البيت عليهم السّلام، حيث أمر السيّدَ عليّ بن عابد الواعظ القائني المقيم في هرات أن يذكر في خطبته أسماء أئمّة الإماميّة عليهم السّلام(24).
* * *
علماء كابل والاجتهاد في القرن الحادي عشر الهجري
ألّف الشيخ مهذّب الدين أحمد بن عبدالرضا البصري العالم الإمامي ـ ذو التأليفات العديدة في علوم الكلام، والأصول، والرجال، والحديث والفقه ـ كتاباً سنة 1080 هـ في كابل سمّاه « عُمدة الاعتماد في كيفيّة الاجتهاد »، وذكر في مقدّمته أنّه ألّفه نزولاً على رغبة بعض علماء كابل، كما ألّف في قندهار كتاباً سمّاه « التُحفة النجفيّة »(25).
* * *
مزار أمير المؤمنين عليه السّلام في مدينة بَلخ
وفي مدينة بَلخ مزار شامخ يلفّه الجلال والعظمة، منسوب إلى أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام. وقد شُيّد هذا المزار الرمزيّ قبل عدّة قرون، فأضحى منذ ذلك الوقت وإلى يومنا هذا بقعةً مباركة يؤمّها محبّو أهل البيت عليهم السّلام، ويستشفي ببركة صاحبها المرضى. وهذا المزار شاهد صدق على المودّة التي تنطوي عليها جوانح المؤمنين، ليس في هذه الديار فحَسب، بل يشاطرهم في ذلك سكّان بلاد ما وراء النهر والهند والپاكستان الذين يؤمّون للزيارة من مناطقهم النائية، وقد ذكر الشاعر جامي هذا المزار في شعره قبل ستّة قرون، في قوله:
قيل قبر عليّ المرتضى في النجف، فتطلَّعْ في بَلخ إلى بيت الشرف. فلا تقُل يا « جامي » إنّه في عَدْن أو بين الجبَلَين، فهو كالشمس هنا وهناك ضوْؤها قد عُرِف.
ويقام في صحن هذا المزار في بداية كلّ سنة ( يوم النوروز ) اجتماع عظيم يستمر إلى مدى أربعين يوماً، ويؤمّ هذا المزار كلّ يوم من هذه الأيّام الأربعين آلاف المشتاقين المخلصين وأصحاب الحاجات، فيُدركون ـ بكرامة صاحب المزار الشريف ـ ما أمّلوا.
كما تقام اجتماعات مشابهة في مزارات السادة من أبناء الأئمّة الأطهار عليهم السّلام وأهل البيت، ومنها: مزار « سخي » في كابل، ومزار يحيى بن زيد في سَرپُل، ومزار الإمام صاحب العصر عليه السّلام في قندُز، ومزار السيّد جعفر المجرّد في أُوبيان (هوفيان) پروان، ومزار السيد ناصر العلوي (ناصر خسرو) في يمكان بدخشان.
ومن المزارات التي يقصدها أهل خراسان: مزار عبدالله بن جعفر الطيّار، والقاسم بن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام، وعبدالواحد الحسني الشهيد في هَرات.
ونذكّر في الخاتمة أنّ المسلمين في بلاد الشرق الإسلامي التي تشمل في عصرنا الحاضر دول أفغانستان، والپاكستان، وتاجيكستنان، وآوزبكستان، وتركمنستان.. مهما اختلفت مذاهبهم وطرائقهم، فإنّهم يكنّون مشاعر الحبّ والودّ لأهل بيت النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله، وإنّ هذا الودّ وهذه المحبّة والمتابعة ممّا يؤلّف بين القلوب المُتباعدة، ويقرّب بين النفوس المتخاصمة، ويؤمّن سبيل الهُدى والنجاة، وقد قال النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله:
إنّي تاركٌ فيكم الثقلين: كتابَ الله وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتّى يرِدا علَيَّ الحوض.
ترجمة عن مجلّة : المشكاة
إصدار مجمع البحوث الإسلاميّة في العتبة الرضوية المقدسة
العدد 4، السنة 1994م
---------------------
1 ـ تاريخ اليعقوبي 117:2 و 237.
2 ـ تاريخ بخارا، للنرشخي، محمّد بن جعفر، 240 ( الهامش ).
3 ـ انظر متن الرواية في الاختصاص، للشيخ المفيد 64 و 205.
4 ـ مناقب العلماء، لابن شهرآشوب 145.
5 ـ الذكرى الألفيّة للشيخ الطوسي 88، مقالة السيّد حبيبي.
6 ـ سفينة البحار، للشيخ عبّاس القمّي، 471:2 « حنف ».
7 ـ فضائل بلخ، صفيّ الدين البلخي 44.
8 ـ الذكرى الألفيّة للشيخ الطوسي 83.
9 ـ افغانستان بعد الإسلام 872.
10 ـ تاريخ الإسلام السياسي، حسن إبراهيم حسن 163:2. أفغانستان بعد الإسلام 872.
11 ـ من لا يحضره الفقيه، المقدّمة.
12 ـ فضائل بلخ 363.
13 ـ مركز دائرة المعارف الإسلامية الكبرى ـ ترجمة « أبي ليث السمرقندي ».
14 ـ رجال النجاشي 350 و 372.
15 ـ زين الأخبار، عبد الحي كرديزي 181.
16 ـ الذكرى الألفيّة للشيخ الطوسي ـ مقالة السيّد عبدالحيّ حبيبي.
17 ـ تاريخ البيهقي 870.
18 ـ الكسائي المروزي، حياته وأفكاره 59 ـ 67.
19 ـ ديوان سيف الفرغاني 176 ـ 177.
20 ـ ديوان الأديب صابر الترمذي 114 ـ 116.
21 ـ ديوان الأديب صابر الترمذي 72 ـ 73.
22 ـ ديوان الأديب صابر الترمذي 114 ـ 116.
23 ـ ديوان جامي.
24 ـ الذريعة، لآغا بزرك الطهرانيّ ـ ذيل ديوان واعظ القائني.
25 ـ الذريعة ـ ذيل كتاب عمدة الاعتماد.