أطلق الدكتور محمد يوسف موسى في كتابه (القرآن والفلسفة)، مقولة إن (طبيعة القرآن تدعو للتفلسف)، واتخذ منها عنوانا للفصل الثاني من الكتاب، وهو الفصل الأهم فيه، والناظر لهذه المقولة يرى أنها ليست مجرد مقولة عادية أو سهلة، وليست هي من نمط المقولات العابرة التي تحضر وتمر وتغيب من دون إثارة أو اكتراث بها، أو من دون أن تترك بقايا أثر، مع أنها وبخلاف المفترض منها، لم يصدق عليها شيء من هذه الحالات على ما وجدت، لكنها وبعد طول غياب حضرت واستعاذت ذاكرتها، وجرى التنبه إليها من جديد، وتم إعطاؤها صفة المقولة لأول مرة على ما أعلم.
هذه المقولة كان ينبغي من المؤلف التوقف عندها، ولفت الانتباه إليها، وإعطاؤها صفة الوضوح، بتحديد ما هو المقصود بأن (طبيعة القرآن تدعو للتفلسف)، باعتبار أن هذه المقولة ليست من نمط المقولات الواضحة أو البديهية أو المتسالم عليها، وإنما هي من نمط المقولات التي تثير الجدل والاختلاف.
فهل طبيعة القرآن فعلا تدعو للتفلسف! وهل القرآن صرح أو بين وأبان بأنه يدعو للتفلسف؟ وهل التفلسف من الكلمات التي استعملها القرآن في آياته التي جاوزت الستة آلاف آية، أو أنها من الكلمات القريبة أو القرينة أو الشبيهة لكلمة أو كلمات وردت في القرآن، حتى يجوز لنا القول بأن طبيعة القرآن تدعو للتفلسف!
هذا الجدل والاختلاف كان من الممكن التغاضي عنه، لو جاءت هذه المقولة بصيغة أن طبيعة القرآن تدعو للتعقل أو التفكر أو التبصر أو التذكر، لأن جميع هذه الكلمات وردت وتواترت في القرآن، وعرفت بوصفها من كلمات القرآن التي جرى استعمالها بعناية تستدعي الانتباه والنظر.
كما كان من الممكن أيضا التغاضي عن هذا الجدل والاختلاف أو التخفيف منه، لو جاءت هذه المقولة بصيغة أخرى، كأن يقال أن في القرآن ما يدعو للتفلسف، أما القول بأن طبيعة القرآن تدعو للتفلسف، فكأننا نقول بأن القرآن كتاب فلسفي، وهذا ما لا يقول به أحد، ولا قال به أحد لا من القدماء ولا من المحدثين، ولا قال به حتى المؤلف نفسه، فالاختلاف هو في استعمال كلمة طبيعة القرآن، الطبيعة التي تعني أو تكشف حين تستعمل عن ماهية الشيء وحقيقته، فهل ماهية القرآن وحقيقته هي ماهية وحقيقة فلسفية بالمعنى الفلسفي المحض، وهذا ما لا يمكن التسليم به1.
___________
1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ، العدد 17326.