الدعاء
  • عنوان المقال: الدعاء
  • الکاتب: السيد محمد علي
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 19:0:9 1-9-1403

الدعاء

السيد محمّد علي

( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر/ 60 ).

الدُّعـاء يأتي في المرتبة الثانية بعد الصلاة ، بل إنّ الصلاة أساساً تسمّى بالدُّعاء ، وهو من أجلّ العبادات ، وقد ورد الأمر به والتأكيد عليه في الكتاب العزيز، قال تعالى: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) ، ( غافر/ 60) وقال تعالى: (فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) ، ( غافر/ 65) وفي الحديث المروي عن الإمام الرضاعن آبائه صلوات الله عليهم أجمعين ، قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم): (الدُّعاء سلاح المؤمن ، وعماد الدّين ، ونور السماوات والأرض) (البحار، ج90، ص295) وعن أمير المؤمنين عليّ (عليه السّلام) قال: (أحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ في الأرض الدُّعاء وأفضل العبادة العفاف) ، (البحار، ج90، ص295).

أصناف الدُّعاء:

وللدُّعاء أصناف كثيرة مختلفة باختلاف الغاية التي من أجلها يتوجّه العبد للدُّعاء ، منها: ما هو لمحض العبادة كالتهجّد والمناجاة ، ومنها ما هو لطلب المغفرة كالتضرّع في غالب الأحوال ، ومنها لطلب دفع البلاء ، ومنها للحرز والاستكفاء ، ومنها لطلب حاجة دنيوية أو أُخروية ، وإلى غير ذلك من الغايات التي يدعى لأجلها ، ومن الدُّعاء ما هو مؤقّت بوقت ، كالتعقيبات بعد الصلوات الخمس ، وأدعية الصباح والمساء ، وأدعية الساعات وأدعية الشهور ، ومنه ما ليس مؤقّتاً بوقت.

ويحسن بالعبد السالك إلى ربّه أن يلتزم بالتعقيبات العامّة والخاصّة ، وبأدعية الصباح والمساء ، ومن أشهرها دعاء الصباح لأمير المؤمنين (عليه السّلام) وهو: (اللّهمّ يا من دلع لسان الصباح بنطق تبلّجه) وهو دعاء جليل عظيم القدر بما حواه من المعاني .

ودعاء العشرات ، وهو دعاء عظيم ، قد حوى ما لم يحوه غيره ، فهو يشتمل على التوحيد ، والثناء والحمد لله والشكر لنعمائه ، والتسبيح والتهليل والاستغفار ، وذِكر محمّد وآله والصلاة عليهم ، وطلب الحاجة ، وقد ذُكر استحباب قراءته صباحاً ومساءً .

ودعاء العهد ، وهو يُقرأ كلّ يوم ، وقد روي عن الإمام الصادق (عليه السّلام) قوله: (من دعا الله تعالى أربعين صباحاً بهذا الدُّعاء ، كان من أنصار قائمنا ، فإن مات قبله ، أخرجه الله تعالى من قبره ، وأعطاه بكلّ كلمة ألف حسنة ، ومحا عنه ألف سيئة) والدُّعاء هو: (اللهمّ ربَّ النور العظيم) ، ودعاء الندبة ، ودعاء كميل يُقرأ في ليالي الجمع ، ودعاء السمات يُقرأ في آخر ساعة من يوم الجمعة ، ودعاء الجوشن الكبير والصغير ،  ودعاء المجير ، ودعاء يستشير ، ودعاء التسبيح ، ودعاء التهليلات ، ودعاء (اللهمّ عرّفني نفسك) ، وأدعية شهر رمضان الليلية والنهارية ، وغيرها مما حوته كتب الأدعية ، وفي طليعتها : الصحيفة العلوية المنسوبة للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام) ، والصحيفة السجّادية للإمام زين العابدين (عليه السّلام) ، وصحيفة المهدي المنسوبة إلى الإمام المهدي (عليه السّلام).

المنـاجـاة:

ومن أصناف الدُّعـاء : المناجاة ، وخير وقت لها بعد صلاة الليل ؛ لأنّ لذلك في حصول الروحانية أمراً عظيماً ، حيث يتهيأ له من الأُمور المستوجبة لحصول الروحانية في ذلك الوقت، ما لا يحصل له في غيره من الأوقات ، ففي نصف الليل تحصل له الخلوة التامّة ، فلا يشغله عن ربّه شاغل مع ما يراه أمامه من الآيات الكونية ، فقد بسطت الظلمة ذيولها الحالكة على الدنيا وملأتها بالرهبة ، ويرى فوقه السماء بكواكبها اللامعة ، ونجومها الزاهرة وقمرها المنير ، ولا يخفى ما في هذه المجموعة من عظيم الإبداع ، وعجيب الصنع وكلّ ذلك يجلي عظمة الخالق له ، وبينما هو في ليله الحالك وظلامه الدامس ، إذا به يرى الفجر وقد انبلج عموده بأشعته الخافتة، ويراها وهي تأخذ في الانتشار على ما رتّبه الله لها بحكمته وتدبيره من تدرّج في الظهور ، ثمّ يتجلّى كوكب الشمس قليلاً قليلاً حتى يكتمل قرصها في الظهور ، فيستنير الكون به ويذهب الظلام ، ثمّ يعود وهكذا يجري الليل والنهار (ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) ( الأنعام/ 96) وتلك مسيرة دائبة لم تتوقف منذ أن بدأها خالقها ولم تختلف أبداً (لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ الَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) ، ( يس / 40) ، (فَسُبْحَانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ في السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِياً وَحِينَ تُظْهِرُونَ) ، ( الروم/ 17 ـ 18).

المناجون:

والمناجاة في ظلام الليل هي سمة الأولياء ، وأهل الفناء في عبادة الله ، فهذا سيّد الأولياء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام) يخرج في جوف الليل إلى نخيلات بني النجّار ، ثمّ لا يبرح راكعاً وساجداً حتى يقضي وردَه من الصلاة ، ثمّ يناجي ربّه مجلجلاً بصوته في ظلام الليل وسكونه ، وهو يقول: (إلهي أُفكّر في عفوك ، فتهون عليَّ خطيئتي ، ثمّ أذكر العظيم من أخذك ، فتعظم عليَّ بليتي ، ثمّ يقول: آهٍ إن أنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها وأنت محصيها ، فتقول خذوه فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرته ، ولا تنفعه قبيلته ، يرحمه الملأ إذا أذن فيه بالنداء ، ثمّ يقول: آهٍ من نار تنضج الأكباد والكلى ، آهٍ من نار نزّاعة للشّوى ، آهٍ من غمرة من ملهبات لظى) ، وينعم في البكاء ثمّ يخرّ مغشياً عليه ، وهذا دأبه في كلّ ليلة (البحار ، ج91، ص92) ، ويأتي بعده حفيده الإمام زين العابدين (عليه السّلام) ويسير على وتيرته ، فيقف ويناجي ربّه ثمّ يخرّ مغشياً عليه فيراه ، طاووس اليماني ـ كما روي ـ فيأخذ رأسه في حجره ، فيفيق (عليه السّلام) ـ كما يروى ـ ويقول: (من الذي شغلني عن عبادة ربّي؟ فيجيبه طاووس فيقول: أنا طاووس ، وكأنّ طاووساً أراد أن يهوّن الأمر على الإمام فيذكر له قرابته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فيجيبه الإمام (عليه السّلام) ـ كما يروى ـ : يا طاووس دع عنّي حديث جدّي وأبي ، فإنّ الله خلق الجنة لمن أطاعه ولو كان عبداً حبشياً ، وخلق النار لمن عصاه ولو كان سيداً قرشياً) ، وهكذا يسير العبَّاد وأهل محبّة الله وفي طليعتهم العلماء الأبرار حذو أئمتهم ، ويستنيرون بذلك المشعل الوهّاج من سيرتهم النيّرة ، حيث يعجّ الليل البهيم بأصواتهم ، وهم يقرأون المناجاة الخامسة عشرة يقرأونها في قنوت صلاة الوتر ، فينبعث الصوت مجلجلاً بها.

لك الحمد يا ذا الجود والمجد و العُلى      تـباركت  تـعطي مـن تشاء وتمنعُ
 إلـهي  وخـلاّقي وحرزي iiوموئلي      إلـيك لـدى الإعسار واليسر أفزعُ ii 
إلـهي  لـئن جـلّت وجمّت خطيئتي      فـعفوك مـن ذنـبي أجـلّ iiوأوسعُ

ويروي بعض الثُقات أنّ بعضهم كان يقف في الجهة المحاذية لرأس أمير المؤمنين عند ضريحه المقدّس ، ويصلّي صلاة الليل ، ويقنت في ركعة الوتر بدعاء أبي حمزة ، وهو دعاء جليل القدر رواه أبو حمزة عن الإمام علي بن الحسين (عليه السّلام) ، وهو دعاء طويل يُقرأ عادة في السَّحر في ليالي شهر رمضان.

------------------------------------------

مراجعة وضبط النص شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام للتراث والفكر الإسلامي