ابتغاء الوسيلة ضرورة قرآنية
  • عنوان المقال: ابتغاء الوسيلة ضرورة قرآنية
  • الکاتب: الشيخ جواد الأحمد
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 4:35:7 2-10-1403

شبكة الحسنين عليهما السلام الثقافية
قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 64].
وجاء في دعاء التوسل: (اللهم إنّا نسألك ونتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة محمد (صلى الله عليه وآله) يا أبا القاسم يا إمام الرحمة يا سيدنا ومولانا إنا توجهنا واستشفعنا وتوسلنا بك إلى الله وقدمناك بين يدي حاجاتنا يا وجيهاً عند الله أشفع لنا عند الله)

التوسل لغة:

قال الفراهيدي في كتاب العين : (وسل: وسلت إلى ربّي وسيلة، أي عملت عملاً أتقرب به إليه، وتوسلت إلى فلان بكتاب أو قرابة ، أي تقربت إليه).
التوسل من المبادئ الأصلية والأساسية في الدين ، فقد دلّ العقل والنقل على مشروعيته وضرورته.

الضرورة العقلية:

الإنسان عندما يتوسل بشخص آخر للدخول على شخصية عظيمة يعد نوعاً من أنواع الاحترام والتعظيم والتأدب وزيادة في إبداء الحرمة والاحترام، فإذا أتيت عن طريق الحُجب والأبواب كان ذلك صيانة الحرمة من تفد عليه، فإذا لم تراعَ ذلك فكأنك قد هتكت حريمه، وقد ذمّ الله سبحانه وتعالى الذين ينادون النبي(صلى الله عليه وآله) من وراء الحجرات{ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ[الحجرات:4] وأمر بإتيان البيوت من أبوابها { وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [البقرة: 189].

الدليل العقلي:

هناك آيات متعددة بالإضافة إلى أحاديث ترويها كتب المسلمين ، فمن الآيات قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ } [المائدة: 35] وقوله تعالى: { قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ [يوسف: 6] وقوله تعالى: { فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ } [البقرة: 61].
ومن الروايات ما رواه المتقي الهندي (كنز العمال) عن علي (عليه السلام): أنّ يهودياً جاء النبي(صلى الله عليه وآله) فقام بين يديه وجعل يحدّ النظر إليه، فقال يا يهودي ما حاجتك ؟ فقال: أنت أفضل أم موسى؟ فقال له: إنّه يكره للعبد أن يزكي نفسه، ولكن قال الله تعالى {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:11].
إنّ لآدم لما أصابته خطيءة التي تاب منها كانت توبة (اللهم إنّي اسألك بمحمد وآل محمد لمّا غفرت لي ) فغفر له.
ورى الحاكم النيسابوري في مستدركه: أنّ آدام لما اقترف الخطيئة قال: (يا ربّي أسألك بحق محمد(صلى الله عليه وآله) لما غفرت لي) فقال: يا آدم كيف عرفت؟ قال: لأنّك لمّا خلقتني نظرت إلى العرش فوجدت مكتوباً فيه: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فرأيت أسمه مقروناً مع أسمك، فعرفته أحب الخلق إليك ).
هل يمكن أن يقال : إنّ التوسل بغير الله شرك بالله ، وهو أمر من الله؟
وعليه فيمكن تقسيم الوسيلة إلى قسمين ، لمعرفة الحقيقة منهما :
القسم الأول: الوسيلة غير المأذون بها من قبل الله تعالى
إنّ الله تعالى قد نهى عن الوسيلة والوسائط المقترحة والمجعول من قبل المخلوقين ، كما جاء ذلك في قوله تعالى: { إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ } [النجم: 23]
فالوسائط والشفعاء بغير سلطان من الله تعالى، ومن دون إذنه عزّ وجلّ يوجب عبادة غير الله ، وهي الوسائط المقترحة.
القسم الثاني: الوسيلة المأذونة من قبل الله تعالى
إنّ الله تعالى أمر بالوسائط والوسيلة المجعولة من قبله  سبحانه وتعالى، وأنّ التوسل بها عين التوحيد والطاعة والعبادة لله سبحانه، وأي فعل يكونه منطلقه من أمر الله لا يكون شركاً، بل يكون إمتثالاً للأمر الإلهي وعبادة لله ، فالذي يأتمر بأوامر الله تعالى بالانقياد مطلقاً بالوسائط أو بغيرها هو المرحِّد التّام في مقام العبودية والطاعة ،وفي غير ذلك يكون قد تجرأ واستكبر على الباري كما فعل إبليس حيث امتنع من السجود واستكبر فكان من الكافرين كما بين ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 34].
كذلك من أوامر الله تعالى:
قوله تعالى: { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } [البقرة: 125]
فهل يعني أن السجود لآدم بأمر من الله تعالى شرك بالله؟ وإن جعل الحجر أمامك في الصلاة يكون شركاً بالله؟ بل هذا الحجر عظمّه الله تعالى وسمّاه مقاماً، وأمرنا أن نتخذه مصلى، وأن نتخذه قبلة بالاتجاه إليه، وأن نتخذه أثناء صلاة الطواف، وليس ذلك كلّه إلا للتبرك بنفس النبي إبراهيم (عليه السلام) إلا تتوجه به إلى الله عزّوجلّ، لنقول: يا وجيها عند الله أشفع لنا عند الله.
وإذا كانت صخرة لا مستها قدم إبراهيم (عليه السلام) لها هذه القداسة والعظمة ، فكيف بك بمشاهد النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) الذين هم أفضل وأعظم من إبراهيم وجميع الأنبياء سوى نبيّنا محمد(صلى الله عليه وآله) ، حيث نص القرآن على كون علي(عليه السلام) بمنزلة النبي(صلى الله عليه وآله)، وهذا مقام لم يخص به أحد الأنبياء والمرسلين، قال تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}[آل عمران:61].
فالنبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته هم الوسيلة إلى الله تعالى.