غلاف الكتاب
في عام 1413هـ قدم لنا سماحة الشيخ عبدالله أحمد اليوسف كتابه القيم (الشخصية الناجحة) والذي كان بمثابة خطوة صحيحة لتنوير جيل الشاب في بناء ذاته وشخصيته، لقد انتشر الكتاب في مجتمعنا انتشاراً واسعاً وأكاد أجزم أنك لو سألت شبابنا المثقف عن اقتنائه للكتاب لأجاب بنعم وبشدة إعجابه بما يحويه من خطوات في هذا الجانب. ولأهمية الكتاب فقد طُبع ثلاث مرات آخرها عام 1422هـ 2001م.
وفي عام 1414هـ قدم لنا سماحة الشيخ كتابه الثاني (الصعود إلى القمة... دليلك إلى النجاح والسعادة والتفوق) ليكون مكملاً للكتاب الأول.
إن ما يميز كتابات الشيخ اليوسف أنها تهتم بجيل الشباب باعتبار هذا الجيل هو المعول عليه في البناء والنهوض، وما يعتريه من مشاكل، وما يواجهه من تحديات على مختلف الأصعدة.
إذاً الشباب بحاجة ماسة إلى من يرسم لهم خطوات طريق النجاح، وبحاجة إلى من يوجههم للتعايش مع متطلبات العصر، كما أنهم بحاجة إلى من يرسم لهم ملامح المستقبل السعيد. وهذا ما أجده شخصياً في كتابات الشيخ اليوسف، فعندما تقرأ كتابه الشخصية الناجحة أو الصعود إلى القمة فإنك تخرج منه مفعماً بالتطلع والطموح، والثقة بالنفس، والفاعلية والنشاط، وغيرها من صفات الناجحين.
وها هو يقدم لنا إحدى ثمرات اللقاءات الشبابية التي كان يقيمها في مجلسه أو في مجالس الشباب بعد أن ناقشها معهم وعرف ما يحتاجونه من رؤى ومفاهيم أساسية في الحياة، يقدم لنا هذه التجربة تحت عنوان (قواعد النجاح).
ولعل سائل يسأل: النجاح في ماذا؟
وتكون الإجابة كما في مقدمة الكتاب: هذا الكتاب يحاول أن يسلط الأضواء على بعض قواعد النجاح، بهدف الوصول إلى بناء الذات، وتحقيق النجاح في الدنيا، والفلاح في الآخرة، فالإنسان المؤمن عليه أن يسعى للفوز بالدارين (الدنيا والآخرة)
وأهم هدف من أهداف هذا الكتاب هو مساعدتك على اكتشاف نفسك ومعرفة ما بداخلك من كنوز وطاقات ومواهب خلاقة، وكيفية العمل على استثمارها وتوظيفها لصناعة النجاح والوصول للسعادة 1.
أما عن قواعد النجاح التي ذكرها الشيخ في كتابه فهي خمس قواعد نذكرها بإيجاز لتعريف القارئ بأهميتها.
القاعدة الأولى: بناء القدرات
الإنسان جملة من القدرات والمواهب التي يستطيع بواسطتها اعمار الأرض وتقدم البشرية وبناء الحضارة، فهو يتمتع بقدرات عقلية يتميز بها عن سائر المخلوقات وبها يستطيع الإنسان أن يحلق في مدارج الكمال ويرتفع إلى قمم العلى ويتطور نحو المزيد من الرقي والتقدم.
كما انه يتمتع بقدرات ثقافية وهي التي ترتبط بعالم الثقافة ودنيا الفكر ومن أبرزها الخطابة والكتابة. وكذلك يتمتع الإنسان بالقدرات الاجتماعية المرتبطة بالاتصال بالآخرين، كالقدرة على الاتصال الفعال بالناس، والتفاعل معهم، والقدرة على إقناعهم، والقدرة على تكوين الصداقات الناجحة، والقدرة على العمل الاجتماعي، كل هذه القدرات تعتبر من عوامل النجاح، ولكنها بحاجة إلى الاستثمار والتنمية وقد ذكر المؤلف في هذا الجانب عنوان (وسائل بناء القدرات) فهو بحاجة إلى اكتشاف قدراته أولاً ثم يسعى لتنمية القدرات التي اكتشفها في ذاته وتحويل تلك القدرات والمواهب إلى الواقع الخارجي وجعلها تتفاعل معه، و إلا فإنها ستبقى حبيسة الذات ومن ثم ستضمر وتنتهي. كما ينبغي على الإنسان أن يستثمر تلك القدرات فيما ينفع نفسه ويطور مجتمعه.
القاعدة الثانية: إدارة الوقت
من سمات الناجحين والعظماء والقادة هو قدرتهم على إدارة الوقت واستثماره إلى أقصى حد، باعتباره ثروة لا تقدر بثمن، فهم ممن يحترمون الوقت، يقومون بإدارته بصورة علمية بما يساهم في زيادة الإنتاج والعمل والعطاء والفاعلية.
إن من بين التحديات التي تواجهنا جميعاً هو القدرة على إنجاز الكثير من الأعمال في القليل من الوقت المتاح، وليس إنجاز القليل من الأعمال في الكثير من الوقت. ولكي نتمكن من مواجهة هذا التحدي علينا أن ننظم أوقاتنا بصورة سليمة، وأن ندرك أن الوقت أثمن ما في الوجود.
ثم ذكر المؤلف أهم خصائص الوقت فهو أنفس شيء يملكه الإنسان، وهو أثمن من كل جوهر نفيس، وأغلى من كل حجر كريم، إنه اثمن ما في الوجود، لأن الوقت يساوي الحياة.
كما أن من خصائصه سرعة انقضائه فهو يمر مر السحاب ويجري جري الرياح، وسرعان ما يجد المرء نفسه وقد علاه الشيب وتصرمت أيامه، وأصبح في نهاية حياته. ولهذا فالعاقل هو الذي يستثمر كل لحظة من عمره في العمل الصالح، وإنجاز أكبر قدر ممكن من الأمور التي تحترم نفسه ومجتمعه وأمته.
ومن خصائص الوقت أيضاً أنه لا يعوض ولذا علينا أن نحرص على اغتنام كل دقيقة من وقتنا قبل أن ينتهي ما عندنا من دقائق في هذه الحياة.
وقد وضع المؤلف أربع قواعد في إدارة الوقت وهي: ضع خطة لبرنامجك اليومي، اجعل لكل وقت عمله المناسب، لا تؤجل عمل اليوم للغد، واستثمر الوقت الضائع.
القاعدة الثالثة: الوعي بالمستقبل
حيث يعد الوعي بالمستقبل واستشراف آفاقه وفهم تحدياته وفرصه من المقومات الرئيسة في صناعة النجاح سواء على الصعيد الشخصي أو على الصعيد الاجتماعي أو على الصعيد الحضاري.
وتنبع أهمية الوعي بالمستقبل وتشكيل رؤية واضحة عن أبعاده ومعالمه من النقاط التالية:
التعامل مع الحاضر:حيث أن من لا يملك رؤية واضحة للمستقبل لا يعرف بصورة صحيحة كيف يتعامل مع الحاضر، ففهم الحاضر يتطلب فهم المستقبل، وبناء الحاضر يجب أن يرتكز على استيعاب آفاق المستقبل.
الإعداد للمستقبل: إن من يريد النجاح في المستقبل عليه أن يُعد نفسه في الحاضر.
فهم العصر: حيث أن معرفة الزمان الذي نعيشه يحمي الإنسان من الوقوع في الأخطاء أو مفاجأة الأحداث له من غير أن يكون محتسباً لها. كما أن الوعي بالزمان يعني الوعي بالمستقبل من خلال فهم ما يجري في الحاضر، وما يُخطط له من أجل المستقبل.
أما عن كيفية تكوين رؤية ثاقبة عن معالم للمستقبل وآفاقه فقد ذكر المؤلف ثلاث نقاط تعتبر أساسية في هذا الجانب وهي: دراسة الماضي وفهم الحاضر، فإذا استطعنا استيعاب دروس الماضي واستثمارها من أجل العمل في الحاضر، وفهم الحاضر بكل جوانبه.. فإن هذا سيكون خير معين لنا لنفهم آفاق المستقبل وابعاده ومعالمه.
كذلك ينبغي متابعة وفهم المتغيرات الجديدة، وأن نحلل كل المتغيرات، ونتابعها بكل دقة موضوعية، ونرصد التحولات التي تحدث في مختلف المجتمعات الإنسانية.
وإذا أردنا أن نفهم معالم المستقبل وآفاقه علينا أن نطلع على قضايا المستقبل وهي تشمل عناوين كثيرة ومواضيع متعددة، سواء ما يتعلق بالأفراد أو المجتمعات أو الدول. ومن يريد تكوين رؤية للمستقبل عليه أن يطلع على الدراسات والكتب والأبحاث التي تتناول شؤون المستقبل كي يتمكن من تكوين وعي دقيق بالمستقبل.
القاعدة الرابعة التخطيط للمستقبل
حيث يُعد التخطيط للمستقبل من أقوى العوامل للوصول للأهداف المطلوبة، وتحقيق الغايات المرسومة، فالنجاح في الحياة ما هو إلا ثمرة من ثمار التخطيط الناجح. أما الفشل فيعود لغياب التخطيط للمستقبل.
أما أسباب عدم التخطيط للمستقبل فذكرها المؤلف في النقاط التالية: غياب الأهداف والتطلعات الكبيرة والقناعة بالواقع الذي يعيشه والقبول بالحياة البسيطة وعدم الرغبة في تسلق القمم.
كذلك عدم الشعور بالمسئولية تجاه نفسه أو أهله أو مجتمعه لا يحفز الإنسان للتخطيط للمستقبل. وعدم الوعي بالمتغيرات الحادثة، وعدم فهم المستجدات الجديدة وعدم الإلمام بالمتغيرات وغياب المعرفة الواعية مستجدات الحياة وتطوراتها تؤدي بالإنسان إلى عدم الرغبة في التخطيط للمستقبل.
كما تشكل حالة الانغلاق والجمود وعيش حالة من الانطوائية وضيق الرؤية ومحدودية التفكير سبباً من أسباب عدم التخطيط للمستقبل. إضافة إلى وجود مفاهيم خاطئة وثقافة جامدة تسهم في تكريس حالة ذات قناعة بالمكانة التي يعيشها هذا الإنسان.
أما قواعد التخطيط للمستقبل فقد ذكر المؤلف النقاط التالية: تحديد الأهداف بدقة، ترتيب الأولويات ومراعاة الأهم فالمهم للوصول إلى أفضل النتائج، ووضع خطة عملية حتى لا تتحول الأهداف والتطلعات إلى مجرد أمنيات لابد لنا من وضع خطة عملية واقعية أيضاً. كما ينبغي وضع خطة للطوارئ والأحداث غير المتوقعة.
القاعدة الخامسة: التخلص من القلق
يعتبر القلق أكبر وأقوى المعوقات أمام تقدم الإنسان وتطوره، وله العديد من الآثار السلبية على حياة الإنسان ويكفي القول أن القلق هو ذلك الكابوس الذي يسهم في تحطيم شخصية الإنسان.
وقد ذكر المؤلف أسباب القلق في النقاط التالية: ضعف الإيمان فمن يكون متزلزل الإيمان ومن يكون ارتباطه بالله تعالى ارتباطاً ضعيفاً فإنه يكون عرضة للإصابة بالقلق. كما تشكل المشاكل المتراكمة سبباً من اسباب القلق وخصوصاً عندما تصل إلى حد التعقيد وعدم القدرة على حلها. كما أن الخوف من المستقبل و من المجهول يجعل الإنسان يعيش حالة من القلق. وكذلك التعامل مع وقت الفراغ بطريقة سلبية يؤدي إلى توليد القلق في شخصية الإنسان. ومن تكون شخصيته تتسم بالانفعال والتوتر الشديد والغضب لأتفه الأسباب وعدم القدرة على التحكم في شخصيته فإن هذا الإنسان يتولد لديه القلق نتيجة لما تخلفه من تصرفات من ردود أفعال الآخرين.
أما عن علاج القلق فقد ذكر المؤلف النقاط التالية: تقوية الإيمان، فهو من أقوى الأدوية في علاج القلق، وكل الأمراض النفسية. وكذلك تجاوز المشاكل والتغلب عليها والانطلاق في رحاب الحياة الواسع، وأيضاً التخطيط للحياة بصورة دقيقة وعلمية، والاستفادة من أوقات الفراغ بما يفيده في الدنيا والآخرة، والتفاؤل بالحياة والتحلي بروح الأمل والنظرة الإيجابية للحياة كل هذه العوامل تسهم في علاج القلق وخلق حالة من الاستقرار والاطمئنان النفسي.
وهكذا اختتم المؤلف كتابه القيم بعد أن أخذنا في رحلة لاكتشاف الذات والدعوة لدخول مملكة الناجحين في الحياة، ونبذ كل ما من شأنه أن يعكر صفو الحياة.
وأخيراً أقول لكل شاب: قواعد النجاح... طريقك لرسم حياتك السعيدة...2
______
1. ص11.
2. نقلا عن شبكة مزن الثقافية - 10/4/2005م.