استحالة الدور والتسلسل في العلل
  • عنوان المقال: استحالة الدور والتسلسل في العلل
  • الکاتب: عبدالجبار الرفاعي
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 19:4:16 1-9-1403

استحالة الدور والتسلسل في العلل

عبدالجبار الرفاعي

معنى الدور:

الدور هو أن يحتاج الأول إلى الثاني والثاني إلى الأول، إما بواسطة أو بغير واسطة، كما ذكر الفخر الرازي في المباحث المشرقية. أو قالوا: هو توقف الشيء على ما يتوقف عليه بمرتبة أو أكثر، كما جاء في مطالع الأنظار. أو قالوا: هو أن يكون شيئان كان منهما علة للآخر بواسطة أو بدونها، كما جاء في شرح المواقف. أو كما قال الفيلسوف الإسلامي العلامة الطباطبائي: هو توقف وجود الشيء على ما يتوقف عليه وجوده، إما بلا واسطة وهو الدور المصرح وإما بواسطة أو أكثر وهو الدور المضمر.

معنى التسلسل:

أما التسلسل، فقالوا في تعريفه: هو أن يستند الممكن في وجوده إلى علة مؤثرة فيه، وتستند تلك العلة المؤثرة إلى علة أخرى مؤثرة فيها، وهلم جرا إلى غير نهاية، كما جاء في شرح المواقف. بمعنى أن تستمر العلية والمعلولية إلى ما لا نهاية أو حسب تعبير الطباطبائي: هو ترتب العلل إلى ما لا نهاية.

برهان استحالة الدور:

يذكر الطباطبائي هنا برهاناً على استحالة الدور، وهذا البرهان ينتهي إلى استحالة اجتماع النقيضين، لأنه في الواقع كل المحالات تنتهي إلى التناقض. الدور هو توقف وجد شيء على ما يتوقف عليه وجوده إما بلا واسطة أو بواسطة، فمثلاً ((أ)) يتوقف على ((ب))، و ((ب)) يتوقف على ((أ))، هذا بلا واسطة. أما الدور بواسطة فمثلاً ((أ)) يتوقف على ((ب))، و ((ب)) يتوقف على ((ج))، و ((ج)) يتوقف على ((د))، و ((د)) يتوقف على ((أ))، وهذا هو الدور المضمر. وهو يستلزم في النتيجة توقف وجود الشيء على نفسه في كليهما، سواء كان الدور مصرحاً أو مضمراً. أي توقف وجود ((أ)) على ((أ))، وإذا توقف وجود ((أ)) على ((أ)) يلزم من ذلك أن يتقدم ((أ)) على ((أ))، فيتقدم الشيء على نفسه بوجوده، لأن وجود العلة متقدم على وجود المعلول بداهة، وإذا تقدم وجود الشيء على نفسه يلزم أن يكون الشيء موجوداً وغير موجود، وهذا هو التناقض. أي يكون الشيء متقدماً ومتأخراً، علة ومعلولاً، ولا يمكن أن يكون الشيء علةً ومعلولاً، متقدماً ومتأخراً من جهة واحدة. وهذا يعني اجتماع النقيضين، وهو محال بالبداهة.

أسد البراهين على استحالة التسلسل:

أما استحالة التسلسل فالطباطبائي يقدم لنا أكثر من برهان، الأول هو البرهان المشهور بين المشائين.

وملخص هذا البرهان هو: إذا فرضنا معلولاً وعلة نفترض ((أ)) معلولاً و ((ب)) علة، ثم فرضنا علة لهذه العلة ((ب)) ولتكن ((ج))، فهذه الثلاثة كل واحدة منها ((أ)) و ((ب)) و ((ج)) له حكم يختص به، وهذا الحكم ضروري الثبوت بالنسبة إليه. أما بالنسبة إلى ((أ)) فهو معلول فقط. وأما بالنسبة إلى ((ب)) فإنه علة ومعلول، هو علة إلى ((أ)) ومعلول إلى ((ج))، ولا مانع من أن يكون الشيء علة ومعلولاً من جهتين، أي علة لما تحته ومعلولاً لما فوقه. ((ج)) الذي هو علة إلى ((ب)) هو علة فقط. وهذه الحلقات الثلاث كل واحد منها له حكم، وهذا الحكم ضروري الثبوت له، أي لازم وثابت وواجب له. أما ((أ)) فهو معلول فقط، وأما ((ج)) فهو علة فقط. وأما ((ب)) فهو علة إلى ((أ)) ومعلول إلى ((ج)). فحينئذ الذي يكون معلولاً فقط وهو ((أ)) سيكون طرفاً نازلاً، والذي هو علة فقط سيكون طرفاً آخر علوياً، والذي يكون علة ومعلولاً ((ب)) سيكون وسطاً بين الطرفين، فإذا فرضنا أننا زدنا هذه الحلقات، أي أ، ب، ج، د، فيكون عندنا، ((أ)) معلولاً علته ((ب))، و ((ب)) معلولاً علته ((ج)) و ((ج)) معلولاً علته ((د))، فيكون ((أ)) معلولاً فقط، و ((ب)) علة ومعلولاً، علة إلى ((أ)) ومعلولاً إلى ((ج))، و ((ج)) علة ومعلولاًن و ((د)) علة إلى ((ج)) فقط. فسيكون لدينا طرفان، من جهة ((أ)) معلول فقط، ومن جهة ((د)) علة فقط. أما ((ب)) و ((ج)) فكل منهما علة من جهة ومعلول من جهة أخرى، وكل حكم لهذه الأطراف والوسط، هو حكم ضروري الثبوت له، أي واجب له. ولو ازدادت هذه الحلقات من أربع إلى خمس أو ست أو سبع أو عشر أو مئة أو عشرة آلاف، فدائماً سوف نجد طرفين أحدهما علة فقط، والآخر معلولاً فقط، وفي الوسط سيكون دائماً علة ومعلول علة لما تحته ومعلول لما فوقه. فإذا فرضنا أن هذه السلسلة حلقاتها غير متناهية عند حد، بل تسير إلى ما لا نهاية، فسيكون عندنا من جانب ((أ)) معلول فقط، أما ما بعد ((أ))، ((ب))، ((ج))، ((د))، فكل منها سيكون علة ومعلول، أي كل منها سيكون وسطاً، وهذا الوسط غير محصور بين طرفين، لأننا افترضنا في الطرفين أن يكون الطرف الأعلى علة فقط، والطرف الأدنى معلولاً فقط، والمحصور في الوسط يكون علة ومعلولاً، ولكن هنا ستكون الحلقة الأولى ((أ)) معلولة لما فوقها، أما كل ما هو فوقها ـ باعتبار التسلسل إلى ما لا نهاية ـ سيكون وسطاً، ولا وجد لعلة فقط في نهايته، أي في أعلاه، وهذا يؤدي إلى أن يكون عندنا وسطاً بدون طرف، وهو محال أن يتحقق الوسط بلا طرف، لأنه سيكون في الواقع وسطاً وليس بوسط، فيلزم من ذلك التناقض، لأننا نفترض الوسط أن يكون محصوراً بين حلقتين، حلقة دنيا معلولة فقط، وحلقة عليا علة فقط، وهذا غير موجود، لأنه إذا كانت هناك حلقة عليا فلا تسلسل، بل يقف التسلسل عندها فصار غير وسط، بينما هو في الواقع وسط، فيكون وسطاً وليس بوسط، وهذا تناقض وهو محال. إذاً التسلسل محال.

برهان آخر على استحالة التسلسل:

البرهان الثاني يبتني على أن وجود المعلولات دائماً وجود رابط بالنسبة للعلة، فإذا فرضنا وجود علل لا متناهية، أي أن سلسلة العلية والمعلولية لم تقف عند علة في الطرف الأعلى، فهذا يعني أن هذه المعلولات التي وجودها وجود رابط، ستكون موجودة ومتحققة من دون أن يكون هناك وجود نفسي مستقل تقوم به، والوجود الرابط لا يمكن أن يقوم بذاته بل لابد أن يكون دائماً مستند إلى غيره، وقائماً بغيره، أي بالوجود المستقل.

وعلى هذا الأساس إذا لم نفترض علة نهائية فيلزم من ذلك أن تكون الوجودات الرابطة موجودة بلا وجود نفسي تقوم به وهذا محال، لأن الوجودات الرابطة لا توجد قائمة بذاتها بل بوجد نفسي تقوم به. كالصورة الموجودة فيا لنفس، فإن وجودها وجود رابط، أي لولا وجد النفس لما وجدت الصورة، كذلك وجود المعلولات، أي