الحزن… أ هو مرض أم حالة نفسية تصيب الإنسان في أوقات خاصة؟! انه قد يكون مرضاً يصيب اشخاصاً فيذيب أجسادهم ويغير أخلاقهم ويهدم نفوسهم، بينما يكون عند أفراد آخرين حالة نفسية تتصل بشخصيتهم الإيمانية، فهم يحزنون على ما فرطوا في جنب الله من ارتكاب الذنوب والتقصير في العمل، فهذا حزنهم حتى وإن أضعف أبدانهم فهو ممدوح لأنه يساعدهم على الإرتفاع والصعود في عالم الإيمان والأخلاق. الحزن المؤلم والمعذب للإنسان والمضعف للبدن هو ذلك الحزن المرتبط بحب الدنيا والناتج عن الأسف والأسى لقلة ما في اليد من النعم والخيرات التي منّها الله على عباده، فهو يتأسف لأنه لم يتمكن من تحقيق الأمنيات التي كانت لديه من شراء السيارة أو البيت أو السفر للسياحة والاستجمام وغيرها من نعم الدنيا، فهو حزين لأنه يفتقدها ولم يحصل على شيء منها، وهذا الحزن يذيب الجسد ويصيب النفس بالمرض ويسقم القلوب كما قال الإمام الصادق عليه السلام (الأحزان أسقام القلوب كما أن الأمراض أسقام الأبدان). إذن؛ فان حب الدنيا هو عامل مهم من عوامل تسلط الحزن على قلب الإنسان، وهناك عوامل أخرى ومنها الحسد: فالنظر إلى ما في أيدي الناس من النعم والخيرات كلها تدخل الحزن على قلب هذا الرجل وتنغص عليه عيشته إذ إنه يرى أصدقاءه أو أشقاءه ينعمون بالخير والبركة بينما هو يعيش في وضع صعب، فهو لهذا الشيء سيشعر بالحسد وثم الحزن لذلك، وهو في حقيقة أمره إنسان ظالم لأنه يطمح من دون حق أن يستولي على أموال من يحسدهم بالباطل وقد وصف الإمام علي عليه السلام هذه الحالة بأدق ما يكون: (ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من الحاسد. نفس دائم، وقلب هائم، وحزن لازم). يقول العارفون: أن الحاسد يعذب نفسه من غير أن يشعر، كما هو حال سيئ الخلق في أسرته ومجتمعه، لأنه يزيد هماً فوق همه، ويزيد في غيظه، وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وآله حال هذا الإنسان بخير وصف عندما نزلت هذه الآية: “لاتمدّن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم ولاتحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين”، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات، ومن رمى ببصره إلى ما في يد غيره كثر همّه ولم يشف غيظه) بحارالانوار، ج۷۷، ص۱۶۶٫ إضافة إلى ما ذكرنا، فهناك شخص آخر هو دائم الحزن. ذلك هو المقصر في عمله، فالذي لايؤدي واجبه بالشكل الصحيح هو أيضاً يشعر بتأنيب الضمير والحزن على ذلك، خاصة إذا إتفق ذلك مع خسارة مالية و روحية، ومن هذا الباب فإن المذنب المقصر في تكليفاته أمام الله عزوجل هو أيضاً يشعر بالحزن لذلك التقصير وكلما ذكر ذنبه أصابه الحزن. وكما يبدو فإنه ليس كل الحزن مرضاً، فإن فيه ما ينفع الإنسان، لكننا هنا نريد أن نعرف الطرق المناسبة لمواجهة الحزن المرضي الذي يثقل على الإنسان ويحول حياته إلى تعاسة؟
لمواجهة الحزن السلبي نحتاج إلى عدة أمور:
أولاً: أن نعرف حقيقة الدنيا وأسرارها الخفية المرتبطة بتقسيم الرزق والثروة، فمن يعرف بأن هذه الدنيا تسير وفق نظام التقدير الإلهي يعرف جيداً بأن الرزق مقسوم وأن ما وصل إليه من الرزق ما كان سيخطئه، وان ما زوي عنه ما كان سيصل إليه لأنه لم يكن مقسوماً له، فمن يعرف الدنيا بهذا القانون، يكون مرتاح البال ولايشغل باله كثيراً في البحث عن مصادر الرزق لأنه يعلم جيداً بأن منبعها هو الله وحده فهو الذي يقسم الأرزاق كيف يشاء. ثانياً: أن يعرف الدنيا أنها مع كل فرحة ترحة، وانه مع كل سرور هناك حزن، وذلك أنها دار امتحان وابتلاء، وهي لم تخلق من أجل العافية والسعادة، فلذلك لابد وأن يجرب المرء في هذه الحياة مؤمناً كان أو فاسقاً، كل ألوان الحياة، ومن يعرف الدنيا بهذا الحال يكون في أحسن حال. ومرتاح ذلك الذي يعرف (ان الدنيا يومان: يوم لك ويوم عليك)، فإذا كان الذي إليك فلا تبطر فيه ولاتفرح لأنه سيأتي الذي عليك فلا تضجر فيه ولاتجزع. ونتيجة لهذه المعرفة سيحصل الإنسان على طاقتين؛ أولها روحية وهي الصبر، فإنه عندما يواجه اليوم الأسود الذي يدرك أنه يومه وما كان سيخطئه وليس لدى الإنسان حيلة في ذلك فما عليه إلا الصبر، وأما الطاقة الثانية التي سيكسبها نتيجة لمعرفته بأحوال الدنيا هي طاقة فكرية تتمثل باليقين فهو يعرف تماماً بأن الرزق مقسوم والدنيا فيها يوم أسود وأبيض وفيها الفرحة والترحة، وأن ذلك كله يسير وفق نظام تقدير إلهي دقيق، لذا فهو مستعد لأحلك الظروف وأسوئها في آن واحد. وقد وصف الله عزوجل أحوال أناس لايصيبهم الحزن أبداً حيث قال رب العزة “أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ” (يونس/۶۲) انهم لايحزنون على ما فاتهم من النعم في الدنيا لأن لديهم اليقين بأن مافاتهم لم يكن من نصيبهم، وهم لايفرحون بما أتاهم لأن آمالهم منعقدة بالآخرة فهمهم وحزنهم على الآخرة ولذلك هم يسعون إليها سعيها، ومن هنا فإنه لايصيبهم الحزن الأكبر وهو حزن يوم القيامة حيث باسط الجميع على ما فرضوا في جنب الله، وبشكل عام فإن الناس في قضية الحزن يصنفون إلى صنفين: صنف يعتمد اليقين في قلبه، فهؤلاء لايصيبهم الحزن إلا على شكل سحابة صيف عابرة، وصنف آخر قد تمكن الشك من قلوبهم فحولها محلاً للسخط والهم والحزن، ومن أبلغ الكلام ما جاء في الحزن والفرح هو ما ورد عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في كتاب كتبه لأحد أصحابه: (أما بعد فإن المرء قد يسره درك ما لم يكن ليفوته، ويسوؤه فوت مالم يكن ليدركه، فليكن سرورك بما نلت من آخرتك، وليكف أسفك على ما فاتك منها، وما نلت من دنياك فلاتكثرنّ به فرحاً، وما فاتك منه فلا تأس عليه جزعاً، وليكن همك فيما بعد الموت والسلام.) بحارالانوار، ج۷۸، ص۸٫