شذراتٌ نورانيّة (39)
الدنيا
• موضوع
مهمّ، ومهمٌّ جدّاً، لأنّه واقعٌ حياتي ومحلّ ابتلاءٍ دائم، ولأنّه أمرٌ
متعلّقٌ فيما يكون بالآخرة، ولأنّه خطيرٌ وحسّاس يحتاج إلى فهمٍ دقيق، لذا
نلجأ في هذا الموضوع إلى الآيات والروايات، لنتبيّن حقائق تجعلنا على
المحجّة البيضاء.
ـ قال تعالى: وما
الحياةُ الدُّنيا إلاّ لَعِبٌ ولَهْوٌ ولَلدارُ الآخِرةُ خيرٌ لِلَّذينَ
يتّقون، أَفَلا تَعقِلون [
سورة الأنعام:32 ].
ـ وما
هذهِ الحياةُ الدنيا إلاّ لَهْوٌ ولَعِب، وإنَّ الدارَ الآخِرةَ لَهِيَ
الحَيَوانُ لو كانوا يعلمون [
سورة العنكبوت:64 ].
ـ إعلَمُوا
أَنّما الحياةُ الدنيا لَعِبٌ ولَهْوٌ وزِينةٌ وتَفاخُرٌ بينَكُم وتَكاثُرٌ
في الأموالِ والأولادِ، كَمَثَلِ غَيثٍ أعجَبَ الكفّار نَباتُه ثُمّ يَهيجُ
فَتَراه مُصْفَرّاً ثمّ يكونُ حُطاماً، وفي الآخرةِ عذابٌ شديدٌ ومَغفرةٌ
مِنَ اللهِ ورِضوانٌ، وما الحياةُ الدنيا إلاّ مَتاعُ الغُرور [
سورة الحديد:20 ].
• وقد
سُئل رسول الله صلّى الله عليه وآله: لِمَ سُمِّيت الدنيا دُنيا ؟ فقال: «
لأنّ الدنيا دَنيّةٌ خُلِقَت مِن دون الآخرة، ولو خُلِقَت مع الآخرة لم
يَفْنَ أهلُها كما لا يَفنى أهل الآخرة » ( بحار الأنوار 356:57 / ح 2 ).
• وفي
قوله تبارك وتعالى: ولَنِعمَ
دارُ المتّقين [
سورة النحل:30 ]، قال الإمام الباقر عليه السلام مُعرِّفاً بهذه الدار: «
الدنيا » ( بحار الأنوار 107:73 / ح 106 ).
ذلك لأنّ هذه الدنيا هي مزرعة الآخرة، فهي ممدوحة لأنّها مَتْجر عباد الله،
ومذمومة إذا تعلّق بها المرء تعلّقاً يمنعه عن فعل الخير ويُنْسيه الآخرة.
ومن هنا جاءت هذه الأحاديث المباركة:
ـ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « الدنيا مَزرعة الآخرة » ( غوالي
اللآلي 267:1 / ح 66 ).
ـ وقال أمير المؤمنين عليه السلام: « بالدنيا تُحرَز الآخرة » ( نهج
البلاغة: الخطبة 156 ).
وقال سلام الله عليه أيضاً: « ولَنِعمَ دارُ مَن لم يَرضَ بها داراً،
ومَحَلُّ مَن لم يُوطِّنْها محلاًّ » ( نهج البلاغة: الخطبة 223 ).
• إذن،
فالدنيا نعمة وفرصة ومجال، يُخيَّر فيها المرء بين استثمارها في العمل
الصالح، أو الاستغراق فيها باللهو واللعب والموبقات والغفلات، وقد جاءت
الأحاديث المباركة معرِّفةً ومنبِّهةً في الوقت ذاته، هكذا:
ـ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « لا تَسُبُّوا الدنيا، فنِعمَت
مَطيّةُ المؤمن، فعليها يَبلُغ الخيرَ وبها ينجو من الشرّ. إنّه إذا قال
العبد: لَعَن اللهُ الدنيا، قالت الدنيا: لَعَن اللهُ أعصانا لربِّه! » (
بحار الأنوار 178:77 / ح 10 ).
ـ وقال الإمام عليّ عليه السلام ـ وقد سمع رجلاً يذمّ الدنيا ـ: « أيُّها
الذامُّ للدنيا المغترُّ بغُرورها المخدوعُ بأباطيلها، أتغترّ بالدنيا ثمّ
تَذُمّها ؟! أنت المتجرّم عليها أم هي المتجرّمة عليك ؟! متى استَهوَتك أم
متى غَرَّتك ؟!... إنّ الدنيا دارُ صِدقٍ لمَن صَدَقَها، ودار عافيةٍ لمَن
فَهِم عنها، ودار غنىً لمَن تَزوَّد منها » ( نهج البلاغة: الحكمة 131 ).
ـ وقال الإمام الهادي عليه السلام: « الدنيا سوق، رَبِح فيها قومٌ وخَسِر
آخَرون » ( بحار الأنوار 366:78 / ح 1 ).
• إذن،
فالمذموم منها ما أشغل الفكرَ والقلب والروح عن الخير والصلاح ومستلزمات
النجاة والفوز يوم القيامة، وذلك هو حبّ الدنيا حبّاً يَصِل إلى حدّ
التعلّق بها تعلّقاً خطيراً يُلقي بصاحبه إلى الهاوية.
ـ فيما أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: « إعلَمْ أنّ كلَّ فتنةٍ
بَذْرُها حبُّ الدنيا » ( بحار الأنوار 354:132 / ح 51 ).
ـ وعن رسول الله صلّى الله عليه وآله: « حبُّ الدنيا أصلُ كلِّ معصية،
وأوّلُ كلّ ذنب! » ( تنبيه الخاطر 122:2 ).
ـ ورُوي عن أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام قوله: « حبُّ الدنيا رأسُ
الفتن، وأصل المِحَن » ( غرر الحكم / ح 4870 ).
وقوله: « رأسُ الآفات الوَلَهُ بالدنيا » ( غرر الحكم / ح 5264 ).
وقوله عليه السلام أيضاً: « إنّ حبّ الدنيا يُعمي ويُصمّ ويُبكم، ويُذلّ
الرقاب! » ( الكافي 136:2 / ح 23 ).
وقوله عليه السلام كذلك: « مَن لَهِج قلبُه بحبّ الدنيا التاطَ قلبُه منها
بثلاث: هَمٍّ لا يُغِبُّه، وحرصٍ لا يتركه، وأملٍ لا يُدركه » ( نهج
البلاغة: الحكمة 228 ).
ـ وقبل ذلك ورد عن النبيّ صلّى الله عليه وآله: « إنّه ما سكن حبُّ الدنيا
قلبَ عبدٍ إلاّ التاط فيها بثلاث: شُغلٍ لا يَنفَد عناؤُه، وفَقرٍ لا
يُدرَك غِناه، وأملٍ لا يُنالُ مُنتهاه » ( بحار الأنوار 188:77 / ح 38 ).
• ومن
هنا جاءت التحذيرات، في آيات وفي روايات:
ـ قال تعالى: يا
أيُّها الناسُ إنّ وَعْدَ اللهِ حقٌّ فلا تَغُرَّنّكُمُ الحياةُ الدنيا ولا
يَغُرَّنَّكُم باللهِ الغَرور [
سورة فاطر:5 ].
• وعن
أمير المؤمنين عليه السلام وردت هذه الكلمات النورانيّة الراشدة:
ـ « إتّقُوا غُرور الدنيا؛ فإنّها تسترجع أبداً ما خَدَعَت به مِن المحاسن،
وتَزَعَجُ المطمئنَّ إليها والقاطن » ( غرر الحكم / ح 2562 ).
ـ « الدنيا غُرورٌ حائل، وسَرابٌ زائل، وسِنادٌ مائل » ( غرر الحكم / ح
2053 ).
ـ « إن أقبَلَت غَرّت، وإن أدَبَرت ضَرَّت » ( بحار الأنوار 23:78 / ح 88
).
• وجاء
عن عيسى المسيح عليه السلام قوله: « هي الخَدّاعةُ الفَجّاعة، المغرورُ مَن
اغترّ بها، المفتون مَن اطمأنّ إليها » ( بحار الأنوار 120:73 / ح 110 ).
• ولربّما
احتاج التنبيه إلى تهديد ووعيد، ليُفيق الغافلون من غفلتهم، فنقرأ في كتاب
الله جلّ وعلا:
ـ وقِيلَ
اليومَ نَنساكُم كما نَسِيتُم لقاءَ يومِكُم هذا ومَأْواكُمُ النارُ وما
لكُم مِن ناصرين * ذلكُم بأنّكُمُ آتّخذتُم آياتِ اللهِ هُزُواً وغرَّتْكمُ
الحياةُ الدنيا، فاليومَ لا يُخرَجُون مِنها ولا هُم يُستَعتَبون [
سورة الجاثية: 34 ـ 35 ].
ـ الذينَ
آتَّخَذوا دِينَهم لَهْواً ولَعِباً وغَرَّتْهمُ الحياةُ الدنيا، فاليومَ
نَنساهُم كما نَسُوا لقاءَ يومِهِم هذا وما كانوا بآياتِنا يَجحدون [
سورة الأعراف:51 ].
ـ إنَّ
الَّذينَ لا يَرجُونَ لقاءَنا ورَضُوا بالحياةِ الدنيا وآطمأنُّوا بها،
والَّذينَ هم عن آياتِنا غافلون * أُولئك مَأواهُمُ النارُ بِما كانُوا
يَكسِبون [
سورة يونس:7 ـ 8 ].
• ورُوي
عن الإمام الحسين عليه السلام قوله: « وُجِد لوحٌ تحت حائطِ مدينةٍ من
المدائن فيه مكتوب: أنا اللهُ لا إلهَ إلاّ أنا، ومحمّدٌ نبيّي... عَجِبتُ
لِمَن اختبر الدنيا كيف يطمئنّ ؟! » ( عيون أخبار الرضا عليه السلام 44:2 /
ح 158 ).
• وفي
ظلّ قوله تعالى في سورة الكهف عند عرض قصّة موسى والخضر عليهما السلام: وكانَ
تَحتَه كنزٌ لَهُما ،
قال الإمام عليّ عليه السلام: « كان ذلك الكنزُ لَوحاً مِن ذهبٍ مكتوبٌ
فيه: عَجِبتُ لِمَن يرى الدنيا وتَصرُّفَ أهلها حالاً بعد حال، كيف يطمئنّ
إليها ؟! » ( معاني الأخبار:200 / ح 1 ).