(قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُۆْمِنُونَ) (التوبة/ 51).
(وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الأعراف/ 168).
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة/ 155ـ157).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة/ 153).
ويتحدث القرآن عن قضية سلوكية ونفسية خطيرة في حياة الإنسان، وهي مشكلة الصدمات والحوادث والمصائب التي تصيب الإنسان.
إنّ القرآن يثقِّف الإنسان ويهيئه نفسياً لمواجهة الأزمات والصدمات، وليفهم انّ الحياة مسرح لأحداث شتى.. يصورها القرآن بقوله: (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا) (النحل/ 43-44).
فليست الحياة كلها رخاء ومسرات وأفراحاً.. ففيها المفجع والمبكي.. وفيها الحزن والألم.. وفيها النجاح والفشل، وفيها الربح والخسارة، وانّ الكثير من هذه المصائب والحوادث المۆلمة سببها الإنسان نفسه.. اّن في الحياة مكاسب يحققها الإنسان وفيها خسائر فادحة تعصف بحياته.. الإنسان في حياته الاجتماعية: سواء الاقتصادية أو السياسية أو الدراسية أو الصحية أو الأسرية، أو في حركته اليومية وتنقله من مكان إلى آخر.
يواجه تلك المشاكل والحوادث المروع، وكثيراً ما يكون غير مهيئ نفسياً لمواجهة هذه المصيبة أو تلك الحوادث، كفقد الأهل والأحبة، أو الخسارة الفادحة في المال التي يصاب بها العاملون في حقل المال والتجارة، فيخسر رجل المال والتاجر ما يملكه من مال وثروة، بل ويعلن إفلاسه وانتهاء اعتباره المالي، ومثله في الصدمة والأزمة.. السياسي الذي يفشل في حياته السياسية فيصاب بانتكاسة نفسية أو أدبية تهز كيانه وتضعف شخصيته، وتعصف بوجوده.. كسياسي أو كقائد..
القرآن يتحدث في بعض آياته عما يصيب الإنسان من مصائب ومحن وابتلاء يقلق لياليه، وينغص حياته، ويجلب له الألم والعذاب النفسي.. انّه يتحمل مسۆولية معاناته ومحنته..
القرآن يذكره بذلك فيخاطبه بقوله: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) (الشورى/ 30).
إنّ الإنسان بخطئه وجهله ونوازع الشر والهلع والشره في نفسه، هو الذي يجلب عليها المصائب التي تصيبه في نفسه وماله واعتباره ووضعه الاجتماعي، بسوء فعله وتقديره ومجازفاته.. والقرآن يوضح للإنسان انّ الله سبحانه (يعفو عن كثير).. انه يعفو فلا يعاقب ولا يصيب الناس بكلِّ ما يصدر عنهم.. بل يدفع عنهم ويعفو ويتجاوز.. وذلك من واسع فضله على الإنسان ولطفه به مما يستوجب الشكر والثناء الجميل على الله سبحانه.. والقرآن يذكّر بذلك في قوله الكريم: (وَلَوْ يُۆَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُۆَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) (النحل/ 61).
ترى الإنسان لاهياً مستغرقاً في ملذات الدنيا وشهواتها، ونشوة النصر، وزهو الحياة وغرورها، فيفاجأ بمصيبة ومأساة لم يكن يتوقعها فتصيبة الصدمة.. ويتلاشا غروره وكبرياءه وافتخاره.. انّ الإنسان معرض للمصائب والمحن والابتلاء وتلك الصورة واضحة في قوله تعالى.. (فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا جَزَاء بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (التوبة/ 82).
إنّ عمق المبكيات يفوق في آثرها وفاعليتها المضحك والمسر في الحياة..
وانّ من قوانين العدل الإلهي أن يختبر الإنسان ويمتحن، ويجب أن يعاقب بظلمه وجريمته وغروره، فتفاجئه المصيبة والعقوبة، وتحل به الصدمة.. وقد تكون المصيبة درساً وموعظةً له ولغيره.. وقد لا تنفعه الدروس والعبر.. انّ من يظن بنفسه خيراً.. فهو معرض للابتلاء والمصائب لتكشف له حقيقته، أيصبر أم يجزع وينهار، فتأخذ الصدمة كلّ قواه وإرادته.. ويرتد منتكساً في إيمانه وكياسته.. ويعرف المۆمنون الصادقون عاقبة هذه المصائب والصدمات فيدعون: (رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (البقرة/ 286).
إنّ القرآن يثقف المۆمنين به، ويبعث بخطاب الوعي والتحذير لكلِّ إنسان على هذه الأرض.. يثقّفهم بأنّ العالم، بما فيه من مخلوقات وكائنات إنسانية وملائكية وحيوانية وطبيعية.. إلخ.. يسير وفق مشيئة وإرادة إلهية.. ولا شيء في هذا الوجود يسير بشكل من الفوضى أو بتلقائية عشوائية.. إنّ القضاء والقدر الإلهي ينظمان مسيرة الإنسان وعلاقته بعالم الطبيعة.. فكلّ شيء في عالم الإنسان، سواء في إطار كيانه الذاتي، أو ما يتعلق به في عالم الأرض أو المجتمع.. يسير وفق علم وإرادة إلهية سابقة على حدوث الفعل.. وانّ الله قد قدَّر ما يحدث للإنسان ويقع عليه.. إما بسبب فعله الذي يسلك سبباً وموجباً لوقوع الحوادث والمصائب عليه والتي صورها القرآن بقوله: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ..) (الشورى/30).. أو بما تقتضيه الحكمة الإلهية في تسيير عوالم الإنسان والطبيعة من الزلازل والأمطار والجفاف والفياضانات والقحط والأزمات الطبيعية والأمراض.. إلخ.. والتي تنعكس آثارها ونتائجها مصائب وكوارث على الإنسان بوضعه الفردي أو الجماعي.
إنّ القرآن يكشف للإنسان انّ كلَّ ما يحدث هو مدون في كتاب، مقرر في عالم القضاء والقدر.. وعلى الإنسان أن يفهم انّ الحوادث تجري عليه سواء أحزن وجزع، أم صبر.. والقرآن يقول للإنسان ليكن واضحاً لديك انّ كلّ ذلك الذي يجري عليك يجب أن يجري.. فلا تحزن لشيء فاتك من مكاسب الدنيا، فلو كان المقرر في الكتاب غير ذلك لما حدث الذي حدث.. ولا تفرح بما أتاك من مكاسب الدنيا فانّه معرض للزوال والفناء.. وقد ينقلب إلى كارثة.. نقرأ ذلك في قوله تعالى: (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (التوبة/ 82).
(مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (الحديد/ 22-23).
ولكي نواجه صدمات الحياة فلا ينهار هذا ويصاب بالشلل، وذاك بالسكتة القلبية، وثالث بأمراض عصبية ونفسية.. ورابع باللجوء إلى الانتقام من الآخرين والحقد عليهم أو إلى الإنطواء والعزلة.. علينا أن نسترشد بهدي القرآن.. وهو يرشدنـا لما يأتي:
1) تعميق روح الإيمان بالقضاء والقدر.. وانّه عدل إلهي وحكمة ربانية.. كثيراً ما تخفي علينا المصلحة فيها.. (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) (البقرة/ 216).
2) انما يجري علينا هو مقدر ومكتوب في اللوح المحفوظ ولابد وأن يجري.. وأن نتهيأ نفسياً وعاطفياً وفكرياً لاحتمالات الحياة واستقبال المصائب والألام والخسائر كي لا نفاجأ.. (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُۆْمِنُونَ) (التوبة/51).
3) أن لا نستغرق في التفاۆل.. وأن لا يستولي علينا الفرح والاختيال ونشوة النصر والمكاسب.. إذا ما تحقق لنا ذلك.. كي لا تصيبنا الصدمة عند المصيبة.. وأن نقرر أنفسنا بأنّ كلَّ آت هو ذاهب، والحياة بأسرها مصيرها الانتهاء.. وخير القول والمعتقد هنا هو القول الحق: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة/ 156).
4) من الخطأ أن نفاجئ الإنسان بالحدث المۆلم إذا علمناه قبله.. كأن يفقد عزيزاً أو يثبت طبياً انه مصاب بمرض خبيث عضال.. إلخ بل يجب أن نوصل إليه المعلومة بشكل مخفف وعلى دفعات.. وبعبارة أخرى يجب أن نهيئه نفسياً لتحمل الصدمة.
5) الصبر عند المصيبة.. واللجوء إلى الله سبحانه واحتساب الأمر عنده.. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة/ 153).
(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة/ 155-157).
6) لا يأس ولا قنوط.. فإذا أصابت هذا الإنسان الضعيف الإيمان مصيبة أو ألمَّ به فشل أوخسارة، أصابه اليأس والاحباط والقنوط.. وفي سير الأنبياء نجد العزيمة والقدوة الحسنة والصبر العظيم.. إنّ ما أصاب النبي أيوب (ع) من الألم والبلاء ما أصبح مضرب الأمثال فصبر على المرض وفقد الأهل والمال حتى فرّج الله عنه.. وفي قصة يوسف نقرأ الألم والحزن الذي ألمَّ بالنبي يعقوب لفقد أعز أبنائه يوسف (ع).. ونقرأ الصبر وعدم اليأس.. نقل القرآن الكريم لنا توجيه النبي يعقوب إلى أبنائه اليائسين من حياة يوسف (ع) فقد ظنوا أنّه مات في البئر الذي ألقوه فيه، كما وكانوا يائسين من نجاة أخيه.. غير أنّ النبي يعقوب (ع) قال لهم:(يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف/ 87).
7) الإتعاظ بمن سبق من الناس.. كيف كانوا أصحاء أو أغنياء وأقوياء وحكاماً.. ثم انتهى دورهم وفقدوا كلّ ذلك.. وهذا هو الطريق في الحياة.. (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (ق/ 37).