شذَرات نورانيّة (37)
تتمّة الدعاء
• قد يتساءل متسائل: ماذا ينبغي على الداعي كي يأخذ
دعاؤه طريقه إلى الإجابة ؟ أو بالأحرى: ماذا يجب عليه تركُه ؟ والإجابة عن
هذين التساؤلين يأتينا من خلال هذه الروايات الشريفة:
ـ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله يوماً لأصحابه: « لا يزال الناس بخيرٍ
ما لم يستعجلوا »، فقيل له: يا رسول الله، وكيف يستعجلون ؟ قال: « يقولون:
دَعَونا فلم يُستجَب لنا! » ( تنبيه الخواطر 6:1 ).
ـ وقال أمير المؤمنين عليه السلام ـ وقد سمع رجلاً يقول: اَللهمّ إنّي أعوذ
بك من الفتنة: « أراك تتعّوذ مِن مالك ووُلدك، يقول الله تعالى:
إنّما أموالُكم وأولادُكم فتنة
[ سورة التغابن:15 ]، ولكن قل: اَللهمَّ إنّي أعوذ بك مِن مُضِلاّت الفتن »
( بحار الأنوار 325:93 / ح 7 ).
ـ وعن النبيّ صلّى الله عليه وآله: « قال الله تعالى: يا آبن آدم، أطِعْني
فيما أمرتُك، ولا تعلِّمْني ما يُصلحك » ( بحار الأنوار 178:71 / ح 24 ).
• وقد يتساءل متسائل آخر: مَن ـ يا تُرى ـ تستجاب
دعوته إذن ؟ فيأتي الجواب، بل الأجوبة في روايات عدّة، منها:
ـ قول الإمام الحسن المجتبى عليه السلام: « أنا الضامنُ لمَن لم يهجس في
قلبه إلاّ الرضا أن يَدْعُوَ اللهَ فيُستجابَ له » ( بحار الأنوار 351:43 /
ح 25 ).
ـ وقول الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين عليهما السلام: « مَن لم يَرْجُ
الناسَ في شيء، ورَدَّ أمرَه إلى الله عزّوجلّ في جميع أموره، إستجاب اللهُ
عزّوجلّ له في كلّ شيء » ( بحار الأنوار 110:75 / ح 16 ).
• وفي شؤون الدعاء، قد نقف على أمرٍ مهمٍّ ومؤسفٍ
في الوقت ذاته، ذلك هو: الدعوات غير المستجابة، فما تلك ـ يا ترى ـ تلك
الدعوات ؟
ـ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله يروي لنا حديثاً قدسيّاً: « قال الله
عزّوجلّ: ما مِن مخلوقٍ يعتصم بمخلوقٍ دوني إلاّ قطعتُ أسباب السماوات
وأسباب الأرض مِن دُونه، فإن سألني لم أُعطِه، وإن دعاني لم أُجِبْه » (
بحار الأنوار 304:93 / ح 39 ).
ـ وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « لَتأمُرُنّ بالمعروف ولَتنْهُنَّ
عن المنكر، أو لَيُسلِّطنّ اللهُ شرارَكم على خياركم، فيدعو خيارُكم فلا
يُستجاب لهم » ( بحار الأنوار 378:93 / ح 21 ).
ـ وقال الإمام الصادق عليه السلام: « مَرّ موسى بن عمران عليه السلام برجلٍ
من أصحابه وهو ساجد، فانصرف من حاجته وهو ساجدٌ على حاله، فقال له موسى
عليه السلام: لو كانت حاجتك بيدي لَقضَيتُها لك، فأوحى الله عزّوجلّ إليه:
يا موسى، لو سجد حتّى ينقطع عنُقُه ما قَبِلتُه حتّى يتحوّلَ عمّا أكره إلى
ما أُحِبّ » ( الكافي 129:8 / ح 98 ).
• وأحياناً تكون الإجابة، ولكنها تأتي بطيئة، فما
الحكمة من ذلك يا تُرى ؟
ـ جاء عن الإمام عليّ عليه السلام قوله: « لا يُقنِّطنّك إبطاءُ إجابته،
فإنّ العطيّة على قَدْر النيّة، وربّما أُخِّرَت عنك الإجابة ليكون ذلك
أعظمَ لأجر السائل، وأجزلَ لعطاء الآمِل، وربّما سألتَ الشيء فلم تُؤتاه
وأُوتيتَ خيراً منه عاجلاً أو آجلاً، أو صُرِف عنك لِما هو خيرٌ لك،
فَلَرُبّ أمرٍ قد طَلَبتَه وفيه هلاكُ دِينِك لو أُوتيتَه ! » ( كشف
المحجّة لثمرة المهجة للسيّد ابن طاووس:228 ).
ـ وعنه سلام الله عليه أيضاً: « لا تستبطئْ إجابةَ دعائك وقد سددتَ طريقَه
بالذنوب! » ( غرر الحكم / ح 10329 ).
ـ كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: « إنّ العبد لَيَدعو
فيقول الله عزّوجلّ للمَلَكَين: قد استجبتُ له ولكنِ احبِسُوه بحاجته؛
فإنّي أُحبّ أن أسمعَ صوتَه. وإنّ العبد لَيَدعو، فيقول الله تبارك وتعالى:
عجِّلوا له حاجته، فإنّي أُبغض صوتَه! » ( الكافي 489:2 / ح 3 ).
• وهنالك محاذير، هكذا وردت:
ـ قال الإمام الصادق عليه السلام: « إعرفْ طُرقَ نجاتك وهلاكك، كي لا
تَدعَوَ اللهَ بشيءٍ منه هلاكُك وأنت تظنّ فيه نجاتَك، قال الله عزّوجلّ:
وَيدْعُ الإنسانُ بالشَّرِّ دُعاءَه بالخير، وكان
الإنسانُ جَهُولاً
[ سورة الإسراء:11 ] ( بحار الأنوار 322:93 /
ح 36 ).
ـ وقد سُئل الإمام الكاظم عليه السلام عن رجلٍ مسلمٍ أَبَواه كافران، هل
يَصلُح أن يستغفر لهما في الصلاة ؟ فقال: « إن كان فارَقَهما وهو صغيرٌ لا
يدري أسْلما أم لا فلا بأس، وإن عَرَف كفرَهما فلا يستغفرْ لهما، وإن لم
يعرف فَلْيَدعُ لهما » ( بحار الأنوار 67:74 / ح 38 ).
ـ وقبل ذلك رُوي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قوله: « مَن دعا لظالمٍ
بالبقاء فقد أحبَّ أن يُعصى اللهُ في أرضه! » ( بحار الأنوار 334:75 / ح 69
).
ـ والآية في ذلك صريحة، تلك قوله تبارك وتعالى:
ما كانَ للنبيِّ والَّذينَ آمَنُوا أن يَستغِفروا
لِلمشركينَ ولو كانُوا أُولي قُربى مِن بَعدِ ما تَبيَّنَ لهم أنَّهم
أصحابُ الجحيم * وما كانَ آستغفارُ إبراهيمَ لأبيهِ إلاّ عن مَوعِدةٍ
وَعَدَها إيّاه، فَلَمّا تَبيَّنَ له أنّه عدوٌّ للهِ تَبرّأَ مِنه، إنّ
إبراهيمَ لأَوّاهٌ حليم
[ سورة التوبة:113 ـ 114 ].
• فإذا صحّت الشروط وارتفعت المحاذير، فإنّ للدعاء
أثرَه بل آثارَه:
ـ قال النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم: « ما مِن مسلمٍ دعا اللهَ
تعالى بدعوةٍ ليس فيها قطيعةُ رَحِمٍ ولا استجلابُ إثمٍ إلاّ أعطاه الله
تعالى بها إحدى خصالٍ ثلاث: إمّا أن يُعجِّل له الدعوة، وإمّا أن يدّخِرَها
له في الآخرة، وإمّا أن يرفع عنه مِثلَها من السُّوء » ( مكارم الأخلاق 8:2
).
ـ وقال الإمام الصادق عليه السلام: « إنّ الربَّ لَيَلي حسابَ المؤمن
فيقول: تعرف هذا الحساب ؟ فيقول: لا يا ربّ، فيقول: دَعَوتَني في ليلة كذا
وكذا في كذا وكذا فذخرتُها لك. قال: فمِمّا يرى من عظمة ثواب الله يقول: يا
ربّ، ليتَ أنّك لم تكن عجّلتَ لي شيئاً، وادّخرتَه لي » ( بحار الأنوار
371:93 / ح 12 ).