لا تَقلْ.. ولكن قُلْ
  • عنوان المقال: لا تَقلْ.. ولكن قُلْ
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 19:7:15 1-9-1403

نافذة

في الوقت الذي نعرف الإسلامَ ديناً تقريريّاً، قرّر الشرائع المحكَمة والحكيمة، وثبّت الأصول والقواعد الرصينة، عَرفناه ديناً تقويميّاً تصحيحيّاً، جاء ليميّز الحقَّ عن الباطل، والخير عن الشرّ، والسليم عن السقيم، والصواب عن الخطأ.. ليمضيَ الناس على سبيلٍ آمنٍ مُؤدٍّ إلى مرضاة الله تعالى وحُسن ثوابه.
ومن هنا جاءت عشرات الأحاديث الشريفة عن النبيّ وآل النبيّ عليه وعليهم.. تُنبّه وتُرشد، وتُقوّم وتُصحّح، وتُحذّر وتعلّم، لكي يصبح الناس على سلامةٍ في الفعل والقول، والاعتقاد والبيان، والتفكير والعمل، والمنطق والتعبير. ومن تلك الأحاديث الطّيبة:

 

هذه الباقة العاطرة

• رُوي أنّ رجلاً قال في دعائه: اللهمّ أرِني الدنيا كما تراها، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله: « لا تَقلْ هكذا، ولكن قل: أرِني الدنيا كما أرَيتَها الصالحين مِن عبادِك » ( المحجّة البيضاء للفيض الكاشاني 347:7 ).
• وروى أبو الجارود عن الإمام الباقر عليه السلام في قوله تعالى: لا تَجعلُوا دعاءَ الرسول بينَكُم كدعاءِ بعضِكُم بعضاً [ سورة النور:63 ] أنّه قال: « لا تقولوا: يا محمّد، ولا يا أبا القاسم، لكن قولوا: يا نبيَّ الله، ويا رسولَ الله. قال الله: فَلْيَحذَرِ الذينَ يُخالفونَ عن أمرِه [ سورة النور: 63 ] أي يعصون أمرَه، أن تُصيبَهُم فتنةٌ أو يُصيبَهُم عذابٌ أليم [ تفسير القمّي 110:2 ].
• وعن سعد الخفّاف قال: كنّا عند أبي جعفر ( الباقر ) عليه السلام فذكَرْنا رمضان، فقال: « لا تقولوا: هذا رمضان، ولا ذهب رمضان، ولا جاء رمضان؛ فإنّ رمضان اسمٌ من أسماء الله عزّوجلّ، لا يَجيء ولا يذهب، إنّما يجيء ويذهب الزايل، ولكن قولوا: شهرُ رمضان، فالشهر مضافٌ إلى الاسم، والاسمُ اسم الله، وهو الشهر الذي أُنزل فيه القرآن، جعله الله تعالى مثلاً وعيداً » ( معاني الأخبار للشيخ الصدوق:315 ).
• وعن محمّد بن مسلم أنّ الإمام الصادق عليه السلام قال: « إذا سُئل الرجل منكم عمّا لا يعلم فْليَقُلْ: لا أدري، ولا يقلْ: أللهُ أعلم، فيُوقع في قلب صاحبه شكّاً، وإذا قال المسؤول: لا أدري، فلا يتّهمه السائل » ( الكافي للكليني 42:1 / ح 6 ـ باب النهي عن القول بغير علم ).
• وعن الكاهلي قال: كتبتُ إلى أبي الحسن ( لعلّه الإمام الكاظم ) عليه السلام في دعاء: الحمدُ لله منتهى علمه. فكتب إليّ: « لا تقولنّ: منتهى علمه؛ فليس لعلمه منتهى، ولكن قل: منتهى رضاه » ( الكافي 107:1 / ح 3، التوحيد للشيخ الصدوق:134 / ح 2 ).
• وبسند ينتهي إلى الإمام عليّ بن موسى الرضا عن آبائه عليه وعليهم السلام، عن الإمام عليّ عليه أفضل الصلاة والسلام أنّه سمع رجلاً يقول: اللهم إنّي أعوذ بك من الفتنة! فقال عليه السلام له: « أراك تتعوّذ من مالِك ووُلدك، يقول الله عزّوجلّ: واعلموا أنّما أموالُكم وأولادُكم فتنة [ سورة الأنفال:28 ]، ولكن قل: اللهمّ إنّي أعوذ بك مِن مُضِلاّت الفتن » ( أمالي الطوسي:580، ووسائل الشيعة للحرّ العاملي 137:7 / ح 1 ).
• وروى الشريف الرضيّ عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: « لا يَقُولَنّ أحدُكم: اللهمّ إنّي أعوذ بك من الفتنة؛ لأنّه ليس أحدٌ إلاّ وهو مشتملٌ على فتنة، ولكنْ مَن استعاذ فليَستَعِذْ من مُضِلاّت الفتن، فإنّ الله سبحانه يقول: واعلموا أنّما أموالُكم وأولادُكم فتنة » ( نهج البلاغة: الحكمة 93، ووسائل الشيعة 137:7 / 2 ).
• وعن محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي، عن أبيه عن جدّه قال: خرجتُ مع عليٍّ إلى أهل الشام ومعه جرير بن الغَطَفان على فرس له، فسمعتُه يقول:

يا فَرَسي سيري وأُمّي الشاما   وقَطّعي الأحفازَ والأعلامـا
وقاتلي  مَن  خالَـفَ الإمامـا   إنّي لأرجو إن لَقِينا العامـا
جَمعَ   بنـي أُميّـةَ  الطَّغامـا   أن نقتلَ العاصيَ والهمامـا

 قال: فلمّا دخلنا المدائن وبصرنا إلى آثار كسرى، قال جرير بن سهم التميميّ:

عَفَتِ الرياحُ على رسومِ ديارِهم   فكأنّمـا كانـوا علـى ميعـادِ

فقال عليّ: « لا تَقُل هكذا، ولكن قل: كم تَرَكُوا مِن جَنّاتٍ وعُيون * وزُروعٍ ومَقامٍ كريم [ سورة الدخان:25 ـ 26 ]. إنّ هؤلاء كانوا وارثين، فأصبحوا موروثين، إنّ هؤلاء بطروا النِّعَم، فحَلّت بهم النِّقم » ( مناقب أمير المؤمنين عليه السلام لمحمّد بن سليمان الكوفي:570 / ح 1081 )، والمستدرك للحاكم النيسابوري الشافعي 449:2 ).
• وعن منصور بن بُزُرج قال: قلت لأبي عبدالله الصادق عليه السلام: ما أكثرَ ما أسمع منك يا سيدي ذِكرَ سلمان الفارسي! فقال: « لا تقل: الفارسي، ولكن قل: سلمان المحمّدي، أتدري ما كثرةُ ذِكري له ؟ »، قلت: لا، قال: « لثلاث خلال ـ أحدها: إيثاره هوى أمير المؤمنين عليه السلام على هوى نفسه، والثانية: حبُّه للفقراء واختياره إيّاهم على أهل الثروة والعدد، والثالثة: حبُّه للعلم والعلماء. إنّ سلمان كان عبداً صالحاً حنيفاً مسلماً، وما كان من المشركين » ( أمالي الطوسي:133 ـ 134 / ح 27 ).
• وروى الأصبغ بن نُباتة قال: خَطَبَنا أمير المؤمنين عليه السلام على منبر الكوفة، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: « أيُّها الناس، سَلُوني، فإنّ بين جوانحي علماً جمّاً »، فقام إليه ابن الكَوّا... ( إلى أن قال: ) يا أمير المؤمنين، أخبرني عن قوس قُزَح، قال عليه السلام: « لا تقل: قوس قزح، فإنّ قُزَحاً اسم شيطان، ولكن قل: قوس الله، إذا بَدَت يبدو الخِصْب والريف » ( الاحتجاج للطبرسي أبي منصور أحمد بن علي 387:1. والريف: السعة في المأكل والخصب ).
• ورُوي عن أبي ذرّ الغفاريّ رضوان الله عليه قال: كنتُ سائراً في أغراض أمير المؤمنين عليه السلام، إذ مررنا بوادٍ ونَملُه كالسيل الساري، فذُهِلتُ ممّا رأيت، فقلِت: اللهُ أكبرُ جلّ مُحصيه! فقال أمير المؤمنين عليه السلام: « لا تَقُل ذلك يا أبا ذرّ، ولكن قل: جلّ بارئُه! فَوَالذي صوّرك، إنّي أُحصي عددَهم، وأعلم الذكر منهم والأنثى بإذن الله عزّوجلّ » ( مدينة المعاجز للسيّد هاشم البحراني 132:2 / ح 452 ).
• وقال رجلٌ يوماً للإمام الحسن المجتبى عليه السلام: إنّي من شيعتكم، فقال له الحسن بن عليّ عليهما السلام: « يا عبدالله، إن كنتَ لنا في أوامرنا وزواجرنا مطيعاً فقد صدقت، وإن كنتَ بخلاف ذلك فلا تَزِدْ في ذنوبك بدعواك مرتبةً شريفةً لستَ مِن أهلها ولا تقل لنا: أنا من شيعتكم، ولكن قل: أنا مِن مُواليكم ومُحبّيكم، ومعادي أعدائكم، وأنت في خيرٍ إلى خير ».
كذلك رُوي أنّ رجلاً قال للإمام الحسين صلوات الله عليه: يا ابن رسول الله، أنا من شيعتكم، فقال له عليه السلام: « إتّقِ اللهَ ولا تَدّعِينّ شيئاً يقول الله لك: كَذِبتَ وفَجَرتَ في دعواك. إنّ شيعتنا مَن سَلِمَت قلوبُهم من كلّ غِشٍّ وغِلٍّ ودَغَل، ولكن قل: أنا مِن مُواليكم ومحبّيكم » ( بحار الأنوار للشيخ المجلسي 156:65. والدَّغَل: الفساد ).
• وعن الإمام الكاظم عن آبائه عليه وعليهم السلام عن الإمام عليّ عليه أفضل الصلاة والسلام، قال: « لا تقولوا: امرأةٌ طامث، فتكذبوا، ولكن قولوا: حائض، الطمث: الجماع، قال الله تعالى: لم يَطمِثْهُنّ إنسٌ قَبلَهُم ولا جانّ [ سورة الرحمن:56 ]... ولا يُسمّى المسلمُ رُجَيلاً، ولا يُسمّى المصحف مُصَيْحِفاً، ولا المسجدُ مُسَيجِداً » ( نوادر الراوندي:41، وبحار الأنوار 358:76 / ح 27 ).
• وروى الفَضَيل عن الإمام أبي الحسن ( الكاظم عليه السلام ) قال: قال لي: « أبلِغْ خيراً، أو قل خيراً، ولا تكونَنّ إمَّعة »، قال: قلت: وما الإمَّعة ؟ قال: « لا تقولنّ: أنَا مع الناس، ولا: أنَا كواحدٍ من الناس. إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: « أيُّها الناس، إنّما هما نَجْدان: نجدُ خير، ونجد شرّ، فما بالُ نجد الشرّ أحبّ إليكم مِن نجد الشرّ! » ( مستءرفات السرائر لابن إدريس الحلّي:595، بحار الأنوار 21:2 / ح 62 ).
• وروى عليّ بن إبراهيم القمّي في تفسيره قال: كان أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وآله إذا أتَوه يقولون له: أنْعِمْ صباحاً، وأنْعِمْ مساءً، وهي تحيّة أهل الجاهليّة، فأنزل الله: وإذا جاؤُوك حَيَّوك بِما لم يُحَيِّك بهِ الله [ سورة المجادلة:8 ]، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وآله: « قد أبدَلَنا اللهُ بخيرٍ من ذلك، تحيّةَ أهل الجنّة: السلام عليكم » ( تفسير القمّي 355:2، ومستدرك الوسائل للميرزا النوري 366:8 / ح 3 ).
• وعن عبدالرحمان بن عبيد قال: قَدِمتُ على النبيّ صلّى الله عليه وآله في مئة رجلٍ من قومي، فلمّا دنونا وقفنا فتقدّمتُ قومي ـ وكنت أصغرَ القوم ـ فقلت: أنعِمْ صباحاً يا محمّد، فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: « ليس هذا سلامَ المسلمين بعضِهم على بعض، إذا لَقِيتَ مسلماً فقل: السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته ».
فقال لي: « ما اسمُك ؟ ومَن أنت ؟ »، قلت: أنا أبو مُغاوية ( بالغَين ) عبدُاللات والعُزّى، قال: « بل أنت أبو راشد». فأكرمني وأجلسني، فأسلمت. ( كنز العمّال للمتّقي الهندي 17:7. والظاهر أن وفودهم كان سنة تسعٍ من الهجرة المباركة، وهي سنة الوفود ).
• وعن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البَزَنطي قال: سأَلَنا الرضا عليه السلام: « هل أحدٌ من أصحابكم يعالج السلاح ؟ »، فقلت: رجلٌ من أصحابنا زَرّاد، فقال: « إنّما هو سرّاد، أمّا تقرأ في كتاب الله عزّوجلّ في قول الله لداود عليه السلام: أنِ آعمَلْ سابغاتٍ وقَدِّرْ في السَّرْد [ سورة سبأ:11 ]، الحلقة بعد الحلقة » ( قرب الإسناد للحِمْيَري:364 / ح 1305. والسَّرْد: حَلَق المِغْفَر والدرع ).
• وأخرج عبد بن حميد عن أُبيّ بن كعب أنّ ريحاً هاجت على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله فسَبَّها رجل، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله: « لا تَسُبَّها فإنّها مأمورة، ولكن قل: اللهمّ إنّي أسألك خيرَها وخيرَ ما فيها وخيرَ ما أمرتَ به، وأعوذ بك من شرّها وشرِّ ما فيها » ( تاريخ جرجان لحمزة بن يوسف السهمي:335، وعون المعبود للعظيم آبادي 43:4 ).
• وعن أبي تميمة الجهيمي قال: سلّم أبو جري على النبيّ صلّى الله عليه وآله قائلاً: عليكمُ السلام، فقال له النبيّ صلّى الله عليه وآله: « عليكم السلامُ تحيّةُ الموتى، ولكن قل: سلامٌ عليكم » ( المصنَّف لعبدالرزّاق الصنعاني 384:10 ).

 

تلك تنبيهات

ينهض لها وعي المؤمن، فيحملها على محامل الأخذ الجاد والتطبيق الباصر، وحفظ اللسان من الزلل، والتقيّد بما جاء عن بيت النبوّة والرسالة من تقويمات وتصحيحات في الأقوال والأفعال، وأدب الحديث لا سيّما مع الله تعالى وأدب الخطاب والكلام في محضر رسول الله وأهل بيته الكرام عليه وعليهم أزكى الصلاة والسلام.
ومَن أَولى من المؤمنين بتصويب كلامهم مقروناً ذلك بتصحيح الفكرة، وأخذ الموعظة والعِبرة، وحمل القلوب إلى مواضع طاعة الله وطلب رضوانه تبارك وتعالى.

والحمد لله أوّلاً وآخراً.