مبدأ الجوار في الإسلام على مستوى التشريع
  • عنوان المقال: مبدأ الجوار في الإسلام على مستوى التشريع
  • الکاتب: سيد مرتضى محمدي
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 4:44:57 2-10-1403

يلاحظ في الإسلام على مستوى التشريع، وفي الحضارة الإسلامية على مستوى الحياة الاجتماعية، أن مبدأ الجوار قد كان مورد عناية في الشريعة الإسلامية، باعتباره من مكونات الاجتماع الإسلامي.*
ولقد اعتبر الإسلام أنّ الجوار في السكن ينشئ وضعاً معنوياً إنسانياً بين المتجاورين زائداً على علاقةِ التساكن المادية، علاقة التقارب الجسدي. إنّ الجوار في الإسلام ينشئ للجيران على بعضهم بعضاً حقوقاً، بالإضافة إلى كونه وسيلة من وسائل التحضير والتمدين، وتذويب علاقات البداوة والاجتماع البدوي.

 

التحذير من جار السوء:

كما أمرت السنَّة بأن يختار الإنسان لنفسه الجار المۆمن والصالح في جملة من الروايات، رواها الحر العاملي في وسائل الشيعة (1).

فمما ورد في النهي عن مجاورة جار السوء روايات رواها الكليني في الكافي، وأوردها الحر العاملي في وسائل الشيعة (2).

الأولى: رواها الشيخ الكليني، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن أبي جميلة، عن سعد بن طريف، عن أبي جعفر الباقر "عليه السلام" قال: "من القواصم التي تقصم الظهر جارُ السوء: إن رأى حسنةً أخفاها وإن رأى سيئة أفشاها".

الثانية: رواها الشيخ الكليني، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عن محمد بن الفضيل، عن إسحاق بن عمار، عن الإمام أبي عبد الله الصادق "عليه السلام" قال: قال رسول الله (ص): "أعوذ بالله من جار السوء في دار إقامة! تراك عيناه ويرعاك قلبه؛ إن رآك بخير ساءه وإن رآك بشرٍّ سره". وروي نحوه عن طريق الصحابة (3).

ودار الإقامة يعني بها المنطقة الحضرية، ومقابل دار الإقامة حياة البداوة يسهل على الإنسان فيها الانتقال في مسكنه من مكان إلى آخر.

الثالثة: رواها الصدوق (في: من لا يحضره الفقيه) بإسناده عن حماد بن عمر وأنس بن محمد، عن أبيه، عن جعفر بن محمد الصادق، عن آبائه – عليهم السلام –، وفي وصية النبي لعلي "عليه السلام" قال: "يا علي! أربعة من قواصم الظهر: إمام يعصي الله ويطاع أمره، وزوجة يحفظها زوجها وهي تخونه، وفقر لا يجد صاحبه مداوياً، وجار سوء في دار مقام".

 

الجوار بمعنى الحماية:

وقد أعطى الإسلام لمفهوم الجوار في المسكن بُعداً في مجال التشريع الاجتماعي.

ولم يعط الإسلام أهمية للجوار بمعنى الحماية (الذي قلنا إنّه يناظر اللجوء السياسي في عصرنا) وهو المعنى الذي كان شائعاً في الاجتماع البدوي الرعوي الجاهلي، لأنّ هذا الجوار يتنافى مع مشروع ومفهوم الدولة، وقد يكون عائقاً أمام العدالة، لأنّ الشريعة الإسلامية قد أنشأت للمجتمع سلطة قضائية، ووضعت للدولة قوانين يرجع إليها الخائفون والمتنازعون، وعلى أساسها يتم الفصل في منازعاتهم، وليس هناك ما يدعو إلى إقامة سلطة حماية خارج السلطة الشرعية كما كان الشأن في الجاهلية.

ولم يثبت في الشريعة الإسلامية أثر للجوار بمعنى الالتجاء إلى في موردين:

أحدهما: أشرنا إليه آنفاً، وهو الالتجاء إلى الحرم، حيث يترتب على ذلك عدم ملاحقة المستجير الملتجئ. فقد نص الفقهاء في مباحث القصاص والحدود على أنّه: "إذا التجأ إليه مَن أحدث ما يوجب حداً أو تعزيزاً أو قصاصاً ولجأ إلى الحرم، ضُيِّقَ عليه في المطعم والمشرب، بأن لا يُعْطَى إلا ما يسد الرمق وما تعافه النفس حتى يخرج.

ثانيهما: الإجارة في الحرب الجهادية. فإنّ الشريعة الإسلامية قد أجازت لآحاد المسلمين أن يجير كافراً محارباً أو أكثر؛ ومن آثار هذا الجوار إعطاء الأمان للكافر.

وقد نص الوحي القرآني على ذلك في قوله تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) (التوبة/ 6).

وقد دلت على هذا نصوص السنة المروية عن أئمة أهل البيت "عليه السلام" وعن الصحابة (رض) بقولها: "المۆمنون – أو المسلمون – يسعى بذمتهم أدناهم.." في الرواية عن أمير المۆمنين علي "عليه السلام". وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق "عليه السلام" عن رسول الله (ص): ".. يجير عليهم أقصاهم.." (4).

 

جوار السكن:

الجوار (بمعنى التجاور في السكنى) موضوع من موضوعات التشريع الإسلامي في مجال الاجتماع، على مستوى الالتزام الأخلاقي، وعلى مستوى الالتزام الشرعي الحقوقي.

وهنا نلاحظ أن عناية الشارع المقدس بالتشريع للجوار هي من وجوه الإعجاز في الشريعة الإسلامية للاجتماع الحضري والمديني والزراعي، مع أنّ الإسلام نشأ في مجتمع بدوي، حيث أنّ المجتمع العربي كان مجتمعاً بدوياً رعوياً، لم تكن فيه حواضر بالمعنى المألوف في المجتمعات الحضرية المستقرة والحضارات المزدهرة، سواء كانت زراعية أو غير زراعية.

ولقد اعتبر الإسلام أنّ الجوار في السكن ينشئ وضعاً معنوياً إنسانياً بين المتجاورين زائداً على علاقةِ التساكن المادية، علاقة التقارب الجسدي. إنّ الجوار في الإسلام ينشئ للجيران على بعضهم بعضاً حقوقاً، بالإضافة إلى كونه وسيلة من وسائل التحضير والتمدين، وتذويب علاقات البداوة والاجتماع البدوي.

وقد دلت على أحكام الجوار وحقوق الجار في الشريعة الإسلامية نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية.

 

المصادر:

*كتاب الوصايا .الشيخ محمد مهدي شمس الدين

(1) وسائل الشيعة (ج12، كتاب الحج، أبواب العشرة: 85 و86 و87 و88 و89).

(2) كتاب الحج، ج12، باب: 89، ص131.

(3) روي عن أبي هريرة بلفظ: "تعوّذوا بالله..." في الجامع الصغير (ج1290 و2967) وسنن النسائي (ح5076).

 (4) ورواه عن طريق الصحابة الإمام أحمد بن حنبل بلفظ: ".. يجير عليهم أدناهم". (المسند، ج2، ص180، ح6689)، وروي عن علي (ع) بعضه، كما في الجامع الصغير (ح6666) ومنه قوله (ص): ".. ويجير عليهم أقصاهم". انظر سنن أبي داود (ح2390، 2751) والجامع الصغير (ح6712) والوسائل (ج15، ص66، باب: 20 من أبواب جهاد العدو؛ وج 29، ص75، باب 31 من أبواب القصاص في النفس).