1-رقي المنهج.
لو راقبنا جيداً حقيقة الإنسان وحقيقة تعاليم السماء لوجدناهما متناغمتين بشكل كبير، لا فرق فيهما إن أُحسن الربط بينهما. قال تعالى: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ 1، فلا خلق أفضل وأحسن وأجمل وأرقى من خلق الإنسان، ففيه الصفات الكمالية وفيه كل صفات الرقي وصفات بناء الحضارة وبناء السعادة في الدنيا والآخرة، فالإنسان مخلوق بمقومات راقية لا يمكن أن يصل إليها أي مخلوق، ولا يمكن أن يصنعها أي صانع، فالله تعالى هو الخالق الأوحد الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم. هذا الإنسان الذي توفرت له كل عوامل القوة والعزم والرقي والاستقلال والسعادة لا بد له من منهج يتوافق مع هذه الكفاءات التي يحملها. فلو كان المنهج متدنياً وبسيطاً لضاعت إمكانيات الإنسان في منهج لا ينسجم مع الإمكانيات التي وضعها الله تعالى في هذا الكيان البشري، تماماً كالآلات الحديثة المتطورة التي تحتاج من يتعاطى معها بكفاءاتها, وإن لم تتوفر لها الكفاءة الملائمة كانت عبئاً. فالمنهج المتدني عبٌ على الإنسان ولا يستغل الإمكانات الكاملة في شخصيته كما يجب، فيسقط المنهج ويسقط الإنسان، لذا كان المنهج الإلهي هو المنهج الأرقى الذي ينسجم مع الإنسان المخلوق في أحسن تقويم، فهو يتحدث بشمولية، ويأخذ بجوانب الحياة كافة، كي لا يكون الإنسان ضعيفاً أو عاجزاً أمام سعادته في الحياة، بل يوفر له هذا المنهج كل مقومات القوة التي تنسجم مع كفاءاته وإمكاناته، فتمتزج قوة المنهج مع قوة الخلق، لتكون النتيجة إنساناً عظيماً على الأرض وعظيماً في السماء.
2- اختيار الله تعالى الأفضل.
اختار الله تعالى لنا منهج الإسلام الكامل، فأكمله وأتمَّ نعمته علينا بالولاية، قال تعالى:﴿ ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ... ﴾ 2، ولن يرقى أي اختيار إنساني إلى ما اختاره الله تعالى الخالق العالم الحكيم الخبير. حاشا لله أن يختار الأدنى والأقل، بل يتركز اختياره على الأفضل للبشرية، وهو عندما يحدثنا عن إلزامية ما اختاره، إنما يُبيِّن إرادته في خلقه ومنهجه، فالخلق كما يشاء، ومنهجه لمن أراد طاعته كما يشاء، وهذا ما لا يسلب إرادة الاختيار الإنساني، لكنها ستكون منحرفة إذا ابتعدت عن المنهج الإسلامي الذي اختاره الله تعالى، قال جلَّ وعلا:﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ 3.
اختار الله تعالى لنا الأفضل من كل شيء لمصلحتنا، فطريق الهداية هي الأفضل، والعدالة هي الأفضل، والاستقامة والثبات هما الأفضل، والقرآن الكريم هو الأفضل،:﴿ إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ 4.
3- النبوة والإمامة هما الأفضل.
اختار الله تعالى لنا من البشر الأفضل والأكمل، فكان محمد سيد البشرية القدوة والقائد وسيد المرسلين، وكان عليٌ إمام المتقين وسيد الوصيين، وكان المهدي(عج) خاتم الأوصياء ومحيي الدين في حياة البشرية في آخر الزمان وعلى مستوى المعمورة بأكملها.
حدَّث رسول الله(ص) ابنته فاطمة الزهراء(عها)فقال: "يا بنية، إنَّا أهلُ بيت أعطانا الله سبع خصال, لم يعطها أحداً من الأولين, ولا أحداً من الآخرين غيرنا: أنا سيد الأنبياء والمرسلين وخيرهم، ووصيي خير الوصيين، ووزيري بعدي خير الوزراء، وشهيدنا خير الشهداء أعني حمزة عمي .
قالت: يا رسول الله، سيد الشهداء الذين قتلوا معك؟
قال: لا، بل سيد الشهداء من الأولين والآخرين ما خلا الأنبياء والأوصياء. وجعفر بن أبي طالب ذو الهجرتين وذو الجناحين المضرَّجين يطير بهما مع الملائكة في الجنة. وابناك الحسن والحسين سبطا أمتي وسيدا شباب أهل الجنة. ومنَّا - والذي نفسي بيده - مهدي هذه الأمة, الذي يملأ الله به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجورا" 5.
وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله (ع), عن آبائه صلوات الله عليهم, قال: قال رسول الله (ص): "إنَّ الله عزَّ وجلَّ اختار من الأيام الجمعة، ومن الشهور شهر رمضان، ومن الليالي ليلة القدر، واختارني على جميع الأنبياء، واختار مني علياً وفضَّله على جميع الأوصياء، واختار من علي الحسن والحسين، واختار من الحسين الأوصياء من ولده، ينفون عن التنزيل تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل المضلِّين، تاسعهم قائمهم و(هو) ظاهرهم وهو باطنهم"6.
4- الثبات.
تبقى العبرة في ثباتنا على الإسلام، وتمسكنا بالولاية، وانتظارنا لإمامنا المهدي(عج)، فلا نغتر بالدنيا وزخرفها، ولا نتعب من الانتظار، ولا نستسلم للمعاناة والبلاءات، بل ندعو الله تعالى أن يثبِّت قلوبنا لنحمل الراية مع بقية الله في الأرضين، عجل الله تعالى فرجه الشريف.
عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن سنان, قال: قال أبو عبد الله (ع): ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يُرى، ولا إمام هدى, ولا ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق.
قلت: كيف دعاء الغريق؟
قال: يقول: "يا الله يا رحمن يا رحيم, يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك".
فقلت:"يا الله يا رحمن يا رحيم, يا مقلِّب القلوب والأبصار ثبِّت قلبي على دينك".
قال: إنَّ الله عز وجل مقلب القلوب والأبصار, ولكن قل كما أقول لك:"يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك"7 8.
__________
1. القران الكريم: سورة التين (95)، الآية: 4، الصفحة: 597.
2. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 3، الصفحة: 107.
3. القران الكريم: سورة القصص (28)، الآية: 68، الصفحة: 393.
4. القران الكريم: سورة الإسراء (17)، الآية: 9، الصفحة: 283.
5. كتاب سليم بن قيس، ص: 133 و 134.
6. الشيخ الصدوق، كمال الدين وكمال النعمة، ص: 281.
7. المصدر نفسه، ص: 351 و 352.
8. المصدر : موقع سماحة الشيخ نعيم قاسم حفظه الله.