شذرات نورانيّة (31)
الإخلاص
• قال تعالى:
قالَ فَبِعِزّتِك لأُغْوِيَنّهُم أجمعين * إلاّ
عبادَكَ مِنهُمُ المُخلَصين
[ سورة ص:82 ـ 83 ].
ـ وقال تعالى أيضاً في حديثٍ قدسي: « الإخلاصُ سِرٌّ مِن أسراري،
استودَعتُه قلبَ مَن أحببتُ مِن عبادي » ( منية المريد للشهيد الثاني:133
).
• ورُوي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: « ثلاثٌ
لا يَغِلُّ عليهنّ قلبُ امرئٍ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمّة
المسلمين، واللزوم لجماعتهم » ( الخصال:149 / ح 182 ).
• ومن غرر حكمه ورد عن الإمام عليٍّ عليه السلام
هذه الكلمات النورانيّة:
ـ « الإخلاصُ غاية الدين. الإخلاص عبادة المقرّبين. الإخلاص أعلى الإيمان.
الإخلاص شيمةُ أفاضل الناس » ( غرر الحكم / ح 727، 667، 860، 597 ).
ـ وقال عليه السلام مهنّئاً: « طُوبى لمَن أخلص لله العبادةَ والدعاء، ولم
يشغلْ قلبَه بما تراه عيناه، ولم يَنسَ ذِكرَ الله بما تسمع أُذُناه، ولم
يحزن صدرُه بما أُعطيَ غيرُه » ( الكافي 16:2 / ح 3 ).
• وفي مناجاةٍ شريفة له، قال الإمام السجّاد عليه
السلام: « واجعَلْ جهادَنا فيك، وهمَّنا في طاعتك، وأخلِصْ نيّاتِنا في
معاملتك » ( بحار الأنوار 147:94 / ح 21 ).
• ولكن لا يظنّنّ أحدٌ أن الإخلاص أمرٌ يسير، يأتي
بالألفاظ والادّعاء والتخيّل، ثمّ إذا حصل الإخلاص فلا يظنّنّ أحدٌ أن
الحفاظ عليه أمرٌ يسير، فيتخيّل المرء أنّ هذه الفضيلة ستستمرّ فيه، فلا
بأس أن يغفل عمّا تذهب نيّته ويتّجه إليه قلبه!
ـ قال أمير المؤمنين عليه السلام: « تصفيةُ العمل أشدُّ من العمل، وتخليص
النيّة عن الفساد أشدُّ على العاملين مِن طول الجهاد » ( بحار الأنوار
288:77 / ح 1 ).
ـ وقال الإمام الصادق عليه السلام: « الإبقاءُ على العمل حتّى يَخلُص،
أشدُّ من العمل » ( الكافي 16:2 / ح 4 ).
• كذلك لا يظنّنّ أحدٌ أنّ الإخلاص يتحقّق بكثرة
العمل، إنّما هو نيّة صالحة بين العبد ومعبوده، تنعكس عنها أعمال مقبولة
وإن كانت قليلة، لأنّها تُؤدّى طاعةً لله تعالى لا يشوبها طمع دنيوي، أو
سمعة أو رياء أو احتيال ونفاق.
ـ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « أخلِصْ قلبَك يَكْفِك القليلُ من
العمل » ( بحار الأنوار 175:73 / ح 15 ).
ـ وفيما ناجى الله تبارك وتعالى موسى عليه السلام: « يا موسى، ما أُريد به
وجهي فكثيرٌ قليلُه، وما أُريد به غيري فقليلٌ كثيرُه » ( الكافي 46:8 / ح
8 ).
• أمّا المخلص، فقد جاءت فيه أحاديث أيضاً، تعرّفه
تارة، وتُثني عليه تارةً أخرى.. كان من تلك الأحاديث المباركة:
ـ قول النبيّ صلّى الله عليه وآله: « طُوبى للمخلِصين، أُولئك مصابيح
الهدى، تنجلي عنهم كلُّ فتنةٍ ظلماء » ( كنز العمّال / ح 5268 ).
ـ وقول الإمام عليٍّ عليه السلام: « إنّ لله عباداً عاملوه بخالصٍ مِن
سرِّه، فشكر لهم بخالصٍ من شُكره، فأولئك تَمُرَّ صُحفُهم يومَ القيامة
فُرَّغاً، فإذا وقفوا بين يديه مَلأَها لهم مِن سرِّ ما أَسَرُّوا إليه » (
بحار الأنوار 64:78 / ح 156 ).
• ويتوهّم مَن يظنّ أنّ الإخلاص أمرٌ كمالي، هو
جيّد حسن ولكنه ليس لازماً ولا ضروريّاً! ذلك لانّ:
ـ وأنّ الإمام الصادق عليه السلام قال: قال الله تعالى: « أنا خيرُ شريك،
مَن أشرك بي في عمله لن أقبَلَه، إلاّ ما كان لي خالصاً » ( مستدرك الوسائل
100:1 / ح 87 ).
ـ وقال أمير المؤمنين عليه السلام: « العملُ كلُّه هباء إلاّ ما أُخلِص فيه
»، « ضاعَ مَن كان له مقصدٌ غيرُ الله » ( غرر الحكم / ح 1400، 5907 ).
• ولعلّ سائلاً يقول ـ وحقّ له أن يسأل فيقول ـ: ما
هي حقيقة الإخلاص ؟ أجَل، لكي يفهمها ويتعلّمَها أوّلاً، ثمّ يسعى أن
يُحقّقها في أعماله ثانياً. والجواب في قول النبيّ الأكرم صلّى الله عليه
وآله: « إنّ لكلّ حقٍّ حقيقة، وما بَلَغ عبدٌ حقيقة الإخلاص حتّى لا
يُحِبَّ أن يُحمَد على شيءٍ مِن عملٍ لله » ( بحار الأنوار 304:72 / ح 51
).
ـ وقولِه صلّى الله عليه وآله في حديثٍ شريفٍ آخر: « أمّا علامة المخلص
فأربعة: يَسْلَم قلبُه، وتَسلم جوارحُه، وبَذَل خيرَه، وكفّ شرَّه » ( تحف
العقول:21 ).
ـ وقول الإمام عليٍّ عليه السلام: « مَن لم يختلف سرُّه وعلانيتُه، وفِعلُه
ومقالتُه، فقد أدّى الأمانة وأخلص العبادة » ( نهج البلاغة: الكتاب 26 ).
ـ وقوله عليه السلام أيضاً: « العبادة الخالصة أن لا يرجُوَ الرجلُ إلاّ
ربَّه، ولا يَخافَ إلاّ ذَنبَه » ( غرر الحكم / ح 2128 ).
• وإذا سُئل: كيف يتأتّى الإخلاص للعبد، فإنّ
أحاديثَ وافرةً تسعفنا في إحضار الجواب.. منها:
ـ قول أمير المؤمنين عليه السلام: « إخلاصُ العمل من قوّة اليقين وصلاح
النيّة »
ـ « مَن رَغِب فيما عند الله أخلص عملَه » ( غرر الحكم / ح 1301، 7945 ).
ـ وقول الإمام محمّد الباقر عليه السلام: « إدفَعْ عن نفسك حاضرَ الشرّ
بحاضر العلم، واستعملْ حاضرَ العلم بخالص العمل، وتحرّزْ في خالص العمل من
عظيم الغفلة بشدّة التيقُّظ، واستَجلبْ شدّةَ التيقُّظ بصدق الخوف » ( بحار
الأنوار 163:78 / ح 1 ).
• ولكن.. هل يكفي هذا، أم لابدّ من التعرّف على
شيءٍ آخَر غيرِ هذا ؟ مثلاً: عن موانع الإخلاص ومفسداته. أجل.. وهذا ضروريّ
أيضاً، لكي لا يحبط العمل وتذهب الجهود هباءً، وربّما انقلبت الأعمال
الصالحة النافعة إلى طالحةٍ ضارّة.
ـ قال أمير المؤمنين عليه السلام: « كيف يستطيع الإخلاصَ مَن يغلبه الهوى
؟! » ( غرر الحكم / ح 6977 ).
وقال الإمام الباقر عليه السلام: « ما بين الحقّ والباطل إلاّ قلّة العقل
»، فقيل له: وكيف ذلك يا ابنَ رسول الله ؟ قال: « إنّ العبد يعمل العملَ
الذي هو لله رضىً، فيُريد به غيرَ الله، فلو أنّه أخلَصَ لله لجاءَه الذي
يُريد في أسرعَ مِن ذلك » ( المحاسن للبرقي 395:1 / ح 884 ).
ـ وقبل ذلك قال الإمام عليّ عليه السلام: « مَن أخسَرُ مِمّن تَعَوّض عن
الآخرة بالدنيا ؟! » ( غرر الحكم / ح 8509 ).
• وأخيراً.. ففي التشويق لتحقيق الإخلاص، كذلك جاءت
روايات وفيرة، منها:
ـ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: « ما أخلَصَ عبدٌ لله عزّوجلّ
أربعين صباحاً إلاّ جَرَت ينابيعُ الحكمة مِن قلبه على لسانه » ( عيون
أخبار الرضا عليه السلام 69:2 / ح 321 ).
ـ وأنّ الله تعالى قال في حديثه القدسيّ الشريف: « لا أطّلع على قلبِ عبدٍ
فأعلم منه حبَّ الإخلاص لطاعتي لوجهي وابتغاءَ مرضاتي، إلاّ تولّيتُ تقويمه
وسياسته » ( بحار الأنوار 136:85 / ح 16 ).
ـ وأنّ الإمام عليّاً عليه السلام قال: « عندَ تحقّقِ الإخلاص تستنير
البصائر. بالإخلاص تُرفَع الأعمال. في إخلاص النيّات نجاح الأمور. المخلص
حَرِيٌّ بالإجابة » ( غرر الحكم / ح 6211، 4242، 6510، 793 ).