على عاتق من تقع مسؤولية تامين النفقات المعيشية للاسرة؟
  • عنوان المقال: على عاتق من تقع مسؤولية تامين النفقات المعيشية للاسرة؟
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 15:16:14 1-9-1403

على عاتق من تقع مسؤولية تامين النفقات المعيشية للاسرة ؟


انتم تعلمون ان احدى وظائف الزوج والتي ينص عليها عقد الزواج الدائم ، تتمثل في توفير متطلبات ومستلزمات الحياة اليومية للزوجة كالماكل والملبس والسكن واثاث المنزل والنفقات الاخرى الضرورية وعلى الزوج ان يتجنب المن على الزوجة والبخل عليها في اداء هذا الواجب الذي فرضه الله عليه . فقد جاءت امراة الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسالته عن حق الزوج على المراة فخبرها ، ثم قالت : فما حقها عليه ؟ قال : (يكسوها من العري ويطعمها من الجوع واذا اذنبت غفر لها ، قالت : فليس لها عليه شيء غير هذا ؟ قال : لا) (1) .
ماذا تعني عبارة « بالمعروف وبالشكل المتعارف عليه » ؟ تعني ان ينفق الرجل على زوجته ويؤمن لها الماكل والملبس على اساس من العطف والاحسان والتعامل الرؤوف ووفقا للاسلوب المتعارف عليه بين الناس . فالاسلام يقول للرجل اياك ان تجعل زوجتك واولادك في ضائقة وعسر ومشقةعلى صعيد الاحتياجات والمتطلبات الاعتيادية المتعارف عليها .
عن ابي عبد الله عليه السلام في قوله عز وجل : (وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمّا آتَاهُ اللّهُ) قال : (اذا انفق الرجل على امراته ما يقيم ظهرها مع السكوة والا فرق بينهما) (2) .
وقال الامام الباقر والامام جعفر الصادق ـ سلام الله عليهما ـ في حديث مظمونه : « ان من يسعى قدر استطاعته للتوسعة على عياله والانفاق على اسرته بعيدا عن الاسراف والتبذير فان الله يحبه اكثر ويتقبل اعماله » (3) .
ولكن رغم هذه الوصايا الصريحة والواضحة فلا يزال هناك من يقتر على عياله وزوجته واولاده ويضيق ويبخل عليهم بمتطلبات المعيشية وبالماكل والملبس والعلاج والدواء ويعيش حاضره بظلمة وعسر وكابة خوفا من الوقوع في العسر والفقر والفاقة في المستقبل . ان هذا النهج وهذا الاسلوب هو من اسوا الاساليب المذمومة ويؤدي الى اقبح العيوب والنقائص ، فالبخل هو كالشريط الذي يجتذب اليه جميع القبائح والمساوئ ويثير سخط الزوجة والاولاد والاقرباء البعيدين والقريبين .
الرسالة : . . . برايي ان الغرور والتكبر والبخل من اسوا الصفات في الرجل وعليكم ان تنصحوا مثل هؤلاء الرجال لانه يصيبهم الغرور الى درجة انهم يمتنعون حتى عن رد السلام على زوجاتهم واولادهم . ان زوجي لا يظهر ادنى قدر من المحبة تجاه اولاده مما ادى الى ضياع الاسرة، فهو لم يقبل احدا من اولاده حتى الان ويقول : اذا قبلت اولادي فانهم سيصبحون وقحين ويقول ايضا : الولد عندما يكبر ، يجب ان ينصرف ويبحث عن عمل ويجد ويسعى ويحصل على لقمة العيش ، فقد كنت انا يتيما ، وعلى هؤلاء ان يتصوروا انهم ليس لديهم اب . . .
والاسوا من ذلك كله هو ان هذا الرجل لا يهتم حتى بزوجته . فحتى لو كانت زوجته على فراش الموت يرفض ان ياتي لها بطبيب او يشتري لها الدواء ، لا تتصوروا انه لا يملك المال ، كلا ! انه على قدر كبير من الثراء ولكنه شديد البخل ، لا يريد ان ينفق من امواله ويقول : اذا اصبحت في المستقبل مقعدا ولم يكن عندي اي مدخول او ايراد ، فماذا افعل ؟! ان زوجي يعد حتى الفاكهة الموجودة في الثلاجة ويقول : كل واحد منكم يريد ان ياكل فاكهة عليه ان يستاذن مني . وهو يحتفظ بالفاكهة لفترة طويلة حتى تفسد وتتلف . . .
ارجو المعذرة اذا كنت قد اخذت من وقتكم ولكن رجائي منكم ان تنصحوا هذا السيد ـ الذي هو احد اقاربي ـ لكي يكف عن بخله وغروره. .
ما اقبح هذا البخل الذي يجعل صاحبه يبخل حتى في رد السلام والتحية !
ما اسوا هذا البخل الذي يمنع صاحبه حتى من تقبيل اولاده واظهار المحبة تجاههم واهداء البسمة لهم !
ان اسلوب التفكير الضعيف وضحالة المنطق والفقر الروحي والنفسي تترتب عليه مثل هذه النتائج القبيحة والبخل هو الغطاء الذي يخفي تحته هذا الضعف النفسي وهذا الفقر المعنوي والروحي . فالقلب الذي يغفل عن ذكر الله ويغض النظر عن رحمة الله الواسعة ولطفه الذي لا حدود له ويرفض ان يانس مع الله ويكون في جواره وقربه ، فان مثل هذا القلب يبتلى بمثل هذا الافات القبيحة التي تجلب لصاحبها الذل والهوان .
ان الذي يبتعد عن الماء يخشى من العطش والجفاف والفقر في المستقبل وترتعد فرائصه ويحرم نفسه واهله مما انعم الله عليه . خشية ان يصاب بالفقر في المستقبل . وقال الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام « عجبت للبخيل الذي استعجل الفقر الذي منه هرب ، وفاته الغنى الذي اياه طلب ، يعيش في الدنيا عيش الفقراء ، ويحاسب في الاخرة حساب الاغنياء » (4) .
البخل هو نتيجة الغفلة عن ذكر الله ونتيجة الابتعاد عن الباري سبحانه وتعالى ونتيجة لسوء الظن بقدرة الله اللامتناهية ونتيجة لعدم المعرفة بثروة الله التي لا حدود لها ورحمته وكرمه اللذين لا نهاية لهما . الامام جعفر الصادق عليه السلام  يقول : « حسب البخيل من بخله سوء الظن بربه من ايقن بالخلف جاد بالعطية » (5) . اي ان القلب الذي يعرف الله ويؤمن بانه سبحانه وتعالى لا يخلف وعده ويسدد خطى عباده الذين يعملون ويسعون بهمم عالية وبجدارة وتدبير ويوصل لهم رزقهم ويضمنه لهم بمقدار سعيهم وعملهم . مثل هذا القلب لا يخشى الفقر ابدا ولا يحزن او يحمل هما لغده ولا يجعل حياته الحالية المشرقة مرة ومظلمة بهذا الشكل على نفسه وعلى عياله . ولكن هل تتصورين يا اختنا الكريمة ان بالامكان بمجرد تقديم النصح ،اجتثاث جذور هذه الصفة القبيحة ؟ وهل تعتقدين ان هذه الصفة الضارة والمؤذية التي تمتد جذورها كالشوك في كيان هذا الرجل ووجوده ، بالامكان ازالتها واجتثاثها بهذه السهولة من اعماق قلبه واحراقها .
على زوجك ان يشعر اولا بقبح تصرفاته واخلاقه ويطلع على وجود هذه الصفة في داخله ويصدق ذلك وبعدها يصمم على انقاذ نفسه منها ويبدا بواسطة مقص الاراداة والعزيمة وترويض النفس . بقص الاغصان الظاهرة والبارزة المتفرعة عن هذه الشوكة غصنا بعد اخر وتقليعها من اعماقه ويتخلص منها وبعد ذلك عليه ان لا يقوم باي عمل يصب في خانة هذه الصفة غير المحببة وغير المطلوبه ، عليه ان يمتنع عن التكلم بما يرغب التكلم به وعليه ان يمتنع ـ كما كان يفعل من قبل ـ عن عد الفاكهة الموجوة في الثلاجة ويكلف احد اولاده بتقسيم الفاكهة وتوزيعها على سائر اولاده واهله وعياله . . . بل عليه وخلافا لرغبته شراء سلة مليئة بالفاكهة ليقدمها بنفسه هدية لابناء الجيران وعليه ان يصدق وعد الله باعطاء الأجر والثواب على اعمال الخير وتوسيع الرزق على افراد الأسرة . . . وبمثل هذه الاعمال والافكار النظيفة يقتلع من وجوده وكيانه جذور القبائح والمساوئ لان الله تعالى يقول في القران الكريم : (وَأَقِمِ الصّلاَةَ طَرَفَيِ النّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللّيْلِ إِنّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئاتِ ذلِكَ ذِكْرَى‏ لِلذّاكِرِينَ) (6) لنسال الله تعالى تخضعا ولنرجه بذلة ان يبعدنا عن البخل والجشع والكبر والحسد وان يمنن علينا بالفهم والبصيرة والقدرة على الجود والكرم والبذل والعطاء في سبيله .

ـــــــــــــــ

(1) وسائل الشيعة ، ج 21 ، باب وجوب نفقة الزوجة الدائمة ، ص 511 .

(2) وسائل الشيعة ، ج 21 ، باب نفقة الزوجة ، ص 512 .

(3) بحار الأنوار ، ج 78 ، ص 136 .

(4) بحار الأنوار ، ج 78 ص 94 باب 16 ح 107 .

(5) الاختصاص للمفيد ، ص 234 .

(6) سورة هود ، آية : 114 .