خاطب الدوافع النبيلة لدى الآخرين
  • عنوان المقال: خاطب الدوافع النبيلة لدى الآخرين
  • الکاتب: خليل الموسوي
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 4:32:31 2-10-1403

يقول الإمام علي (ع): “كفى بفعل الخير حسن عادة”. في داخل كل إنسان نفحة من الروح، وطينة من الحمأ المسنون، مهما كان حال الإنسان، خيّراً كان أو شريراً. فحتى ذلك الشرير، حينما تخاطب جذور الدوافع النبيلة الموجودة فيه، وتتوسل بها في تعاملك معه، فإنّه يشعر في قرارة نفسه أنك ذو فضل عليه، وأنك تقدره، وتحترمه، وبالتالي فإنّه يخجل من أن لا يتعامل معك بطريقة لائقة. هذا بالنسبة للإنسان الشرير، فكيف بالخيّر؟ بلا ترديد، أنّ الدوافع النبيلة أكثر إستيقاظاً في الإنسان الخيِّر، منه في الشرير لأنّ الأول هو البيئة الصالحة للخير. وإذا كان الأمر كذلك، فإن التوسل بالدوافع النبيلة والخيرة في الناس، ومخاطبتها طريقة للتعامل الحكيم معهم، وجذبهم، والتأثير فيهم. فمثلاً إذا قلت لشخص ما: إنني أثق بك، وأصدق وعودك، فإنّه حتى لو كان ممن ليس كذلك لابدّ أنه سيحاول أن يحتفظ بتلك الصورة التي إرتسمت عندك عنه. وكما يقال: حينما تبني للإنسان قصراً من الزجاج في قلبك، فلن يحاول أن يرميه بحجر! وحينما تطلب من إنسان القيام بعمل، وتبدأ طلبك بأن تقول له: إنني أتوسم فيك الخير، وأني لواثق من أنك لن ترد طلبي، فإنّه سيقوم بالعمل لك. ولن يردك خائباً. وقد تسأل: لماذا؟ والجواب: لأنك رسمت له صورة جميلة في ذهنك، وتوسلت بدوافع النبل في أعماقه. وما من إنسان إلا ويحب الخير في قرارة قلبه، والتعامل معه على هذا الأساس، لابدّ وأن يثير الرغبة فيه فعلاً، وتتجه كل خلية من خلاياه نحو العمل الصالح، فالإنسان حتى لو كان شريراً فإنّه لن يعترف بأنّه شرير. ولربما يعتقد أو يدعي بأنّه يتوسل في معاملاته مع الناس بطريقة صالحة. يقال أن صحفياً أراد أن يلتقط صورة فوتوغرافية في حالة غير لائقة لأحد المشاهير، فالتفت إليه الآخر، وقال له: إنّ مثل هذه الصورة لن تروق لأمي، ولن ترضيها. وسرت هذه الكلمات في مسامع الصحفي، وحركت مشاعره، فامتنع عن التقاط الصورة. والسبب أنّ الأوّل توسل بدافع نبيل في الإنسان، وهو حبه لأمه، ومحاولته جلب رضاها. ويقال أنّه كان لدى صاحب شركة كبيرة مستأجر مشاكس لا يفتأ يهدده بإخلاء مسكنه بين آنٍ وآخر، وقبل إنقضاء عقد الإيجار بأربعة شهور، أنذر هذا المستأجر بأنّه سيخلي مسكنه، بغض النظر عن العقد المبرم بينهما. قال السيد صاحب الشركة وهو يروي القصة: قضى هذا الرجل في بيتي فصل الشتاء بطوله، وهو أسوأ فصول السنة، وأكثرها ازدحاماً براغبي السكن، ومن ثمّ أيقنت أنّه إذا أخلى مسكنه فسيتعذر على أحد بديلاً منه قبل حلول الشتاء الثاني. ورأيت بعين خيالي مائتين وعشرين دولاراً – هي المبلغ المتبقي في عقد الإيجار – تذروا الرياح. وكنت في حالة كهذه أهرع إلى المستأجر، وأنصحه ساخراً، أن يقرأ العقد مرة ثانية، فإذا اعتزم إخلاء المسكن، وجب أن يدفع باقي الإيجار نقداً وعدّاً! ولكنني بدلاً من تمثيل هذا المشهد، قررت أن أجرب أسلوباً آخر، فذهبت إلى المستأجر العنيد، وبدأت حديثي معه كالتالي: لقد إستمعت إلى قصتك، ولكني ما زلت مستريباً في أنك تنوي الانتقال حقاً، إن خبرة أعوام طويلة في تأجير المنازل قد علمتني شيئاً عن الطبيعة الإنسانية، وقد توسمت فيك من البداية رجلاً يحافظ على وعده، وما زلت عند حسن ظني بك، ولهذا إقترح عليك أن تنحي قرارك جانباً لبضعة أيام، وتفكر في الأمر، فإذا أتيت إليّ في أول الشهر المقبل – عندما يحل موعد دفع الإيجار – وأخبرتني أنك ما زلت مصراً على الإنتقال، فإني أعدك أن أتنازل عن حقوقي كافة، وأسلم بأني كنت مخطئاً في ظني! على أنني ما زلت أعتقد أنك رجل يحافظ على كلمته، ويقوم على تنفيذ وعده، إذ نحن آخر الأمر، إما آدميون أو قردة، والخيار عادة متروك لنا. فلما أقبل الشهر التالي، أتى الرجل، ودفع الإيجار، ثم حدثني بأنّه تناقش وزوجته في الموضوع، فقرّ رأيهما على أنّه أكرم لهما وأشرف أن يوفيا بتعهداتهما لي!. وثمة نقطة من المهم ذكرها، أنّ الإنسان تحت ظروف خاصة – كتحقيق منافع، أو كسب رضا السلطان والتزلف له – قد يميت دوافع النبل، والخير فيه، فمهما توسلت بالدوافع النبيلة فيه فإنّه يخالف عقله، فلا يستجيب ويصر في عناده. فلكي تتعامل مع الناس بحكمة ونجاح، وتكسبهم إلى جانبك، إعمل على أن تخاطب دوافع النبل، والخير فيهم.